الفيلم الأردني القصير “سلام”.. حصار المرأة العربية

Print Friendly, PDF & Email

المرأة في المجتمعات العربية محاصرة تحت وطأة قيود وأعراف اجتماعية موروثة منذ القدم تسمى العادات والتقاليد، تنامت مع التصاعد المخيف للتيارات الدينية المتشددة في أواخر السبعينيات التي غلفت اطار تلك الموروثات بصبغة دينية أصبح مجرد الاختلاف أو النقاش حولها أمر يخضع بين الحلال والحرام، وتوحشت تلك الموروثات أكثر مع تدني المعنى القيمي والتراجع الإنساني في الأوطان العربية في الأعوام الأخيرة، أصبحت المرأة أكثر حصارا برغم التقدم التكنولوجي الرهيب الذي يشهده العالم والذي كان من المفترض أن يوازيه تفتح فكري يسير في نفس الاتجاه، لكن تظل قضية حصار المرأة العربية محجوبة في بلادنا.

وهذا ما تناولته المخرجة والمؤلفة الأردنية زين دريعي في فيلمها القصير “سلام” واختارت اسم الفيلم بالإنجليزية “Give Up The Ghost” والذي شارك في مسابقة مسابقة آفاق خلال الدورة قبل الأخيرة لمهرجان فينسيا، كما حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم عربي في الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائي، وحصل أيضا على جائزة موقع فيميو للفيلم الأكثر مشاهدة في مهرجان بالم سبرينجز وشارك في بطولة الفيلم ماريا زريق وزياد بكري.

على غرار الحصار الذي يمثل قمة معاناة المرأة العربية، جعلت المخرجة بطلتها أيضا محاصرة بين اسمي الفيلم سواء “سلام” باللغة العربية أو “Give Up The Ghost” بالإنجليزية، فالأول يمثل السلام الذي تبحث عنه المرأة في مجتمع يحجم ويقلل من دورها ويحقر من شأنها والذي يتمثل في الحصار الثاني وهو الشبح، وهذا الحصار ما نجده في “سلام” البطلة التي تعاني من عدم الانجاب وتظهر نتائج التحاليل الطبية أن السبب من الزوج الذي بدوره يرفض الاعتراف بذلك أمام والديه، ليجعل الأنظار  كلها تتجه ناحية سلام على أن هي المسئولة، وبالطبع يستجيب الزوج لضغوط والديه للزواج بإمرأة أخرى.

يسرد الفيلم في 15 دقيقة قضية المرأة وأزمة الزواج في الوطن العربي، بداية من التدخلات الاقتصادية من أهل الطرفين وتحول فكرة الارتباط الإنساني إلى صفقة متبادلة كل طرف يسعى للخروج منها بأكبر المكاسب، ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل تظل تلك التحكمات بعد الزواج أيضا من خلال التدخل في القرارات الحياتية التي من المفترض انها تخص الزوجين فقط، يظهر الفيلم الراجل العربي ذو الخلفية الشرقية بتحكماته في أبسط الأمور وعلى النقيض تراجعه في المسائل الجادة المصيرية التي تتعلق بوضعه اجتماعيا، وتظل المرأة هي التي يجب ان يلقي عليها اللوم لأن الأعراف والتقاليد تحصن الرجل من الانتقادات، مع أن في الظروف والتطورات الاقتصادية الحالية لا يمكن أي زواج أن يستمر بدون عمل المرأة التي أًصبحت ما تجنيه من مال ركيزة أساسية في أي أسرة، بالتالي هل من المقبول أن يستمر التعامل معها على أنها عامل مكمل في الحياة، وظيفتها فقط الأعمال المنزلية وتربية الاطفال ؟؟

ارتكزت المخرجة زين دريعي في فيلمها على البطلة سلام على انها العنصر الأساسي والمحرك للأحداث عن طريق التركيز الشديد باللقطات القصيرة على وجه البطلة كأنها تريدنا أن نشاهد المجتمع من زاويتها، خصوصا وان على مستوى الصورة هناك تهميش متعمد لدور الزوج وتجاهل أكبر لدوري الأبوين، ففي معظم المشاهد الخاصة بالزوج كانت الكاميرا مركزة اكثر مع سلام، ومع الأبوين في المشهد الذي جمع الرباعي اكتفت المخرجة بأن يظهرا بأصواتهما فقط، دريعي برحرفية وتمكنت أجبرت المتفرج أن يشاهد الفيلم من عين بطلتها، من منظورها وصرختها الخامدة من خلال حالة الغليان الداخلية، حتى المشهد الخاص بتقدم زوجها لامرأة أخرى لم تعطي لنا المخرجة مساحة لمشاهدة اللقطة التي اجتمع فيها أسرتين بل كانت لقطة عكسية من خلف سلام أيضا.

المخرجة زين دريعي

تعاني سلام من تلك القيود المفروضة عليها وكلها كانت بالنسبة لها متوقعة أو تعرضت لها من قبل، لكن المعاناة الأكبر تمثلت في موقف الزوج الذي بمرور المواقف يزيد حجم الشرخ في علاقة زواجهما، وهذا ما اهتمت في اظهاره المخرجة من خلال التطور الذي حدث مع شخصية سلام بداية من حنين وتعاطف مع الأزمة ثم محاولات ايجاد حلول جديدة لكنها كانت حلول أحادية الجانب أو من طرف سلام فقط، أما الزوج فقد ارتضى بحل أسرته الذي سيحفظ له مكانته الاجتماعية، ثم نظرات الريبة والقلق من سلام تجاه موقف زوجها والرفض الداخلي بعد ذلك، ثم اطلاق والثورة على الشبح لكن دون التخلي عن السلام في شخصيتها.

جاء أداء بطلة الفيلم ماريا زريق مميز جدا فقد كانت متمكنة في نقل كل المراحل التي مرت بشخصية سلام خلال الأحداث وحالة المحاصرة التي تعاني منها، قدمت دور المرأة الهادئة ظاهريا لكن في طياتها فهي عبارة عن بركان في مرحلة الغليان الذي يسبق الانفجار، في المجمل الفيلم ينتصر وينحاز للمرأة، وإذا كنا ألقينا اللوم على المجتمع الذكوري الشرقي المتدين الذي يحاصر المرأة، فأن المرأة نفسها تتحمل جزء مهم من هذا الحصار بسلبياتها وانكسارها أمام الرغبات المجتمعية، رضوخها للأمر الواقع أمام تلك التحكمات، قبولها أن تكون مجرد ظل للرجل وليست شريك أساسي في المعادلة، الوقوع في تيهه الشبح بدلا من التخلص منه.

Visited 55 times, 1 visit(s) today