عن الفيلم الوثائقي “كورنيش مطرح” لأحمد حسونة

Print Friendly, PDF & Email

يأخذنا المخرج أحمد حسونة من خلال فيلمه “كورنيش مطرح”إلي حدوتة هذه البلدة أو هذا الكورنيش  حيث يقدم  لنا التسلسل التاريخي لتواجده ونشاطه بين الماضي والحاضر من خلال شخصيات فيلمه في أكثر من تنقل مكاني يحيط بالكورنيش وكأنك في جولة سياحية ثقافية.

بـــــــداية

في مشهد نهاري استهلالي  نسمع صوت مياه نيلية تنعكس عليها اشعة الشمس الذهبية، ثم  يستقبلك صوت المعلق للحديث عن وجودية عمان مع صورة الخريطة التفاعلية، وموسقى تقرع الأذن تنبهك  للدخول إلي الكورنيش لتدور الكاميرا تعرفك به وتمهدللأماكن  والتنقلات التي يتحدث عنها فيلمنا.

التنقلات المكانية داخل الفيلم:

– الميناء (شرح مبسط لما كان عليه في الماضي من خلال صور ولقطات تناسب هذا الشرح وأيضا التطورات الحديثة له حيث الميناء العصري وما أصبح عليه اليوم).

– السوق الكبير(تتخلله مشاهد حيوية لحركة المشترين والباعة وتحول الأمر من مرسي صغير إلى سوق كبير للأسماك يسيطر علي الساحة).

– بيت البرند ة(يحتوي علي مشاهد وتعليقات تأريخ للبيت ووصفه وأقسامه وأهميته، فهو ذاكرة بها العديد من الصور والمقتنيات تربط الأجيال الحالية بالماضية).

– بوابة سور اللواتية (عند مسجد الرسول الأعظم) (يأخذنا الفيلم من خلالها إلي التعرف عن صورة من صور العراقة العربية في صحبة شيخ باحث يليق بالمكان الذي يشرحه).

– سوق الظلام (ظاهرة من ظواهر السوق المغلقة، ايقاع سريع، عرض نوعية البضاعة القائم عليها السوق ,وشرح كيفية حماية الكورنيش له).

– قلعة مطرح (اهميتها في القديم أثناء الغزوات وما أصبحت عليه من علامة بارزة في الكورنيش).

– الكورنيش ليلا (مشاهد شاعرية ليلية بها الكثير من الصفاء تحمل جوا هادئا أسريا يشعرك بروح مصرية داخل عرض طفيف لحديقة ريان).

جاء الفيلم عبارة عن سياق من اللقطات والمشاهد مرتبة وفق  المضمون الفكري والتكويني له،  فالصورة الفنية لهذه اللقطات مترابطة ممتزجة لا تشعر بالإنفصال معها بل هناك نوع من  الخلق البصري المتسلسل المرتب في صورة حية بها كثير من الحيوية.

ومن هنا يمكنني القول أن الفيلم اتبع الإسلوب التحليلي ” لقطات ومشاهد تراعي استمراية الحدث وتدفقه في بنية الزمان والمكان” هذا من ناحية المشاهد.

أما عن بنائية الرواية فقد حمل الفيلم النمط الكلاسيكي في الأفلام الوثائقية أي جاء مصحوبا بصوت المعلق يستقبلك في البداية ويسير معك علي التتابع الزمني للفيلم  للتوضيح والربط بين التنقلات المكانية داخل أجزاء الفيلم .

الشخصيات والضيوف:

جاءت الشخصيات والضيوف بين باحثين يتغيرون بتغير الإنتقال حيث يأخذك الباحث “سعيد الصقلاوي” للحديث التفصيلي عن الميناء والسوق الكبير وكذلك ينهي معنا  الفيلم والحديث عن حديقة ريان.

وأنت داخل بيت البرنده يأخذك مشرف البيت” سيف الرشيدي”. ولا يتكلم بدقة عن سور اللواتية إلا من حمل دراسة  فيهم وهو الباحث “مصطفي المختار” الذي عرض لنا بأداء مميز وصوت جذاب أشعرك بدفء وحنين للتاريخ وللمكان الذي يرشدنا إليه، وطريقته كانت مفعمة بمزيج من الصدق والنقاء  ,ولما لا وهو يتحدث عن مسجد الرسول الأعظم.

بجانب هؤلاء الباحثين لا ننسي  الشخصيات التي أضفت حيوية علي الأماكن بطبيعة عملها وتواجدها فيه يوما جاء ذلك متمثل في حديث بائع السمك ومنظفه في السوق الكبير، وكذلك بائعة اللبان والبخور المسمون بنساء صلالة , التي أشعرتنا بروح الطبيعة في حديثها وضحكتها التي حملت صفة الطيبة لأهل هذه البلدة.

التنوع

فالتنوع في الضيوف والشخصات جاء متوازيا يحمل حوارا هادئا بسيطا يوضح لك الأمور بعيدا عن الإستطلالة والملل فجاءت الكلمات متناسبة مع اللقطات والمشاهد التي قام عليها الفيلم، ولم نشعر بنوع من الاقحام  بل هنا تسلسل مرتب خلق جوا لطيفا في ضوء مترابط مع صوت المعلق الخارجي للفيلم.

علي الرغم أن الفيلم جاء ليجسد لنا أماكن ومشاهد  تحمل جمالا حقيقيا إلا أن شخصية المخرج استطاعت أن تنفذ من خلال لقطات فنية تسترعي انتباه عين المشاهد وجدت ذلك متمثلا في:

مشهد اليافطة المكتوب عليها “مطرح” المتخللة بقطرات المياه  تحمل شاهد بصري مليئ بالراحة  حيث لون المياة واللون الأزرق المحدد لليافطة ويرمز للطبيعة الكورنيش.

مشهد الهلال والخلفية السواء التي تئذن بدخول الليل في الكورنيش , استهلال ليلي يعلن عن بداية النهاية.

كذلك مشهد السفن في عرض البحر المحيط بالميناء، هذه الصور جمعت بين السفن الكبيرة الضخمة التي توضح القيمة الأقتصادية التي أصبح عليها، بجانب القوارب الصغيرة ,في شكل متواز مع صوت المعلق ،وكأن هذا التوازي في الصورة يريد بيان ما يحمل الميناء من قوارب صغيرة وما أصبح علية من سفن ضخمة يحتاج أعمال هندسية كبيرة.

جميع مشاهد الفيلم النهائية الليلية كانت توحي بإحساس عال من قبل المخرج في أدائها فقد أضافت جوا من الشاعرية الصادقة المطلوبة التي أنهي  بها الفيلم .

بالنظر إلى الفيلم بأكمله نجد أنه حمل قيمة فنية إخراجية مطلوبة، هذه الروح الإخراجية الناعمة التي خرجت لنا من قبل المخرج أظهرتها لنا الموسيقي (الطبيعية والتصويرية) لكن أساسا التصويرية علي وجه الخصوص:

التفصيل:

أولا الطبيعية: توظيف الصوت الطبيعي في الفيلم جاء بصورة جيده منطقية مع الأحداث إلا في مشهد واحد أحدث كسر في الإيهام وذلك متمثل داخل بيت البرنده  حيث انسجام الموسيقي التصويرية التي كانت معبرة للتاريخ الذي تعرضة الصور والإضاءة المظلمة فقد التركيز علي الصور  لكن فجأة ذهبت الموسيقي لمكان بعيد و جاء مشهد  وصوت طلاب داخل البيت أحد يشرح لهم يلفظ بإسم عمان هذا  قطع الإنسجام  كذلك لم تضف هذه اللقطة شيئا في الأجواء.

توظيف الموسيقى

ثانيا التصويرية: كانت موسيقي  رائعة تحمل تأثيرا قويا علي الأذن تظل مع المتلقي حتي بعد الإنتهاء من الفيلم .

فالتوظيف الموسيقي  في جميع المشاهد موفق  بل ومتميز في نهايات الفيلم

 نقول إنها موسيقي تقرع الأذن، تكون منبهة للحدث كما في مشهد الدخول للكورنيش، وتخللها النشاط والحيوية عند الحركة، فهي قوية عميقة متدفقة تشبع المشاهد، وأيضا ناعمة تخلق جوا شاعريا وتضفي علي الصورة بهاء ورنقا.

ولكنني أريد أن اتساءل لماذا توقفت  الموسيقي تماما في مشاهد “سور اللواتية “، لم يتخلل هذا الإنتقال المكاني في الفيلم أي موسيقي تصويرية واكتفي المخرج بالموسيقي الطبيعة فقط لحركة المرشد أو الشارح حتي في لقطات البيوت التي سكت عنها الشارح لم يتخللها الموسقي ، ولكن علي الرغم من هذا لم أشعر بفقدنها  خلال الجزء، والذي نبهني لهذا السكوت الموسيقي هو الانتقال التالي حيث السوق المظلم , حيث ايقاع سريع للمشاهد تخلله بالطبع موسقي عاليه توازي هذا الإيقاع.

توقف الموسيقي في هذا الجزء أحدث فصلا بينه وبين ايقاع الفيلم بأكلمه علي الرغم أن هذا الفصل لم يخرج المشاهد عن الجو العام وذلك عندما ننظر لهذا الجزء نجد أنه  حمل وحده في الصورة تمثلت في ملابس المرشد (الجلباب الأبيض) مع لون البيوت البيضاء وطريقة أداء المرشد المتناسبة مع اللون الأبيض حيث الهدوء والنقاء وكل هذا أحسسك بشئ من خصوصية هذا الجزء وارغمت المتلقي التركيز معه.

ومجيئ هذا الجزء في المنتصف جعله يحمل  عنوان ” فاصل ونواصل” لأن الأجزاء التالية  كانت مترابطة مع الأجزاء الأولي من حيث الإيقاع و الموسيقي وطبيعة الألوان في المشاهد والأماكن وملابس الضيوف والشخصيات.

وحدة المكان والزمان

حمل الفيلم وحدة مكانية وزمانية: الوحدة المكانية بالطبع متمثلة في انحصار الأحداث دخل محيط كورنيش مطرح وما يتعلق به.

أما عن الوحدة الزمانية فأنت عزيزي المتلقي عندما تشاهد الفيلم تجد أنه يبدأ بمشهد نهاري شمسي وينتهي بمشهد ليلي هلالي، وأستطيع القول ان الفيلم قام علي مدار يوم واحد من أوله لأخره حيث البداية بالميناء وسوق السمك وشراء المواطنين لغذائهم والنهاية بمشهد هؤلاء المواطنون وهم في نزهة ترفيه مع أولادهم داخل الكورنيش ليلا… (علي سيبل تخيل مني في اعطاء ترابط بين البداية والنهاية).

إلا انني أشير هنا الى أن هذه الوحدة قطعت في مشاهد  استخدم فيها  إضاءة ليلية وهي المشاهد المتعلقة بـ”سوق الظلام” بداية هذه المشاهد ليلا نستطيع القول  انها دلالة رمزية للإسم وأيضا مناسبة للتعليق الذي قيل في هذا الوقت حيث ليلا سوق خالي فتتابع تتابع ظهور نهار وزحمة سوقية.

نهاية

“كل الأماكن مطارح لكن ما من مطرح كمطرح”..

المشهد الختامي  للفيلم جاء بأسلوب يخلق التأثير المطلوب ويحقق أهداف الفيلم.

الفيلم: سيناريو وإخراج :أحمد حسونة

        تصوير: زكي عارف

        مونتاج : عصام سعدان

Visited 50 times, 1 visit(s) today