“الرجال إكس- 5”: المستقبل إحتمالي والحمل الشارد سيعود

Print Friendly, PDF & Email

حزمة مكثفة من الأفكار يقدمها أحدث أجزاء سلسلة “الرجال إكس” الذي يحمل الرقم 5 في تتابع السلسلة اذا ما اعتبرنا ان فيلم “وولفرين” الذي قدمه هيو جاكمان بمفرده قبل عدة اعوام مستلهما من السلسلة ولكنه ليس أحد اجزائها الأساسية. هذا هو فيلم “الرجال إكس” أيام من الماضي المستقبلي” X-men: days of the future past

في الجزء الرابع من السلسلة “First Class” عاد بنا كل من المخرج براين سنجر والمؤلف سيمون كنبرج إلى منتصف القرن العشرين في محاولة للوقوف على بدايات ظهور الطفرات خلال فترة الحرب العالمية الثانية ثم صعودا في الزمن حتى الستينيات مستغلا أجواء الحرب الباردة في صياغة فانتازيا تاريخية (أي أحداثا متخيلة تدور على خلفية تاريخية حقيقة) وصولا إلى أحد أبرز مشاهد هذه الحرب وهي أزمة الصوايخ الكوبية التي كادت أن تشعل حربا نووية بين أمريكا وروسيا عام 63 وقت ولاية الرئيس كينيدي.

استطاع سيناريو FirstClass أن يضفر التاريخ الخاص لمجموعة الطفرات وعلى رأسها تشارلز اكزافيير وايريك/ ماجنيتو وريفين/ مستيك بالتاريخ العام الإنساني في المقام الأول، والسياسي في المقام الثاني.

اختيار صناع السلسلة الجدد الذين استكملوها بعد الجزء الثالث “الوقفة الأخيرة” “the Last Stand” بالعودة إلى بدايات تاريخ الطفرات وصراعهم المزدوج ضد بعضهم البعض من ناحية وضد البشر من ناحية أخرى، لم يكن اختيارا تجاريا ذكيا دفع بالأحداث نحو ارضية زمنية خصبة ومكاشفات درامية شيقة عن أعداء اليوم الذين كانوا اصدقاء الأمس، بل ان هذه العودة، التي تمثل حيلة هوليوودية معروفة في نوعية سلاسل الأفلام، عمقت الكثير من الأفكار والتفاصيل الانسانية والفلسفية التي كانت مجرد ديكور فكري انيق لأجزاء السلسلة منذ بدايتها.

إن الوقوف أمام الحرب العالمية الثانية كحدث تاريخي مأساوي راح ضحيته خمسين مليون انسان، وانفجرت خلاله قنبلتان نوويتان واستخدامه بشكل يوحي بأن الطبيعة قررت أن البشر بصورتهم الحالية ونفوسهم وعقولهم لم يعودوا جنسا يستحق العيش، وأن التطور الجيني وظهور اجيال من الطفرات ذات قوى مستمدة من الطبيعة يمكن أن تقضي على البشر وتعيد إعمار الأرض.. هذا الوقوف الفكري والفلسفي، بعيدا عن ابعاده الخيالية المثيرة، هو ميزة فكرية هامة من ميزات الجزئين الأخيرين من السلسلة.

واذا أضفنا له أن ايريك.. أولى الطفرات التي نراها في الجزء السابق كان يهوديا في معسكرات النازية- يشاهد أمه وهو تموت امام عينيه على يد أحد الضباط النازيين، ثم يتحول هو نفسه إلى نازي جديد، مصابا بمتلازمة ستوكهولم التي تجسد تماهي الضحية مع هوية الجلاد بمجرد أن تأتيه الفرصة، فيؤمن بفوقيه الطفرات كما كان النازي يؤمن بقدسية الجنس الأري وان ثمة حرب يجب أن تخاض لتخليص الأرض من البشر، فإننا امام عملية تركيب درامية لمستويات من الفكر الذي يتجاوز مسألة السلام العالمي والإخاء والمساواة التي كانت الهدف الفكري الظاهري للأجزاء الأولى.

سؤال فلسفي

كرس الجزء السابق لسؤال فلسفي هام وهو هل بالفعل أصبح البشر اقل تطورا وقيمة على المستوى الحضاري والوجودي بالدرجة التي تجعلهم بالفعل عرضه للإنقراض وضرورة الفناء في مقابل جنس جديد أكثر تطورا قد يظهر على الأرض ليحافظ على شكل الحياة ويعيد الإعمار؟

بإستخدام الفانتازيا التاريخية مدمجة في “المغامرة المثيرة”- الأكشن فإن الحيلولة دون أن تقع حرب نووية بين القوى العظمى كانت بسبب  مجموعة الطفرات التي يرأسها اكزافيير والذي تم توظيف طفرة التخاطر والقوى الذهنية التي يملكها باعتباره- على المستوى الرمزي والمعنوي- يمثل الحكمة والنبوة العقلانية ورجاحة الوجدان التي تتطلبها عملية التحكم بالقوى الجينية الجديدة في مقابل عنف ايريك ووحشيته التي تراكمت بداخله نتيجة ما تعرض له منذ الصغر على يد البشر.

في الجزء السباق استخدم السيناريو لقطات أرشيفية من البرامج الدعائية التي كانت تعرض بالتليفزيون الأمريكي لارشاد الجمهور حول كيفية التعامل مع الخطر الذري، ولم يكن توظيف تلك اللقطات بغرض رسم الخلفية التاريخية فقط ولكن بغرض معنوي ورمزي اكثر اتساعا وهو تعميق السؤال  الذي طرح في النهاية واستمر مع الجزء الجديد.

يبدأ الجزء الجديد في المستقبل بعد سنوات طويلة من الحرب بين البشر والطفرات والتي توصل فيها البشر إلى ابتكار حراس قادرين على مطاردة وسحق وافناء اي طفرة مهما كانت قوتها او مستواها الجيني.

قبل العناوين يوجز صوت اكزافيير ما حدث في المستقبل ممهدا لجزء من التيمة الفكرية الأساسية للفيلم وهي أن المستقبل ليس معروفا سلفا أو مقدرا أو حتى حتميا وإنما هو مسألة احتمالية من الدرجة الأولى لسبب بسيط أننا نملك تغييره إذا ما اردنا ولكن عبر استغلال اللحظة الراهنة التي إن فاتننا فلن نلوم إلا أنفسنا في النهاية.

في هذا المستقبل فإن أعداء الأمس اصبحوا اصدقاء الغد (اكزافيير وفريقه في مقابل ماجنيتو)، وكأن كل شئ قد عاد مرة أخرى كما كان وقت ازمة الصواريخ الكوبية. بالطبع كان ثمة مفاجأة بعودة اكزافيير مرة أخرى إلى الحياة في المستقبل رغم أننا شاهدناه يتفتت في الجزء الثالث “المواجهة الأخيرة” اثناء محاولته السيطرة على العنقاء، أو الجزء الشهواني الشرير الخفي في شخصية”.. ورغم طول الاحداث وعرضها لم يقدم لنا السيناريو تفسيرا لهذا البعث أو تلك العودة حتى على مستوى فكرة احتمالية المستقبل رغم أن صناع السلسلة خلال الجزء السابق لم يغفلوا تقديم اجابة عن سر الشلل النصفي الذي يعاني منه البروفيسور (والذي جاء بسببه طلقة طائشة يحركها ايريك دون قصد بغرض تفاديها).

تعتبر هذه هي سقطة هذا الجزء الأساسية على مستوى التبرير الدرامي لعودة إحدى الشخصيات الرئيسية بعد أن تم تغييبها بالقتل الواضح وليس بالاختفاء الغامض الذي يمكن ان يفسر بعشرات التفسيرات.

العودة في الزمن

وقد استخدم الجزء الجديد الإطار الدرامي المعروف بـ(العودة في الزمن) من خلال شخصية وولفرين التي تعود للظهور كشخصية رئيسية في هذا الجزء بعد أن غابت تماما عن الجزء السابق وظهرت فقط في مشهد واحد عابر يحاول فيه اريك واكزافيير اقناع الطفرات بالأنضمام إليهم في مدرسة الموهوبين.

نحن إذن امام زمنين أحدهما المستقبل حيث يقبع وولفرين على طاولة أمام احدى الطفرات التي تعيده عقليا إلى عام 1973 اثناء ولاية نيكسون- وهو الزمن الثاني- بعد عشر سنوات من ازمة الصواريخ الكوبية حيث يجب أن يمنع ميستيك من اغتيال احد العلماء العنصريين كان وراء ابتكار الحراس القادرين على هزيمة الطفرات مستعينا بإكزافيير وايريك.

الحركة بين الزمنين هي حالة من الدمج الكيميائي المفترض بين الشكل والمضمون فالتيمة الأساسية تتحدث عن أن المستقبل احتمالي، يمكن تغييره من خلال إمكانية تغيير الحاضر/ الماضي وبالتالي فإن العودة للماضي يعتبر اساسيا في سرد المضمون وليس مجرد اطار شكلاني مثير.

والمدقق في ملصق الفيلم الرئيسي يجد أن تصميمه قائم على دمج وجهي شخصية اكزافيير في سن الشباب والعجز من خلال الحرف “إكس” دلالة على أن الزمنين خلال هذا الفيلم اقرب ما يكونا في معادلة رياضية مضروبين في بعضهما البعض بواسطة حرف الإكس الذي هو نفسه رمز عملية الضرب.

أما مسألة احتمالية المستقبل فتعتبر تيمة نمطية من تيمات هولييود قدمت في الكثير من الأفلام عبر عقود طويلة ولكنها هنا تأتي من خلال سياق مركب يبدأ بالخاص وينتهي بالعام فالشخصيات الرئيسية في الفيلم كل منها لديه هم خاص في ماضيها هو الذي يشكل مستقبلها وكل منها قادر على تغيير المستقبل إذا ما تنبه إلى قيمة اللحظة الراهنة وخيارته المتاحة فيها، وهي الحجة التي يسوقها وولفرين لأكزافيير واريك في السبعينيات كي يقنعهم بضرورة مساعدته في ايقاف عملية الاغتيال، أما على المستوى العام فالرسالة واضحة، أن عالم الغد هو الأإن الطبيعي لحاضر اليوم فإذا اردنا عالما افضل فيجب أن نسعى لذلك عبر اختياراتنا في الآني وليس انتظارنا للقادم وهي رسالة سلام واضحة تنبثق من داخل الصراع الدامي الذي تبرزه فكرتين أساسيتين تمثلهما حبكة الفيلم.

هناك أولا فكرة خطورة التطور الجيني على بقاء البشر التي اشرنا إليها والممثلة  في شخصية العالم د. تراسك ذلك القزم ذو الصوت العريض- وهو اختيار درامي وتمثيلي رائع نظرا لتناقض ظاهره الضعيف مع باطنه القوي والعنصري مما يجعله مصابا بدرجة من الحقد تجاه الطفرات التي تمثل كمالا جسمانيا وجينيا بالنسبة لشخص مثله- حيث يعتبر الدكتور تراسك أن الطفرات حقيقة كونية معناها أن زمن البشر في انتهاء مثل اجناس الانسان الأول التي اختفت كلما تقدم العمر البيولوجي للكائنات.

“ضل فوجد”

والفكرة الثانية هي تيمة ايمانية عتيدة ومعروفة يطلق عليها “ضل فوجد” والمأخوذة عن العهد الجديد وترتبط بقصة الحمل الشارد الذي يغادر القطيع فيصبح عرضه للذئاب بمفرده.

يدمج السيناريو كلا الفكرتين من خلال شخصية مستيك التي تعتبر احدى الشخصيات الأساسية في عملية تطوير الصراع الدرامي وتصاعد الاثارة (الاكشن) خلال هذا الجزء، وفي الحقيقة فإن الفيلم ككل يبدو متأثرا بعدد من التيمات ذات المرجعية الدينية.

إن اكزافيير يرفض قتل ايريك ووولفرين لمستيك حتى يتم انقاذ المستقبل حيث يقول لهم إنه اذا حاد احدهما عن درب الإيمان فليس معنى هذا أنه يستحق القتل ولكن معناه أنه ضل الطريق وان مهتمهم ليست تصفيته بل اعادته إلى هذا الدرب مرة أخرى كي يدرك ضلاله ويختار الصواب.

هذا الاختبار الإيماني نراه في مشهد الذروة حيث يتقاطع الزمنان باستخدام المونتاج بشكل مثير ومتقن فكريا، ففي الوقت الذي يهاجهم فيه الحراس الآليون مجموعة الطفرات المتبقية والتي تحاول حماية جسد وولفرين بينما وعيه في السبعينيات، ونرى مستيك وهي تمسك بالمسدس وتوشك أن تطلق النار على العالم العنصري ولكنها تقتنع اخيرا ولا تفعل فتصبح لحظة الاختيار تلك هي الفعل الذي يمكن أن يغير من احتماليات المستقبل، وبالتالي يتلاشي المستقبل الذي يوجد فيه الحراس وتتلاشى مصائر الشخصيات التي ماتت او قتلت ويتشكل مستقبل جديد بناء على هذا الاختيار الصائب الذي عاد بها لدرب الإيمان بأن القتل ليس هو الحل وأن التطور الجيني بدون اخلاقيات عقلانية واعية يعتبر ارتدادا للخلف على المستوى الحضاري والإنساني.

كذلك نستشعر أن شخصية وولفرين في هذا الجزء أقرب لشخصيات الرسل في الميثيولوجيا الدينية فقدومه من المستقبل يجعله صاحب رؤية وبصرية واضطلاع على غيبيات لا يدركها من يعيشون في حاضرهم فاقدي بوصلة الإيمان وهو ما ينطبق على اكزافيير الشاب نفسه الذي نراه في البداية غارقا في الخمر وتعاطي مصل خارق يمكنه من السير على قدميه لكنه يسلبه قدراته العقلية المتطورة ثم يتخلى عن قدرته على السير في سبيل استعادتها وكأنه يتخلى عما هو مادي محدود من أجل ما هو روحاني وبصائري ومتجاوز حدود الجسد الضيقة.

ويصبح لاكزافيير الشاب ميزة المعراج الزمني  حين ينتقل عبر عقل وولفرين إلى المستقبل في شبه رؤيا ليشاهد نفسه في المستقبل ويستمع إلى نصيحة من ذاته المستقبلية بخصوص حاضره الدامي ليعود منها وقد ذاد ايمانه بأن عليه منع مستيك دون اراقة المزيد من الدماء وهو ما يجعله يترك اريك وريفين يغادران في نهاية الفيلم حتى لا يتم القبض عليهم وحتى يصبح لهم الأرادة الحرة في الأيمان بأن الحرب ليست هي بوابة المستقبل للعالم بل هي قبره.

أسئلة وجودية

ولقطة اللقاء بين اكزافيير الشاب والعجوز لقطة تشع بألق بصري ذو بعد روحاني وكأنها اقرب للحلم الرؤي أو لحظة تقاطع ما بين الواقع والغيب تماما كما توصف الرؤى في الكتب الدينية.

على مستوى الأكشن فإن الفيل، رغم احتوائه على عشرات من الخدع المنفذة بحرفية لم تعد مستغربة على هوليوود، إلا أن قوته الأساسية تكمن في حجم الأفكار والإنفعالات والرؤى الفلسفية والأسئلة الوجودية التي يطرحها طوال الوقت من خلال الصراع الدرامي وتشابك الخطوط وحركة الشخصيات وقراراتها التي تشكل عصب الحبكة والنمو السردي.

في الجزء السابق شاهدنا عملية رفع غواصة نووية من اعماق المحيط. وفي هذا الجزء قرر صناع السلسلة ابهارنا بمشهد رفع استاد كرة بالكامل من اساسه والطيران به ثم محاصرته للبيت الأبيض. وفي الجزء الثالث شاهدنا عملية تحويل جسر سان فرانسسكو الشهير ليعبر عليه جيش ايريك لمهاجمة الطفرة التي يستخلص منها علاج الطفرات الجينية.

اصبح لدينا في كل جزء مشهد ابهار اساسي يمثل ذروة بصرية للصراع وقد ساهمت تقنية ال3D في زيادة مساحة الأبهار وأن كانت لم توظف بشكل جيد على مستوى مشاهد عديدة خاصة مشاهد تعرض الطفرات للقتل على يد الحراس الأليون. وقد اشرنا من قبل الى أن ثمة فرق بين الفكر الإخراجي المرتبط بتقنية الـ3Dوبين أن تقتصر التقنية على العرض فقط فالعديد من المشاهد يمكن أن تحقق ابهارا مزدوجا لو تم تصويرها من زوايا معينة تضع المتفرج وسط الأكشن الحادث مباشرة وكأنه يتعرض للهجوم مثله مثل شخصيات الفيلم أما أن تقتصر التقنية على العرض دون توظيف زوايا الكادر لنقل المتفرج إلى داخله فإن الأمر لا يعدو مجرد إبهار شكلاني لا يمثل فارق عضوي بين التقنية العادية و الثلاثية الأبعاد.

تبقى الإشارة إلى ان نهاية الفيلم التي وظف فيها الكاتب مبدأ احتمالية المستقبل بشكل واسع فجعل كل الشخصيات التي غابت خلال الأجزاء السابقة تظهر مرة أخرى، تعتبر نهاية مشوقة وصادمة في نفس الوقت، خاصة إذا ما عرفنا أن الجزء القادم من السلسة الذي يتم التحضير له حاليا عنوانه “نهاية العالم”.. وكأن صناع السلسلة سوف يستعيدون كل شخصيات الرجال إكس من أجل الجزء الأخير لواحد من أشهر وأطول السلاسل الفيلمية التي ظهرت خلال العشرين سنة الأخيرة.  

Visited 43 times, 1 visit(s) today