“مستر إكس”.. ضحية الاستسهال والإقحام

Print Friendly, PDF & Email

محمد كمال

تعتمد السينما المصرية منذ القدم على إعادة الأفكار القديمة بعد مرور أعوام طويلة من ابتكارها وتقديمها بشكل جديد  ومع ثورة جيل المضحكين الجدد في بداية الألفية الجديدة أخذت الفكرة في التنامي ولم تتوقف عند محاولات تجديد الأفكار القديمة فقط بل امتدت إلى الاستعانة بشخصيات شهيرة من أفلام الأبيض والأسود، لكن الفارق بين تجارب جيل 2000 وبين الأفلام في الأعوام الخمسة الأخيرة أن ابناء الجيل الأقدم نسبيا حاولوا، قدر المستطاع، تطوير الأفكار وتطويع الشخصيات وفق رؤية جديدة، لكن الجيل الأحدث الحالي يستعين فقط بالأسماء بهدف استغلال النجاحات السابقة والترويج للعمل الجديد من دون التفكير فيما إذا كانت الشخصية القديمة التي عادت للظهور مرة أخرى متماشية مع ما يقدمون؟

الأمر برمته مجرد استهسال ليس أكثر. والاستسهال هنا يعد العنوان الرئيسي لفيلم “مستر إكس” الذي يشارك في بطولته أحمد فهمي وهنا الزاهد ومحمد أنور وأوس أوس ورحاب الجمل، وإخراج أحمد عبد الوهاب في تجربته الثانية بعد فيلم “بعد الشر” الذي طرح في دور العرض في موسم عيد الفطر الأخير.

وفيلم “مستر إكس” فكرة محمد سويلم وفادي أبو السعود وتأليف أماني التونسي أما السيناريو والحوار فقد أشترك في كتابته الثنائي أحمد عبد الوهاب وأمجد الشرقاوي، وهنا يأتي السؤال الثاني: هل فكرة إعادة شخصية إكس القديمة للحياة مرة أخرى تستحق تواجد هذا العدد من الأسماء؟ وبعد انتهاء الفيلم واكتشاف أن لا علاقة باسم الفيلم بمستر إكس الأصلي يأتي السؤال الثالث: هل المنتج النهائي للفيلم يتماشى مع وجود تلك الكتيبة من الممثلين والفنيين؟

يعد مستر إكس أخر الشخصيات القديمة التي تعتبر “ضحايا” لجيل كوميديا “الإفيهات” الحالي، فقد كان الظهور الأول لمستر إكس في السينما المصرية عام 1967 من خلال الدور الذي قدمه فؤاد المهندس في فيلم “أخطر رجل في العالم” للمخرج نيازي مصطفى وهي التجربة التي جاءت بشكل فيه اقتراب من نوعية أفلام جيمس بوند التي بدأت مع مطلع الستينيات، وأعاد المهندس شخصية إكس مرة أخرى في فيلم “عودة أخطر رجل في العالم” عام 1973 للمخرج محمود فريد.

ما أقدم عليه فؤاد المهندس قديما في التجربة الثانية مع إكس، كان محاولة لاستغلال نجاح العمل الأول وهو أمر مشروع وبشكل شخصي أفضل الفيلم الثاني، لكن على النقيض من ذلك اعتمد صناع فيلم “مستر إكس” 2023 على الاسم فقط، فيبدو أنه بمرور الزمن، أصبحت القدرات الأبداعية أقل، ولم يعد لدى الجيل الحالي وقت أو حتى رغبة في محاولة ابتكار شخصيات جديدة تحمل أفقا وأفكارا طازجة، وبالتالي أصبح الحل الأمثل هو الاستسهال.

في فيلم “مستر إكس” 2023 لم يتوقف الاستسهال عند اختيار اسم الفيلم أو اسم البطل فقط بل تطرق إلى الفكرة الأساسية التي ارتكز عليها العمل من الأساس وهي متشابهة إلى حد كبير مع فكرة أيمن وتار في فيلم “نادي الرجال السري” الذي قام ببطولته كريم عبد العزيز عام 2019، فهناك مجموعة سرية من الرجال يقدمون على خطط وأفكار تتعلق بالمشاكل العائلية والخلافات الزوجية، أو بمعنى أشمل، العلاقات بين الرجال واالنساء.

في “مستر إكس” نحن أمام مشهد افتتاحي هزلي من خلال فتاة تدعى “طيبة” تخدع زميلها في الجامعة، الساذج “فريد”، وبالتالي تتسبب له في عقدة نفسية تجعله يتبنى فكرة إنشاء منظمة سرية هدفها مساعدة الرجال في ابتكار طرق لإجبار السيدات على طلب الطلاق، ونفس الحال في فيلم “نادي الرجال السري” الذي ارتكز على تواجد المنظمة  لكن الفارق في “الهدف” الذي كان تقديم المساعدات وتسهيل مهمات الرجال في خيانة زوجاتهم.

يعتبر “الهدف” من تأسيس المنظمتين في الفيلمين أحد أهم الفوارق التي ترجح كفة الحبكة لدى “نادي الرجال السري” لأن إضفاء الجو المخابراتي الكوميدي على تسهيل مهمة الرجال في خيانات الزوجات جاءت متسقة مع طبيعة تناول الفكرة من هذا المنظور الاجتماعي، وعلى النقيض لا تحتاج فكرة إجبار السيدات على طلب الطلاق وجود تلك المنظمة من الأساس ولا محاولات افتعال حيل ساذجة ظهرت من خلالها مواقف كوميدية مستهلكة ركيكة.

في “نادي الرجال السري” لم تصمد الفكرة الجيدة والحبكة الطازجة ولم يستطع الفيلم الحفاظ على مستواه للنهاية، لكن في “مستر إكس” الرؤية من الأساس مشوشة ،والفكرة تائهة، والحبكة مفككة، بل مجرد مشاهد متتالية غير مقنعة. في البداية تمهيد طويل شديد الملل والافتعال لتقديم العاملين في المؤسسة الثلاثي “أدهم”، “جابي” و”معاصي” والبغبغاء الذي قدم الأداء الصوتي له محمد ثروت دون وجود أي ضرورة درامية له سوى توظيفه المفتعل في مشهده مع معاصي، ثم الارتكاز على مجموعة مشاهد لإظهار قدرات مستر إكس في إنقاذ الرجال من براثن زوجاتهم دون وجود أي منطقية بهم.

نقفز فجأة ودون داع أيضا، إلى اليونان مع شخصية رجل الأعمال الثري الذي قدم دوره “بيومي فؤاد” ويرغب في الطلاق من زوجته لكن القوانين تقف عائقا، ويبدو أن منتج الفيلم تعاقد مع ملكة جمال اليونان للمشاركة في الفيلم فجاء القرار بتفصيل حكاية مقحمة تنقل الأحداث إلى هناك، وفي اليونان أيضا نجد إقحام اللقاء الثاني بين فريد أو “إكس” وحبيبته السابقة طيبة.

واستكمالا للحالة الضبابية من اللقطات المقحمة تأتي أغنية “اختياراتي” لأحمد سعد لتظهر فجأة أيضا، ورغم أن مستوى الأغنية فنيا أفضل من الأغنية التي قدمها ضيف الشرف أكرم حسني، إلا أن التوظيف الدرامي لأغنية الموسيقار كان أفضل قليلا ومتماشيا مع الأحداث عكس أغنية سعد.

تخلل الكوميديا المظلمة التي قدمها الفيلم بعض نقاط الضوء الطفيفة ويمكن اختصارها في ثلاثة مواقف، الأول الخاص بـ”بيج رامي” البطل الملقب بمستر أوليمبيا وتوظيفه في الأحداث على أنه يرغب في الطلاق لأن زوجته تعتدي عليه بالضرب، والثاني الطفل الذي يلجأ لمستر إكس لطلاق والديه حتى يحصل على أكبر استفادة ممكنة، والثالث حكاية الحادثة التي تسببت في تحويل عمرو يوسف إلى أوس أوس، المواقف الثلاثة رغم مرورهم السريع على الأحداث إلا أن توظيفهم في الحبكة كان جيدا وخرجت منهم كوميديا حقيقية نادرة في الفيلم.

وتغلف حالة الاستسهال في النهاية بنقطنين الأولى “التويست” شديد السذاجة بهدف إيقاع مستر إكس ثم انتقام الأخير ورده على الخداع، والنقطة الثانية مشهد المحكمة الذي قدم فيه الثنائي أحمد فهمي وهنا الزاهد الرسالة الوعظية من الفيلم التي ظهرت وكأنها محاضرة ركيكة في التنمية البشرية عن العلاقات بين المتزوجين بطريقة شديدة المباشرة والافتعال أيضا.

ويبدو أن الجمهور على موعد جديد من الاستسهال حيث نجد في مشهد النهاية طيبة أسست هي الأخرى منظمة لمساعدة السيدات على الطلاق تحت اسم مسز إكس، كنوع من الإشارة إلى احتمالية وجود جزء آخر من الفيلم يحمل وجهة النظر المقابلة.

يظل في النهاية السؤال الرابع وهو الأهم: لماذا اكتفت الكاتبة الموهوبة أماني التونسي بتأليف القصة فقط دون كتابة السيناريو والحوار رغم انها قدمت من قبل تجربتين مميزتين هما “قصة حب” في 2019 و”توأم روحي” في 2020؟

Visited 2 times, 1 visit(s) today