ضحك وعنف وحيرة في مسابقة مهرجان برلين

لقطة من الفيلم الفرنسي "غير معقول لكنه حقيقي" لقطة من الفيلم الفرنسي "غير معقول لكنه حقيقي"
Print Friendly, PDF & Email

يجب أن أعترف أنني لم يسبق لي مشاهدة أي فيلم للمخرج الفرنسي كوينتين دوبيوكس، صاحب الأفلام الكوميدية الخفيفة التي تتعامل مع الأشياء غير المألوفة، والشخصيات الغريبة الأطوار. وقد وجدت فيلمه الجديد “غير معقول ولكنه حقيقي” Incroyable mais vrai الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان برلين، طريفا للغاية، ويكشف تناقضات شخصيات تنتمي بشكل مثالي للبورجوازية الفرنسية التي طالما سخر منها العبقري الاسباني لويس بونويل في أفلامه الفرنسية الشهيرة.

أما الطرافة فترتبط بغرابة الموضوع وجدته، وطريقة العرض الصارمة تماما التي قد تكتس بعض المبالغة الكاريكاتورية في بناء المشهد وصياغة الحوار، إلا أنه لا يتخلى عن بعض “الواقعية” مهما بدت غرابة الأحداث والشخصيات.

آلان وماريه، رجل وامرأة في منتصف العمر أو ما بعده، ينتقلان إلى بيت جديد اشترياه مؤخرا في الضواحي. يخبرهما مندوب وكالة العقارات الذي باع لهما البيت بسر غريب يدعوه “جوهرة المنزل”. يأخذهما أولا إلى الطابق التحت أرضي الذي لا يبهرهما قط فهما ليسا من عشاق هذا الطابق السري الذي يقع تحت أرض المنزل عادة ويسمى أيضا بالقبو. ولكن ليس هذا هو السر. بل هناك فتحت مغطاة بغطاء خشبي دائري تؤدي إلى سلم حلزوني، عندما يأخذهما بواسطته إلى أسفل، يجدان انهما قد أصبحت في الحقيقة، في الطابق العلوي م المنزل، أي أن الهبوط (السري) إلى أسفل ينقلك إلى طابق علوي غير واضح من المدخل. ولكن ليس هذا كل شيء.

يجب أن يغلق آخر شخص نفذ عبر هذا المنفذ السري غطاء الفتحة وراءه لكي يكتمل مفعول السحر. وهو أنك بعد ان تهبط تكون قد أصبحت أصغر بعشرة أيام. أي أن النفاذ عبر هذه البوابة الصغيرة السفلية يجعلك تفقد عشرة أيام من عمره. وهو ما سيصبح هاجسا لدى “ماري” التي تهبط وتتأمل وجهها في المرآة، تريد أن تشعر بانها أصبحت أصغر سنا.. بل وتأتي بتفاحة تضعها في مكان ما، ثم تخرجها بعد مرور دقائق لتجد أنها أصبحت متعفنة أي أنها تنتمي للماضي، لعشرة أيام مضت.

ولكن آلان الذي يعمل في شركة للتأمين، يرتبط بصداقة مع رئيسه في العمل “جيجيه” ويدعوه على العشاء مع المرأة الجميلة التي تعيش معه والتي من الواضح أنها تصغره كيرا في العمر. وعلى العشاء يكشف جيجيه لمضيفيه، أنه قام بتركيب عضو جنسي الكتروني يمكنه التحكم في قوته وسرعته وذبذباته عن طريق التليفون المحمول. وتبدو صديقته سعيدة بهذا الاختراع ولا تجد غضاضة في أن جيجيه أجرى عملية جراحية لاستئصال عضوه الطبيعي بهذا العضو، كما أن جيجيه يرى أن الشباب في المستقبل سيتعمدون على هذا الاختراع الالكتروني. ولكن بينما آلان مهموم كثيرا بالزبائن الذين لا يستجيبون لمطارداته لهم، يتعطل العضو الجنسي لدى صديقه ومديره جيجيه الذي يخبره أنه يجب أن يسافر الى اليابان فورا لإصلاح الخلل ويطلب منه عدم ابلاغ عشيقته بالأمر.

من هنا يلمس الفيلم ولو قليلا، ويسخر بالطبع، من الاهتمامات التي تشغل بال الطبقة الوسطى الفرنسية، الجنس والطعام، وأيضا الملكية، من خلال الزهو بفكرة امتلاك منزل في الضواحي، يوفر الراحة والحياة السلسة لكنه مع ذلك يحمل مفاجأة ستصبح فيما بعد، مزعجة تثير الأعصاب.

رغم الأداء الجيد من جانب مجمعة الممثلين، والضحك الذي ينتج عن السخرية التي تنبع من الجدية التي يتعامل بها الجميع مع المواق فالمختلفة، إلا أن مشكلة الفيلم شأن أفلام أخرى كثيرة بالطبع، أن السيناريو لا ينجح في تطوير الفكرة بل يظل يدور من حولها، من دون أن يراوح مكانه، كما أن لمساته التي تنتقد فكرة الموظف البيروقراطي البورجوازي وعبوديته للوظيفة، أو وبلعه الشديد بالحياة الجنسية الممتدة، لا يتم تعميقها ومدها على استقامتها كما ينبغي بل سرعان ما يتركها الفيلم ويدخلنا في تفاصيل أخرى تدور حول نفس الهواجس.

أما الفيلم المكسيكي “رداء الجواهر” Robe of Gems أول أفلام المخرجة لوبيز غارالدو، فهو يعاني أيضا من مشكلة سيناريو يفشل تماما في تجميع أطراف قصة تقوم على تصوير معاناة ثلاث نشاء من طبقات اجتماعية مختلفة في المكسيك. الأولى إيزابيل التي انتقلت حديثا الى منزل كان ملكا لأسرتها، ومارتا التي تعمل في خدمتها وقد اختفت شقيقتها في ظروف غامضة، والثالثة روبرتا، مديرة الشرطة المحلي التي تحقق في اختفاء شقيقة مارتا. النساء الثلاث في منتصف العمر. ومارتا تخفي أنها تعمل سرا لحساب عصابة لتهريب المخدرات، أما روبرتا فهي تقمع ابنها بشدة، تخشى أن ينضم لعصابات المخدرات.

تتجمع مصائر الشخصيات الثلاث، لكن ليس على محو ما نتمنى نأمل ونتوقع، بل يقتضي الأمر الكثير من المشاهد المليئة بالعنف، قبل أن ندرك أن النساء الثلاث ضحايا مجتمع يضطهد المرأى عموما، ويغيب القانون ويتعاون رجال الشرطة مع العصابات الاجرامية، والدولة نفسها تبدو متواطئة، وعمليات الاختطاف تجري على قدم وساق، إما لطلب فدية أن لطلب المتعة. وعندما يجري اختطاف إيزابيل وسرقة سيارتها، لا ينقذها من الموت سوى أن زعيم العصابة لا يحب الشقراوات، فيطلق سراحها مجردة تماما من ثيابها، ويأخذ في اطلاق الرصاص لدفعها الى الجري في اتجاهات مختلفة إلى أن تتمكن من النجاة.

شخصيا لم أجد متعة في هذا الفيلم ذي النوايا الحسنة لمخرجته، فهي تستغرق وقتا طويلا قبل الوصول إلى الكشف عن سر معاناة كل من هذه الشخصيات، كما أن الفيلم يعاني من مشكلة في المونتاج، في الانتقال بين الأحداث، لدرجة أننا نشعر بغرابة الانتقالات في المكان والزمان. والفيلم يبدأ بمشكلة بين ايزابيل وزوجها، ثم لا يكمل ولا يعود قط لمتابعة الموضوع الى أن نعرف أنها تستعد للطلاق. وهكذا.

حتى الآن تعاني المسابقة من الضعف العام، بل إن فيلم المخرجة الفرنسية “كلير دونيس” الذي يدور حول اضطراب العاطفي الذي تعاني منه امرأة في منتصف العمر تقوم بدورها جوليت بينوش، لم يشبع موضوعه كما ينبغي. ولكني سأتوقف أمامه في مقال آخر.

 

Visited 6 times, 1 visit(s) today