فيلمان ومخرج واحد: من بلاهة توم “وجيمى” الى ارتباك “نظرية عمّتى”

من فيلم "توم وجيمي" من فيلم "توم وجيمي"
Print Friendly, PDF & Email

استقبلت دور العرض المصرية فيلمين لمخرج واحد هو أكرم فريد، وذلك فى موسم عيد الفطر السينمائى، الفيلم الأول هو “توم وجيمى”، والثانى هو “نظريةّ عمّتى”.

الملاحظ أن مشكلة الفيلمين الأساسية واحدة، إنه السيناريو وثغراته وملاحظاته كالمعتاد، ورغم أن الفيلم الثانى أفضل بكثير، وعلى كل المستويات من الفيلم الأول، إلا أنه يعانى ارتباكاً واضحاً يصل الى درجة التناقض، وفى كل الأحوال، فإن أكرم فريد يكاد يكون قد تخصص تقريباً فى مجال الكوميديا: الفيلم الأول كوميديا فارص، والثانى كوميديا إجتماعية.

“توم وجيمى” كتبه الثلاثى سامح سرّ الختم ومحمد نبوى وعلاء حسن، وقام ببطولته اثنين من الكوميديانات حققا نجاحاً سابقاً مستحقاً بمشاركتهما فى فيلم ظريف وناجح هو”غبى منه فيه”، أتحدث عن هانى رمزى وحسن حسنى، ولكن بينما كان دور هانى رمزى فى “غبى منه فيه” لشاب محدود الذكاء، فإن شخصية هانى فى “توم وجيمى” أقرب الى المتخلف عقلياً والعبيط والغبى معاً، وبينما كانت معظم مواقف “غبى منه” فيه ظريفة وخفيفة، فإن الكثير من مواقف “توم وجيمى” غليظة وسمجة ومفتعلة، كما أن الأحداث تدور حول نفسها، مجرد مطاردات متكررة.

المشكلة الأكبر فى توم وجيمى أن عبط وسذاجة الشخصية انتقلت الى الفيلم نفسه، بل إنك تشعر بوضوح أن صناع العمل يستخفّون بعقل جمهورهم، ويميلون الى الإستستهال اعتقاداً منهم أن أى مقلب أو شقلبة مفتعلة ستبعث الضحك بشكل آلى، الفيلم فشل أيضاً فى أن يحتذى نموذج أفلام ديزنى الموجهة للأطفال، ذلك أنه يقدم حفنة من الإفيهات الغليظة والمكشوفة، كما أنه فشل فى أن يكون فيلما انتقادياً سياسياً، حيث اكتفى ببعض السخرية من المرشحين للرئاسة المصرية، ووعودهم الكاذبة، شئ أقرب الى برامج السخرية التليفزيونية، لا أكثر ولا أقل.

 الرجل اللعبة

رسمت شخصية حاتم أو توم (هانى رمزى) بكثير من المبالغة، شاب أبله طويل وضخم وقوى الى درجة أنه قادر على تحطيم كل شئ إذا تهور جده (جمال إسماعيل) وجدته (ثريا إبراهيم)، وقاما بإيقاظه للذهاب الى مدرسته، فقد توم والداه فى حادث سيارة، ونجح فى الصف الأول الإبتدائى بعد ثلاثين عاماً كاملة!

قرر جده أن يكتفى حفيده بهذا القدر، وأرسله لكى يشق طريقه فى الحياة، بالعمل فى أحد المطاعم، مرتدياً زيا يجعله أقرب الى مهرج السيرك، وبعد فشله المتوقع، عمل فى محل للعب الأطفال، وهناك تقابله بالصدفة طفلة ثرية (جنا)، فتأخذه الى قصر جدها مرشح الرئاسة جمال (حسن حسنى)، لقد اعتبرته مجرد لعبة لتسليتها.

يتحدد الصراع طوال الفيلم عبر لعبة القط والفأر المتكررة بين حاتم/توم، وجمال/جيمى، كما يخوض جمال منافسة شرسة مع منافس آخر على الرئاسة يدعى طاهر (غسان مطر)، ولكن معظم الفيلم يدور فى هذه الحلقة المفرغة: توم يرتكب الحماقات الخرقاء، يغضب جيمى ويطرده من القصر، تبكى الحفيدة التى فقدت والديها أيضاً فى حادث سيارة، فيعيد الجد توم الى القصر، فيواصل حماقاته من جديد، وهكذا.

من فيلم “توم وجيمي”

فى خط المنافسة الرئاسية تتوالى السخرية من وعود الرئيس المعزول مرسى ومن تعبيراته المضحكة (القرد والقرداتى، برنامج المائة يوم الذى يتحول هنا الى برنامج المائة واثنين يوم، أهلى وعشيرتى ..إلخ)، كما يسخر الفيلم من نجوم الإعلام الجدد (قناة الفراعين تصبح قناة البلالين، وتوفيق عكاشة يصبح وفيق نتاشة)، تصل المنافسة الى حد افتعال اختطاف الطفلة وتوم، لإجبار جدها على الإنسحاب، رغم أن مقالب توم معه جعلته أضحوكة، وأطاحت بمؤيديه من الأحزاب.

تتم استعادة الطفلة رغم بلاهة توم، ويقرر الجد فجأة أن ينسحب من السباق الرئاسى، ويترك قصره لكى يمارس فيه توم حماقاته، بعد أن ينضم إليه جده وجدته، هكذا تنتهى حكاية الرجل اللعبة بعد أن استهلكت كل المواقف الفوضوية المتكررة، وبعد أن تجشأ توم وأطلق الغازات فى وجه الكاميرا، وبعد أن تاه هانى رمزى فى الإمساك بشخصية تبدو غبية أحياناً ومعتوهة أحياناً أخرى، وزاد من الفوضى صعوبة فهم الكلمات التى ينطق بها، وبالكاد نستطيع أن نتبين أنه يبدل الحروف مثل اللمبى، البوليس مثلا يتحول الى اللبوس، والجاكوزى يصبح الشاخوزى، وآسف تتحول على لسانه الى آفس، هذه هى طريقة الإضحاك المعتمدة.

صحيح أن أكرم فريد والمونتيرة مها رشدى أجادا بناء مشاهد الحركة، وصحيح أن ملابس خالد عبد العزيز وديكور كمال مجدى كانا مميزين، بل إن الإنتاج جيد وسخى كما اتضح فى مشاهد التكسير والتهشيم المتتالية، إلا أن كل ذلك لم يستطع حل مشكلات السيناريو، ولا الأداء المفتعل حتى من الطفلة الصغيرة جنا التى اكتشفها أكرم، وقدمها بصورة أفضل فى فيلم سابق.

النظرية وعكسها

أما فيلم “نظرية عمتى” الذى كتبه عمر طاهر، فإن أوضح مشاكله فى الإرتباك الذى حدث فى الجزء الأخير منه، وهو ارتباك مؤثر يكاد يناقض بقية الفيلم، الحكاية ببساطة عن محاولة فتاة لفت نظر شخص تحبه من طرف واحد، عن طريق تطبيق النصائح التى تقدمها لها خبيرة علاقات عاطفية محترفة، وفى الوقت الذى يقول الجسم الأساسى من السيناريو أن الحب يمكن إيقاظه وتحضيره فى المعمل برسم الخطط وجمع المعلومات وتجهيز الشبكة لصيد العريس، فإن الجزء الأخير يقول إن الحب قضاء وقدر، وخارج عن تخطيط العقل، وأن كل تلك الخطط لا معنى لها لو لم يكن الرجل يحب المرأة.

تناقض عجيب فعلاً لم يفطن إليه أحد، فدون شرط الحب المسبق، لن يكون هناك أى تأثير لنظرية العمة المجربة، فالمعروف أن مرآة الحب عمياء، وبالتالى لن تحتاج المرأة الى تغيير شكلها، او مطاردة رجلها، أو تعديل سلوكها، ” وحبيبك يبلع لك الزلط ” كما يقولون.

ولكن الفيلم يستمر وقتا طويلاً فى إثبات العكس، فالفتاة سارة (حورية فرغلى) التى تعمل فى قناة فضائية، تعشق من طرف واحد نور (حسن الردّاد)، المذيع فاتن الجميلات، تنصحها صديقتها باللجوء الى عمتها ماجدة (لبلبة)، خبيرة أمراض الرجولة، وفى عيادتها، يتم تدبير خطة متكاملة للفت أنظار نور الى زميلته، ودفعه الى الزواج منها.

من فيلم “نظرية عمتي”

الخطة تنقسم الى عمل ملفات تضم كل المعلومات الممكنة عن الفريسة، مع سرد الخبيرة لحكايات من خبراتها الشخصية، وهذه الحكايات أفضل ما صنعه عمر طاهر فى الفيلم، وهى أقرب ما تكون الى الحكايات التى كان يرويها سمير صبرى لصديقه عادل إمام فى فيلم “البحث عن فضيحة”، كان عادل بالمناسبة يحب ميرفت أمين من طرف واحد، ويبحث عن خطة للفت النظر إليها، وجعلها تحبه وتتزوجه.

الملاحظة الوحيدة على الحكايات الظريفة حقاً أن الثنائى نور وسارة يقومان بأداء شخصياتها دون مبرر فنى مقنع، فى فيلم السبعينات القديم كان يؤديها مجموعة من ضيوف الشرف، لم أستوعب كيف يمكن أن تروى لبلبة حكايات من وجهة نظرها، فيظهر نور وسارة،رغم أن الثنائى حورية وحسن أبدعا فعلا فى تجسيد شخصيات متنوعة وعجيبة.

أعجبنى بالمقابل ان عمر طاهر قدم نماذج للعلاقة بين آدم وحواء فى حقب مختلفة (السبعينات والثمانينات والتسعينات وسنوات القرن الحادى والعشرين الأولى)، كما ظهر حسن الرداد فى شخصيات طريفة ومتنوعة (لاعب كرة وأمين شرطة وتاجر مجوهرات ومهاجر عراقى)، وكذلك فعلت حورية بحضور وخفة ظل (فتاة عاشقة للكرة وبنت بلد سليطة اللسان وسيدة ارستقراطية وراقصة مغوية).

على الجانب الآخر، أدت لبلبة دورها بجدية شديدة، بدا كما لو أنها تشرح خطة حربية، مما زاد من جرعة الكوميديا، خاصة مع استخدام لوحات إرشادية، واستخدام تعبيرات غير عاطفية لوصف علاقات عاطفية (مثل الرش بالتنقيط وفتح الكشّافات)، وفى النهاية تنجح خطة العمة، يلتفت نور الى سارة، يلغى رحلته للعمل فى دبى، ويطلب الزواج من زميلته.

فجأة يتدخل الأب  (حسن حسنى) رافضاً خداع  ابنته وطريقتها فى الإيقاع بفتاها، مع أنه كان يرجوها فى مشهد سابق أن تبحث عن عريس، ترتبك كل الخطوط بسبب هذه الأزمة المفتعلة، ويزيد الإفتعال عندما يؤكد نور أنه كان معجباً من زمان بسارة، وهو أمر نسمع عنه لأول مرة، ولم يحدث ابدا أن أشار الفيلم اليه من قبل!

أراد عمر طاهر أن يقول إن كل نظريات عمتى لا جدوى منها بدون حب، طيب لماذا يكون هناك نصائح أصلاً إذا كان الحب موجوداً وقادرا على شق طريقه؟ وكيف نفسر نجاح نصائح العمة فى الإيقاع بالعريس الغافل الذى كان على وشك السفر دون أى مبالاة؟

هنا ثغرة الفيلم الواسعة المزعجة، لم يكن هناك داع لهذه الثرثرة وهذا الإستطراد، الحكاية مجرد لعبة، خطة للإيقاع بعريس تحدث أحيانا دون أى ضمان لاستمرار الزواج، لو توقف الفيلم عند هذا الحد لكان عملاً جيداً وذكياً، ولكنه تورط فلم يحسم التناقض، ولم يلتفت إليه.

يستطيع أكرم فريد أن يحقق الكثير فى مجال الكوميديا، ولكن بشرط العمل على سيناريوهات أكثر إتقانا، هكذا فعل فى فيلم “عائلة ميكى”، ولذلك ما زال هذا الفيلم هو أفضل أعماله، وأكثرها تكاملاً، حتى إشعار آخر، أتمنى حقاً أن يتجاوزه فى أعمال قادمة.

Visited 77 times, 1 visit(s) today