“وش في وش”.. مشكلة زوجية تتحول إلى حبس إجباري

Print Friendly, PDF & Email

محمد كمال

لا يقتصر الزواج في مصر على كونه مجرد ارتباط بين شخصين تجمع بينهما مشاعر وصفات متشابهة أو حلم مشترك بل منظومة كاملة تتخطى تلك العلاقة وتتعلق بأبعاد إجتماعية عائلية تتسبب في خروج تلك العلاقة التي تبدو ظاهريا بسيطة إلى منظور أشمل، يجعل المنغصات الزوجية العادية أكثر تعقيدا واتساعا وأن المشكلة البسيطة التي يمكن حلها بمجرد الصمت تأخذ مسارات متشابكة قد تهدم العلاقة من الأساس.

هذه هي النقطة الأساسية التي يرتكز عليها فيلم “وش في وش” من تأليف وإخراج وليد الحلفاوي في تجربته الثانية في السينما بعد فيلم “علي بابا”، وبطولة أمينة خليل، محمد ممدوح، بيومي فؤاد، محمد شاهين، أسماء جلال، احمد خالد صالح، سامي مغاوري، أنوشكا، سلوى محمد علي، خالد كمال، محمود الليثي ودنيا سامي.

من الضروري هنا كتابة أسماء المشاركين في العمل لأن جميعهم أبطال مع اختلاف مساحات أدوارهم، وهو ما يتماشى مع الرؤية التي أراد وليد الحلفاوي طرحها والتي جاءت بالتوازي مع حالة التهميش “المقصودة” لدوري البطلين وهما الزوجان داليا “أمينة خليل”، وشريف “محمد ممدوح”، اللذان يفترض أن يكونا الشخصيتين الرئيسيتين ومحركا الأحداث من البداية.

هدف الحلفاوي من فرض التهميش على بطليه جاء لسببين، الأول لتأكيد وجهة نظره بأن المشاكل الزوجية والعلاقات العاطفية المضطربة من الممكن أن يتم حلها والسيطرة عليها داخل حدود العلاقة الثنائية وليس من خلال التدخلات التي تحدث من قبل أشخاص آخرين، حيث أن كل فرد منهم يحاول تسيير العلاقة وتوجيه أسباب الأزمة من خلال وجهة نظره الشخصية وتجربته الحياتية الخاصة وماضيه الذي يحتفظ فيه لنفسه بأسرار.

كان يكمن ان تنتهي مشكلة داليا وشريف سريعا بالصمت والتباعد الذي فرضه كلٌ منهما، لكن تتدخل شخصيات أخرى، وتظهر أطراف من العائلتين تزيد الفجوة لتتحول من مجرد خلاف إلى نزاع عائلي يتطور بمرور الأحداث ويصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي رغما عن طرفي المشكلة الأصليين.

أما السبب الثاني فكان بهدف التأسيس والبناء لبقية الأبطال من خلال عرض سريع جذاب بتفاصيل بسيطة ندخل بها سريعا إلى أعماق الشخصيات وهم 10 أفراد بدون شريف وداليا.

يتحول خلاف تقليدي بين زوجين إلى مشاجرة في شقة لا تتعدى مساحتها 200 متر حيث يتوافد الحضور من جانب داليا، والدها، والدتها، شقيقها وصديقتها سلمى، ومن ناحية شريف نجد والده، والدته وصديقه وائل ثم عن طريق الدخول من النافذة ينضم لهم مجدي صديق شريف، بالإضافة إلى السائق الخاص بأسرة داليا، ووجود شيماء الخادمة.

تطول حالة التهميش أيضا الابن عن طريق ظهور بسيط رغم أن كل الأطراف يحاولون ظاهريا حل المشكلة أو إنهاء الزواج من أجل مصلحة ذلك الطفل الصغير، لكن في طيات الأزمة كل طرف يحاول تحقيق أكبر مكاسب والانتصار على الطرف الآخر، واختيار تهميش الثلاثي في البداية كان موفقا دراميا أضاف كثيرا لتطور الحبكة بعد ذلك.

أجبر السيناريو أيضا، المتنازعين، على التواجد معا طوال فترة الليل بعد تلف باب المنزل وإغلاقه من الخارج أثناء تبادل العراك، وأصبح الباب في حاجة إلى “حداد” متخصص لفتحه.

وهنا يتحول الفيلم إلى نوعية دراما المكان حيث تدور معظم الأحداث داخل منزل داليا وشريف (وبالطبع كان جزء من الخلاف المتفرع بين الجانبين حول ملكية الشقة: هل هي لداليا أم لشريف).

 وأضافت مسألة الحبس “الإجباري” تلك اختلافا في حبكة الفيلم عن نوعية الأعمال الدرامية التي تطرقت إلى العلاقات والخلافات بين الأزواج، بشكل خاص مسلسل “الهرشة السابعة” الذي يتشابه مع الفيلم سواء في فكرة التطرق للخلافات الزوجية أو في تكرار ظهور نفس الممثلين، أو حتى فيما يتعلق بالفارق الزمني البسيط للعرض.

تتحرك الحبكة على مسارات عدة بحكم محدودية المكان وتعدد الشخصيات مع الانتقال السريع عن طريق المونتاج المتوازي بين الغرف داخل المنزل حيث تفرق الجميع، أسرة داليا في الصالة، وأسرة شريف في الشرفة، وشريف مع صديقه، وداليا في الغرفة مع سلمى، وشيماء وكحول معا في المطبخ، الجميع متحفظ ومتربص خاصة بعد اختفاء السكين الذي استخدم أثناء النزاع وأصبح لدى كل طرف شك في أن السكين مع الطرف الآخر.

خلال تلك الفترة وهذه النقلات السريعة اعتمد المخرج على التقطيعات السريعة والتنوع في زوايا الكاميرا كثيرا في اللقطة الواحدة بهدف إضفاء التشويق والإثارة نتيجة سرعة الأحداث، لكن تلك النقلات كانت مربكة.

يتلامس فيلم “وش في وش” قليلا مع أفلام سابقة تتعلق بفكرة إجبار مجموعة من المتنازعين على البقاء معا في مكان واحد، من أشهرها الفيلم الأمريكي الإسباني “Bel Canto” الذي فيه أجبر خاطفون ومخطوفون على البقاء سويا داخل مبنى إحدى السفارات، وهذه النوعية من الأفلام تعتمد على أنه بمرور الوقت، تبدأ الهدنة ثم تتنامى أفكار التعايش السلمي والتقارب بين الأطراف المتنازعة، ومن تلك النقطة تتحول حبكة “وش في وش” لتخرج قليلا عن المسار الرئيسي لها، وهي أزمة داليا وشريف إلى خطوط أخرى انقمست إلى نوعين.

النوع الأول خطوط ترتبط بالعلاقات القديمة بين الشخصيات سواء العادية منها على غرار عزيز وزينب والدا شريف التي تعد العلاقة الأقرب للمثالية حيث المنغصات بينهما بسيطة ولا تخرج عن المسار الطبيعي، أو التي تحمل أسرارا دفينة نتيجة رواسب سابقة مثل علاقة مهاب وإنعام، والدا داليا، وهما على النقيض تماما من العلاقة الأخرى، وكذلك علاقة الصديقتين داليا وسلمى التي توترت فجأة ثم عادت فجأة دون سبب درامي واضح، وعلاقات رباعي الأصدقاء الرجال شريف وشقيق زوجته سليم ومعهما وائل ومجدي.

النوع الثاني إضفاء خطوط جديدة لم تكن متواجدة من قبل، مثل الخط الذي يجمع بين الخادمة شيماء والسائق كحول، والخط الأبرز في الفيلم بين عزيز ومجدي كان هناك تمهيد له من البداية ثم تدرج في التلاقي بينهما بشكل مبهر أولا بسبب الخلفية السيئة التي صدرها شريف حول مجدي بأنه المتسبب الرئيسي في كل المشكلات من فترة المراهقة، وبالطبع زاد الأمر لدى عزيز وزينب عندما وجدا مجدي دخل المنزل عن طريق القفز من الشرفة، وبمرور الوقت يكتشف عزيز أن مجدي مجرد إنسان طيب لكن أصدقاءه قاموا بتصدير صورة ليست صحيحة وأكملها مجدي بقناع “الفهلوة” المزيف.

منحت الخطوط الموازية جودة أكثر للحبكة رغم وجود بعض التحفظات مثل الشعور ببعض التقليدية في النوع الأول خاصة في أمرين العلاقة الزوجية بين إنعام ومهاب، وأيضا أسباب الخلافات بين داليا وشريف، أما النوع الثاني فتمثل في الإقحام الدرامي خصوصا في الخط المتعلق بشخصية الخادمة شيماء ونظرتها المحافظة تجاه عزيز وزينب، لأن السيناريو أظهر ومضات من قبل حول هذا الأمر.

 من البداية أصل الأزمة بين داليا وشريف – رغم اختلافهما حول اسبابها- تتعلق بالنظرة الذكورية التي هي في الأساس عصب المجتمع الشرقي على اختلاف طبقاته.

هذا لا يمنع تمييز تلك الخطوط جميعا على مستوى الأبعاد الدرامية للعمل ككل أو بشكل خاص على أزمة الثنائي داليا وشريف، وحتى على مستوى المواقف الكوميدية التي جمعت بين جميع الشخصيات، ويأتي تتويج الخطوط الموازية بظهور شخصية “الحداد” في مشهد واحد والتي قدمها ببراعة “مصطفى غريب” ليكون المشهد الأفضل في الفيلم والأكثر تأثيرا من الناحية الكوميدية.

قدم بيومي فؤاد في دور “عزيز” واحدا من أفضل أدواره على الإطلاق خاصة وأن الشخصية لا تعد كوميدية، وعند ظهور ومضات من الكوميديا لم يعتمد على غرار معظم تجاربه على الإفيه، بل كان الإرتكاز على كوميديا الموقف وهو أمر يحسب لبيومي فؤاد بشكل خاص ولمؤلف الفيلم المخرج وليد الحلفاوي بشكل أساسي، ويتميز أداء الثنائي خالد كمال في دور “مجدي”، وأحمد خالد صالح في دور”سليم”.

أما أمينة خليل فهي لم تحاول أو تجتهد لإضفاء تفاصيل مغايرة سواء على مستوى الأداء أو فيما يتعلق بتركيبة الشخصية لداليا خاصة وأن الدور قريب من شخصيات سبق أن قدمتها من قبل بداية من مسلسل “ليه لأ” ومؤخرا مسلسلات “خللي بالك من زيزي” ثم “الهرشة السابعة”، أي الزوجة التي تعيش أزمة مع الزوج وتمر بصراعات عائلية عديدة.

يظهر التكرار أيضا في فيلم “وش في وش” مع الثنائي محمد ممدوح وأسماء جلال إلا أن كليهما ظهر بشكل وأداء مختلف عما قدماه من قبل، لدرجة أن أسماء جلال اسمها في الفيلم “سلمى” جاء مكررا مع مسلسل “الهرشة السابعة” لكن الفارق في الأداء والتفاعل مع الشخصية ظهر مغايرا،

فيلم “وش في وش” نقطة ضوء وسط عتمة الأفلام المتواضعة في السوق السينمائي المصري في السنوات الثلاث الأخيرة، وهو ما يعيد أاد الأمل في مشاهدة تجارب تحمل رؤى وتطرح أفكارا جادة ترتبط بالمجتمع وتقترب من همومه ومنغصاته وأيضا تعيد الكوميديا الحقيقية المفقودة إلى الساحة.

Visited 1 times, 1 visit(s) today