مسلسل “ما وراء الطبيعة”: هل احترقت النجوم على نتفلكس؟

Print Friendly, PDF & Email

لا بد أنّ المُخرجَ عَمْر سلامة (لا مؤاخذة / شيخ جاكسون) كان على قدرٍ كبيرٍ من الشجاعةِ وهو يحملُ على ظهرِه مشروعَ تحويلِ سلسلةِ ما وراء الطبيعة إلى مسلسلٍ تلفزيوني عُرض في أوّل خميس من نوفمبر/تشرين ثانٍ الجاري على نتفلكس، ولقد أثار سلامة، وهو أيضًا صاحب الرؤية الإبداعيّة للمشروعِ وأحد المُنتجين المُنفذّين، قريحةَ المِصريين الساخرةِ من قبل أن يبدأ بث المسلسل، بنشره في صفحته الشخصية بعض التعليمات التي ارتأى وجوبَ مراعاتها أثناء المشاهدة؛ مِنها عدمُ تناول الطعام، أو الخوضُ في أحاديث جانبية، أو مشاهدةُ المسلسل في وسائلٍ مُقرْصنة.

وبعد يومٍ من العرضِ دخل ما وراء الطبيعة قائمةَ أفضل 250 مسلسلٍ في العالم على موقع آي إم دي بي IMDb، ولكن سُرعان ما خرج منها بسبب ما قدّرته سياسةُ الموقعِ بأنّه تقييم موجّه.

قد تكون سلسلةُ ما وراء الطبيعة أكثر عمل قصصيّ في العالم العربي انتظر القُرّاءُ تحويلَه إلى مُنتجٍ مرئيّ منذ سنوات طويلة، وقد استقبله المحبّون والكارهون بالنياشينِ، وسلالِ الورودِ، والمطاوي، والأشواكِ، والأحذيةِ أيضًا.

وبدأت كتاباتُ القدح، كما المديح، تنهالُ منذُ اليوم الأوّل، وقد تراجم الفريقان بالكلماتِ حول أصغر تفصيلٍ في العمل وصولًا إلى مؤلّفِ السلسلةِ د. أحمد خالد توفيق، وهو طبيب أيضًا، الذي توفي في إبريل/نيسان 2018 قبلَ أن يرى أمنيتَه الأكثرَ إلحاحًا قيد التنفيذ في منصةٍ عالمية.

بين الطبيبين توفيق وإسماعيل

صدرت ما وراء الطبيعة عن المؤسسةِ العربيةِ الحديثةِ كإحدى سلاسل روايات مصرية للجيب، وبطل السلسلة هو د. رفعت إسماعيل، طبيب أمراضِ الدم، الخالي تمامًا من مميزات الوسامةِ والقوةِ البدنية، أعزب يعيش بمفرده، “نحيل كقلمِ رصاص”، يدخن مثل “برلين عندما دخلها الحُلفاء”، يسردُ في 81 عددًا ذكرياتِه في عوالمِ الماورائيات، والأشباح، والوحوش، وقد صدر العدد الأوّل في 1993 محتويًا على قصتين هما الرجل الذئب ومصاص الدماء، وانتهت السلسلةُ في 2014 بعددِ “أسطورة الأساطير”.

ورغم أنّ الصفحاتِ الداخليةَ لأعدادِ ما وراء الطبيعةِ تحوي جملةً تقولُ بأنّها “مُصنّف مصري مائة بالمائة لا تشوبه شبهةُ الترجمةِ أو الاقتباسِ أو النقلِ عن أية روايةٍ أوروبيةٍ” إلًا أنّ عددًا من اتهاماتِ السرقةِ الفكريّةِ قد توّجهت إلى د. أحمد خالد توفيق الذي دافع عن نفسِه بحذاقةٍ ودماثةِ خلق، لم يترك المؤلفُ فرصةً للانقضاضِ عليه، فقد كان شديدَ التواضع، نافيًا عن نفسه صفاتِ التمجيد والعظمة، باستثناء مرة قال فيها بأنّ ما يكتبه أرقى مِن روايات أغاتا كريستي!، وهو ادّعاء نشازٌ شديدُ الغرابة، وما عدا ذلك فقد كان أحمد خالد توفيق شخصيةً خجولةً وهادئةً، منسحبٌ نحو نفسِه، ومن عرفه بشكلٍ شخصيّ يشهدُ له باللطفِ البالغِ، ويظهر في المقابلاتِ بصوتٍ خفيض، مرتديًا ملابس أكثرَ ميزاتها أنها تُشعره بالراحةِ، وكل مقالات الشتم والتحقير التي كُتبت ضدّه كانت بسببِ سلوك معجبيه الذي رآه البعضُ ينمّ عن السطحيةِ والجهلِ.

لم تكن سلسلة ما وراء الطبيعة إنتاج أحمد خالد توفيق الوحيد، فقد كتب عددًا من الرواياتِ والمجموعاتِ القصصيّة، وسلاسلَ أخرى مثل فانتازيا وسفاري، وترجم بعض الروايات والقصص، إلا أنّ ما وراء الطبيعة هي الأكثر شعبية وشهرة.

كتب د. أحمد خالد توفيق أيضًا عددًا من المقالاتِ في السياسيةِ، والمجتمعِ، والسينما، وتكشف مقالاتُه عن نزعتِه الناصريةِ التي لم يكن يُخبّئها، وميولَه المُحافظةَ للغاية، وقد وصف مؤلفاته في إحدى المقابلات بأنّها العمل الذي يطمئنّ بها الرجل عندما يراها مع ابنته أو أختِه، أما آراؤه حول النساء وأدوارهنّ فقد كانت شديدة التخلّف والرجعية، ولو عبّر عنها في دولةٍ أخرى لربما تمّت مقاطعته منذ زمن.

جاءت سلسلة ما وراء الطبيعة لتسد احتياج الناشئين آنذاك (مواليد الثمانينيات والتسعينيات) لقصص رعبٍ من وحي البيئةِ العربيةِ، وهي فجوة لم يردمْها كاتبٌ قبله ولا بعده،  لتوفيق أسلوبٌ فاتنٌ في دمجِ المعلومةِ الطبيةِ، بالتاريخِ، برؤاه الاجتماعية، بقصصِ سُكان العالم السُفليّ، وقد وقع مئاتُ الآلاف من الأطفالِ والمراهقينِ المصريين والعرب في غرامِ الطبيب المُسنّ د. رفعت إسماعيل دون حدود، لذلك لم تؤثرْ كثيرًا الدعاوى التي شككت بأصالةِ أفكار د. أحمد خالد توفيق، كما لم تتسببْ ذكوريتُه التي تنقحُ بين الصفحاتِ في خفض رصيده لدى جمهورِه من الناشطاتِ والنسويات، وهذا الحبُ غير المُفسّر هو الذي جلب لأحمد خالد توفيق سخرية المُنتقدين الذين يشككون به، وبأحقيته وجدواه.

لقد ناسبت سلسلةُ ما وراء الطبيعة زمكانها للغاية، ولقد كنا محظوظين في قراءتها مُبكّرًا أثناء الطفولة والمراهقة، بِكلّ غضب تلك المرحلة واحتقاناتها، لذلك من يُطالعها الآن رُبّما لن يلمس الافتتان الذي نتحدّث عنه.

بين البيتِ والعودةِ له

لقد انتقى عَمْر سلامة في الموسمِ الأوّلِ خمسَ قصص من بين أكثر مِن سبعين أسطورة، وهي: البيت، والجاثوم، والندّاهة، وحارس الكهف، ولعنة الفرعون، وقد تقاسم الإخراجَ وكتابةَ الحلقات عَمْر سلامة، وماجد الأنصاري كمُخرِجَيْن، وعَمْر سلامة، ودينا ماهر، وعُمَر خالد، ومحمود عزت ككُتّاب سيناريو.

وقد جاءت أسطورةُ البيتِ مُفتتح مواسم ما وراء الطبيعة رغم أنّها وردت في العددِ الثاني عشر، وسبب اختيارها، كما أعتقد، أنّها أقدم تجربةٍ لرفعت إسماعيل مع الأشباحِ حين كان طفلًا يعيشُ في المنصورةِ.

 في أوّل حلقة تقف البومةُ مستقبلةً المشاهدين، وتودعهم في الحلقة السادسة، وهو التزام ظريف بالسلسلةِ المطبوعةِ، إذ تحتلّ البومةُ الزاويةَ اليُمنى من أغلفةِ الأعدادِ الحاديةِ والثمانين، وإن تقلّص حجمها، البومةُ لا الأغلفة، في الأعدادِ الأحدث.

ورغم أنّ السلسلةَ المطبوعةَ جاءت منفصلةً باستثناءِ بعض القصص التي صدرتْ فِي جُزْأين أو ثلاثة، إلا أنّ المسلسل قد جاء مُتتابعًا، كُلّ حلقةٍ تُكمل ما قبلها، وقد خيطت القصصُ بحبلٍ اسمه شبحُ الطفلةِ شيراز، بطلة أسطورةِ البيتِ، لذلك من انتظر نسخةً توأميةً من السلسلةِ لا بد أن يُصاب بخيبةِ أملٍ ثقيلة.

لقد كان مِن الطبيعي أن تخضعَ القصصُ لعددٍ من التغييرات في البناءِ السرديّ، ورسمِ الشخصياتِ، والدوافعِ الدراميّةِ، لأنّ ما تقبله الأوراقُ وأحبارُها، يختلفُ تمامًا عما يُمكن إنجازه على الشاشةِ، ورغم حيوية الفكرة في أن يأتي المسلسل متصلًا إلّا أنّ المعالجةَ الجديدةَ تحملُ عيوبَها الخاصةَ التي لا دخل بالسلسلةِ الأصليّة بِها.

والسؤال الذي لازمني منذ الحلقة الأولى: لماذا لم يأت المسلسل بطريقة الاسترجاع أو الـ”فلاشباك” كما ورد في الأعداد الأصليّة؟ ما المشكلة في أن تبدأ الحلقة الأولى ورفعت إسماعيل عجوزًا يستذكر حياته السابقة وقد امتلأت شقته بالتحف والتذكارات التي جمعها أثناء عمره المديد المليء بالتجارب الخارقة؟ ما هو الإنجاز الدراميّ الذي حقّقه فريق العمل في استبعاد هذه النقطة الأساسيّة؟

إنّ أوّل مشاكل المسلسل هو تضارب الجماهير، فلِمن صنع عَمْر سلامة وزملاؤه عملهم هذا: لقرّاء السلسلة؟ أم لمتابعي نتفلكس من القاراتِ المُختلفةِ؟ أم للجمهور الذي لم يقرأ السلسلة ولا يعرف شيئًا عنها؟ أم كل أولئك جميعًا؟

لقد تسبب هذا التضاربُ في طريقةِ التمهيدِ للشخصياتِ، حيث تمّ إقحامُ معظمها بلا توطئة، وبدون معلوماتٍ مُشبعة، مما أفقدَها حرارتَها وجاذبيتَها.

لقد تفاوتت الحلقاتُ من حيثِ الجودة، ويُمكن القولُ أنّ أقلّها كانت حارس الكهف، ليس من حيثِ الكتابةِ والانتقالِ من الفعلِ إلى ردّ الفعلِ فقط، بل من الصورةِ الكرتونيةِ التي ظهرَ بها حارسُ الكهف أو العسّاس، الذي جاء كغوريلا له زوجةٌ وطفلٌ صغير، حارس الكهف من كتابةِ دينا ماهر ومن إخراجِ ماجد الأنصاري، علمًا أنّ دينا ماهر قد كتبت أسوأ الحلقات وأفضلها أيضًا وهي حلقة العودة إلى البيت التي لا تخلو من العيوب بطبيعة الحال.

أكبر مأخذ يُمكن تسجيلُه ضِدّ المسلسل هو إهدارُ القصصِ التي كان في المُستطاعِ إخراجُها بإبهارٍ مُستحق، فقد تمّ سلخُ قصة الجاثومِ وسلقها، ولم تترك أثرًا يُذكر بعكسِ العدد الأصليّ، كما أنّي لم أحب على الإطلاق النطق العامّي للجاثوم الذي أصبحَ على ألسنة الأبطال الجَسوم، فتحول من اسمٍ مشحونٍ بالغموضِ والقتامةِ، إلى ما يُشبه التدليل لاسمِ المطرب حسين الجسمي.

وتنطبق الملاحظةُ ذاتها على حلقةِ الندّاهةِ (كتابة عُمَر خالد وإخراج ماجد الأنصاري)، فلم يترك النّص المُهروِل مساحةً لإبرازِ دراميّة القصة، ولا للاستغراقِ الضروريّ في هذه الخرافةِ الرائعةِ والمروّعةِ.

والمشكلة ليست في تغييرِ القصةِ ظاهرًا باطنًا عن النّصِ الأصليّ، بل في المعالجةِ الضعيفةِ التي لم تقوَ على حملِ الإرثِ الوجدانيّ لهذه الحكايةِ الشعبيةِ الشهيرة، انتهت القصةُ الأصلية بكشفِ زيف الندّاهة التي اشتركت وزوجها في خداع سكان كفر بدر، أما في المسلسلِ فقد كانت الندّاهةُ شبحًا لفتاةٍ قتلها والدُها بعد أن اغتصبَها أحد الرجال، فجاءت روحُها لتنتقم من رجالِ القريةِ. ألم يكن الأجدر أن تنتقمَ مِن والدِها في المقامِ الأوّلِ!

في نفسِ الحلقةِ أيضًا تَمّ تصويرُ المَصرَف المائيّ في الريفِ عميقًا، ومليئًا بالنباتاتِ، والتجاويفِ الصخريّةِ وكأنّه قاعُ البحرِ الأحمرِ لا مُجمّع مائيّ في قريةٍ فقيرة، وهناك نرى أكثر مشاهدَ الحلقة رداءةً؛ إذ يترك رفعتُ شقيقَه رضا يغرق بينما ينشغلُ هو برفعِ عظامِ الفتاةِ المقتولةِ!

أمّا في حلقةِ حارس الكهف التي تدور في الصحراء الكبرى، فلا حضور لعقربٍ، أو ذئبٍ، أو ثُعبانٍ، ويدخل رفعتُ إسماعيل الكهفَ بسلاسةٍ كأنّه صالة بيته، ثم يكتشف، ونحن معه، أن العسّاس ما هو إلا غوريلا يعولُ زوجةً وطفلًا، ألم يجد صانعو المسلسلِ فكرةً أخرى لتدميرِ أسطورة حارس الكهف؟ أليس في الموضوع استخفاف مُبطّن بالطوارقِ الذين لم يستطيعوا، حسب المسلسل، لعقودٍ طويلةٍ من التمييزِ بين الوحشِ الأسطوريّ والغوريلا حتى يأتي “الأجانب” لإنقاذهم؟ هل تعيش الغوريلات في الصحاري العربية؟

لقد خلت حلقةُ حارس الكهف من أي نواحٍ جماليةٍ أو فنيّةٍ، كان بإمكان الكاتبةِ والمُخرجِ، مثلًا، تصويرُ المشهدِ شديد الرّقة والعذوبة المذكور في النّص الأصليّ حين بكى رفعت بسبب غناء الطوراقيّ صاحب الصوت الشجي رغم عدم فهمه للكلمات، وقد كان ذلك مناسبًا لوجود ماغي، حبيبة رفعت الأزليّة، ود. لوي (لوسيفر).

في حلقتين من أصلِ ستةٍ حضرت سيرةُ العنفِ ضِدّ النساء، في الأولى قتلٌ على خلفية الشرف، وفي الثانيةِ طفلةٌ غير شرعية يحبسُها جدّها في القبو، ولم أُحبّ هذا التناولَ لأنّه استسهالٌ، وبه رائحة “استشراق” غير مُحبّبة.

هناك جملة في الحلقةِ الأولى لم يكن لها أي سياقٍ مناسبٍ، عندما قال طلعت لماغي بأنّه يمتلكُ صورةً لرفعت وهو طفل “بلبوص”، وعندما تعرف معنى الكلمة تسأله: ” هل تحب صور الرجال العرايا؟” فيرد عليها: أوف كورس!   

من ناحيةٍ أخرى كان هناك عددٌ من المشاهدِ التي تستحق التصفيق، أذكر هنا مشهدَ تأمّل رفعت لنافذةِ فندق وِدسُن التي تقيم فيه ماغي بعد أن يقوم بإيصالها، مشهدٌ صغير وبسيط ومُفعم بالعواطف.

وفي نفسِ الحلقةِ نرى رفعت يُعرب عن كرهه للهيل (الحبّهان في اللهجة المصرية)، بينما تضيفه شقيقته رئيفة أثناء الطهي لتعزيز المذاق الشهيّ، هنا إشارةٌ لتنافرِ رَغْبَتَي رئيفةِ ورفعتِ الذي يسيرُ بعيدًا عن خياراتِ أسرته.

أمّا أجمل مشاهد الحلقاتِ الست فقد كان في حلقةِ الجاثوم (كتابة محمود عزّت وإخراج عَمْر سلامة) حين وقف رفعت في ممرٍ مملوء بالدماءِ والجُثثِ مُتحدّيًا الكائن الشيطانيّ وقد حمل حبلًا وفأسًا وسكينًا، بينما الكاميرا تتراجع ببطء مع تصاعدِ الموسيقى البديعة، في الحقيقةِ لم أستطع منعَ عيناي مِن الهطول، إنّه رفعت إسماعيل كما قرأتُه مئات المرات: الشجاع هادم الأساطير في بدلته الكُحليّة التي تجعله فاتنًا، وأعتقدٌ أنّ كل مُدْمِني السلسلةِ يشاطرونني هذه المشاعر.

هناك استحضار لبعض القصص الأخرى التي جاءت في السلسلة، مثل أسطورة الطفل في مشهد طه وهو يرسم منزل الخضراوي، وأسطورة عدوّ الشمس في شخصيةِ د. كمال الذي كان أوّل ظهور له في حلقةِ الندّاهة، كما رأينا الفنّانةَ الجميلةَ هدى المفتي كمريضةٍ نفسيّة في حلقةِ الجاثوم. فهل هذا تمهيد للموسمِ التالي؟ هل ستقوم هدى المُفتي بدورِ الزائرة التي واجهها القُرّاء في حلقةِ الرعب؟

يجدرُ بالذكر أنّ أهم ما وردَ في الحلقةِ الأولى قصيدةُ رفعت إسماعيل الشهيرة التي أهداها لماغي، ويقول فيها بأنه سيُحبّها “حتى تحترق النّجوم وحتى تفنى العوالم”، ولكنّه لا يستطع إكمالها في كُلّ مرة لسببٍ مختلف، وقد أطلق بعض المُعجبين عبارة “حتى تحترق النجوم” على صفحةٍ فيسبوكية مُخصصّة لأعمال أحمد خالد توفيق واقتباساته.

هل المسلسل مسروق!

الاتهامُ بالسرقةِ هو التهمةُ المتأهّبة لأي عملٍ شرق أوسطيّ، وهو يُصيب أحيانًا ويخطئ أحايينأخرى، وقد أورد البعض اتهامات بالسرقة منها تقليد مسلسل “بيت آل هِل المسكون”، وشخصيةُ لوسيفر بطلُ المسلسلِ الأمريكيّ الذي عرضتَه نتفلكس أيضًا، وملامحُ الطفلةِ شيراز التي شبّهوها بسمارا من سلسلة أفلام “ذي رِنغ” الأمريكيّة، بالإضافةِ إلى مشاهدِ الإفزاعِ التي قيل بأنّها تقليدٌ أعمى للأفلامِ الغربيّة، وهذا الاتهام الأخير صحيح وغير صحيح في ذاتِ الوقت، لأنّ كُل أفلام الرعب تُقدّم نفسَ المشاهد منذُ أن ظهرَ هذه “الجانرا” السينمائي على الشاشةِ لأوّل مرة، فإن وجب توجيه الاتهام بالسرقةِ أو التقليدِ فالقائمةُ طويلةٌ جدًا، ولو سألتَ ألف شخصٍ يدّعون عيشهم في بيوتٍ مسكونة فلن تخرج قصصُهم عمّا يورد في هذه الأفلام: أشعر كأنّ أحدَهم يمرّ خلفي بسرعةٍ، أصوات تنادي إسمي، ستارةٌ تتحرك دون هواء، بابٌ يُفتح ببطء، صوتٌ تحتَ السريرِ، كوابيسٌ تملؤها الوجوهُ القبيحةُ والدماءُ.. الخ.

أما بالنسبةِ للطفلةِ شيراز فقد ورد وصفُها في أسطورةِ البيت (العدد الثاني عشر) بأنّها طفلةٌ جميلةٌ بشعرٍ أسود طويل ترتدي ثوبًا أبيضَ، وقد صدر العددُ قبل فيلم “ذي رِنغ” بسنواتٍ، وقد جاءت قبلَ كليهما، العدد والفيلم الأمريكيّ، الطفلةُ مديحة في الفيلمِ المصري “البيت الملعون”، أفضل فيلم رعب عربيّ على الإطلاق، بنفس المواصفات، فهل يعرف أصحاب هذا الاتهام عددَ الإناث اللاتي ظهرن بشعرٍ طويل في هذه النوعيةِ من الأعمال!

أمّا أفلام الرعب التي تدورُ في أماكنِ الطفولة/الماضي فهي أكثر من قُدرتي على العدّ، ولذلك فإنّ اتهامَ المسلسل بتقليدِ ” بيت آل هِل المسكون ” لا أساس له ولا فرع!

بالنسبة للوسيفر فقد ظهر في عدد “حكايات التاروت” قبل ظهور المسلسل الأمريكيّ بعدة سنوات، ولكن يُعاب على ما وراء الطبيعة أنّ لوسيفره يرتدي خاتمًا في إصبعِه الأوسطِ كما لوسيفر الأمريكيّ بالضبط، وبالمناسبةِ فقد راق لي تقديمُ شخصية لوسيفر على دفعاتٍ كما يُكتب اسمه: لوي هو اسمه الأول، ثُمّ والده سي، ثُمّ جدّه فِر.

رفعت إسماعيل بين السيناريو والأسطورة

إنّ أهمَ ما في القصةِ، وجوهرَها، وروحَها، وعمودَها الفقريّ هو رفعت إسماعيل، أيّ عبثٍ بهذه الشخصيّةِ يُفقد السلسلةُ معناها، إنّ قرّاء ما وراء الطبيعة لا يعنيهم إن ماتت شيراز محترقةً في البدروم أم لا، ولا يُقْلقهم إن كان العسّاس يحرسُ نبتةَ الشفاءِ العجيبةِ أم يحمي طفلَه الرضيع، ولا يخصهم إن كانت الندّاهة نصّابة فهلوية أم ضحية اغتصاب، كل ذلك يأتي في الدرجةِ الثانيةِ أو الثالثةِ، أثمن جزء لدى القرّاء هو رفعت إسماعيل، بفرادتِه، ونظّارتِه، وذكائِه اللافت، وخفّة ظلّه، ورؤاه الشخصية، وأمراضِه المُستعصيةِ، ونفوره مِن التجمّعات، وهذا الافتتان بشخصيةِ رفعت وتضادّه التام مع صورة البطل “كامل الأوصاف ” هو ما ضمن تزايدَ القرّاء عددًا بعد عدد.

لقد تمّ تعميق شخصيةِ رفعت إسماعيل في عشرين عامًا، حتى حفظ القرّاء ردودَ فعله، وعلاقاتِه، وجيرانَه، وتفاصيل شُقتَه الكائنة في حيّ الدقي، وعندما مات في العددِ الأخير أقام له بعض المعجبين صيوان عزاء!

 وبالتالي فإنّ تغييرَ جيناتِ هذهِ الشخصيةِ تقصيرٌ دراميّ كبير، كأن تُقدّم جيمس بوند خجولًا، أو ميكي ماوس واعظًا، أو مس ماربل سيّدة متعجرفة.

وقد حالف الحَظُّ عَمْر سلامة والممثل أحمد أمين عند اختيارِ الأخير في دور رفعت إسماعيل، وقد أثبت أمين أنّه الخيار الأفضل بعيدًا عن همهماتِ الاستغراب والتشكيك، رغم أنّه أكثر وسامةً، وحيويةً، بقامتِه الفارعة، وملامحِه الوسيمةِ، حتى بالمُقارنةِ مع رفعت إسماعيل الشاب، وعيونِه الواسعةِ التي تنعكس فيها تعابيرُ الخوفِ، والمفاجأةِ، والحُب.

أحمد أمين الذي حصل على أهمّ أدواره حتى الآن في عامِه الأربعين، سِن النبوّة كما يُقال، قد لحق بركبِ الكوميديانات الذين استطاعوا تقديم التراجيديا باقتدارٍ مثل سناء يونس، وسهير البابلي، وعادل إمام، وجيم كيري، وعبد المنعم مدبولي.

لكن من ناحيةٍ أخرى فإنّ شخصيةَ رفعت إسماعيل قد علاها الغبارُ أحيانًا والسببُ يكمنُ، بالتأكيدِ، في السيناريو والحوار، فمن شاهدَ المسلسلَ ولم يقرأ ما وراء الطبيعة، وهم كثر بالمناسبة، لن يفهمَ سببَ جاذبيةِ رفعت إسماعيل التي جمعتْ له المعجبين من أقطارٍ عربيةٍ عديدة.

كان رفعت إسماعيل شخصيةً غير ملحوظة في التجمّعات لكنّه الأذكى، هو موسوعة المعلوماتِ المتنقلةِ، هو المتململ، وهو صاحب الملاحظاتِ اللاذعةِ خفيفة الظل، كان يشعرُ بالمللِ طيلةِ الوقت، لكنّه لم يكن مُمِلًا على الإطلاق، فلماذا ينام الطلابُ في محاضرتِه؟ لو كان ذلك يخدمُ القِصّة كما رآها صانعو العمل فإلام كانت ترمي؟ حتى لو ورد ذلك في أحد الأعداد، فإنّ تقديمها في الموسمِ الأوّل فكرةُ غير مُوفّقة، لأنّ من أهدافِ المواسمِ الأولى تأسيسَ صورةٍ كاملةٍ عن الشخصياتِ، فما الهدف من تقديمِ رفعت إسماعيل البارعِ في عملِه بينما الطلاب خاملين في المحاضرةِ!

لم ينجح المُخرجان وكُتّاب السيناريو في التعامل بحصافةٍ مع التراكمِ الذي حققه رفعت إسماعيل على مدى عقدين كاملين، وعندما أرادوا تقديمَ خلفيةٍ عائليّةٍ له رأيناه على علاقةٍ غير ودودة مع شقيقِه الأكبر، وهو أمر لا مبرر دراميّ له، فلا هو يُفسّر غرابةَ أطباعه، ولا الظواهرَ الغريبة التي تلاحقه.  

حتى نكاته التي يُلقيها كانت عاديّة في معظمِها، في الحلقة الأولى يردّ على صبي القهوة الذي أخبره بأنّ دلقها خير بـ: ” وهو الخير لازم يعلن عن وجوده بدلق القهوة، ولا الخير عنده ضغينة شخصية مع الكافيين” إنها جملة سمجة، ولم تساعدْ خفةُ ظِل أحمد أمين في تحسينها. 

في مشهد من الحلقةِ الثانيةِ ردٌ ثقيلٌ آخر، عندما يسأل رفعت زوجَ شقيقتِه طلعت عن طريقةِ للتخلّص من علاقةٍ ما، فيستسفر الثاني إن كان المقصود علاقة مع امرأة، فيرد رفعت في سِرّه “لا مع قرد”، رغم أنّ منطقَ النُكتةِ يقول أنّ الرد الساخر المُناسب هو ” لا مع راجل” فهو ظريف ويُناسب الأجواء المُحافظة آنذاك، إلا لو تم استبعاد هذه النكتة اتقاءً لسياسة نتفلكس التي قد ترى فيها سخرية من العلاقات المِثلية فهذا أمر آخر.

قوانين رفعت التي زجّوا بها على طريقةِ قوانين مِرفي، كانت فكرة غير موفقة أيضًا، من الأفضل التخلصُ منها في المواسمِ القادمة، وفوق سوئها فهي لم تكن مُحكمة أو جديدة، يقول رفعت في حلقةِ لعنة الفرعون “قانون رفعت رقم 16: كُل محاولاتِ الهروب من الاستدعاءاتِ الرسميةِ بتبوء بالفشل” بينما في الحقيقة أنّ هذا أمر حتمي، لا دخل لحظ رفعت أو غيره، فلا يُمكن لأحدٍ التنصّلُ من أي استدعاءٍ رسمي في مصر الستينيات ولا بعد ذلك.

في حلقةِ الجاثوم يقدم د. كمال معلومات كثيرة لرفعت إسماعيل، أكثر من اللازم، رغم أنّه قد جاء في المسلسل كطبيب “نُصّ سِوى” حتى أنّ رفعت يسخرُ منه أكثر مِن مرة، لكننا نراه يلجأُ له، ويريه العلامةَ التي تتوسّط صدرَه بعد كابوسِه مع الجاثوم، إنّ هذا لا يتطابق وشخصية رفعت إسماعيل المُعتدّ بعقلِه للغاية، وحتى في حال الاستعانة بالغيركان يُخبّئ لنفسِه الألغازَ الكُبرى ليقومَ بحلّها، وهذا ما كانت تقومُ عليه السلسلةُ أصلًا، والدليل أنّ القصة الأصلية حدثت لشخصٍ مجهولٍ أرسل لرفعت تفاصيلَ حكايتِه مع الجاثوم ليسمع رأيه، فلمَ انقلب الحال في المسلسل!، أنا هنا لا أعترض على تغيير القِصة، أنا أحدد، أو أحاول أن أحدّدَ، أوجهَ قصورِ صُنّاع المسلسل في تشكيلِ شخصية رفعت إسماعيل.  

لقد ذكر عَمْر سلامة في إحدى اللقاءاتِ بأنّ التدخين كان صفةً لصيقةً برفعت إسماعيل لا يُمكن تنحيتها، لأنّ ذلك يمسّ الشخصية التي عشقها الجمهور، ولذلك يا عَمْر سلامة كان من الأولى التعامل مع صفاتِه الشخصية بنفس القدر من التقديس.

لم يعدم المسلسل بطبيعة الحال عددًا من المشاهد التي تستحق التنويه، منها مثلًا عندما يرفع رفعت الهاتف ويُغلقه بسرعة حتى تنقطع المكالمة قبل أنْ يعرفَ هوية المتصل، لو عُرض هذا المشهدُ في قاعةِ سينما لسمعنا ضحكات الجمهور.

مشهد آخر كان “رفعتيًا إسماعيليًا” للغاية، عندما كان الضيقُ يخيم على طاولة الغداء التي بترها ضياعُ طه، وصفارةُ الغارات، وسيرةُ شيراز المشؤومة، فيكسر رفعت الصمت الثقيل بسؤالِه: “إيه. فين الحلو؟”

رفعت إسماعيل ومن حوله

إنّ فريق الممثلين وعلى رأسِهم أحمد أمين، قد أنقذ المسلسل أيّما إنقاذ.

ماغي ماكيلوب (رزان الجمّال) أهم ما يريدُه القرّاء فيها أن تكون كما وصفَها حبيبُها رفعت إسماعيل؛ “تمشي على العشبِ دون أن تثني عودًا واحدًا”، وقد كان ذلك بالفعل، حتى لهجتها العربيّة المتعثّرة لطيفة وقد تم تبريرها جيدًا.  

سماء إبراهيم (رئيفة إسماعيل)، ورشدي الشامي (رضا إسماعيل)، وشريف الدسوقي (صلاح الطوخي) كانوا متوهجّين للغاية، هبة الدسوقي في دور الشقيقتين والندّاهة، جاءت ساحرة فعلًا كما وردَ وصفُها على لسانِ المؤمنين بها.

 أحمد داش الممثل الشاب الذي أكملَ عامَه العشرين الشهر الماضي أجاد دورَه رغم مشاهده القليلة في الحلقةِ الأولى.

 آية سماحة التي كانت أجمل من هويدا في القصةِ الأصليّةِ قدّمت دورًا يستحق الإشادة، ومن رأى آية سماحة كفتاةٍ تلهو بالرجال في مسلسل “هذا المساء” سيعرف قدرةَ هذه الممثلة الحرباء.  

يجب تقديمُ الشكر كذلك لسلافة غانم، وعبد السميع عبد الله، وباتع خليل، وسالي عقيل، وأمجد الحجار، وخالد إبراهيم، ونسمة هركي، وهشام زكي وغيرهم كثير.

بل حتى السيّدة التي قامت بدورِ والدةِ رفعت إسماعيل، قد أضافت إلى الأجواءِ ما يلزمُها من كآبة، رغم أنّها لم تقل حرفًا ولم تحرّك إصبعًا، وتخيّلتها وهي تنوحُ عند وفاة زوجها، كما ورد في أحدِ الأعداد، مُحركةً رأسها يُمنى ويُسرى وتتساءل في جزع كيف ستستطيع تربية الأبناء بمفردها.  

اختيار كريم الحكيم في دور لوسيفر كان موفقًا أيضًا، لأنّه رجلٌ بجاذبيةٍ خاصّة أكثر من كونِه وسيم، لافت لكنّه ليس، بالضرورة، جميل الشكل.

قامت بدورِ نرجس والدةِ الطفلةِ شيراز المُمثّلةُ السعوديةُ فاطمة البنوي (بركة يُقابل بركة)، وهي ممثلةٌ، وباحثةٌ، وناشطةٌ في التطويرِ الاجتماعي، وقد راق لي أن تأتي مُمثلة سعودية في مسلسلٍ مصريّ بدورِ ابنة باشا، وليس مُستثمرة ترتدي العباءةَ السوداءَ، أو سائحة تصرفُ أموالَها الطائلة هناك.

قدّمت ريم عبد القادر (الطفلة شيراز) أداءً مُؤثّرًا في مشهدِ احتراقِ القصرِ رمّم النقائصَ في مشاهدِها السابقة، وقد أدّى كُلّ الأطفال أدوارَهم بمهارةٍ جيّدةٍ إلى حدٍ كبير.

في المسلسلِ مجموعةٌ من المشاهدِ المُخيفةِ التي قُدّمت باحترافٍ وجِدّةٍ، منها مشهد سقوط شيراز على الحجرةِ على وجهها بقوّة ثم ضحكها المتواصل وكأنّ شيئًا لم يكن، ومشهدُها وهي تمدُّ لسانَها بتلك الطريقةِ الشيطانيةِ بعد أن منحها الطفلُ إبراهيم توتًا أحمرَ، ومشهدُ اللقاءِ الأوّل بينها ورفعت الطفلِ تحتَ الشمسِ الساطعةِ وهي تقفُ على البوابةِ منذُ ثلاثين عامًا.

كان هناك بعض الأخطاء لكنّها لَم تؤثر على مسارِ القِصّة، منها مثلًا الخطأ في اسمِ رئيسِ تحرير جريدة الجمهوريةِ في 1969.

لا بدّ من الإشارةِ هنا إلى الخطأ الذي وقعَ فيه الكثير لاعتبارهم ما وراء الطبيعة أوّل مُسلسل رُعب عربيّ، وهذا غير صحيح، فقد سبقه مُسلسل “أبواب الخوف”، وهو تجربة تلفزيونيّة بديعة لم تحظَ بالانتشارِ الذي تستحقه لسببين أو ثلاثة أهمها توقيت عرضه الذي كان في يونيو/ حزيران 2011 في السنةِ التي قلبت منطقتنا على وجههِا، وهو بالمناسبة يتفوقُ على ما وراء الطبيعة في نواحٍ عديدةٍ.

فرقة أخرى للإنقاذ!

لقد قدم الموسيقيّ خالد الكمّار أكثر من ثيمة موسيقية، وكلها تستحق أطنان التحايا، التصوير كان على درجة ملحوظة من الإبهار (أحمد بشاري) مع المونتاج الممتاز (أحمد عصمت)، هناك أيضًا الأثاث الذي نجح في نقلنا إلى زمن الستينيات الجميل (مهندس الديكور علي حسام علي)، وكذلك الألوان البارعة (أحمد عصام) والملابس المُناسبة للغاية (دينا نديم)، باستثناء الشعر المستعار لماغي والطفلة شيراز، وتحية خاصة لمهندس الصوت أحمد عدنان، وخبيرَيْ الماكياج والمؤثراتِ الصوتيةِ دنيا صدقي وإسلام اليكس.

حتى تحترق النجوم وحتى…

لقد مرّ أكثر من أسبوعين على العرضِ الأوّل للمسلسل ومازال النقاشُ يدور بين الرفضِ والقبولِ، بين السخريةِ والإطراءِ، بين الاعتزاز بأول عمل مصريّ أصليّ من إنتاج نتفلكس والتبرؤ منه لأنّه سيفضحنا أمامَ “الأجانب”، لقد حمل الموسمُ الأوّل عيوبًا كثيرة معظمهما في السيناريو والكتابة، لكن حسناتَه ما زالت الأكثر، مريدو السلسلة، وأنا منهم، سيغفرون لصانعي المسلسلِ لأجلِ عيون الدكتور وعجوزه رفعت، فأمام عمر سلامة وزملائه فرص أكبر لردمِ الفجوات وتلافي العيوب، إذْ يجب عليهم في المراتِ القادمةِ النحتُ أكثر في ملامحِ الشخصيات، وصياغةُ التوتر الدراميّ بصورةٍ أكثر إقناعًا، واستغلالُ الثروةِ الدراميةِ المُختزنةِ، ومحاولةُ تقديم الخلطة الذهبية التي استطاع أحمد خالد توفيق توليفها، فالعمل الناجح ليس فقط كادرات جميلة وملابس مواتية للفترة وللمزاج النوستالجي الغالب، إنّه سباحة ماهرة بين ضفتي الواجب والأكثر وجوبًا، ورغم عيوب المسلسل، فلا فكاك من محبةِ رفعت إسماعيل العجوز وأفاعيله، وسأمِه من البشرِ وسخافاتِهم، ونحنُ في انتظار المواسمِ القادمة، حتى تحترقَ النجومُ وحتى تفنى العوالمُ.

Visited 31 times, 1 visit(s) today