فيلم “أكثر” التركي: عندما يبحث اللاجئ عن نفس أكثر الإنسانية

Print Friendly, PDF & Email

“الآلة الأولى التي استخدمها الإنسان هي الإنسان”.. بهذه العبارة يبدأ فيلم “أكثر” التركي الباحث عن إجابات إنسانية بالدرجة الأولى ضمن واقع تنتفي فيه تلك الصفة، فيأتي دور تلك الكاميرا تجعل الجميع يبحث عن نفس أكثر وعن إنسانية أكثر عندما تخوض تلك الكاميرا في أعماق الذات البشرية، وعندما تلامس الوجه القبيح المُسيطر على جوانب الإنسان، وعندما نظن أن ضحكات الأب المُقززة بوجه ابنه الساعي للهروب من القذارة الأبوية، وفي الشق الثاني من المشهد يبقى الابن يبحث عن القذارة الأكثر من أبيه.

 هكذا ربما أستخلص بعض العبارات من الفيلم الذي يُعرض حالياً في صالات السينما التركية، وهو فيلم يُعالج قضية التجارة بالبشر، وبالتحديد مسألة تهريب اللاجئين السوريين إلى تركيا، بطريقة ربما تجعل الجميع يخرج من الفيلم، ويضع إشارات استفهام عن فحوى العالم الذي نعيش فيه، وكيف يرسم الإنسان صورة نفسه، وكيف يبحث الإنسان عن شهيق يزيد بقائه لثواني، وكيف لا يوقف أحد النفس الجشعة عن طلب المال والعهر أكثر.

استطاع المخرج التركي “أونور سيلاك” أن يضع الكاميرا في الزاوية الصحيحة من كل مشهد، فلم أجد بجميع المشاهد أي صورة تستهدف زيادة الوقت، بل كانت الصورة تُحاكي الواقع وتُمثله بطريقة لا حاجة  بها لنص حوار فارغ،  

يبدأ الفيلم بصورة الطفل “جمعة” السوري الذي يحاول العبور عبر الحدود السورية التركية، وصورة “غازه” الطفل التركي الذي يساعد والده في تهريب السوريين عبر الحدود، المشهد الذي حمل في كل تفاصيله قصة شعب، يحاول أن يبحث أكثر عن الحياة، وقصة مهرب صنعته رفقة والده المهرب، وفي الوصول إلى ذاك المخزن اللابشري تحت أرض بيت المهرب أو تاجر البشر.

هناك يرسم المُخرج صورا تجعلنا أمام أسئلة لامتناهية، وبعد ذلك يُعرج الفيلم على حالات الاضطهاد التي يتعرض لها اللاجئ السوري من تجويع إلى اغتصاب مُنظم، حتى تصل الأمور إلى قتل الأطفال حيث يُقتل الطفل “جمعة” أمام عيني أُمه، ويُدفن أمام عيون “غازه” الذي يُشكل له مشهد دفن جمعة نقطة تحول كبيرة. لكن لا يستطيع أن يخرج من عباءة والده الملوثة بدماء “جمعة”، وليبدأ البحث عن نفس أكثر من بين اللاجئين الهاربين الجُدد فلتأتي صورة “أهرا” التي تُجسدها الفنانة التركية “توبا بيوكاستون” ومن  خلال نظراتها حاول المخرج البحث عن نفس جديد لما تبقى من الروح الصالحة للطفل “غازه” لكن مرة أخرى، تنتصر التجارة البشرية في وجه ما تبقى من جمال في هذا العالم.

 هنا يقرر “غازه” الرحيل والهرب من السجن الذي رسمه له القدر، لكن مرة جديدة يجد نفسه بذات القدر، ليقرر أن يحارب بذات الأدوات البشرية القذرة، ليصبح مُهرباً مُنظماً، ويخطط بالتعاون مع مهربي قوارب الموت من أجل قتل أباه انتقاماً للطفل “جمعة”، لكن لن تكون روح والده لتغيب عن المشهد ليجسدها بمشاهد أكثر قساوة على عيون المشاهد، حيث يُبقي اللاجئين في المخزن، ويتابعهم من خلال كاميرا مراقبة ويستلذُ على موتهم البطيء.

وهنا يوجه المخرج رسالة واضحة للعالم أنهم لا يختلفون عن “غازه” حيث يتابعون مثله موتَ اللاجئ الباحث عن الحياة، من دون أن يحركون ساكناً، وأثناء  طلب ذاك اللاجئ الذي يغرق في البحر أو يختنق في مخرن “غازه”  نفساً لدقائق أكثر، يطلب العالم موتاً أكثر لهذا اللاجئ ليتم التجارة به في غياهب السياسة.

الفيلم مأخوذ من رواية بذات الاسم للكاتب التركي “هاكان غونداي”، ومن بطولة “أحمد ممتاز تايلان”، و”حياة فان أيجيك”، و”توبا بيوكاستون”، ورغم ترشيحه ليكون ممثلاً لتركيا في جائزة الاوسكار لعام 2017 لكان التصويت لم يكن بصالحه ليذهب التمثيل للسينما التركية في منافسات الأوسكار للفيلم “أيلا”.

وأخيراً لا بمكن أختتام هذه القراءة النقدية إلا بوضع علامة استفهام كبيرة أمام عدم تركيز وسائل الإعلام العربية على هذا الفيلم الذي استطاع الحصول على عديد الجوائز المحلية التركية، في ظل معالجته لقضية تمس الواقع العربي، باستثناء خبر ظهر على أحد المواقع يقول إن فيلم “لميس” أي الفنانة توبا بيوكاستون، لا يحظى باقبال من جانب الجمهور التركي، ويُذكر أن الفيلم يروي قصة أب وابنه الذي يريد الدراسة خارج القرية وكأن من كتب المقال المنقول من صحيفة تركية يتبع طريقة النعامة في النقل الخبري.

Visited 95 times, 1 visit(s) today