فيلم جيمس بوند الجديد سيقدم العميل رقم 007 القادم في صورة امرأة

Print Friendly, PDF & Email

الآن أصبح من المثير للاستياء أن تستخدم في الصحافة البريطانية أو الأدبيات الانكليزية عموما، كلمة “ممثلة” actress في وصف الممثلة، فالكلمة “الصحيحة” الآن- طبقا لمبدأ “الصواب السياسي”، أصبحت actorفي وصف الممثل الذكر أو الممثلة الأنثى، وذلك التزاما بمبدأ عدم التفرقة بين الجنسين، وتخليص اللغة من “الجندرية” خاصة وأن كلمة ممثلة actress(أكتريس) الإنكليزية ارتبطت في الماضي بالسمعة السيئة. ولكن كان هذا في الماضي البعيد، أما في العصر الحديث فقط أُطلقت الكلمة على عدد من أكثر الممثلات حضورا وتقديرا في المجتمع البريطاني، ومنهم كثيران حصلن على أرفع درجات السمو والألقاب الملكية أيضا.

إذا كانت مراجعة المفردات اليوم في ضوء حركات الاحتجاج الجديدة والدعوة إلى المساواة وإتاحة فرص متساوية أمام النساء في جميع مجالات الحياة، قد فرضت هذا التعديل اللغوي، فلماذا لا يطلقون أيضا على الملكة “كنغ”king بدلا من (كوين) queen؟ وعلى الساقية (واتريس) الساقي (وايتر)؟ والحقيقة أن المشكلة عميقة ومتأصلة في اللغة الانكليزية نفسها، فهي حينا تعترف بالفرق بين الرجل والمرأة في كثير من الصفات، مثلما في كلمة مضيفة مثلا hostess ولكنها في أحيان أخرى كثيرة لا تعترف بالفرق في الجنس (أو الجندر) بدليل أن السائق (درايفر) يصف للذكر والأنثى وكذلك الراقص والراقصة والممرض والممرضة، هناك كلمة واحدة تصف النوعين، فمثلا كلمة (دانسر) لكل ن الراقص والراقصة، كما أن المعلم والمعلمة كلاهما (تيتشر)، والطبيب والطبيبة هما نفس الشئ أي (دكتور) والطالب والطالبة (ستيودنت).. وهكذا.

لكن التفرقة تظل دائما قائمة بين “الملك” و”الملكة”، فلا يمكن أن نصف الملكة بأنها الملك وإلا انهار العالم الذي قام على أن “الملك هو الملك”- كما يقولون، ويرى البعض أن الصفا المرتبطة بالملكية ليست وظائف مثل الساقي والسائق والمدرس، بل هي “ألقاب” بدليل أن اللغة الإنكليزية تفرق بين الدوق والدوقة والأمير والأميرة والكونت والكونتيسة، وغير ذلك.. ولكننا يمكن أن نجادل أيضا بأن هذه الألقاب لها تنتمي إلى العهود السحيقة وأنه قد آن الأوان لتعديلها في ضوء العصر الجديد وبروز فكرة المساواة حتى لو أدى ذلك الى تشويه وعي الناس بالفرق بين الرجل والمرأة، فكلنا بشر في نهاية الأمر.. فما الذي يهم خاصة في مجتمعات الحرية الجنسية التي أصبحت مطلقة، فالرجل يمكن أن يرتدي ملابس النساء وله أيضا أن يتزوج رجلا مثله، وفي مجتمعات كثيرة أتيح للرجال المتزوجين من أمثالهم تبني الأطفال أيضا وتربيتهم باعتبارهم “أبناء الأسرة”؟

إمعانا في هذا الغلو في مسألة المساواة أصبح من المعترف به وجود قس مثلي الجنس، ولكن المفاجأة الأخطر في رأيي، أن العميل البريطاني رقم 7 الذي نعرفه منذ عقود باسم جيمس بوند، سيصبح قريبا جدا امرأة من أصول افريقية.

ليست هذه نكتة بل حقيقة. فالفيلم الجديد (رقم 25) من أفلام جيمس بوند الذي يجري تصويره حاليا في إيطاليا، سيقدم لنا الشخصية الجديدة التي سترث لقب “007” من زميلها الذي يقوم بدوره في الفيلم نفسه أيضا دانييل كريغ في ظهور أخير له في هذه السلسلة، وسيظهر في دور جيمس بوند بعد أن تقاعد وذهب للإقامة في جزيرة جامايكا، ولكن سيتم استدعاؤه من تقاعده مرة أخيرة، للتصدي لإحدى جماعات الشر التي تهدد- كالعادة- مصالح “العالم المتحضر”. ولا غرابة في ذلك فقد سبق أن جعلوا “مستر إم” رئيس المخابرات البريطانية الخارجية (إم أي 6) امرأة قامت بدورها ببراعة وإقناع جودي دنش، ولكن الجديد أن العميل السري رقم 7 لن يكون فقط امرأة بل وامرأة افريقية سوداء أيضا يناديها رئيسها “إم” (الذي عاد ليصبح رجلا) بـ 007.. في تمهيد واضح لما سيحدث في أفلام بوند القادمة التي سيغيب عنها جيمس اكتفاء بحاملة الرقم الجديدة في عصر المساواة. ولكن هل سيلقى هذا التعديل الخطير قبولا لدى المشاهدين من عشاق أفلام جيمس بوند عبر العالم؟

والسؤال الأهم: هل سيتخلص “007” الذي سيظهر في الأفلام القادمة (بعد الفيلم 25) في صورة امرأة سوداء، من عنصريته ونظرته الأدنى الى الشعوب الأخرى (الملونة)، وهي سمة ظلت ثابتة في أفلام بوند تاريخيا؟

سيتصور الجميع بالطبع أن القادمة الجديدة في دور العميل السري البريطاني الذي يعمل لحساب مخابرات صاحبة الجلالة، سيتكون فاتنة حقيقية تخلب الألباب والعقول أو على الأقل بجمال الأميركية السمراء هال بيري التي ظهرت في فيلم “مت في يوم آخر” (2002) ولكن كصديقة لبوند، وأنها ربما ستستخدم فتنتها القاتلة في القضاء على الأشرار. أعتقد أن ظن هؤلاء ربما يخيب، ولك أن تنظر وترى بنفسك صورة العميلة السرية الجديدة التي سترث اللقب الخاص (007) المصرح لصاحبه بالقتل، لكي تتأكد بنفسك أنها في الحقيقة، تشبه أي ربة بيت طيبة القلب، تقضي معظم وقتها في المطبخ.

الصحف البريطانية نشرت الخبر مؤخرا، مصحوبا بالصور، وقالت إن الممثلة التي ستحمل اللقب الشهير (007) هي البريطانية (من أصولا جامايكية) لاشانا لينش (31 سنة) وهي غير معروفة في السينما فمعظم ما قامت به من أدوار منذ 2011 كان لأعمال درامية تليفزيونية وليس في أدوار بارزة. لكن الدنيا حظوظ كما يقولون!

هل يمكن أن يساهم نقل دور 007 من رجل كان دائما هو جيمس بوند ومنحه الى عميلة سوداء، يمكن أن يساهم في نقل هذه السلسلة الشهيرة إلى مستوى آخر أكثر واقعية، وبما يليق بصورة مجتمع متعدد الثقافات في عصر المساواة المطلقة الذي تطالب به جماعات الضغط، أم أنه سيكون إيذانا بنهاية عصر العميل السري البريطاني واسدال الستار على مغامراته؟

هذا سؤال ستجيب عنه الأفلام القادمة إن قدر لها أن تظهر أصلا بعد الفيلم رقم 25!

Visited 99 times, 1 visit(s) today