ليني ريفنشتال: أكبر مخرجة إثارة للجدل في تاريخ السينما

Print Friendly, PDF & Email

بقلم: جيريمي كار

ترجمة: رشا كمال

تاريخ الميلاد: 22 أغسطس 1902- برلين- ألمانيا

تاريخ الوفاة: 8 سبتمبر 2003- بافاريا- ألمانيا

هل تنتمي المخرجة الألمانية ليني ريفنشتال إلى هذا المكان بين مصاف كبار المخرجين في العالم؟ وهل تستحق حقاً لقب مخرجة عظيمة؟

تتعدد الإجابات عن هذا السؤال المثير للجدل مثل حال المخرجة نفسها، ناهيك عن التطرق الى أكثر أعمالها اثارة للنقاش، وهي مجموعة من الأفلام يُشهد لسماتها الأسلوبية، ويحط من قدرها لمحتواها المزعج. واحتلت بعض من هذه الأفلام أهمية ثانوية في النقاش الدائر حولها، ولكن تظل أكثر أعمالها تميزا وإساءة للسمعة هي السبب في إثارة حماسة النقاش. ولا تزال أهم فترة في مسيرتها الفنية تتفاوت ما بين لحظات وصولها لمكانة بارزة، ولحظات انحدار مأساوي، وهي فترات قصيرة الأمد من حياتها التي بلغت المائة وواحد عاماً.

ورغم الميل إلى المبالغة، والانكار، والأكاذيب الصريحة، مما بالغ في تعقيد موقفها لأي وجهة نظر تحاول تقييم موقفها المعاصر أو الدائم، إلا أنها قد حظيت ايضاً بفترات اعادة اكتشاف تشجيعية جديدة، واحتفاء نقدي إيجابي.

ولكن لا تزال آثار تعاونها المشئوم مع الحكم النازي تظلل اللحظات العابرة لاستعادتها النجاح، وإحباط أي محاولة للبعث من جديد، وفي النهاية ورغم الاعتراف عموما بجماليتها الفنية الرائعة، وتقدير قدراتها السينمائية الملحوظة، إلا أنها قد وضعت هذه القدرات خلال ثلاث لحظات غامضة في التاريخ تحت تصرف اغراض الدعاية لكابوس دولي.

ولكن قبل هذا الكابوس، كان لدى هيلين اميلي بيرتا ريفنشتال حلم آخر هو الرقص، وبعد تحقيقها نجاح نسبي لفترة وجيزة في هذا المجال، وأثناء تعافيها من إصابة في الركبة، وهي في انتظار القطار الذي ستستقله للحاق بموعدها مع الطبيب، تغيرت حياتها جذريا عندما شاهدت ملصقا دعائيا لأحدث أفلام المخرج أرنولد فانك من نمط افلام الجبال Bergfilm، وفور وقوعها تحت تأثيره الساحر فات موعد القطار، وذهبت لمشاهدة الفيلم. وعزمت بكل إصرار على المشاركة في أحدث افلام فانك، وبالفعل نجحت في الظهور في أولى أدوارها على الشاشة في عام 1926 في فيلم بعنوان (الجبل المقدس-The holy mountain)، وحسب كلامها، لقد كُتِب هذا النص خصيصاً لها في غضون أسابيع قليلة. وتعد هذه التجربة أولى تجاربها الاحترافية في التمثيل، لكنها شاركت قبل ذلك في عدة تجارب متواضعة، مثل الفيلم التنويري المفقود بعنوان (أفيون-Opium). وفي سن السادسة عشرة ظهرت في الفيلم الوثائقي الثقافي (سبل القوة والجمال-Ways to strength and beauty) عام 1925 من انتاج استديوهات أوفا، ولكنها أنكرت مشاركتها في هذا الفيلم، أو أي معرفة به.

واستمرت ريفنشتال في بطولة عدة أعمال مماثلة من إخراج فانك، من بينها فيلم (الجحيم الأبيض لبيتز بالو- The white hell of Pitz Palu) عام 1929، وكان يحتوي على مشاهد درامية مميزة شارك في إخراجها المخرج جي. دبليو. بابست ، وفيلم (استغاثة ايسبيرغ -S.O.S   Eisberg)، من انتاج امريكي، الماني مشترك عام 1933، كما ظهرت في فيلم المخرج رولف رافي (مصير منزل عائلة هابسبورج – The fate of house Habsburg) عام 1928، ولكنها أيضا عادة ما كانت تنكر هذا الفيلم.

“كان فانك يفخر بمواهبه التي تتمثل في الدقة والمصداقية، حتى ولو أتت على حساب طاقم وفريق عمله في أحلك الظروف، وقد تركت أفلامه بصمة عميقة على الحس السينمائي لدى ريفنشتال. وبجانب الإلهام الذي استوحته من أسلوب مُعلمها المؤقت في كيفية تصوير الأشخاص وتفاعلهم الحماسي مع الطبيعة حولهم، كانت تكن اعجاباً لمناظر الجبال الشاهقة، والقوة البدنية، ونموذج الطاقة المثالية، والزوايا التعبيرية، والحركة المتواصلة التي أصبحت فيما بعد، إحدى سمات أسلوبها في المستقبل. وعلى الرغم من أنها كانت تقلل دائما من شأن هذه الأفلام لمحدودية جوهرها، الا انها كانت أفلاما تناسبها بشكل مثالي، فهي كانت نشيطة، وتهوى الحياة في الهواء الطلق، وسرعان ما أدركت ماهية الفن والإمكانات التواصلية للأداء.

ريفنشتال في فيلم “الجبل المقدس”

حققت ريفنشتال كممثلة أقصى ما يمكنها تقديمه وفق ما كان متاحاً حينئذ، ولم تكلل محاولاتها دائماً بنجاح يُذكر. لان الخلفية الفنية للمخرج فانك كانت واحدة مع أي ممثلة تقوم بأداء أدوار البطولة. ورغم ذلك تمكنت من استغلال مهاراتها في الرقص في فيلم (الجبل المقدس-The Holy Mountain).. وفي افتتاحية الفيلم قدمت عرضا راقصا بجسدها الرشيق وهي تثب مرحاً أمام المناظر الطبيعية الخلابة بصورة لخصت الموضوع البصري المتكرر لتجاور الشخصيات وصغر حجمهم إلى جانب البيئة المحيطة بهم، والانسجام التام مع عظمة المناظر الخلابة. وتميز أسلوب ريفنشتال الواعد في التعبير الجسدي بغزارة. وأظهرت ريفنشتال في هذا الفيلم والافلام الأخرى الكثير من الجاذبية، والحيوية، والقدرة التمثيلية لتتماشى مع الشخصيات التي لعبتها في افلام فانك التي كانت تتراوح ما بين الشخصية الضعيفة، الرفيقة المهمشة اجتماعياً، إلى شخصية البطلة القوية، الذكية، المتحفظة.

مثلاً في فيلم (القفزة العظيمة- The great leap) أدت دور فيه الكثير من الاغراء الرومانسي باقتناع، وكان حضورها المفعم بالحيوية في اول ادوارها في السينما الناطقة (في فيلم: عاصفة فوق مونت بلانك-storm over Mont Blanc) متلائما مع نموذج البطلة الألمانية المثالية، المعتدلة والجذابة في نفس الوقت، الناعمة وصاحبة العزيمة، ذات الحس الكوميدي اللعوب، التي تجسد روح الخطورة، والمغامرة، والاستكشاف. وكما لاحظت الكاتبة كارين ويلاند فقد كانت ريفنشتال تجسد النموذج الحقيقي للمرأة الجديدة. وفي نفس الوقت كانت تتعلم كيفية التحكم في زمام الأمور، فقامت بإخراج مقطعين استثنائيين من فيلم (الجبل المقدس-The holy mountain)، وهم مشاهد رحلة ليلية مدهشة، وعملية انقاذ على أضواء المصابيح.

ورغم الخلاف بخصوص الأسباب الأولى لتجربتها في الاخراج، الا أنها بالثقة والإصرار، سرعان ما تمكنت من اقتناص الفرصة لإخراج اول افلامها. وتقع أحداث فيلم (الضوء الأزرق- the blue light) في عام 1886، وهو من نوع الفانتازيا الساحرة، عن امرأة شابة مهمشة تدعى جونتا، تثير قدراتها الغامضة سخط وغضب السكان الريفيين، وتسلب عقل فنان متجول. ومثلما اعتاد فانك أن يفعل، صورت ريفنشتال المناظر الجبلية المعزولة غارقة في أشعة الشمس المتوهجة من وراء المرتفعات الشاهقة. ولكنها ايضا ما ضاعفت من هذا الإرث الأسلوبي من خلال الاستفادة من التجريب على شريط الفيلم الخام، واستخدام حيل مؤثرات الضباب، واضافة المزيد من أوراق الأشجار، والانعكاسات على صفحة المياه، وفروع الأشجار البارزة لإضافة عمق وبُعد في تكويناتها وتعزيز الإطار. ومن خلال التصوير المبهر تجسد جونتا، التي لعبت دورها ريفنشتال، المجهول الساحر، وعلى الرغم من تعرضها لقسوة مضنية، إلا أنها تحولت في النهاية لأسطورة شعبية. وهذه الشخصية- حسب رأي الكاتب ستيفن باش- تعتبر الدور الوحيد الذي اختلقته ريفنشتال لنفسها، وستتماهى دائماً مع الشخصية، اصراراً منها على أنها كانت بمثابة نذير مستقبلي لنفسها، كونها البريئة التي راحت ضحية لأعدائها الطماعين، الحقودين، الذين فشلوا في فهم وتقدير مثاليتها وحبها للجمال. وللتأكيد على الأجواء والمخاوف في القرية، دمجت ريفنشتال الصورة الأثيرية الحالمة مع ترتيب بارع لأحجام متفاوتة للقطات، والحركة، والإيقاع، وذلك لتصعيد حدة أجواء التوتر، والمعاناة جراء الاضطهاد الذي تواجهه جونتا، وريفنشتال هي ايضاً من قامت بمونتاج الفيلم.

ريفنشتال في فيلم “الضوء الأزرق”

ونال فيلم “الضوء الأزرق” ترحيبا واسعت، وعندما فشل في اكتساب شعبية كبيرة ألقت ريفنشتال اللوم على النقاد، وكان معظمهم من اليهود. ومن الأمور التي كانت نذيرا مزعجا لما ستؤول اليه الاحداث، فعند إعادة عرض الفيلم عام 1938 تم حذف إسما الكاتبين المساعدين اليهوديين، كارل ماير، وبيلا بالاش، من العناوين الختامية في الفيلم. وسواء كان هذا من مقصودا من جانب ريفنشتال، أو كان مجرد استسلام للظروف آنذاك، يظل هذا أمرا غامضا، ولكن كان هناك شخص واحد أعرب عن تقديره لأعمال ريفنشتال، بما فيهم فيلم (الضوء الأزرق- The blue light)، وتحديداً العرض الراقص الذي قدمته في فيلم (الجبل المقدس-The holy mountain)، وهو أدولف هتلر.

وفيما بعد ستتغير آراء ريفنشتال عن هتلر بتغير المناسبات، متظاهرة بالجهل تارة ومستهينة بالأمر تارة أخرى. ولكن في تلك الفترة كانت ريفنشتال تكن اعجابا صريحا للمستشار الألماني آنذاك رغم أن صعوده وارتقاءه لسلم السلطة لم يكن قد تحقق كلياً بعد. وأدى الاحترام المتبادل بينهما إلى تكليفها بإخراج الفيلم الوثائقي “انتصار الإيمان” وتبلغ مدته ساعة، عن مؤتمر الحزب النازي في عام 1933. وعلى حد قولها فقد عارضت وقاومت هذا العرض، وبلغت من الجرأة مناقشة دوافعه السياسية، وآرائه العنصرية، ورغم ادعائها غير المقنع مثل بقية ادعاءاتها عن نجاحها الفني قبل تلك الدعوة فهي تناقض الالتزام الضمني لتلك المهمة: فهي اذا كانت مشهورة بالفعل من عملها كممثلة، ومن إخراج فيلمها (الضوء الأزرق- The blue light) فما هي إذن الضرورة الملحة وراء تشكيل هذا التعاون المشبوه؟

والتحضيرات التي كانت مكفولة للفيلم من أجل ريفنشتال كانت محل خلاف ايضاً. رغم وجود دليل واضح على مهاراتها الفنية، الا انها بررت الفجوات وقلة جودة الفيلم بالسرعة والاندفاع في العمل. وربما كانت اللمحات الواضحة التي ظهر فيها هتلر هي بالتأكيد أكثر اللحظات غرابة في الفيلم، وكذلك لقطات الحزب النازي وهو غير مهيأ بعد، وكان واضحاً أنه شيء في طور الانجاز مقارنة بالدقة والتنظيم التي اتسمت بها تلك المراسم فيما بعد. ومع ذلك قامت ريفنشتال بتخطيط المساحة الواسعة المخصصة للاحتفال والتي أشرف على تصميمها وتنفيذها بعناية المهندس المعماري ألبرت شبير، وقدمت أهم لحظات الحدث بترتيب زمني متقارب، وإعداد المنصة للمجلس، والاستعدادات لوصول هتلر إلى نورمبرغ. والتقطت كذلك صور الوجوه العادية من الحضور، والشوارع المكتظة بالمارة من المعجبين، وعلى الرغم من تفاوت مستوى الفيلم إلا أنه يظل شاهدا على الحس الفطري بالديناميكية للمجال السينمائي عندها، وكذلك مناظر العظمة والأبهة فيه. ويذكر في بداية عناوين الفيلم جملة “وثيقة تاريخية” وهي مجرد إشارة تمييزية بديلة لأغراض الدعاية من جانب ريفنشتال للدفاع عن هذا الفيلم والذي يليه.

يولي فيلم “انتصار الإرادة” الاهتمام بالمعالم التذكارية للمدينة الألمانية العريقة، ومعالمها الهندسية البارزة بينما يغمر المشهد جنود المشاة بالزي الموحد، وموظفو الدولة المتحمسون، وهتلر الشاب مشرق العينين وهو يحيي الحشود بحماس. ويقدم الفيلم تعبيرا عن الوحدة والانبهار من جانب جموع النساء وغالبية من الرجال يرصدون بانتشاء الاحتفال المهيب بالمرحلة الانتقالية لوطنهم الأم.

 وبعد عرض الفيلم، وبسبب مجموعة من الأحداث المتنافرة نتج عنها وضعه على الأرفف، كان من المفترض التخلص منه. أثناء أحداث ليلة السكاكين الطويلة وهي سلسلة من الاغتيالات والتصفيات وقعت أحداثها في الفترة ما بين الثلاثين من يونيو والثاني من يوليو عام 1934، وفيها تمت تصفية قائد كتيبة العاصفة إرنست روم بأوامر من هتلر، وكان واحدا من بين الوجوه البارزة التي ظهرت في فيلم (انتصار الإيمان-Victory of faith) تم اعتبار الفيلم غير ملائم. وأصبح في عداد المفقود إلى أن ظهر بعد عدة عقود لاحقة، ومن وقتها وحتى الآن نأت ريفنشتال بنفسها عنه، وقللت من أهميته ومميزاته، أو حتى عيوبه، ورغم ذلك يعتبر “إنتصار الإيمان” من نواح عديدة، نموذجا غير مصقول لفيلمها التالي والأكثر إثارة للجدل، وهو تأريخ التجمع الحاشد للمؤتمر السادس للحزب القومي الاشتراكي عام 1934 تحت عنوان (انتصار الإرادة Triumph of the will عام 1935).

مع هتلر

بحشود غفيرة تخطت مئات الآلاف، بالإضافة إلى أشهر ممثلي الحزب النازي، يعتبر فيلم (انتصار الإرادة-Triumph of the will) مهمة هائلة، وانتاجا استثنائيا ضم العديد من المساعدين، والمصورين من الجو، والتصوير الثابت، وأطقم الاضاءة، والحراسة الخاصة، وارتدى العديد من المصورين والمساعدين الزي الرسمي للحزب لكي يندمجوا وسط الجموع، بينما ارتدت ريفنشتال معطفا أبيض مميزا. كان الفيلم تحديا لوجيستيا هائلا، ولكن كما لاحظت الكاتبة ويلاند، أنه بخلاف حماس ريفنشتال المتقد، والإعجاب الكبير الذي تكنه لهتلر، وموهبتها الفنية، إلا أنها استطاعت تطوير خطة عمل بدقة عسكرية. وصورت الفيلم في الأماكن الرئيسية للحدث، كما حددت مقدما أي من اللقطات التي ستكون الأكثر تأثيراً، والصور الإضافية لاستخدامها في التغطية ومنها مناظر المدينة العتيقة، والحشود الصاخبة. والتركيز المكثف للأيقونة النازية، من التكوينات العسكرية المهيبة، والتفاني الاعمى، والزي الموحد، و الشارات النمطية المعروفة.

ولتصوير الخطب الرنانة، والمراسم الليلية، والمسيرات التي لا تنتهي، قامت ريفنشتال بتوظيف الاضاءة التي تتلاعب على الواجهات المعمارية، والاشخاص التقطت إما كصور ظلالية لهم، أو سلطت عليهم الضوء، ونوعت بكفاءة بين اختياراتها للقطات لإظهار زعماء الحزب من مسافة بعيدة لاظهار الهيبة، او كأشكال ساكنة تبرز بقوة وشموخ من الإطار، وتؤكد على أن مساهمات ألبرت شبير في التصميمات الإنشائية كان له أثر كبير على تكويناتها الشكلية.

ورغم حرفيتها الفنية تشير ويلاند أن ريفنشتال لم يكن بإمكانها أن تفعل المزيد لتحسين المظاهر المنتفخة، المزعجة، والقبيحة، لوجوه هؤلاء الرجال التي كانت تتصبب عرقاً، ولكنها حاولت رغم ذلك بكل تأكيد. ورغم السياق السام ورمزيته المشئومة، فان فيلم (انتصار الإرادة-Triumph of the will) يزخر بالانسيابية البصرية المصقولة، وحركات الكاميرا المتتبعة الموازية لمنصات الحزب، والتصوير من داخل مصاعد ترتفع بمحاذاة الأعمدة الشاهقة، مع الموسيقى المصاحبة من تأليف هربرت فيندت التي خلقت تمازجا بصريا سمعيا لإثارة وتحفيز المشاعر. ويكتب باش أنها من خلال البراعة والفن تمكنت من خلق حالة من التمازج بين القوة والشاعرية بطريقة بلغت من الاقناع ان تتحدى أي فيلم من هذا النوع قد سبق إنتاجه من قبل، وكان رائعاً تلاعبها بالعناصر الشكلية، وابداعاتها الجديدة في التصوير، والمونتاج الذي من خلاله وضعت قواعد ومعايير جديدة ظلت مثالا لكثير من المخرجين لسبعة عقود لاحقة، حتى النزاع الذي يحدثه الفيلم يبقى نفسه شاهدا على تأثيره.

 تجمع الألمان من جميع أنحاء البلاد، للتعبير عن الرخاء والحيوية، ولدعم النظام والتقاليد الريفية، واتحادهم الواضح في الإخلاص والطاعة. ويبدو أن آمالهم بإعادة ميلاد ألمانيا كقوة عظمى في العالم كان مسيطرا عليهم، في ظل ثبات هتلر في دور القيادة. ولهذا جاءت الخطب في فيلم (انتصار الإرادة-Triumph of the will) حماسية، وجريئة، ومتكررة، وتشمل تصريحات كان لها صدى مألوفا انذاك، اما الان فيمكن تمييز اثرها الراسخ، وتوتر الثقل الخطابي بأثر رجعي، وتأثيره السام. وبخلاف مظاهر التمجيد المادي لفكرة المثالية التي تم التلاعب بها يعتبر الفيلم اهداء لهتلر. وهو في طائراته محلقا فوق المدينة كالمسيح المخلص الذي يهبط من السماء، أو مسافرا بسيارته، ونراه من مستوى الاكتاف كأنه يطفو بين الحشود، لذا ظهرت صورة هتلر مؤثرة، ومدهشة، وتقشعر لها الابدان. وللمقارنة، وباستثناء أماكن قليلة جاءت في مقدمة ومركز الصورة، خضعت الهويات الفردية في الفيلم للاندماج لخلق صورة مركبة من حالة الانصهار الوطني، الذي يتلاشى فيه الحد الفاصل بين التوثيق التاريخي الموضوعي، والصوت الجهوري للدعاية، وهو تأثير شامل كان من المستحيل ملاحظته وتقديره بدون قدرات ريفنشتال السينمائية.

ووصولا عند هذه النقطة يشير باش أن الصورة الحالية لهتلر كخطيب باهر يرجع الفضل فيها بدرجة كبيرة الى الاداء الاسطوري الذي أظهرته عليه ريفنشتال في أفلامها اللاحقة.، مضيفا الى ان اسطورة الخطيب ذو التأثير المنوم للعقول تخدم الحجة الجماعية التي يستخدمها الملايين كمراوغة أخلاقية لتبرير ان الشعارات، والزي الرسمي، ونفير الأبواق، قد حول انتباههم عما كان يقال حينئذ، وهو أمر عار تماماً عن الصحة.

استغرقت عملية مونتاج الفيلم قرابة العامين، نتج عنها فيلم مدته ساعتين، من مائتين وخمسين ميلاً من الافلام، وواحد وستون ساعة تقريبا من الشرائط المصورة، ودائما ما كانت تقول ريفنشتال أن سر نجاح أي فيلم يكمن في عملية المونتاج، وهذا الفيلم يعتبر أفضل مثال على ذلك، وكما كتب الناقد جاي هوبرمان ان الفيلم رائع، ومرهق، وشرير، وواحد من أعظم الألغاز في تاريخ السينما العالمية، ولا يزال المحرض لردود أفعال معقدة.

 ولطالما عارضت ريفنشتال أي مزاعم بمعادة السامية من جانبها على الأقل، وكانت تكرر استحالة معرفتها بما ستؤول إليه الأحوال آنذاك في ألمانيا النازية، ويظهر أيضا انكارها وتجاهلها للأحداث الواضحة في تلك الفترة. وكانت تجادل بأن الفيلم كان مجرد مهمة أسندت اليها، مجرد فيلم وثائقي لتقديم حدث وسلوك التباهي به دون أي تأويلات. وتدليلاً على كلامها أشارت إلى رفضها اضافة اي تعليقات او تعقيبات، كما أنها دحضت صحة  تداعيات عمليات المونتاج رغم وجود تدريبات ومشاهد إعادة تصوير، وتمثيل للأحداث. وبالنسبة لها فإن فيلم مثل (انتصار الإرادة-Triumph of the will) ما هو إلا مجرد عمل احترافي، وتدريب فني، وليس سياسيا، وكما تقول:

“الأمر ببساطة هو أنني قمت بتصوير ما أراه أمامي أنا والمسئولين عن الكاميرا بدون تضمين أي أجندات سياسية محددة مسبقاً، وأي شيء خلاف ذلك هو مجرد تأويل من الصحفيين للفيلم، ولكننا وبكل بساطة حاولنا تقديم أفضل صورة ممكنة لما نراه أمامنا وبأكثر ديناميكية تصويرية.”  ولم يكن لديها أية توجهات، أو مُثل عليا، ولكن كانت تقوم بواجبها فقط، وكما اضافت: “انا لم أُجمّل أي شيء بأي شكل، فلا يهم حقا أي أفكار تريد ايصالها في الافلام، المسألة وما فيها هي تقديم ما يحدث أمام الكاميرا بدلا من محاولة ترجمة الأفكار”.

وعلى حد قول الكاتبة والباحثة أودري سالكيلد لو لم تقم ريفنشتال بإخراج فيلم (انتصار الارادة-Triumph of the will) لأصبحت كل الاتهامات الموجهة إليها واهية بلا اي اهمية. ولكنها فعلت، ورغم أنها قد أقسمت على عدم تقديمها لأي فيلم اخر لحساب الحزب النازي، إلا أنها أُجبرت على إخراج فيلم قصير إضافي لكسب رضا “الفيرماخت” أو القوات المسلحة الألمانية التي شعرت بأنها لم تلق تمثيلا جيدا في فيلم (انتصار الإرادة- Triumph of the will). وهذا صحيح، وريفنشتال التي أنكرت لفترة بأنها قدمت فيلما آخر، علقت السبب بعدم توافر لقطات مقنعة، بينما عزا اخرون السبب وراء تضاؤل حضور القوات إلى الرغبة في إخفاء العدد الحقيقي للقوات الألمانية تهربا من قيود معاهدة فرساي التي كانت تنص على منع زيادة عدد القوات الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى عن ألف مقاتل.

وأيا كان السبب، فإن الناتج كان فيلم (يوم الحرية-Day Of freedom) الصادر عام 1935، عن مسيرة القوات المسلحة الألمانية كما تم عرضها، واستعراضها أثناء تجمع المؤتمر السابع للحزب القومي الاشتراكي في وقت سابق في نفس السنة، وتبلغ مدته ثماني وعشرين دقيقة. من استعراض استعدادات المعسكرات، وتهميش الصداقات الاجتماعية مقابل مناورات سلاح الفرسان، والقوات الجوية، والمدفعية. ويؤكد الفيلم الوثائقي على ضرورة امتلاك القوة العسكرية، ولكن من دون حماسة ريفنشتال الفنية، كانت تنقصه الروعة البصرية عن سابقه.

وقد تضاربت الأقاويل مرة أخرى بشأن أصول الفيلم الوثائقي التالي في مسيرة ريفنشتال. على الرغم من أنها قد تلقت دعوة من هتلر لتصوير فعاليات أحداث الدورة الاولمبية التي أقيمت في صيف عام 1936 في المانيا، الا انها اصرت على ان هذه المهمة قد أسندت إليها من قبل لجنة الالعاب الاولمبية الدولية، بينما أظهرت الوثائق العكس، وإن فيلم (اولمبيا- Olympia) كان ممولا بلا شك بواسطة الرايخ الثالث. وحصلت على الدعم المالي على أي حال، وكانت السياسات الألمانية فيه ثانوية الي حد كبير مقارنة بالمناسبة الاحتفالية للانجازات الرياضية، ورغم معارضة هتلر لاستضافة هذا الحدث إلا أنه كان مقرراً مسبقا قبل توليه الحكم – ورغم المناخ العام المتعدد الأعراق في الاولمبياد، ظل هتلر يلعب دور قائد الدولة المضيفة.

وبالإضافة إلى رايات الصليب المعقوف الاحتفالية، والتحية النازية الإلزامية من بعض الرياضيين، كان يظهر بين الفينة والأخرى من فوق المنصات، مصفقا، جالسا على طرف مقعده. ورغم كل النوايا والمقاصد يعتبر فيلم (اولمبيا-Olympia) فيلما رياضيا، تخطت به ريفنشتال توقعات الجميع بتصويرها الرائع للألعاب الاولمبية. وكانت هذه أيضا مهمة هائلة لريفنشتال.

بدأت أحداث الفيلم بإرساء مكانة الالعاب الاولمبية في التراث التاريخي، من خلال التخطيط الرمزي لمسار الشعلة من موطنها القديم في اليونان وصولاً إلى برلين الحديثة في الوقت الحاضر. ويجدر الإشادة بدور المصور ويلي زيلكي في افتتاحية الفيلم الذي استطاع من خلال المؤثرات الخاصة للتصوير اجتياز المكان والزمان، واستخدام الصور المتحركة، ولقطات التتبع المهيبة، والتطابق في تلاشي اللقطة من التماثيل الثابتة إلى الرجال الأصحاء مفتولي العضلات، والنساء الجميلات رشيقات القوام.

مع هتلر وجوبلز

والفيلم مقسم الى جزئين بعناوين “مهرجان الامم-Festival of the nations“، و”مهرجان الجمال-Festival of beauty“، وتظهر في الفيلم بصمة ريفنشتال المميزة في استخدام المكونات العنصرية مثل النار، الماء، وأشعة الشمس، وكذلك ميلها لإظهار المساحات الشاسعة، والمباني المذهلة. ولم تقل المشاهد اللاحقة لتقديم اللاعبين روعة عن سابقيها. فقامت هي وفريقها بتوظيف اللقطات المصورة تحت المياه، بحركة بطيئة ومعكوسة، ومقاطع مونتاج، ومقاطع مصورة من اعلى بواسطة المناطيد، وزوايا منخفضة تم تصويرها من أماكن محفورة في الأرض، ولقطات حميمية مقربة للرياضيين تظهر فرحة ونشوة الانتصار، وخزي وعذابات الهزيمة، مستعرضة المشاعر، والتوتر الملموس، ومؤكدة بذلك مثلما حدث مع فيلم (انتصار الإرادة-Triumph of the will) ان هذا الفيلم ايضاً لم يكن قابلا للتحقق بدون توجهاتها الاسلوبية. وسمحت المشاهد المعدة مسبقاً المجال لصور مجردة، بينما تبرز الموسيقى المصاحبة الزخم الذي لا يهدأ ونشوة الحركات الفاتنة.

وفيلم (اولمبيا-Olympia) لا تشوبه كثيراً الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في ألمانيا. فالفيلم يعد احتفالاً بالمشهد واللياقة، وشاهد على البراعة البشرية، والمهارة، وقوة الاحتمال. ولكن تبقى الآثار المحيطة بظروفه الإنتاجية وكل ما له علاقة مستترة بالنازية أمر شائك لا مفر منه.

 وتكتب ويلاند أن ريفنشتال أتقنت المزج بين النشاط البدني، والتكنولوجي من خلال التنظيم الرائع، والحس الفني، والبراعة التقنية، واستطاعت تصوير فيلم ساعدها على تبوء مكانة مميزة بين أهم مخرجي، وفناني حقبة الثلاثينات في ألمانيا.

من فيلم “أوليمبيا”

وحسب رأي الكاتبة جوديث ثورمان يعتبر (اولمبيا-Olympia) فيلما هجينا بخضوعه للمثل الفاشية من ناحية، وتحديه لها من ناحية أخرى، وتحديدا اللقطات المقربة المشرقة للاعب الأمريكي الأسود صاحب الميدالية الذهبية جيسي اوينز. وبحضور أكثر من خمسين دولة وحشود من مختلف أنحاء العالم، ربما كانت تحلق رايات النازية عالياً، إلا أنها كانت في وقت ما، في مكانة أدنى من تلك التي تمثل دول مختلفة. وكان الهوس النازي بأصالة العرق واضحا وصريحا مثلما اشارت المؤرخة البريطانية اليكس فون تونزيلمان عن تعليقات المعلقين عن قوة العرق الأبيض، إلا أن الفيلم قدم صورة كبيرة للتكاتف الدولي. ورغم احتقار الكثير من النقاد لأعمال ريفنشتال لتركيزها التحريضي، هناك آخرون اعترفوا ان فيلم (اولمبيا-Olympia) يعد استثناء لهذه القاعدة.

وكما أشار في كتاباته الكاتب نيكولاس باربر أنه من الخطأ توجيه انتقادات قاسية لفيلم (اولمبيا-Olympia) باعتباره فيلماً نازياً، فهو ليس كذلك. لأن ما به من خصائص تشبه النازية تعتبر أمورا جوهرية بالنسبة للألعاب الاولمبية، مثل تبجيل الكمال الجسماني، الحنين الي تقاليد الماضي الأسطوري، تقسيم العالم إلى دول منفصلة متنافسة. وما يبعث القلق في الحقيقة هو أن الصورة الاولمبية ليست مختلفة كثيرا عن الصورة النازية سواء أكانت ريفنشتال متورطة في الأمر أم لا. وقد تم طبع الفيلم بعشرات اللغات، واحتفى به على نطاق واسع، ويعتبر (اوليمبيا-Olympia) خير برهان على أن ريفنشتال كانت على مستوى التحدي المطلوب منها، لتحويل حدث لم تكتشفه السينما من قبل، إلى قطعة فنية سينمائية.

ارتقت المخرجة أعلى درجات سلم النجاح ولم يتبق أمامها سوى طريق واحد فقط. ونتيجة تورطها وصداقتها الحميمة مع هتلر سواء أكانت على المستوى المهني أو الأيديولوجي أو حتى العاطفي، تدهور موقفها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبمجرد وصولها إلى مدينة نيويورك للدعاية لفيلمها (أوليمبيا-Olympia) واجهت ريفنشتال في الحال عاصفة من الانتقادات والاتهامات لتزايد الظروف العدائية الواقعة في بلادها. ونتيجة استيائها مما آلت اليه الامور بعد ما كانت تأمل في أن يكون احتفالاً بنجاحها، استنكرت بشدة مثل هذه الأمور الوحشية. ولم يكن إنكارها يشكل فارقا كبيراً مع تزايد نزعة الكراهية ضد الالمان التي كانت تعم أمريكا، ولهذا تم إلغاء العديد من المهام الاجتماعية كان يفترض أن تقوم بها حيث لم ترغب صناعة السينما الأمريكية في أي علاقة بها وبأفلامها، ولكنها قابلت رجل الأعمال هنري فورد، واصطحبها المخرج والت ديزني في جولة في استديوهاته. وعادت الي ألمانيا بقلب مكسور مرير، وسرعان ما استقرت في عملها الجديد كمراسلة حربية خلال الحملة على بولندا. وهناك شهدت على عمليات إعدام وتصفية المدنيين البولنديين، وحسب ما زعمت، قامت بتعنيف المسئولين، وقدمت استقالتها.

من تصميمات فيلم أوليمبيا

ولكن السبب الحقيقي وراء المذبحة، وتأثيره اللاحق عليها تم تحريفه وتشويهه في ضوء تصريحاتها المتناقضة بخصوص واقعة ذلك اليوم، وتشير ويلاند إلى أن مجاهرتها المخجلة بالجهل لا تقل إذهالاً عما حدث، عندما يتعلق الأمر بارتكاب مثل هذه الأفعال الوحشية.

 وأملا منها في تجنب اي التزامات او خلافات سياسية بدأت ريفنشتال في العمل على فيلم روائي كانت قد بدأت في تحضيره عام 1934 عن أوبرا يوجين دي البرت الشهيرة تيفلاند عام 1903، وبدأت التصوير في عام 1940 في اسبانيا، ولكن ظروف الحرب دفعتها إلى نقل التصوير لأماكن أخرى. وتعرقل التصوير نتيجة مشاكل تقنية بسبب الطقس السيء والحالة الصحية لريفنشتال. وأصبح فيلم (تيفلاند-Tiefland) الذي قامت هي بالمونتاج، والإنتاج، والإخراج، وشاركت في كتابته، وبطولته ايضا، واحدا من أغلى الافلام التي انتجت في عهد الرايخ الثالث.

وقد علق كثير من النقاد على ظهور ريفنشتال في دور البطولة في هذا الفيلم، فقد لعبت شخصية أصغر منها في العمر، غجرية اسبانية ممزقة بين ماركيز مغوي متغطرس، وطبقة الفلاحين المستغلين. وأعربت المخرجة عن ندمها عن الظهور في الفيلم، ودورها الذي لم يختلف كثيراً عن دورها السابق في فيلم (الضوء الأزرق-The Blue light) وهي حكاية عن الخيالات الإيروتيكية والنبذ الاجتماعي. ولكنها تمكنت من ترك انطباع جيد. وتألقت في ضوء عملها الإخراجي، وتصوير الفيلم الملفت للنظر الذي يحث على تقدير الطبيعة، حتى لو بديناميكية اقل من أفلامها السابقة، التي كانت ظروف تحكمها فيها أكبر، ولكن لا يزال يوجد بالفيلم حركات كاميرا مخططة بعناية، وديكورات مزخرفة، وتعبير عن الرومانسية، وذروة أحداث، ومواجهة أخيرة عاصفة. وربما يعتبر الفيلم من نوع الدراما التاريخية التقليدية، لكنه ليس سيء للدرجة التي صرح بها البعض، مثل باش الذي قال إن (تيفلاند-Tiefland) هو مجرد حالة فضولية مبتذلة مثل أي فيلم متواضع لأي مخرج في العالم.

وترجع الآراء السلبية حول هذا الفيلم الي عاملين مثيرين للجدل وهما:

وجد الكثيرون لوهلة ان الفيلم ما هو إلا انعكاس لعلاقة ريفنشتال مع القوى النازية، مثل المؤرخ السينمائي روبيرت فون داسانوسكي الذي قال ان الفيلم يعتبر أكثر تصريح سينمائي شخصي من المخرجة، وهو محصلة عمل سينمائي مرتبط بنشوء وانهيار الرايخ الثالث.

ويشير كذلك إلى ملاحظة فشل في نقاد ريفنشتال في الوصولاليها، وهي تحديداً الأمر العسكري الذي احتفت به في نورمبرغ الذي سيكون سبب إدانتها في نهاية الأمر.

ولكن ردا على موضوع النازية يوضح الكاتب كريستوفر سوندرز أن قصة الفيلم مبتذلة جدا لتحمل كل هذا التفسير، فبساطة الحكاية يمكن أن تكون بمثابة حكاية رمزية ماركسية عن الفلاحين ضد الملاك الاشرار، او من نوعية الغرب الأمريكي عن مربي الماشية ضد مدعي ملكية الأرض، أو استعادة المثل النازية أي المثل الرعوية الريفية مقابل الانحطاط البرجوازي. ويضيف أن الفيلم يحاول إعادة تصوير البراءة المفقودة. ولكن عندما يتعلق الأمر بريفنشتال فإن أي مظهر يوحي بالبراءة سيقابل برد عكسي سريع، وستظل الحقائق المروعة تلاحق الفيلم بما يفوق جوهره السينمائي بكثير.

العامل الثاني في إثارة الجدل هو عندما صرحت ريفنشتال باستعانتها بمجموعة من أسرى إحدى المعتقلات المجاورة لموقع التصوير للظهور كمجاميع في فيلمها لكي تمنح الصورة طابعا أصيلا لطبيعة السكان. وبعد الانتهاء تم إرسال العديد منهم ليلقوا حتفهم، واثيرت مزاعم المخرجة المشكوك فيها بشأن عملية الاختيار والمصير النهائي لهؤلاء الأشخاص أثناء معارك قانونية محتدمة، ومرة اخرى عندما قدمت اعتذارها قبل وفاتها بعد عدة عقود.

وببساطة وكما يشير باش أن ادعاءاتها بالجهل بأمر تلك المعتقلات، والغرض من وجودها، وكذلك الحالة التي كانت عليها، يبدو مستبعد جداً من شخص مهووس بالتفاصيل مثلها. ورغم تفاهة العذر، إلا أن سالكيلد تشير إلى أنه رغم غرابة الفكرة الآن إلا أن ريفنشتال لم تكن الوحيدة التي استعانت بمعتقلين من معسكرات التعذيب للمشاركة في مشاهد المجاميع في الافلام. ورغم الجودة الفنية التي تمتاز بها هذه المشاهد في الفيلم إلا أنه يصعب مشاهدتها مع العلم المسبق بمصير هؤلاء الاشخاص مثلما أشار لاري بنجامين، فمسألة أن تعمل بشكل مستقل داخل النظام تختلف تماماً عن استغلال المنافع التي تعد أسوأ أوجه هذا النظام.

وبعد انتهاء الحرب تم إلقاء القبض على ريفنشتال، وخضعت للتحقيق ثم اطلق سراحها. وقبل أن تجري أي عمليات بعد التصوير على فيلم (تيفلاند-Tiefland) تم القاء القبض عليها من قبل الفرنسيين هذه المرة وصادروا اموالها، وممتلكاتها، بالإضافة إلى النسخة السالبة من الفيلم. وتلى ذلك خضوعها للإقامة الجبرية في منزلها ومعسكرات الحجز، وواجهت ريفنشتال سنوات طويلة من التدقيق القانوني. ورغم عدم انضمامها ابدا الى الحزب النازي، إلا أنها قد تم تبرائتها من كافة التهم المنسوبة إليها، وأعلنت الجهة القضائية أنها كانت فقط متعاطفة مع النازية. وبعد عدة سنوات، ووفق ما صرحت به ريفنشتال، قامت باسترجاع النسخ الموجودة من فيلم (تيفلاند-Tiefland) واتممت عمليات المونتاج والدبلجة للمادة الخام المتبقية منه، وصدر الفيلم أخيرا في عام 1945.

ورغم جهود بعض الداعمين مثل المخرج جان كوكتو الذي أعجب بالفيلم وأصر على عرضه في مهرجان كان، وعُرِض بالفعل خارج المسابقة، كان يتمنى أيضا في أن يكون هناك تعاون مشترك مع زميلته، إلا أن هذا كان آخر الأفلام الروائية لليني ريفنشتال.

ما جرى بعد ذلك أثناء المحاكمات والمقابلات التي أجريت معها كان مجالاً مثيراً للتعليقات، والإنكار، والادعاءات، الأمر الذي خلف إحساسا لدى منتقديها بعدم الاقتناع ببراءتها قبل وأثناء الحرب. ويلاحظ باش أن قدرتها على تعريف وإعادة تحديد ماضيها، كان وفق ظروف اقتضتها الحاجة. وتوصل تقرير المخابرات الألمانية الى أنه رغم أن أقوالها كانت صحيحة وصادقة، فهي لم تكن مدركة بتاتاً لحقيقة أنها من خلال تكريس حياتها للفن قد منحت بذلك القدرة على التعبير لنظام غاشم، وساهمت في تبجيله. بينما وصف آخرون أن ذكرياتها ومزاعمها كانت مربكة، بالإشارة إلى أن إصرارها على أن الأمور كانت خارج مقدرتها يتعارض مع صفاتها في التنظيم والتحكم. وكتب الباحثان روبرت س شنايدر، وويليام اف ستير، عن وجود عدة حقائق جعلت من الصعب تصديق سذاجة ريفنشتال عن الوضع الذي كان قائما من حولها آنذاك، لأن حسها الاحترافي وبعد النظر لديها كانوا استثنائيين، وكانت تمتلك من القدرات السياسية  التي مكنتها من عقد لقاءات مع هتلر شخصيا لتحقيق أهدافها الفنية لإنتاج فيلمها، وهي بذلك قد استغلت وعملت بحرص من خلال الهيكل السياسي لصناعة الفيلم الألماني والحزب النازي. ورغم ذلك يعتبر الاتهام الموجه اليها عن المامها بخطط وأجندة الحزب النازي مجرد افتراضات لعدم وجود دليل دماغ عليها. ومن جانبها قالت ريفنشتال انها احيانا خلال حياتها قد شجعت وتعاونت مع عدد من اليهود، وهو أمر وارد. كما اشار باش، بان هناك الكثير ممن تعاونوا بنفس القدر مع نظام هتلر ولم تلاحقهم الصحافة ولم يخضعوا للمحاكمات وظلوا يعملون بحرية بعد نهاية الحرب.

وبالنسبة للكثير، أيا كانت مشروعية ما اقترفته ريفنشتال من عدمه، فإن المسائل الأخلاقية لطالما غطت على الموضوع، وانعكست على شخصيتها وعلى قدر تواطؤها. بينما كان لدى آخرين اراء اخرى بأن إدانة ريفنشتال كان يرجع ولو بقدر بسيط إلي جنسها. وكما اشار الكاتب راينر روثر أن حالتها كانت مختلفة لكونها ببساطة إمرأة، والتحيزات الجنسية التي شنت ضدها بعد الحرب تؤكد هذه النقطة. ولكن وفق هذه النقطة فحسب، فإن ريفنشتال قد تلقت معاملة غير عادلة. ونجاحها في عالم الرجال ادى الى ازدراء وشك من جانب زملائها في الصناعة، وداخل الحزب النازي، وتحول هذا الأمر الى نسيج شائك من الرمزية النسوية، وحب النازية.

ويوضح الباحث في الشئون الالمانية غلين. بي. إينفيلد، مدى تعقيدات وضع ريفنشتال قائلا ان البروباغندا ليست مشكلة في حد ذاتها، ولا يعتبر القائم عليها منبوذا في ظل الظروف العادية. ولكن افلام ريفنشتال ساعدت بكل تأكيد على تأسيس صورة هتلر وحزبه في السنوات الأولى، وتعاونها الغير مباشر في ظل سياساته الوحشية وضع جهودها الدعائية في فئة منفصلة تماماً عن افلام الدعاية العادية.

وبعد هدوء العاصفة من حولها انعزلت ريفنشتال لسنوات، وفشلت في تلقي الدعم اللازم لاستكمال مسيرتها الإخراجية. وتعثرت مشاريعها العادية التي خططتها، ومن بينها فكرة تحويل رواية بينتيزيليا للكاتب هاينريش فون كلايست إلى فيلم كان من المفترض أن يكون اول افلامها الملونة، وفيلما آخر عن رياضة التزحلق بعنوان (الشياطين الحمر-The red devils)، ونسخة جديدة من فيلمها الاول (الضوء الأزرق- the blue light). ومحاولة أتت بلا طائل لصنع فيلم عن تجارة العبيد في افريقيا بعنوان (الشحنة السوداء- Black Cargo)، ولكن نتج عن هذه المحاولات فصل آخر في حياة ريفنشتال.

اقتداء برواية هيمنجواي تلال خضراء في أفريقيا، وصور المصور جورج رودجر، بدأت ريفنشتال رحلاتها إلى أفريقيا، وقضت فترة مع قبائل النوبة في السودان. وعرضت الصور التي التقطتها خلال هذه المدة القصيرة، وبيعت، ونشرت في مجموعتين، وأعيد اكتشاف ريفنشتال من جديد، والاعتراف بها كمصورة اثنوغرافية وعادت لمكانتها جزئياً، كفنانة أولى.

وتبع هذا آخر مرحلة في حياتها، عندما اصبحت من أكبر الغواصين سناً في العالم، حيث قامت بتزوير عمرها لتتمكن من الغوص، وقدمت آخر أفلامها الوثائقية بعنوان (انطباعات تحت المياه-Impressions under water)، كما أصدرت اخر كتبها عن تصويرها تحت الماء.

وربما توحي مرحلة افريقيا، والتصوير تحت الماء/ بابتعادها عن الارتباطات السيئة السابقة لعملها السينمائي، إلا أن الاتهامات ظلت تلاحقها بسبب عملها في المانيا. وربما اشهر هذه الاتهامات على الاطلاق، مقال الكاتبة سوزان سونتاج عام 1975  تحت عنوان الفاشية المبهرة وتناقش فيه التجلي الواضح لجماليات الفاشية المتأصلة في كل أعمال ريفنشتال بدءا من افلامها عن الطبيعة الجبلية وحتى صورها الفوتوغرافية. ورغم تقدير سونتاغ لافلام (انتصار الإرادة-Triumph of the will)، و(اولمبيا-Olympia) واعتبارهما فيلمين عظيمين، وربما أعظم فيلمين وثائقيين أنتجا على الاطلاق، إلا انها ترى أن مظاهر تقديس الطبيعة، والتأكيد على الجماليات البدنية، وعلى القيم التقليدية من ضمن الأمور المتأصلة في ايديولوجية الفكر القومي الاشتراكي.

وكان للمنظر السينمائي سيغفريد كراكاور آراء مشابهة، فقد كتب في وقت لاحق ولكن بصفة الناقد المعاصر الذي تناول وكتب عن افلام ريفنشتال برؤية مسبقة وواضحة، ووفق ما ذكره باش، كشف كراكاور عن نوع من البطولة المثالية في افلام الجبال لريفنشتال  يشبه روح النازية. وبالمثل علق المخرج الوثائقي والناقد بول روثا على أن حماسة ريفنشتال المشتعلة، وشغفها بفكرة العرق الأبيض، وتقديسها الأعمى لهتلر وكل ما تمثله النازية يتعذر محوه من أفلامها، ولا يمكن فصل افلامها عن الإيمان العميق بالقومية الاشتراكية، فأفلامها تعبأ بها.

وهناك بعض الآراء الأخرى التي لم تقتنع بمثل هذه التأويلات. مثلا تناولت سالكيلد المغالطات الواقعية التي تشوب آراء سونتاغ، ويكتب جاي هوبرمان أنه رغم اعتبار نمط أفلام الطبيعة الجبلية نموذج اصيل للسينما الفاشية، وهي صفة ليس لها أساس من الصحة، إلا أن افلام فانك كانت تلقى في السابق اعجابا لاستعراض مظاهر القوة، والتصوير الرائع من جانب كل من نقاد اليسار واليمين.

وهناك أيضاً من شجع، واحتفى، ودافع بقوة عن ريفنشتال. فتم تكريمها في مجلة فانيتي فير، وأدرج فيلم (انتصار الإرادة- Triumph of the will) في مختارات أرشيف أهم الأفلام السينمائية، كما قام نادي المخرجين الفنيين في ألمانيا بمنحها بالميدالية الذهبية عن احسن انجاز تصويري عام 1975. وقامت هي بتصوير المطرب ميك جاغر وزوجته، وكذلك فناني لاس فيجاس سيجفريد وروي، وكانت ضيفة شرف في الالعاب الاولمبية في كندا لدورة عام 1976، كما احتفى بها مهرجان تيلوريد السينمائي في أعوام 1974 و 1998، ثم حلت ضيفةً في الاحتفال الخامس والسبعين لمجلة تايم، ورغم ذلك نادرا ما فشلت هذه المناسبات في اثارة الاستهجان الشديد ضدها. يكتب باش عن هذا الأمر أنه حتى أعتى نقاد ريفنشتال لم ينكروا انجازاتها، فقد تصدت قوة أعمالها الفنية دائما لهذه المعارضة وحافظت على بقائها.

وهناك العديد من النقاد والدارسين والمخرجين ممن تجاوزوا مسألة الصلة بين ريفنشتال والنازية وركزوا جل اهتمامهم على أعمالها السينمائية، فمثلا قال عنها المؤلف والناقد الامريكي جون سيمون، أنها واحدة من أبرز فناني السينما، وكتب عنها المخرج الإيرلندي مارك كوسينس انها تعتبر إلي جانب اورسون ويلز، والفريد هيتشكوك واحدة من أكثر الفنانين الغربيين التقنيين الموهوبين في عصرها. كما أطلقت الناقدة بولين كايل على فيلمي (انتصار الإرادة-Triumph of the will) و(اولمبيا-Olympia) أعظم فيلمين قامت بإخراجهما إمرأة. وأنها واحدة من بين العديد من العباقرة المبدعين الذين عملوا في الوسط السينمائي. كما كتب المخرج الوثائقي جون جريرسون أمرا مشابها عن كونها من أعظم المخرجين في العالم، وهي بكل تأكيد أعظم مخرجة في التاريخ.

ووصف المؤرخ الفني كيفن بروانلو، ريفنشتال بأنها فنانة ذات حساسية فائقة، غامرة، وذات عبقرية مضنية، كما يشير باش أن بروانلو كتب مقالات بالنيابة عنها تنديدا بالدعاية الخبيثة التي منعتها من ممارسة عملها وتلقي الدعم اللازم.

كما أكد بروانلو على أن الفن يتسامى على الفنان، ولا يجب الخلط بين السياسة والفن. واستكمالا لمبدأ مسك العصا من المنتصف أبدى الناقد اندرو ساريس رأيه: إن مشكلة طرفي الاتهام أو الدفاع عن ريفنشتال يتعلق بالأدلة التي اختفت بين حطام الرايخ الثالث والتي لا نستطيع التأكد من دونها ما إذا كانت ليني “ايفا الصغيرة” كما تدعي هي ، أم “لوكريسيا بورجيا” كما تدعي سوزان سونتاج، أم هي أقرب إلى فنانة استغلالية قد خلدت وسجنت بسبب أهوال التاريخ. وأشار الكاتب يورغن تريمبورن، إلى أن أي مناقشة حول ريفنشتال كانت إما في نطاق محدود، أو اعتبارها تلقائيا شخصا غير مرغوب فيه، أو الاحتفاء بها بشكل مبالغ فيه كفنانة عظيمة، ومخرجة بارعة، ولا يمكن الحكم عليها وفق معايير الأشخاص العاديين، ممن تقيم أعمالهم من وجهة نظر مجردة غير مسيسة. أما روثر فقال إن أعمال ريفنشتال ليست فاشية ولا رائعة دائماً.

 إذن ما الذي نستنتجه من تعارض الآراء، وتأرجح موقف ريفنشتال خلال حياتها؟

أولا: تشهد هذه الآراء على صعوبة تقييم المرأة وعملها. وكما أوضح الناقد تيرنس رافيرتي ونقله باش “إذا صدقت كلامها ستراها جيدة بعين، واذا لم تصدقها ستراها شريرة بعين أخرى.” وربما أفضل طريقة لفهم دوافع ريفنشتال لو لم تكن ذات طابع سياسي كما كانت تصر دوماً على هذا، أنها ذات طبيعة شخصية بشكل أكبر. وقالت الناقدة فرانسين بروس عند قراءة السيرة الذاتية لريفنشتال بواسطة باش، ومشاهدة الفيلم الوثائقي بعنوان “الحياة الرائعة المروعة لليني ريفنشتال- the wonderful horrible life of Leni Riefenstahl)   للمخرج راي مولر، سندرك أن ما كان يدفعها لم تكن الأيديولوجية الفاشية، أو القومية الألمانية، ولكن كان الطموح الشخصي الشيطاني.

واضافت انه حتى لو قالت ريفنشتال أن أكبر ما تندم عليه في حياتها كان لقاؤها بهتلر، فقد كان من الممكن أن تنسجم مع أي شخص آخر، وتنفذ أي شيء يطلبه منها اي شخص لو اعتقدت ان هذا الامر سيرفع من مكانتها، وشهرتها، وتصبح مخرجة ذات مكانة، وذات سطوة. وكتب روثر “مقارنة بوالدها المتزمت، وفانك الشكاك، فإن ريفنشتال وجدت في هتلر وجوزيف غوبلز، رعاة استطاعوا تقدير قدراتها بدلا من التشكيك فيها.” وربما لهذا السبب لم تقدر على معارضتهم.

وأضافت ويلاند بعد هروب الفنانين الآخرين خوفا من ألمانيا، من بقوا وكانوا على استعداد للتعاون مع النظام قد حظوا بمميزات تلقائية، وكان هناك فرص غير مسبوقة أمامهم للإنجاز والتقدم. وعن فيلم “انتصار الإرادة” Triumph of the will، تحديداً، يكتب باش عن محاولات ريفنشتال اللاحقة للتنصل والإنكار “مهما بلغت درجة مصداقية هذه المزاعم، فهي كانت استغلالية مثل ظروف إنتاج الفيلم”.

وكان مسعاها الوحيد هو نيل التقدير عن الفن، والحرفة، وظلت لنهاية حياتها ترفض أي مسؤولية أخلاقية عن المحتوى، وعواقب أعمالها. وعلاوة على ذلك لطفت ريفنشتال من لهجتها عند التحدث عن دور داعميها الماليين، وشددت على من تصارعوا معها، وشككوا فيها، وتحديدا ممن تعاونوا معها من الرجال. مما يجعلها أحياناً المخرجة المؤلفة الوحيدة المتناقضة التي سبحت ضد التيار للحفاظ على رؤيتها الفريدة، مستهينة بالجوانب العملية لمهامها.

 إذن هل ليني ريفنشتال مخرجة عظيمة حقاً؟

من الواضح مدى التفاوت الكبير في الإجابة عن هذا السؤال، بين من توجه إليه السؤال، وأي ليني ريفنشتال تكون محل التساؤل. فهي بكل تأكيد حالة تدرس للتفرقة بين الفنان وفنه، وحسب غلين إينفيلد فإن الجدال حول ما اذا كانت ريفنشتال إلهة سينمائية سيئة السمعة، أم شهيدة بريئة لعلاقتها بهتلر، فكل هذه محاولات لتأسيس الحدود التي يمكن أن يصل اليها الفنان دون إلقاء أي مسؤولية على عاتقه لتأثير انجازاته الفنية على الجنس البشري أجمع. وما لا يمكن إنكاره هو تأثيرها البارع.

واحقاقاً للحق، تمكنت فئة قليلة من المخرجين، وعدد أقل من المخرجات، من صنع أفلام على كل هذا القدر من التعقيد والانقسام والبراعة، أعمال تخطت وتسامت بالفعل على الوسيط السينمائي نفسه. والشيء الوحيد الذي يقبل الإجماع عليه حسب تصريحات تريمبورن “أنه على الرغم من انها أكثر المخرجات إثارة للجدل في تاريخ السينما، إلا أنها أيضا واحدة من أهم المخرجين في القرن العشرين”.

عن مجلة Senses of Cinema عدد يوليو 2021

Visited 35 times, 1 visit(s) today