فيلم “حرب أهلية” هل هو نبوءة بنشوب حرب أهلية في أمريكا؟
عبد الرحيم كمال
يطرح فيلم “الحرب الأهلية Civil War” سؤالا جوهريا عن سبب طرح هذا الفيلم والداعي لإنتاجه في هذا الوقت؟
الفيلم أخرجه وكتب له السيناريو “أليكس جارلاند” -بريطاني الجنسية- وبطولة “كيرستين دانست“، “واجنر مورا“، “كايلي سبيني“، وبدأ عرضه في العام الحالي 2024..
الفيلم مستقبلي، يناقش موضوعا افتراضيا، أو قراءة استشرافية تنبؤية لما سيحدث -أو يمكن حدوثه- مستقبلا، إذ يفترض نشوب حرب أهلية أمريكية..
عودة للتاريخ
الموضوع ليس غريبا، وطرحه كثير من المفكرين، الذين تنبأوا بوقوع هذه الحرب الأهلية في أمريكا. وفي استطلاع للرأي أجري عام 2022 رجّح أكثر من 40٪ من الأمريكيين إندلاع حرب أهلية خلال العقد المقبل -الثلاثينيات- كما أن أمريكا شهدت حربا أهلية من قبل استمرت من عام 1861 إلى 1865، كان سببها الرئيسي اقتصاديا، إذ كان الجنوب يعتمد على العبيد كقوة بشرية في جميع الأعمال، بينما تبنى “ابراهام لينكولن” -في الشمال- دعوته لتحرير العبيد.
ومن مخاطر الحرب الأهلية أنه في عام 2021 حدثت مشكلة كادت تتحول لدعوة انفصالية بل وقيام حرب أهلية، وكان ذلك عقب خسارة الرئيس “ترامب” الانتخابات أمام منافسه “جو بايدن”.
هذا عن الخلفية السياسية للموضوع، وهو ما قد يبرر اهتمام صانعي الفيلم بدق جرس الإنذار مبكرا تحذيرا من وقوع هذه الحرب، فماذا عن الفيلم فنيا؟
رسالة إلى الوطن
لا يوضح الفيلم الأطراف المتحاربة ولا أسباب خلافها، بما يعني أن هدف الفيلم -غير المعلن- هو مجرد تحذير استباقي من هذه الحرب الجهنمية، وهو ما تعبر عنه بطلة الفيلم “لي” بقولها:” إنني أرسل رسالة إلى الوطن: لا تفعل هذا”.
يبدو الفيلم وكأن هدفه إظهار مشاق عمل المراسل الحربي وإمكانية تعرضه للموت، يرافق الفيلم أربعة صحفيين -مراسلين حربيين- وتدور الأحداث أثناء رحلة الفريق لإجراء حوار صحفي مع الرئيس الأمريكي في ولايته الثالثة، بعد أن خرق للقانون، وواجه المعارضين بإطلاق الرصاص.
الشخصية المحورية هي المصورة “لي” وقد فقدت إحدى عينيها أثناء تغطيتها لحرب سابقة ولذلك تضع عصابة سوداء عليها- ومعها “جويل” الصحفي وينتمي الإثنان إلى جيل الحاضر بمعاناته الناجمة عن الحرب، و”جيسي” الصغيرة التي تحاول احتراف التصوير، ولكنها تعدل عن الفكرة بعد خوض تجربتها العملية، ثم “سامي” الصحفي العجوز الذي يبدو صامدا رغم عجزه وضعفه، مما يضطر المجموعة إلى تركه في الطريق، وبالرغم من إصابته إصابة قاتلة، إلا إنه ينقذهم من القتل، وينضم “حرب أهلية” Civil War بذلك لعدد من الأفلام التي تناولت موضوع المراسلين الحربيين منها: “حقوق القتل” و”تحت النار” و”السلفادور” Under fire, Salvador, The killing fields
آراء متعارضة
يتضمن الفيلم مغزى آخر، هو تباين آراء الأجيال في هذه الحرب، فبينما يعاني الجيل الحالي من الحرب مثل “لي” و”سامي”، يبدو الجيل الأكبر سنا، سلبيا ويبدي عدم اهتمام بما يحدث، وهو ما يعكسه رأي والد فتاة متجر الملابس في الإصرار على طبيعية الموضوع، فيما يرفض الجيل الجديد -جيل المستقبل- هذه الحرب وينصرف عن الانخراط فيها، وهو ما تمثله “جيسي”، فيما أن الحياة تسير بشكل عادي في فندق الصحفيين، حيث اللعب والهو، فهم يعتبرون أنهم في رحلة عمل، وهذا صحيح، رغم أنه عمل قد يكلفهم حياتهم.
يبدو الفيلم أمريكيا بامتياز من حيث الصناعة، فهو مدجج بالآكشن والمعارك الحربية، ويتضمن عددا من المشاهد التي تستفز المشاعر الإنسانية، ربما أن أكثرها إيلاما مشهد سيارة النقل ذات الصندوق المتحرك وهي ترفع صندوقها لإفراع ما به من جثث لقتلى الحرب، ثم إصابة “جيسي” وعند إفاقتها تجد نفسها وسط عشرات القتلى، ومشهد الأسيرين المعلقين بعد تعذيبهما، وإخبار الجندي حارس المنطقة للفريق الصحفي أن أحدهما كان صديقا له، ولكنه حاول سرقة البترول، ومشهد إطلاق الجندي النار على شخص لأنه ينتمي لولاية يعتبرها الجندي من الأعداء، وفي إشارة لآثار نشوب الحرب الأهلية يحاول الصحفيون ملء نصف خزان السيارة بالبترول، لكن الجندي المسؤول لا يوافق على تقاضي الدولار الأمريكي “المنهار”، فتغريه “لي” بالدفع بالدولار الكندي.