“من تظنني أكون”.. أزمة منتصف العمر والعلاقات الافتراضية

Print Friendly, PDF & Email

كلير امرأة في منتصف العمر.. تعيش حياة ناجحة على صعيد المهنة وهي مثقفة لكن الوحدة تغلبت عليها ووقعت في احبال أزمة منتصف العمر.. لكن هذا الازمة لا تظهر بشكلها العلني للعامة بل تأخذ منفذها في العالم الافتراضي عالم السوشيال ميديا.

كلير تجمعها علاقة بشاب يصغرها كثيرا.. وهذه العلاقة يبدو أنها بنيت على مجرد علاقات عابرة بينها وبينه واستمرت على ذلك لكن مع أزمتها النفسية وعدم تقبلها لعمرها وحنينها التواق لريعان الشباب وزهوته عندما كانت محط أنظار الكثير وكانت كل الخيارات امامها.. لم يكن غياب كل تلك الميزات سهل عليها.

هذا ما يجعلها تتلصص كثيرا على شباب الغير وبدأت رحلتها في عدم تقبل ذاتها وأزمة منتصف العمر بذاك الشاب الذي جمع بها علاقات جنسية عابرة ثم يزداد الأمر سوءا عندما تشعر انه لا يوليها ذاك الاهتمام العاطفي ويبدأ بتجنبها لأنها طالبت بالمزيد.

وبالصدفة وهي تتصفح الانترنت وتدرك انه لم يبقل صداقتها على الفيس بوك اعتراها الحزن ومن باب الفضول وهي تتصف صوره بياس على الفيس بوك تجد صديق في صورة معه وعلى صديقه إشارة لصفحته تلفتها صوره وخاصة شبابه الغائب عنها.. كادت ان ترسل له طلب صداقه لكنها تراجعت عن ذلك بعد أن تذكرت ان صديقه التي كانت تقيم مع علاقة رفض طلبها فكيف له هوان يقبل تدرك ان هذا النوع من العلاقات وأسلوب الحياة الحديثة لا يتناسب مع عمرها لهذا هي تبدأ حساب مزيف تسرق منه صور شابه وتدعي بأنها هي وتضيف المصور صديق خليلها.

 وبعد أن ارسلت له الطلب انتظرت حتى قبل الطلب وبادر هو بالارسال وطبعا بدأت معه محادثات طويله ومع الايام أصبحت تتحدث معه صوتا لكن بالتأكيد كانت تتملص من مقابلته الشخصية لأنها تدرك انه وقع في حب تلك الصورة وان اول لقاء حقيقي مهما كان مبهور من ذكائها او بعمق صوتها في النهاية يبقى الشكل هو الأهم لأنه ما بني على أساسات ركيكة سيسقط لا محاله.. ومع الوقت أصبح الموضوع اسوء وليس فقط نزوة مراهقة متأخرة يجعلنا نتأمل اضرار التورط العاطفي في العالم الافتراضي.

كانت تتخذ من العالم الافتراضي أفيونا تنتشي بخيالاته الزائفة ترمي نفسها في أحضانه المخدرة لتهرب من واقعها وتسكن بعض من الآمها النفسية.

ومع مرور الأيام بالتأكيد توطدت العلاقة وصار يطلب منها لقاءات حقيقية لأنه لم يعد يمتلك صبر لتحمل عدم رؤيتها على الواقع بل لدرجة انه طلب منها السفر معه وهذا ما اغضبها وأحزنها رغم أنها لم تكن حقا تنوي مقابلته وجها لوجه.. سافر وعاد سريعا اليوم التالي ليقابلها في مكان معين أتت راكدة اليه بشغف شديد وعندما اقتربت من رؤيته لكنها تذكرت انها ليست الفتاة التي ينتظرها لهذا تأملت شكله على الواقع من مسافة بعيدة والحزن ينهش قلبها.

بالطبع ذهبت ولم تقابله وجها لوجه وفعل ذلك هو.. اشتاط عضبا وصار يشتمها على الهاتف.. أخبرته انها متأسفه جدا وهي تبكي لأنها في علاقة.. انقطع عنه بعض الوقت ثم أخبرها انه يجب أن يقابلها.. وهي وافقت على ذلك.. لكن هذه المره كانت اقل ترددا لكي تظهر بشكلها الحقيقي أمامه بل انها أصرت على نفسها ان تنهي تلك الخيالات الزائفة التي خلقتها في عقله وتورطت هي فيها..

ويأتي هنا أقوى مشهد في العمل يخرج الرجل من المترو متلفتا إلى جميع الجهات بشوق شديد وصبر نافذ.

 اخيرا قابلته وجها لوجه وملامحها تحمل التردد والجزع والشوق لردة فعله.. تتبعت خطواته وهو يمشي هرعا للقياها.. انتصبت أمامه لبعض الوقت ولم يمرقها بنصف نظرة بدأت تعبيرها رويدا بتشرب خيبات الأمل.. لحقت بالشاب إلى المترو بعد أن مل انتظارها وادراكه انها لم ولن تأتي.. وكلا منهم عاد إلى بيته وهو يجر ذيول الخيبة بعد أن أدركت عذابه وهي تتأمل ملامحه البائسة قررت أن تريحه من بؤسه وتخبره بأن رفيقها طلب يدها للزواج وهي وافقت.. وبعد هذا المشهد السيناريو انحدر بشدة ووقع في مبالغات لا طائل منها..

كان من الممكن أن يبقي العمل المشاهدين في رتمه الهادئ الجميل الحزين ويجعلهم يغرقون أكثر في التأمل عن كيف المجتمعات حتى المتقدمة منها اطرت قيمة المرأة ضمنيا حتى صار حبها لنفسها مشروطا لعوامل خارجية لا ديمومة لها. وكيف الأشخاص وحيواتهم في مواقع التواصل الاجتماعي لا تشبه الواقع وكيف ان العلاقات الافتراضية تغذي بعض من حواجنا العاطفية لكنها تخلق في المقابل المزيد العطش العاطفي اشد الحاحا عن سابقه.

كان على المخرج صافي نيبو ان ينهي الفيلم هنا أو تترك نهاية مفتوحة لهذه العلاقة ليمد العمل المشاهدين بمزيد التأمل في الاحالات التي كان يحملها في العمل في بدايته لكنه انجرف بعد ذلك قرابة الأربعون دقيقة الى أحداث مليئة بالكليشيهات من تزييف انتحار إلى كشفها بأن صور الفتاة الشابة التي كانت تسرقها وتنسبها لنفسها ليست عشوائية بل انها ابنة أخيها المتوفي والتي قامت بتربيتها ثم انفصلت عنها بسبب قضية ميراث وسرقت ابنة أخيها زوجها منها وذهبت بعيدا ومبالغات درامية اخرى دمرت جزء كبير جدا من قوة العمل.. وحتى مع الموسيقى التصويرية الممتازة وأداء جولييت بينوش البديع الذي لم يشوبه شائبه والكادرات المدروسة مع اضاءاتها لم يستطيعوا إنقاذ ما افسده السيناريو.


Visited 80 times, 1 visit(s) today