فيلم “أزمة سكن” نموذج لأزمة الاقتباس في السينما المصرية!

سلوى شلبي

اقتباس في السينما المصرية قديم، فكثير من الأفلام المصرية اقتبست تحديدا من أفلام أمريكية، بسبب ما يعتقده كتاب السيناريو، وهوأ ن الفيلم الأمريكي بحبكته التقليدي المسلية أو المثيرة، يكمن أن توفر مادة جيدا لفيلم مصري ناجح، يرضي رغبات الجمهور. وقد يكون هذا صحيحا، لكن للاقتباس أيضا قواعده ومحاذيره. وفي هذا المقال سنعرض نموذجا للاقتباس في فيلم مصري لكنه لم ينجح في الإمساك بتلابيب القصة في الفيلم الأمريكي المقتبس عنه.

يبدأ الفيلم المصري “أزمة سكن” (1972) إخراج حلمي رفلة، وسيناريو فيصل ندا، بالحديث عن وجود أزمة سكنية، فبطلة الفيلم “ميرفت أمين” تبحث عن شقة دون جدوى كما يضطر البطل “محمد عوض” للسفر يومياً من قريته إلى القاهرة لعدم توفر شقة يقيم فيها. أما الفيلم الأمريكي “الشقة” The Apartment الذي أخرجه بيلي وايلدر عام 1960، فيبدأ بالإشارة إلى زيادة عدد سكان مدينة نيويورك، ثم ينتقل سريعاً للحبكة الرئيسية للفيلم والتي اقتبسها الفيلم المصري بسطحية شديدة.

تتمحور القصة حول البطل الأعزب “جاك ليمون” الذي يمتلك شقة يستغلها رؤسائه في العمل لمقابلة عشيقاتهم، مما يسبب له ذلك العديد من المشكلات.

أكثر ما يميز الفيلم هو السيناريو وتحديداً رسم الشخصيات والحوار الذي يدور بينها. فمنذ البداية نشاهد معاناة البطل وهو لا يستطيع دخول شقته التي يتركها لبعض مديري الشركة حتى يستغلونها في لقاء عشيقاتهم وذلك لأنه من ناحية طيب حد السذاجة ولا يستطيع رفض مطالب الآخرين، وهو من ناحية آخري، يطمح إلى تحسين وضعه في الشركة مقابل ما يقدمه من خدمات لرؤسائه.

حاول فيلم “أزمة سكن” أن يحافظ على السمات الرئيسية للبطل، فهو أعزب، طيب القلب، يتسم ببعض السذاجة، لكن هناك فارقا كبيرا بين أداء الشخصيتين.

 في فيلم “الشقة”، كان أداء البطل- جاك ليمون، أكثر هدوءاً، وكانت الكوميديا تنبع من المواقف التي يتعرض لها وردود أفعاله تجاهها. أما في “أزمة سكن” فقد اعتمدت الكوميديا على المشاهد الهزلية وبعض النكات.

نجح “أزمة سكن” في تطويع الأحداث للبيئة المصرية، ففي الفيلم الأصلي كانت الشقة تخص البطل لكن كان يتم استغلاله، أما في الفيلم المصري فقد استأجرت الشركة الشقة ومنحتها للموظف مقابل أن يتمكن مدير الشركة من استخدامها وقتما يشاء. وقد تحولت البطلة التي لعبت دورها “شيرلي ماكلين” وكانت عاملة مصعد في الفيلم الأمريكي، إلى فتاة بمفردها، تبحث عن شقة في “أزمة سكن”، وتقوم بدورها “ميرفت أمين”، ولا تنجح في الحصول على الشقة سوى بعد أن تتنكر في صورة رجل.

ويحاول الفيلم عن طريق هذه الشخصية، مناقشة مشكلة سكن فتاة بمفردها والمشاكل والتعقيدات الكثيرة التي تواجهها، بداية من رفض صاحب العقار توقيع عقد الإيجار معها، ثم ما تتع له من مضايقات من بقية السكان العمارة، ومع هذ البعد الواحد، جاء رسم الشخصية سطحيا، وتم عرض هذه القضية بصورة هزلية كثيرا، تحت تصور أن هكذا يجب أن تكون الكوميديا.

في فيلم “الشقة”، كانت مشكلة البطلة أنها تحب أحد مديري الشركة وهو متزوج ولديه أبناء، ولا ينفك يخبرها بأنه سيترك زوجته من أجلها، لكن الوقت لا يكون مناسباً أبداً. وفي الفيلم المصري لا توجد علاقة مثل هذه بين البطلة وأي شخص خصوصا أنها بعيدة أصلا عن الشركة.

 ربما أضرت التغييرات الكثيرة بشخصية البطلة في فيلم “أزمة سكن” ففقدت الكثير من العمق الذي امتلكته بطلة فيلم “الشقة”. ففي “الشقة” نصل إلى ذروة تطور العلاقة بين البطلين بعد المرور بعدة مراحل: في البداية يعجب البطل بالبطلة ويحاول دعوتها للخروج معه، ثم يفقد الأمل عندما يعلم عن العلاقة بينها وبين المدير في واحد من أجمل مشاهد الفيلم: “يجد البطل (جاك ليمون) مرآة مكسورة في شقته بعد أن استخدمها المدير وبعد أن يعيدها يعلم أنها تخص البطلة عندما تنظر في المرآة المكسورة وتخبره أنها تفضلها هكذا لأنها تجعلها تبدو كما تشعر”.

 يشعر البطل بالصدمة ويحاول تجاوز مشاعره تجاهها. لكن سرعان ما ينسى غضبه حينما يعود إلى المنزل ليجدها كما لو كانت بجثة هامدة عقب محاولة انتحار بعد أن أخبرتها إحدى الموظفات في حفل رأس السنة بأنها كانت العشيقة السابقة لنفس المدير الذي تحبه البطلة، وأنه دائماً على علاقة بإحداهن، أي أنه زير نساء، يمارس الخداع باستمرار. وهنا تتوطد العلاقة بينها وبين البطل الطيب أثناء تعافيها من محاولة الانتحار وتتمنى أن تقع في حب شخص لطيف مثله.

 في النهاية يقرر البطل أن يضع حداً لاستغلال شقته بدافع حبه لها لينتهي الفيلم بزيارتها للشقة في ليلة رأس السنة لتبدأ العلاقة بينهما.

المراحل التي مرت بها علاقات أبطال فيلم “الشقة” تم تجاهلها وتجاوزها تماماً في “أزمة سكن”، فتطور العلاقة بين البطلين جاء بشكل مفاجئ وغير منطقي ففي أحد المشاهد تطلب ميرفت أمين من محمد عوض أن يقوم بدور أخيها أمام صاحب العقار لإقناعه بتوقيع عقد إيجار الشقة، فيرفض ثم يغير رأيه في اليوم التالي ويذهب وبعدها بدقيقة نجد البطلة تتنكر في زي رجل لتوقع هي العقد. وفي المشهد التالي يلتقيان وتبدأ علاقة رومانسية بينهما.

وتتشابه نهاية الفيلمين عندما يقرر البطل وضع حد لاستغلال شقته، لكن في “أزمة سكن” تأتي هذه النهاية بعد خطابات من الوعظ، تارة من جانب الأب، وتارة أخرى من أحد مديري الشركة الذي قام بدوره “يوسف وهبي” بطريقته الشهيرة في النصح والإرشاد.. ثم مرة أخيرة من جانب البطلة- الحبيبة، مما أعطى شعوراً بالافتعال والمباشرة.

أما في فيلم “الشقة” فيأتي قرار البطل بعد أن يتعلق قلبه بحب الفتاة فيرفض أن يعطي المفتاح للمدير ليلتقي بها في شقته لتكون زيارة الفتاة للشقة في النهاية، عفوية وتجعل المشهد الأخير أكثر رقة وعذوبة.

نجح الاقتباس في فيلم “أزمة سكن” في بعض الجوانب الصغيرة، كتقديم الشخصية الرئيسية، ونقل الأحداث من البيئة الأمريكية للبيئة المصرية، لكنه أخفق في العديد من الأشياء الأخرى فأفقد الشخصيات عمقها وحاول أن يزيد من مساحة الكوميديا على حساب الحبكة والمواقف الدرامية الموجودة في الفيلم الأصلي.

قام سيناريو الفيلم المصري أيضا، بزيادة عدد الشخصيات المساندة (الثانوية) وتسطيحها، واستغلالها في توليد بعض المواقف الكوميدية والنكات فقط. ومع الميل للتهريج وإلقاء النكات طوال الوقت تارة والانجراف وراء إلقاء الخطب والمواعظ تارة أخرى، فقد الحوار الكثير من قيمته ومعانيه.

 لم يتمكن سيناريو فيصل ندا، من إضافة أي جديد على ما قدمه “بيلي وايلدر” في فيلم الشقة، بل تظل الأفضلية للفيلم الأصلي سواء من ناحية الجودة أو متعة المشاهدة. ففيلم “أزمة سكن” لم يناقش أي من المشكلات التي طرحها، بشكل حقيقي، بل لمسها من السطح فقط، ولم ينجح في رسم شخصياته حتى يتمكن المشاهد من التعاطف معها والاهتمام بمشاكلها. وهي مشكلة متكررة في الكوميديا السطحية.

Visited 2 times, 1 visit(s) today