“جسد ضئيل” الحائز على الهرم الفضي بمهرجان القاهرة السينمائي

Print Friendly, PDF & Email

تحاول امرأة شابة تدعى “أجاتا” في إيطاليا التي تعيش في قرية لصيد الأسماك في إحدى الجزر الإيطالية في بداية القرن العشرين (1900) إنقاذ روح طفلتها المولودة ميتًة لإعادتها إلى الحياة لفترة كافية ليتم تعميدها وذلك لأن  التقليد القديم فى الكاثوليكية المعروف باسم “نظرية ليمبو” يقر بأن الأطفال الأموات غير المعمٌدين قد عُلقوا بين الخلاص والدينونة، ليسوا مطهرين من الخطيئة الأصلية، ومحكوم عليهم بالتجول إلى الأبد في “ليمبو”. تسمع ” أجاتا ” عن كنيسة في أعالي الجبال البعيدة ” وادى دوليس” حيث يُمنح الأطفال نفسًا واحدًا طويلاً بما يكفي لتعميدهم وإنقاذ أرواحهم، فتقوم برحلة يائسة مع جثة ابنتها الصغيرة مخبأة في صندوق تحمله على ظهرها للوصول إلى مكان غامض لإنقاذ روح ابنتها وتلتقي فى طريقها بالفتى ” لينكس” وهو صبي صغير لديه عيون ثاقبة ودامعة والذي يعرض على ” آجاتا” مساعدتها وينطلقا فى مغامرة يائسة لمحاولة تحقيق المعجزة في رحلتها الشاقة.

إن قرار الذهاب في رحلة بحثًا عن الأمل هو نوع من التمرد الاجتماعي للمرأة والإيمان بالأساطير المنسوبة للدين حيث يرفض الزوج “ماتيا” الانضمام إليها، معتقدًا أنه سيكون لديهما المزيد من الأطفال وأن الكاهن لن يعمد طفل إذا لم يسبق له أن تنفس. يظهر تعاطف المخرجة وتفهمها تجاه المرأة ليس فقط من خلال شخصية “أجاتا” ولكن الفيلم كله جزء من العالم النسائي والرجال لا يظهرون كثيراً طوال الفيلم، والتركيز كله على “أجاتا ” التى تظهر في كل مشهد تقريبًا حيث تقوم المخرجة بالتركيز على ملامحها التى يظهر من خلالها الاجهاد والحزن والتصميم على مواصلة الرحلة للنهاية وبرغم أن قرارها أدى إلى نبذها من قبل عائلتها ولكنه منحها حرية كبيرة.

هذه قصة أم حزينة تكتشف عالمًا يائسًا وجشعًا  قليل الرحمة حيث تظهر الروح المجتمعية للمرأة وطريقة تعاملهن مع بعضهن البعض فغالبًا ما يُنظر إلى “أجاتا “على أنها سلعة:، ففى بداية الرحلة كانت على وشك بيعها كممرضة إلى مالك أرض ثري، حتى العصابة التي تقابلها فى العربة الخشبية ترأسها سيدة تحمل السلاح ويعاملونها هى ورفيقها بوحشية ظناً منهم أن الصندوق الذى تحمله به أشياء ثمينة تستحق السرقة ولكن المرأة تتعاطف معها وتتركها بعدما ترى جثة الطفلة… وبعد ذلك، عندما يتم رعايتها من قبل احدى السيدات بعد انهيارها أثناء الرحلة تطلب منها السيدة نقود ولكنها لا تملك شىيء فتطلب منها قطع شعرها لبيعه، وتقول لها المرأة “لا شيء لا شيء “. يبدو أن أجزاء جسمها عبارة عن سلع يتم شراؤها أو تداولها.

يتميز هذا الفيلم بخطوات بطيئة جدًا مما يعني أنه يتعين على المشاهدين الانتظار بصبر حتى يتذوقوا طعم النتيجة بأكملها. أظهرت المخرجة بكفاءة العلامات التى تظهر على الانسان عندما يحزن لفقدان الأحبة.

 يحتوى الفيلم على مشاهدة صعبة ولكنها تستحق المشاهدة، وتم تصوير هذا الفيلم بشكل جميل واضح فيه الكاميرات المحمولة التى  تعطى إحساساً بالقرب من أبطال الفيلم والتركيز على الملامح وكأن المشاهد يعيش بينهم من خلال الجمع بين اللقطات الطويلة والبطيئة.

هناك بعض اللقطات الواضحة تحت الماء تعطى حالة من الرهبة حين توشك الأم على الغرق وتنهار قبل الوصول لنهاية الرحلة ولكن رفيقها ” لينكس ” يستكمل السير حتى الكنيسة ليقابل سيدة ذات ملامح صارمة تجعله يساعد الطفلة على أن تحيا لفترة وجيزة وفجأة نرى الطفلة تحت الماء مع أمها لتعميدها ولا يتضح للمشاهد لإذا كان ذلك حقيقياً أم خيالاً.

إنه فيلم غارق في الدراما المحزنة ولكن به لمحة عطف ومحبة من خلال حب الأم لطفلتها وخوفها عليها من حمل الخطيئة ولمحة دينية لإصرار الأم على تعميد طفلتها برغم موتها عند ولادتها.

Visited 18 times, 1 visit(s) today