“الثقب”.. حين يبحث العالم عن مخبأ
بفيلمه الرابع “الثقب” The Hole (1998)، الذي حاز على جائزة النقاد العالميين في مهرجان كان (مع أنه كان مرشحاً للفوز بالجائزة الكبرى)، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان شيكاغو، يقدّم تساي مينغ ليانغ عملاً ذا منحى خيالي علمي، لكنه يجرّد هذا النوع من عناصره الأساسية المألوفة، ليعرضه ضمن رؤية خاصة به، حيث من خلاله يلقي نظرة حزينة على مستقبل الإنسان. يقول تساي: “الفيلم نابع من رصدي للناس وهم يعيشون في وحدة تامة، وكل فرد منهم يوجد في عزلته الخاصة. هذا ما لاحظته في تايبيه”.
تدور أحداث الفيلم – القريب من العالم الكافكاوي، بأجوائه السوريالية – في العاصمة تايبيه، في الأسبوع الذي يسبق حلول العام 2000، وتحديداً في مبنى مشتمل على عدة شقق نزح معظم قاطنيها بسبب تفشي وباء، أحدثه فيروس غامض، يسمّى الفيروس التايواني، قد يبدأ بأعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا، ليتحوّل ويفضي بالمصابين به إلى الخوف من الضوء، ويجعلهم يزحفون هنا وهناك مثل الحشرات، بحثاً عن مخبأ، ويتصرفون، بشكل عام، كالصراصير، حتى يفضي بهم إلى الجنون والموت. الفيروس لا يؤثر في الصحة البدنية فحسب، بل أيضاً في الحالة العقلية للأفراد. المصاب يفقد، شيئاً فشيئاً، إحساسه بذاته، ويخبئ نفسه تحت أكوام من الأشياء. إنه يكفّ عن الاستجابة إلى المصادر والمؤثرات الخارجية، كما يعجز عن الاتصال بالآخرين. وهذا الوباء يجبر حكومة تايوان على فرض الحجْر الصحي على مناطق واسعة من العاصمة تايبيه.
أفلام الإثارة أو الرعب أو الخيال العلمي، في السينما التجارية، استغلت الخوف من الأوبئة والأمراض المعدية في العديد من الأفلام، ذات الحبكات والثيمات المتشابهة، التي يمكن التنبؤ بها بسهولة: فيروس خطير، مهلك، يتسرب من معمل سرّي يطوّر أسلحة بيولوجية. الفيروس يبدأ في الانتشار والفتك بالناس، في حين يسابق العلماء والأطباء الزمن لاكتشاف لقاحات تحتوي الوباء وتنهيه. المصابون يتحولون إلى مخلوقات منزوع عنها الصفات الإنسانية، أو إلى زومبي. وقد يؤدي انتشار الوباء إلى فناء الجنس البشري.
لكن تساي مينغ ليانغ غير مهتم بتحقيق فيلم إثاري، أو حتى درامي واقعي عن الوباء. وهو لا يسعى إلى استثمار مخاوف الناس، بقدر ما يريد من متفرجه أن يعي الحالات العبثية، اللامنطقية، اللامعقولة التي تسود في وضعٍ استثائي ينتشر فيه وباء غامض وخطير، يؤدي بالمصابين به إلى التصرّف بغرابة وعلى نحو لا عقلاني. كما يتطرق الفيلم إلى المسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع والحكومة والميديا في مثل هذه الأحوال.
الفيلم يبدأ بشاشة خالية، فيما نسمع خارج الكادر صوتاً صادراً من الراديو يعلن تفشّي مرض معْدٍ سببه فيروس غير معلوم مصدره. الصوت يحذّر السكان من شرب مياه الحنفية، ويؤكد على ضرورة الحجر الصحي الفوري للمواطنين المصابين بالفيروس، ويحثّ الناس على الابتعاد عن المناطق الموبوءة.
في الواقع، الأحداث تنحصر في شقتين، إحداهما يقطنها رجل (لي كانغ شينغ) وفي الطابق الأسفل، تقطن الشقة امرأة (يانغ كيوي مي). يفصل بين الشقتين ثقب أحدثه سمكريّ، أثناء بحثه عن مواضع التسرّب، لكنه لم يكمل مهمته، فتركه مفتوحاً دونما تغطية.
الرجل والمرأة (كلاهما لا يحمل اسماً) هما الوحيدان اللذان رفضا (لأسباب لا يوضّحها الفيلم) أن يتركا سكنهما، علماً بأن المنطقة كلها خاضعة للحجْر الصحي، والحكومة تهدّد بقطع المياه عن المساكن اعتباراً من فجر الألفية. لكن المطر المتواصل يغمر المبنى السكني ويفيض داخل الشقق، في تعارض تهكمي مع التهديد بانتهاء مخزون الماء.
الاثنان الآن يعيشان وحدهما، كل بمفرده، منذ أن غادر الأهل والأصدقاء والجيران. حياة فارغة، خالية من المتع والتواصل مع الآخرين. إنهما يعيشان في حالة بائسة، وفي ظروف صعبة، غير إنسانية، وفي ظل تهديد دائم من الوباء ومن المناخ ومن تداعي المسكن.. بينما المجتمع يتحلّل ويتفسّخ، والناس ينزحون.
عندما ترك السمكريّ ثقباً في أرضية الشقة، من دون سدّها أو تغطيتها، فإنه في الحقيقة فتح ممراً بين شقة الرجل وشقة المرأة الكائنة في الأسفل، واللتين يتسرّب إليهما المطر على نحو متواصل، وهذا الثقب كان يمكن له أن يكون قناة تواصل بين الكائنين، رغم صعوبة التواصل هنا.
ضمن هذه العلاقة الغريبة بين الشخصين، نشهد مشاعر التنافر، الخصومة، الفضول، الرغبة، خيبة الأمل، اليأس.. مشاعر مكبوحة لا تجد لها منفذاً.
الرجل يتلصص على جارته، وهي تعلم أنه يتلصص. ترشّ شقتها، على نحو مسرف، بمادة مبيدة للحشرات، وهذه المادة تنتشر وتتسرب عبر الثقب إلى شقة الرجل وتكاد أن تخنقه. هو يتعمّد توسيع الثقب بالمطرقة.
في المشهد ما قبل الأخير، المنفّذ على نحو رائع، وفي لقطة عامة ساكنة، نرى المرأة تخرّ على الأرضية منهارةً، وهي في غاية الإنهاك، والمياه تعوق حركتها. فجأة نرى يد الرجل ممدودة نحوها من الأعلى، من خلال الثقب، هي تلاحظ ذلك فتمد يدها لتمسك باليد الأخرى التي تنتشلها، في أول احتكاك بدني يبعث على الأمل. إنها لحظات آسرة ومحركة للمشاعر.
المفارقة هنا، أننا نرى الاثنين، الرجل والمرأة، وهما يستمعان إلى بعضهما البعض، مصادفةً ومن غير قصد، عبْر الثقب، ويختلس كل منهما النظر إلى الآخر عبْر الثقب، وكل منهما يتوق إلى الآخر، إلا أنهما، عندما يلتقيان في ما بعد ويتواجهان شخصياً، يفقدان الرغبة في التواصل. إننا نشعر بحواجز مادية وأثيرية تنتصب بين الشخصيتين.
الاستشراف التشاؤمي الذي يسود أغلب مشاهد الفيلم، يتعرض للانكسار أحياناً من خلال مشاهد استعراضية موسيقية تحلم بها المرأة. قد يكون هذا تعويضاً عن الوجود الكئيب، المحفوف بالمخاطر، في واقع عدائي يسوده وباء يحوّل البشر، في سلوكهم، إلى حشرات. واقع غير آمن، حيث الغرف القذرة، والمياه المتسربة من الأنابيب، والمباني المتداعية، حيث الشوارع الخالية والمحلات المغلقة، حيث الجوع والوحدة واليأس.
على الرغم من مضمونه الخيالي، الفنتازي، إلا أننا لا نستطيع تصنيفه كعمل ينتمي إلى الخيال العلمي أو النوع الكوارثي. كما أن احتواء الفيلم على مشاهد استعراضية غنائية لا يعني تصنيفه كعمل استعراضي.
إن المظهر الفريد، المبهج، والصادم، نجده في المشاهد الاستعراضية، الغنائية والراقصة، حيث يتحول الرجل والمرأة، على نحو سحري، في المزاج والمظهر، في الملبس والإيقاع الحركي، بينما نسمع أغان قديمة مشهورة تعود إلى سنوات الخمسينيات والستينيات. هذه المشاهد، الفجائية وغير المتوقعة، والتي لا معنى لها ولا مبّرر، تقاطع وتتداخل وتعزّز الأحداث اليومية، “الواقعية”. وهي مشاهد نابعة من حالة حلمية أو تخيلية، والتي تعبّر عن نزوع نوستالجي وحالة هروبية من الواقع، من الوجود الذي لا يطاق. ويمكن رؤيتها كمشاهد تقاطع الحدث على طريقة التغريب البريشتي من أجل تحطيم وهْم الواقع.
يشرح تساي وظيفة الأغاني القديمة في الفيلم، فيقول: “على مستوى آخر، المشاهد الاستعراضية هي أسلحة أستخدمها لمواجهة البيئة في نهاية الألفية. لأنني اعتقد أنه، مع نهاية القرن، الكثير من الخاصيات والسجايا – مثل الرغبة المتّقدة، البساطة الساذجة – قد تعرّضت للكبح. الاستعراضات تحتوي على تلك الخاصيات. إنه شيء أستخدمه سيكولوجياً لمواجهة ذلك العالم”.
في هذا الفيلم أيضاً نجد عدداً من الثيمات المتكرّرة في أفلام تساي، مثل عزلة الفرد وإحساسه بالاغتراب. إضافة إلى تكرار بعض المظاهر والعناصر ذات الدلالة الرمزية، كحضور الماء وتسرّبه وتدفقه في المنازل، بفعل المطر المنهمر على نحو متواصل، وبلا شفقة، والذي يهدّد المدينة. الماء كرمز للرغبة الجنسية، كطاقة حياة. كما أن للثقب إيحاءات، أو تضمينات، مجازية. الثقب هنا وسيلة غريبة للرصد والاتصال. إنه يمثّل الخواء والغياب، ويجسّد العري وانعدام الحصانة، وقد يرمز إلى الفراغ الذي يحيط بالشخصيات.
********
ترجمة لحوار مع تساي مينغ ليانغ حول فيلم “الثقب”، أجراه ديفيد والش، ونُشر في 7 أكتوبر 1998..
– الفيلم هو بيان شخصي، لكن من الصعب عدم رؤيته كبيان اجتماعي أيضاً. المتفرج سوف يتوصل حتماً إلى استنتاجات قاتمة جداً عن المجتمع الحديث، وليس فقط عن تايوان. هل هذا ما تريده؟
* البيان الشخصي ينبع من بيئتي الخاصة، لأنني أعيش في تايوان. عندما جاءوا إليّ عارضين عليّ هذا المشروع، عن صنع فيلم عن الألفية الجديدة، فكرت أن نهاية القرن قريبة أكثر مما ينبغي لوصف حالة المستقبل، لذا هو في الواقع انعكاس للمجتمع المعاصر. ولكونه قاتماً جداً، وغارقاً في المرض، فإنه عائد إلى رصدي للناس وملاحظتي أنهم وحيدون جداً، وكل واحد منهم يعيش في عزلته الخاصة. هذا ما كنت ألاحظه في تايبيه. إنها المدينة التي تطورت على نحو سريع وباكر أكثر مما ينبغي. لقد رأينا الجوانب السلبية لكل هذا التقدّم والحضارة.
– قبل أربع سنوات، في فيلمك “يحيا الحب”، كنت تبدو متعاطفاً أكثر، حليماً أكثر، مع الذين يعانون من الاغتراب، ومن الوحدة. ما الذي غيّر تلك الرؤية؟
* أظن هذا وضع مختلف إلى حدٍ ما. كل أفلامي الثلاثة السابقة كانت متصلة أكثر بحياتي، وتلك الشخصيات، وأولئك الأفراد، كانوا مميّزين إلى حد بعيد. فيلم “الثقب” رمزي أكثر. إنه ببساطة عن رجل وامرأة. بمعنى أوسع، هو لا يشير إلى شخصية معيّنة أو فرد معيّن يعيش في الألفية.
– الفيلم يشير، عند موضع ما، إلى “الحمّى التايوانية”. لكني أقول أن المشكلة ليست خاصة بتايوان. هذا الاغتراب والانسلاب هو شأن عالمي.
* أتفق معك. على الرغم من اختلاقي لمرض سمّيته “الحمّى التايوانية”، إلا أنني أظن أن هناك حالات مماثلة تحدث في أجزاء عديدة من آسيا. ثمة الكثير من الأمراض الغريبة التي تنتشر على نطاق واسع. منذ ظهور الأيدز، والعالم يشهد بروز كل أنواع الأمراض الجديدة.
لا اعتقد أنها حالة فردية، بل عالمية. مباشرةً بعد انتهائنا من الفيلم، بعد شهرين في هونغ كونغ، انتشر فيروس في الدجاج وقتل الكثير منها. وهذا في الواقع عزّز فكرتي.
في ما يتصل بأعراض الصراصير، فهذا شيء خاص بتايوان وكل الأقطار الآسيوية. نتيجة تطور التكنولوجيا، الحياة في المدينة، والمجتمع الحديث، صارت مختلفة جداً عن الحياة في العالم الغربي. تلك الأقطار الآسيوية أرادت أن تحاكي ما يحدث للغرب، وأن تسلك الطريق المؤدي إلى امتلاك التكنولوجيا العالية وغير ذلك، وفي سبيل ذلك تبنّوا طرائق قاسية ومتطرفة.. فقد دمّروا البيئة. وبينما أرادوا أن يحسّنوا وضعهم الاقتصادي، إلا أنك لا ترى أي تحسّن في نوعية الحياة.
أحد أكثر المعضلات بروزاً هو الاختلاف بين الفقراء والأغنياء، التوزيع غير العادل للثروة. وفي ظل تلك الأوضاع، يعيش الكثيرون في فقر، محاولين التكيّف مع أدوارهم، مع البيئة التي يعيشون فيها، مكتسبين خصائص الصرصار القابل للتكيّف مع أي وضع سيئ، والذي يعتمد في العيش على غريزة البقاء وحدها، مفتقراً إلى أي نبل أو كرامة.
– إلى أي حد هو نموذجي ذلك المبنى السكني؟
* في ذلك المبنى تسكن 400 عائلة، أو أكثر. إنه من بيوت الإسكان لذوي الدخل المحدود. والمبنى غير عادي لأنه يقع في الجزء الأدنى من تايبيه. هناك قائمة انتظار طويلة تضم أسماء أفراد ينتظرون دورهم للحصول على مسكن. هذا يعني أن هناك الكثير من الناس الذين يتقاسمون هذا الوضع الاقتصادي.
العقارات في تايوان غالية جداً. مرة أخرى، هناك هذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء. متوسط الإيجار أعلى مما نجده في تورنتو، وربما يعادل طوكيو.
– ما هي دلالة المشاهد الاستعراضية من رقص وغناء؟
* هذه المشاهد تلعب دوراً مختلفاً هنا عن الدور الذي تلعبه في أعمال استعراضية أخرى. بالنسبه لي، هي أشبه ببيان للعالم الداخلي، خصوصاً للشخصية النسائية. هذه المرأة تبدو ظاهرياً فاترة جداً. على المستوى الخارجي، السطحي، يتعيّن عليها أن تكون عنيفة وضارية جداً لمحاربة بيئتها. هي تتخذ موقفاً دفاعياً. لكن عالمها الداخلي متّقد العاطفة، وهي تشعر بحاجة ماسة إلى أن يحبها رجل ما. على مستوى آخر، المشاهد الاستعراضية هي أسلحة استخدمتها لمجابهة البيئة في نهاية الألفية. لأنني أظن أنه قرب نهاية القرن، الكثير من الخاصيات والسجايا، مثل الرغبة المتقدة، والبساطة الساذجة، قد تعرّضت للكبح. الاستعراضات تتضمّن تلك الخاصيات. إنه شيء أستخدمه سيكولوجياً لمواجهة ذلك العالم.
– في بداية القرن العشرين كان هناك شعور عام، حتى بين الفنانين، بأن المجتمع في حالة تقدّم، وأنه ماضٍ إلى مرحلة أعلى وأسمى. في نهاية القرن العشرين، لم يكن الوضع كذلك.
* أظن أن الأزمة الأشد هي وقوع العالم تحت سيطرة قلة من السياسيين ورجال الأعمال. لقد بدا أن العالم يسير نحو التقدّم والارتقاء، لكن كل ذلك لصالح أرباح شخصية. الكثير من الاستراتيجيات، الكثير من الأشياء التي تحدث، ليست معدّة مع مراعاة خير ورفاهة البشرية جمعاء، أو الكائنات الإنسانية، لذلك هي في نظري خطيرة جداً. هؤلاء القلة لا يفكرون إلا في الأرباح التي سوف يحصلون عليها من وراء فعلٍ معيّن. أثناء ذلك، هم يعرّضون الحضارة بأسرها للخطر. أحياناً أتمنى حقاً أن لا يكون هناك بعد الآن أي تقدّم. أظن أن الكوارث الراهنة، المتتابعة، كارثةً تلو أخرى، هي تغذية استرجاعية من الطبيعة عن فكرة التكنولوجيا والتقدّم.. كما أظن أنه تحذير.
– الأزمة الاقتصادية الحاضرة لم تؤثر في تايوان بالخطورة ذاتها التي مارستها في أجزاء أخرى من آسيا، لكنني أفترض أنها سوف تؤثر. أتساءل عن العواقب التي سوف تواجهها تايوان، ويواجهها الفنانون التايوانيون بشكل خاص، عندما ترغمهم على التفكير بشأن أمور أخرى، وفعل أشياء أخرى؟
* في ما يخص صنّاع الأفلام في تايوان، التحولات سوف لن تكون عنيفة ومتطرفة، ذلك لأننا لم نحصل قط على أي دعم. بينما في هونغ كونغ، سيكون للأزمة تأثيراً كبيراً، إذ سوف لن يتوفّر هناك مستثمرون لأفلام بعض المخرجين، وربما تنهار صناعة السينما بين عشيّة وضحاها. في تايوان، الصناعة لم تكن في أفضل حال سابقاً، وسوف لن تكون في أسوأ حال مستقبلاً.
الوضع الآسيوي سبّب للناس المعاناة والألم، لكن اعتقد أن الوضع سيكون قوة دافعة لصنّاع الأفلام. خذ أحداث الشغب في أندونيسيا، أو الصراع على السلطة في ماليزيا.. هذه الأحداث سوف تصبح في آخر الأمر شيئاً يستلهم منه الفنانون مادتهم.
********
ترجمة لجزء من حوار مع تساي، حول فيلم “الثقب”، أجرته شيلي كريسر، ونشر في Duke University Press ، خريف 2000.
– هو سؤال عن المشاهد الاستعراضية، المحتوية على رقص وغناء (ينتمي إلى أفلام أنتجت في هونغ كونغ في الخمسينيات والستينيات)، والتي تقاطع الأحداث.
كيف كان تصوّرك للمشاهد الاستعراضية؟ هل كانت جزءاً من فكرتك الأصلية للفيلم؟ وهل واجهت أي مشكلات في تصويرها؟
* أثناء كتابة السيناريو، كانت لدي فكرة مسبقة عن احتواء العمل لمشاهد استعراضية. أردت لهذا الفيلم أن يخاطب قضية العام 2000، لكن هذا قريب جداً من المرحلة الحاضرة، لذا من خلال تخيل الشرائح الاستعراضية، صرت قادراً على إعطاء إحساس بالمستقبل، على تقديم خيال علمي متخيّل. لإظهار المستقبل، خلقت تخيلاً لمشاهد حلم استعراضية. الجزء الصعب بالنسبة لي، لأنني أعشق أغاني جريس شانغ (المستخدمة في الفيلم)، هو أنني كنت راغباً في توظيف الكثير من أغانيها لكنني لم أستطع. أثناء التصوير، لم أكن قد قررت بعد أي الأغاني سوف استخدم، لكن بعد أن انتهينا من كل المشاهد ذات الحالات الواقعية، شرعنا في تصوّر ما نستطيع فعله مع
المشاهد الاستعراضية. في الأصل، هذه المشاهد كانت مصممة وفق الأسلوب الهوليوودي في تصوير الاستعراضات، مع كل الاكسسوارات التجريدية. غير أننا لم نفعل ذلك لسببين: الافتقار إلى المال اللازم للتصوير في الأستوديو، ولأن التصوير في المواقع الخارجية حثّني على تصوير الاستعراضات أيضاً هناك بدلاً من الأستوديو.
**********
ترجمة لجزء من حوار مع تساي، أجراه وليام لاكستون.
يقول تساي مينغ ليانغ:
“لقد تربيت على أفلام النوع genre. أنا من الجيل الذي ينتمي إليه أنج لي. ونحن جميعاً كنا مفتونين بالأفلام الاستعراضية والتاريخية والويسترن. حين كنت أحقّق فيلمي “الثقب”، حاولت أن أجعل منه فيلماً جاداً جداً، مع معالجة جادة لنهاية العالم، لكنني لم أستطع الإفلات من الموسيقى. لقد جاءت لتمثّل المقاومة لواقع الفيلم، حتى حين يكون العالم في حالة انهيار. طوال حياتي كنت أشعر بأني محاصر. محاصر من قِبل ذكريات طفولتي بشأن كل تلك الأفلام والموسيقى”.