عبد الإله الجوهري يرثي الناقد الراحل مصطفى المسناوي

مات صاحبي مصطفى المسناوي..

عاش كبيرا ومات كبيرا وسيظل في الذاكرة السينمائية المغربية و العربية كبيرا، ناقد بمعرفة غزيرة وصديق بوفاء نادر وضاحك دائم في وجه تقلبات الزمن عرفته منذ أكثر من 20 سنة، كان صديقا وأخا، بل كان معلما وهاديا لي في مساري الإنساني والسينمائي.


علمني كيف اواجه أعاصير الوقت وتقلبات الظروف والتمسك بمعاني الوفاء لما أؤمن به وأعيش من أجله..


ذكرياتي معه عديدة وكثيرة ، في سوريا ومصر وفرنسا وهولندا.. ، كان قرين الروح و ربيب الكلمة الطيبة..


مغربي / مصري حتى النخاع ، لم يكن يفرق بين الهنا و الهناك ، يتنقل بين الدارالبيضاء و القاهرة مثل ما يتنقل بين الرباط أو أي مدينة مغربية.


في العيون كان اللقاء الأخيرة، حضرنا فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الفيلم الوثائقي المنتصر للثقافة الحسانية، رغم المرض و التعب أصر على الحضور والمشاركة بفعالية في المشاهدة واللقاءات والمناقشات، بل في الجلسات الحميمية حيث النكتة والكلام الطيب رفقة الأحبة..


هناك أصيب بوعكة مفاجئة ، كانت العائلة السينمائية إلى جانبه ، العصادي وطارق و بنجلون و الشرايبي و فرحاتي ، نصحناه بعدم السفر إلى القاهرة ، لكنه ضحك ملئ شدقيه قائلا: ” لا يمكن ، أنا أتنفس مصري “.


في مطار الحسن الأول بمدينة العيون ، ونحن عائدون نحو الدارالبيضاء ، كم ضحكنا وهو يحكي لنا عن مغامراته العديدة وذكرياته السينمائية المفارقة للواقع..

 
مات في مدينة المعز، على ارض الكنانة، بين من أحب، وسط جوقة الفن والفنانين، بين أحضان الأهرامات عند محيط سيدنا الحسين، غاسلا الجسد والروح بماء النيل ، مرددا أغاني الفلاحين الطيبين.

أصدقاؤك الكثر هاهم ينعون رحيلك ، يرثونك لأنك أهل للحب و الوفاء ، المخرج محمد إسماعيل قال : ” كان آخر لقاء لنا بالعيون ، تواعدنا هناك على اللقاء بالقاهرة. اليوم  في القاهرة ، علي مائدة الإفطار أفاجأ برحيلك…


وداعا أيها الأخ و الصديق العزيز أيتها الروح الطيبة.”

أما الناقد محمد اشويكة فردد بنبرة حزينة : “من يعرف مكانة “القاهرة” في قلب الراحل مصطفى المسناوي، فسوف لن يفاجئه موته بها، ومن كان يعرف حب مصطفى للسينما فلن يدهشه خبر موته بإحدى مهرجاناتها، ومن كان يعرف حب مصطفى للسينما العربية فسيدرك أن السينما واجهة حقيقية للتعريف بثقافات شعوبها…


…  إن من يعشق شيئا، يموت من أجله.. ففي كل موت عبرة، وذلك هو الدرس البليغ المُسْتَقَى من موت مصطفى الذي لا أستطيع وصف ما يجمعني به لأنني أعتبره غير ميت.. روحٌ عاشقة ستظل محلقة في سماء السينما والثقافة المغربية والعربية…صباح بألم الرحيل “.

نفس اللوعة والألم اعتصرت كلمات الناقد عبد المجيد لبويري: ” يترجل ناقد آخر عن صهوة الكتابة، يرحل عنا هو الذي ، أدركنا كيف للهاجس أن يتحول إلى عشق، وكيف ينتفض العشق و يخطط بالقلم لتلك الهواجس، فيفيض الحبر على البياض مدونا خطابات لا ترحل مع الوداع، وتبقى شاهدة على ديمومة الحضور بين الأحباء، كان لقائي الأخير به بمراكش حينها كان الحديث حول السينما والنقد، أدركت صفاء الروح التي تمتلك توهجا لمشروع لم يكتمل منذ التأسيس، قالها و غصة القلق تعتصره و ابتسم بهدوئه المألوف قبل الفراق كعنوان لأمل مفتوح يقاوم الإحباط. كم هي عويصة لحظة تلقي الخبر لكن عزائي انه ترك لنا ما يجعله حيا بين وجداننا ..”.

الممثلة والشاعرة مجيدة بنكيران ودعت روحه الطيبة بكلمات قليلة لكن جد عميقة: ” وداعا سي مصطفى المسناوي ، سلام لروحك الطيبة… سنفتقدك… سنفتقد روحك الشفيفة .. الوديعة …  سنفتقد نظرتك الثاقبة … المتفردة.”.

في مجموعته القصصية ” طارق الذي لم يفتح الأندلس ” تنبأ  بفراسة  و فصاحة قصاص عراف ، جسد موته المجازي حين كتب : ” قبل طارق زوجته في جبهتها وقال لها: ودعاً، سأذهب لفتح الأندلس. خفق قلبها بسرعة، لكنها دارت ذلك بابتسامة: وداعاً، رافقتك السلامة.


لوح لها بيده وانتحى ركناً من أركان البراكة وجلس، رتب جنوده المصنوعين من نوى التمر وأعقاب السجائر على ترابها، حفر أمامهم خندقاً ملأها بالماء وقال لهم: أيها الجنود… إلى الفتح والجهاد في سبيل الله. هللوا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.”

سأبكيك يا مصطفى ، يا صاحبي مثلما بكى جلجاميش أنكيدو ، و مثلما بكت الخنساء أخاها صخر ، و مثلما بكى متمم ين نويرة أخاه مالكا..


رحم الله روحه الغامرة بالمحبة و المعرفة الرفيعة ، وعزاؤنا في ما خلفه من أعمال و قيم قادرة على أن تكون مشعلا للأجيال القادمة  ..

Visited 45 times, 1 visit(s) today