عن فوائد مشاهدة الأفلام القديمة
من المشاهدين فئة أصابها الملل من الأفلام الحديثة وتشابهها، أو شاهدت معظم أفلام العام وتريد أن ترى شيئًا مختلفًا. هنا قد يقابلها اختيار أن ترى “فيلمًا قديمًا”. ولكنْ قد يعوقها عن هذا حرج في نفسها؛ فتحسّ كأنّ عقبة بينها وبين فكرة “الفيلم القديم”. وتتردد في وعيها جُمَل من مثل: فيلم قديم يا للملل!
لا يمكن احتمال الفيلم القديم. وأعتقد أنَّنا هنا يجب أن نقف وقفة مع أنفسنا لنفكِّر: ما معنى الفيلم القديم أصلاً؟ وهل هناك أفلام حديثة قديمة؟ وما الذي سأستفيده إذا قررت أن أشاهد فيلمًا قديمًا وأكسر هذا الحاجز الذي بيني وبينه؟ هذا ما سنحاول معًا الإجابة عنه.
ما معنى الفيلم القديم؟
هذا المصطلح “فيلم قديم” واسع الدلالة جدًّا؛ للحدّ الذي لا يصلح معه وصفه بـ”مصطلح”. لسبب واضح كل الوضوح: هناك معايير عديدة عند المشاهدين، وعند الأوساط النقديَّة لاعتبار أيّ فيلم “فيلمًا قديمًا”، فهناك نوعان أو تصنيفان يسكَّان مصطلح “الفيلم القديم”:
- الفيلم القديم زمنًا: وهو الفيلم المتقدم عن زمننا الحاليّ في الإنتاج والعرض.
- الفيلم القديم رؤيةً ومعالجةً: وهو الفيلم الحديث الذي قد يكون صادرًا عن عامنا الآنيّ لكنَّه يتضمَّن أنواعًا من القِدَم.
أنواع القِدَم في الفيلم الحديث:
- قِدَم الموضوع: وفيه يعالج الفيلم موضوعًا قديمًا.
- قِدَم الرؤية: وفيه يتبنى الفيلم رؤية قديمة.
- قِدَم المعالجة: وفيه يستخدم الفيلم أسس معالجة قديمة، ما عادت تستخدم بعد.
- قِدَم الفنيَّات أو التقنيَّات: وفيه يلجأ الفيلم لفنيَّات وتقنيَّات قديمة؛ إمَّا عن قصد من صُنَّاعه، وإمَّا عن قصور وقلة حيلة ومحدوديَّة المهارة.
ولهذا تجد مَن يعلِّق على فيلم يخرج من عرضه في يومنا هذا قائلاً: أحسّ أنه فيلم قديم. ولهذا أيضًا تجد في بعض الأعمال الكوميديَّة قدمًا في آليَّات ووسائل الكوميديا؛ فتكون النتيجة أنك لا تضحك، أو أنْ تضحك على استحياء. ولهذا ولهذا.
بالقطع نحن هنا لسنا في سياق الحديث عن القدم الفنيّ إنَّما عن القدم الزمنيّ. وهنا يبقى سؤال: ما هو الحد الزمنيّ الذي به نعتبر الفيلم “قديمًا”؟ هذا أمر ليس محل اتفاق على وجه الحسم والقطع. وبالعموم قد نقول إنَّه الفيلم الذي مرَّ عليه عِقد (عشر) من السنوات فأكثر.
وهنا نقف لنسأل: ما هي الإفادة في مشاهدة الفيلم القديم؟ أو ما الذي يجعلني أشاهد فيلمًا قديمًا؟
- ستساعدك على معرفة الجيِّد من غير الجيِّد في مجال الأفلام. ذلك لأنَّك بها ستشاهد أكثر؛ وكلَّما شاهدتَ أكثر كلَّما عرفت كيف تحدد العمل الجيِّد من الرديء. كالقراءة تمامًا فقد تقول: يا له من كتاب عظيم فور قراءتك لكتاب من الكتب. ويكون سبب قولك أنَّك لم تكن مطلعًا كفايةً للحُكم. ثم تقرأ أكثر فتجد أن ما قرأت لمْ يكنْ عظيمًا، بل لمْ يكن جيِّدًا حتى.
- ستجعل مشاهداتك للأفلام حسب المعيار الصحيح وليس الخاطئ. فالمعيار الصحيح لما تقرر أن تشاهده أو تقرأه هو الجودة، وليس الحداثة. وبالقطع يخطئ مَن يظنّ أن الأفلام الحديثة أفضل من القديمة فقط لقدم هذه وحداثة تلك؛ على أساس نظرة للتطور في مجال تقنيات السينما الآن.
ونظرة واحدة على قوائم أفضل الأعمال السينمائيَّة في التاريخ ستطلعك على أن كثيرًا من أعظم الأعمال في التاريخ قديمة، بل قد تراها قديمة جدًّا. وعلى سبيل المثال قائمة أعظم الأفلام على موقع “IMDb” تضم ثمانية من أصل عشرة أفضل أفلام في التاريخ كلها من الألفيَّة السابقة. وبهذا ستعلم أن المعيار هو الجودة وليس الزمن. وبالقطع الكلام هنا لا يتعلِّق بالأعمال القديمة الرديئة. وبالعموم شاهدْ العمل الأجود، من دون أن تجعل الزمن معيارًا.
- سترى أفضل ما قدَّمه صُنَّاع السينما. هذا القول ليس مبالغة مني لسبب واضح؛ هو أنَّ الأعمال القديمة -السينمائيَّة والفنيَّة عمومًا- هي التي خضعتْ لكل اختبارات الجودة. وأكبر اختبار جودة لأيّ عمل هو “مرور الزمن” وهو وحده القادر على إبانة العمل الجيِّد وإسقاط العمل الرديء. فقد تعجب بعمل ما الآن لكن عندما تعود إلى رؤيته بعد مدة -طالتْ أو قصرت- تغيِّر من وجهة نظرك تمامًا. وهذه الأعمال القديمة الجيِّدة قد مر عليها زمن طويل، وأتى بعدها كثير من الأعمال الأحدث التي تنافسها ولمْ تسقطْ بل بقيت محتفظةً بألقها وتفوقها حتى يومنا هذا (أقصد الأعمال القديمة الجيدة فقط).
- ستوفِّر لك التنوع البصريّ والفنيّ الذي تفقده عندما تحصر نفسك على رؤية لون معين من الأفلام، أو حقبة معينة منه. والحقيقة -ومع التجربة- ستجد أثر هذا العامل بنفسك على رؤيتك للأعمال جميعًا القديم منها والحديث.
- سترى ما كانت عليه السينما قديمًا. وقد يبهجك هذا مثل رؤية المراحل المتعددة لتلوين الأفلام (الفيلم المُلوَّن)، وأيضًا لأساليب معالجة الأفكار والمشاعر. ومثلاً جرِّبْ أن ترى فيلمًا قديمًا صامتًا مثل أفلام “شارلي شابلن”، أو “لوريل وهاردي” وسيدهشك كيف استطاعوا نقل كل شيء بلا أدوات -تقريبًا- بلا حتى “الحوار” وهو الأداة الأشدّ أهميَّةً واستخدامًا؛ وقد احتاج غيرُهم لكل هذه الأدوات للتعبير عن نفس الأمور، أو حتى لمجرد الإضحاك.
- ستعرف بعضًا من القضايا والمشكلات التي مرَّتْ بها ثقافتك -في الأفلام المحليَّة-، أو ثقافة غيرك -عند مشاهدة أفلام الثقافات الأخرى- التي لمْ تكن تعلمها، ولمْ تدرِ أنها وقعتْ. وهذا جانب إفادة معرفيّة لمشاهدة القديم.
كانت تلك بعض الفوائد التي تحصلها عندما تشاهد الأفلام القديمة.