“أوريغامي” والوقوع في المستقبل

Print Friendly, PDF & Email

قدّم المخرج الكندي باتريك ديمرز فيلمه الطويل “أوريغامي” بعد فيلم طويل آخر بعنوان jaloux )غيور( بسبع سنوات، وانشغل قبلها بتقديم مجموعة أفلام قصيرة وأفلام أنيمي ووثائقيات. لكن ما العلاقة التي تربط بين اسم الفيلم الذي يعني فن قص وتشكيل الورق بالدراما النفسية التي يحكيها لنا الفيلم؟ يتعرض ديفيد لحدث مؤلم ويكتشف بعد خروجه من ذلك الظرف الصعب أن لديه القدرة على السفر عبر الزمن بمساعدة عالم ياباني بحيث يتمكن من رؤية أحداث مستقبلية تقع له ولمن له علاقة بهم. يحاول الشاب الذي فقد ابنته في الحادث أن يفهم كيفية التحكم في هذه القدرة النفسية الغريبة وما يمكن أن تجلبه له في حياته. لذلك فإنه يتوجب عليه أن يعود إلى لحظة في غاية الدقة، لحظة تغير فيها مجرى حياته جذريا في الوقت الذي كان يعيش على اهتمام مستمر من والده الذي نصحه الأطباء بمتابعته بدقة.  

فكرة الفيلم جذابة بلا شك، وهي تلمس موضوعا يثير في جميع الناس شغفا كبيرا للمعرفة. معرفة المستقبل، والقدرة على فهم البعد الثالث لحياتنا بينما نحن لا نزال في الحاضر. غرائبية الفيلم، انفتاحه على النفسي والمستقبلي، الفلاش باك الذي يعيدنا بشكل خاطف إلى أحداث سابقة انطلاقا من قوة التأمل التي حصل عليها ديفيد كلها مثيرة للاهتمام فديفيد رجل يعيش جرحا قاسيا، وهو في حالة من اليأس لسبب من لا يفهمه. ولا يستطيع أحد أن يفسره له كما ينبغي الكثير من الخيالات والرؤى والمشاهد التي تأتي فجأة دون موعد، قد يراها البعض قصة معقدة، لكن الكثير من نقاد السينما في فرنسا خاصة رأوا أن الفيلم تم تركيبه بطريقة فوضوية لدرجة أن اهتمام المشاهد يتلاشى بسرعة على الرغم من وجود هذه المفاجآت.

وإن شئنا أن نكون أقل حدّة فإنّ الفيلم من الصعب ترويضه في قالب خاص أو فهم واضح إنه دراما تأملية أكثر من كونها حيوية. تعتمد على الاستبطان الداخلي لا على الحركة وكان من الممكن بسهولة حذف بعض الزوائد المشهدية من السيناريو الذي كتبه أندريه جولوني وكلود لالوند لأنها تبدو عديمة الفائدة وقد يميل البعض إلى القول أنّ أوريغامي كان يمكن إنتاجه كفيلم قصير رائع على غرار الأفلام السابقة لباتريك ديمرز بدل تعريض المشاهد لفقدان الاهتمام بعمله بعد كل مشهد يمضي. الإقناع كان غائبا في الكثير من مشاهد الفيلم مع أنّ المخرج حاول أن يلعب مع جمهوره في منطقة جميلة ومربكة بين الجنون والخيال العلمي لكن الرغبة النبيلة وحدها لا يمكن أن تصنع لنا فيلما ناجحا.

تمثيلا يحسب لفرانسوا أرنو الذي فاجأ محبيه بداية سبتمبر 2020 بأنه “ثنائي الجنس” في خرجة عير متوقعة أنه نجح بشكل مثالي في استيعاب دوره بين قساوة اللحظة واحتمالية الجنون وحدث خارق يسمح بوجوده لقاؤه مع مؤلف ياباني (ميلتون تاناكا) الذي جعله يعرف أن لديه القدرة على السفر وفقًا لجدوله الزمني الخاص. وتجسيده بطريقة في غاية الاحترافية وتمكن من جعل هذه الشخصية المعذبة قابلة للتصديق وتحببها للمشاهد كما يُحسب لنورمان دامور في دور والد ديفيد الأداء القوي والمقنع. فعلى الرغم من قسوة اللحظة ينبه النقاد أن العلاقة بين الأب والابن في هذا الفيلم سخية وملموسة.

نقطة مضيئة أخرى في هذا الفيلم وهي الموسيقى التصويرية التي قدمها بامتياز المؤلف الموسيقي الكندي من أصل هندي راماشاندرا بوركار، فمنذ البداية يوحي بالغموض والتوتر والسقوط بين كرسيين كما يقول المثل الفرنسي.

الفيلم دراما حميمية تم تصويرها بميزانية منخفضة وبدون الكثير من المؤثرات البصرية اعتمدت بشكل على الأداء القوي لفرانسوا أرنو بينما ضيّع الكثير من نقاط الجمال عندما أعطى لنفسه وقتا طويلا بدل الاختصار.

Visited 40 times, 1 visit(s) today