“العارف”.. مراهقة مخابراتية مغلفة بالوطنية

Print Friendly, PDF & Email

يستمر أحمد عز في مسيرته الوطنية – وفق المفهوم الخاص للبعض – في الدراما المصرية من خلال فيلم “العارف – عودة يونس” الذي طرح في دور العرض المصرية مؤخرا ليكمل به نجم الشباك المصري منذ أعوام مشواره مع الأعمال التي تندرج تحت مسمى دراما الأمن القومي والمأخوذة من عمليات أجهزة الأمن والمخابرات المصريين ليقدم العمل الرابع.

كانت البداية من خلال فيلم “الخلية” عام 2017 عندما قدم دور سيف الضبع الضابط في وحدة العمليات الخاصة، ثم فيلم “الممر” في 2019 الذي قدم خلاله إحدى عمليات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، والعمل الثالث كان الجزء الأول من مسلسل “هجمة مرتدة” الذي عرض خلال الموسم الرمضاني الأخير وهو الذي يتناول دور المخابرات العامة المصرية في كشف المؤامرات الخارجية قبيل ثورة يناير 2011، وتم الإعلان عن وجود جزء ثان من المسلسل في شهر رمضان القادم، هذا بالإضافة إلى عملية “الكوبري” الذي أنشأته شركة سينرجي عندما جعلت شخصية سيف العربي “الدور الذي قدمه عز في المسلسل” تظهر في إحدى حلقات الجزء الثاني من مسلسل “الاختيار” الذي عرض في نفس التوقيت.

يلتمس فيلم “العارف” مع مسلسل “هجمة مرتدة” في ثلاث نقاط الأولى غير أن البطل هو أحمد عز الأولى كلاهما من عمليات المخابرات وفي العملين يقدم عز شخصية مواطن عادي يلتحق بالعمل المخابراتي لأسباب خاصة والنقطة الثالثة العملين لنفس المخرج وهو أحمد علاء الديب، لكن الاختلافين الرئيسيين في الفارق الزمني فالمسلسل تفاصيله قبل 2011 أما الفيلم بدأت أحداثه عام 2013، صحيح أن الفارق الزمني ليس ببعيد لكن مصر في تلك الفترة تغيير المشهد السياسي والأمني فيها بسرعة كبيرة.

يحمل فيلم “العارف” نفس إشكاليات الأعمال المأخوذة عن ملفات المخابرات بشكل عام وأعمال أحمد عز “الوطنية” السابقة بشكل خاص حيث تحتوي على نبل الإطار العام من عملية استخباراتية باسلة تمنع في النهاية خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي لكن الأزمة تكمن في الحبكات الدرامية التي بها استسهال واستخفاف وتكلف، جميل أن يرفع فنان لواء تقديم أعمال عن دور الأجهزة الأمنية في حماية الوطن لكن الطريقة التي تقدم بها هذه الأعمال لا ترتقي لحجم البطولة والصعوبات والمعاناة التي تواجه الأبطال في الأعمال الحقيقية وتظهر كأنها مراهقة مخابراتية ليس أكثر حيث أنها تفتقد أهم التفاصيل البسيطة التي نقرأ عنها ونعلمها عن عالم المخابرات والتجسس، رغم أن معطيات الصراع اختلفت عن السابق فحرب المعلومات أصبحت أكثر ابتكارا والتجسس من خلال عمليات الاختراقات على النترنت يمكن أن تفجر دراما عظيمة مثلما جاء على لسان بطل الفيلم في البداية.

يبدأ فيلم “العارف” بمحاضرة طويلة متكلفة كنوع من التمهيد على لسان يونس الشهير بالعارف “أحمد عز” المتخصص في أعمال القرصنة على الانترنت “هاكر” وتستعين به أجهزة الأمن لتنفيذ العمليات حتى يقوم بتطوير أدائه ليصبح متخصص في عمليات التجسس القتالية حيث ينجح بالإيقاع برئيس شبكة تحاول اختراق بعض الجهات السيادية في مصر يدعى راضي “أحمد فهمي” واسمه الحركي “غازي” الذي توصل إلى اتفاق مع إحدى الجماعات المتطرفة في ليبيا للحصول على معلومات حول موقع للأسلحة الثقيلة ومن ثم دخوله إلى الحدود المصرية.

كما ذكرت في البداية عملية قومية بطولية لكن تظل الأزمة كيف ظهرت على الشاشة؟، كيف تم توظيف العملية أو المعلومات المخابراتية دراميا؟، كيف تعامل السيناريست محمد سيد بشير مع شخصياته والبناء الدرامي لهم؟ .. ماعدا شخصية يونس التي لم يظهر حتى سبب اختيار الاسم الحركي لها “العارف” والذي هو للمفارقة عنوان الفيلم، بقية الشخصيات ظهرت دون أي تأسيس يساعد على فهم تطورها لدرجة جعلت ظهورها باهتا بلا روح وملامح ويأتي في مقدمتهم شخصية مراد “محمود حميدة” التي أيضا قرر صانعوا الفيلم انهاء الدور فجأة وبدون أي تمهيد، وشخصية عمر “أحمد خالد صالح” التي لم يكن لها أي تأثير في مجريات الأحداث رغم أنه عمليا هو الذي يقود العملية فقد اقتصر دوره على مجموعات توجيهات وتعليمات أمام شاشات المراقبة الضخمة، والفارق كبير جدا بينه وبين والده الراحل “خالد صالح” الذي حتى عندما تواجد كضيف شرف أو في أدوار صغيرة كان وجوده مؤثرا جدا نظرا لموهبته الكبيرة عكس الإبن الذي لم يترك بصمة حقيقية حتى الآن برغم ظهوره على الساحة منذ فترة.

حتى تكتمل لوحة الحضور الباهتة أقحم صناع الفيلم شخصية نسائية وهي مايا أو شام التي قدمتها الممثلة اللبنانية “كارمن بصيبص”، انتهى الفيلم وظل التساؤل عن جدوى وجودها وإذا لم تكن موجودة من الأساس هلى ستحدث فارق ؟، بالتأكيد لا، الخط الوحيد الذي حظى باهتمام أثناء الكتابة كان الخاص بأسرة يونس وخصوصا علاقته بابنته وشعوره بالذنب تجاه طليقته بعد أن تسبب في وفاة والديها لدرجة جعلته يفقد الثقة في مسألة التعاون لخدمة الوطن.

تنقلت الأحداث طوال الساعتين ما بين عدة دول مصر، ليبيا، بلغاريا، إيطاليا وأخيرا ماليزيا لمجرد إظهار مدى صعوبة العملية التي هي في الواقع بالتأكيد كانت صعبة لكن على الشاشة غرق العمل في النمطية والاستسهال ليظهر صعوبة العملية الحقيقية، لم يكن هناك أي اهتمام بأدق التفاصيل حتى الخاصة بالعمل المخابراتي الذي من أبسط قواعده عدم إرسال عميل مكشوف أو بالمعنى الدارج “محروق” لتنفيذ ومراقبة مصدر يعرفه شكلا وموضوعا، والأدهى من ذلك أن يونس يسافر وراء راضي في كل مرة وهي تفصيلة تحمل استخفاف بعقول المشاهدين وتنسف الفيلم من الأساس.

ظهر الكثير من التكلف والمبالغات التمثيلية في الأداء أثناء المشاهد التي جمعت الثنائي أحمد عز وأحمد فهمي بعيدا عن الأكشن احتوت على عبارات طويلة مطاطة تحمل جزء مزعج من الخطابة دون أن يكون لها أي تأثير درامي، وعلى النقيض جاء الظهور البسيط لضيفي الشرف محمد ممدوح في دور “علي” ومصطفى خاطر في دور “أسعد” ممتعا خفيفا أضفى خفة ظل على الأحداث.

برع المخرج أحمد علاء الديب في تنفيذ مشاهد الأكشن والحركة على مدار الأحداث حتى وإن كان بعضها مقحما لكن اختيارات علاء في زواياه وكادراته لتصوير هذه المشاهد كان جيدا ونجح في ظهور صورة مبهرة من خلال التنوع في استخدام الكاميرات “الدرون” و”الشولدر”، لكن جودة تنفيذ هذه المشاهد لم يكن كافيا من إنقاذ الفيلم من الغرق.

يظل نفس السؤال المتكرر حول نجاح مسلسل “رأفت الهجان” دون غيره وهذا ليس فقط لأن رفعت الجمال “الشخصية الحقيقية” كان يحمل زخم التجربة في التجسس أو لكاريزمة وموهبة محمود عبد العزيز “بطل العمل” أو لأن ظروف انتاج الدولة وقته كانت مختلفة، نعم كلها عوامل مساعدة لكن تبقى النقطة الأساسية تتمركز حول موهبة الكاتب الراحل صالح مرسي وتعامله الحرفي مع كل شخصيات المسلسل بما فيهم الإسرائيليين وإظهار ازماتهم من خلال تأسيس درامي شيق فقد ظهرت شخصية “أورلو زوروف” مختلفة عن “يوسف الأزرع” عن “سيرينا أهاروني”، مع بقية شخصيات هذا العمل، لهذا لم يستطع أي عمل آخر ان يحقق نفس النجاح برغم المحاولات المتتالية لمؤلفي الدراما لكن كلها سقطت في فخ التقليدية والنمطية والاستسهال، ويعد أحمد عز أكثر فنان في الجيل الحالي اقترن اسمه بهذه التجارب “الوطنية” مؤخرا مع ذلك يبقى فيلم “ولاد رزق” بجزئيه الذي ظهر بعيدا تماما عن “الوطنية” وكان أبطاله من بسطاء الحارة المصرية أفضل أعماله منذ فيلم “الحفلة” في 2013.

Visited 91 times, 1 visit(s) today