تجارب عربية جديدة في في الدورة الـ46 من مهرجان روتردام السينمائي الدولي

Print Friendly, PDF & Email

افتتحت مساء الأربعاء الدورة السادسة والأربعون من مهرجان روتردام السينمائي الدولي، باكورة المهرجانات السينمائية الدولية في القارة الأوروبية، يعقبه في الشهر القادم مهرجان برلين السينمائي. والتنافس بين المهرجانين قائم على اجتذاب الافلام رغم أن روتردام يتميز باهتمامه الكبير بأفلام السينمائيين الشباب والأفلام التجريبية ولا يستقطب الكثيرين من نجوم السينما بل يهتم أكثر بالمخرجين، ويشترك المهرجانان في انفتاحهما الكبير على جمهور المدينة التي يقام فيها المهرجان.

كان مهرجان روتردام يتميز كثيرا في الماضي بانفتاحه على تجارب سينما العالم الثالث خاصة سينما جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي أيضا، وقد سبق له أن نظم، بانوراما شاملة للسينما المصرية في التسعينات شملت عرض نحو ثلاثين فيلما، كما كان يهتم تقليديا بسينما المغرب العربي بحكم وجود أعداد كبيرة من سكان المدينة من أصول مغربية، كما برز اهتمامه بالسينما الإيرانية، لكن المدير السابق للمهرجان، روجر وولفسون، حصر اهتمامات المهرجان بشكل كبير في السينما الأوروبية، وهو ما أدى إلى انصراف الكثيرين عنه بل إنه اتهم أيضا بتقويض سمعة المهرجان الدولية.

جاء المدير الجديد للمهرجان- بيرو باير- وهو منتج سينمائي هولندي، قبل عامين ليعيد إلى المهرجان اعتباره، ويتخلص من بعض “ابتكارات” سلفه التي فشلت في جذب الجمهور، ويعيد تنظيم العلاقة بين الصحافة والمهرجان، وبين المهرجان والعالم. لكن ورغم الاقبال الجماهيري الكبير على العروض ورغم أن المهرجان يقام في فترة البرد القاسي في فصل الشتاء (من 25 يناير إلى 5 فبراير) إلا أنه مازال يعاني في رأيي كمتابع قديم للمهرجان، من الزحام الكبير في البرامج والأفلام، وتعدد المسابقات ولجان التحكيم والجوائز والتظاهرات الفرعية والأحداث الكثيرة المتراكمة مما لا يتيح الفرصة بسهولة للمتابعة الجادة، وإن كان المبرر الدائم المتكرر أن هذه النشاطات المتعددة تستهدف إرضاء الأذواق والمتطلبات المختلفة لجمهور المدينة.

الافتتاح

فيلم افتتاح المهرجان هو الفيلم الأميركي الجديد “ليمون” وهو العمل الأول للمخرجة جانشيزا برافو ذات الأصول اللاتينية السمراء، ويروي الفيلم قصة “إسحق” وهو رجل في الأربعينيات من عمره يعيش في لوس أنجليس، يمر في حياته بالكثير من التعثر والاضطراب، فقد تخلت عنه رفيقته، ولم يتقدم في عمله كممثل بل اضطر للعمل في شرائط الإعلانات التجارية. يقوم ببطولة الفيلم بريت غيلمان زوج المخرجة. وينتمي الفيلم إلى السينما الأميركية المستقلة. ولم يترك عرضه في افتتاح المهرجان أثرا كبيرا على الجمهور، والغريب أن روتردام لا يهتم كثيرا بالسينما الأميركية خاصة أفلام هوليوود، ويركز الأضواء أكثر على السينما الأوروبية، ولكنه اختار هذا العام أن يكون الافتتاح والختام بفيلمين أميركيين.   

لقطة من فيلم الافتتاح “ليمون”

يختتم المهرجان في الرابع من فبراير بالفيلم الأميركي “نساء القرن العشرين” لمايك ميلز، الذي يصور كيف ينشأ الصبي جايمي على يدي والدته المتشددة ومعها امرأتان أقل منها سنا، ووصف المهرجان الفيلم بأنه بمثابة “رسالة حب” إلى أولئك الذين تعبوا في تنشئتنا وتربيتنا ونحن صغار، وتركوا علينا تأثيرا لا يمحى بمرور السنين”.

الفيلم من بطولة الممثلة أنيت بيننغ وبمشاركة غريتا جيروينغ وبيللي غراداب، وكان قد رشح لجائزة أفضل فيلم في مسابقة “غولدن غلوب”.

المستقبل المشرق

ما بين الافتتاح والختام يعرض المهرجان أكثر من 400 فيلم ما بين طويل وقصير، تسجيلي وروائي وتشكيلي وتجريبي. وينقسم المهرجان إلى خمسة أقسام رئيسية تحمل عناوين مختلفة، هي “مسابقة النمر” وهي المسابقة الرئيسية للمهرجان وتشمل هذا العام 8 أفلام فقط، و”المستقبل المشرق” وهو قسم مخصص لعرض الأفلام التي يخرجها المخرجون الشباب والمواهب الصاعدة (ينظم هذا القسم أيضا مسابقة بين الأفلام ويمنح جوائز)، وقسم “أصوات 2017” الذي يعرض أفلاما تتناول القضايا المطروحة على الساحة العالمية في الوقت الحاضر، ويعبر كل فيلم منها عن رؤية مخرجه إزاء قضية معينة من هذه القضايا.

هناك أيضا قسم “نظرة عميقة” وهو ينقسم بدوره إلى عدة أقسام تشمل كلاسيكيات السينما القديمة، وتسليط الأضواء على أعمال مخرج معين هو هذا العام المخرج التشيكي يان نيمتش الذي برز بقوة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ولعب دورا في حركة السينما التشيكية الجديدة في زمن الشيوعية، وهناك أيضا قسم “توقيعات” الذي يعرض أفلاما لمخرجين معروفين على الساحة العالمية، وتكون هذه الأفلام في معظمها مختارة من أفضل ما عرض في المهرجانات التي أقيمت في العام السابق بغرض إتاحة الفرصة لجمهور المدينة لمشاهدة روائع السينما الفنية في العالم، ومن هذه الأفلام يعرض الفيلم الفرنسي “موت لويس الرابع عشر” للمخرج ألبير سييرا، و”المرأة التي غادرت” للمخرج الفلبيني لاف دياز (حائز الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا)، و”سفاري للنمساوي أولريش سيدل. ولكن هناك أيضا بعض الأفلام التي تعرض دوليا للمرة الأولى مثل فيلم “الزهرة” للمخرج الأرجنتيني ماريانو ليناس الذي قضى عشر سنوات في صنعه وأنجزه في نسخة من 10 ساعات، وسيعرض الجزء الأول منه في المهرجان ويبلغ زمنه ثلاث ساعات ونصف الساعة، وهو يروي 6 قصص حول أربعة نساء، ووصف المهرجان الفيلم بأنه يجمع بين الأسلوب الرومانسي وتقاليد أفلام الرعب والأفلام الموسيقية.

القسم الخامس بعنوان “أفلام الشاشة الكبيرة” أي الأفلام التي يرى القائمون على المهرجان أنها جديرة بالتوزيع التجاري على نطاق واسع في هولندا، ويمنح الجمهور جائزة واحدة لأفضلها من خلال بطاقات استطلاع رأي بين أفراد الجمهور، وتبلغ قيمة هذه الجائزة 30 ألف يورو. ويتسابق في هذه المسابقة ثمانية أفلام من السويد وبلجيكا وفرنسا واسبانيا وبريطانيا وأمريكا والمانيا وسنغافورة وتايوان وشيلي.  

شعار الدورة 46 من المهرجان

أما مسابقة النمر (رمز مدينة روتردام)  وهي المسابة الرئيسية للمهرجان، فهي تضم ثمانية أفلام تعتبر الأعمال الأولى لمخرجيها، هي “أرابية” لألفونسو أوشوا وخواو دوماس من البرازيل، و”اللص” لهاجر بن أشر من إسرائيل، و”كولومبوس” لكوغونادا من الولايات المتحدة، و”افتح عينيك” لبيدرو أغيليرا من اسبانيا، و”الآخرة الخفيفة” لكونستانتين بوجانوف من بلغاريا (انتاج مشترك مع بلجيكا)، و”زمن المستوى المتميز” لدان باكر (هولندا- النرويج)، و”راي” لنايلز عطا الله (إنتاج مشترك بين شيلي وفرنسا وهولندا وألمانيا وقطر). وأخيرا الفيلم الهندي “دورجا المثيرة نسيا” للمخرج سانال كومار.

لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية (مسابقة النمر) تتكون من المخرج الماليزي أمير محمد، والمنتجة الكولومبية ديانا بوستامانتي اسكوبار، والمخرج البلجيكي فيان تروش، وكاتب السيناريو والمخرج الأمريكي مايكل ألمريدا. وتبلغ قيمة الجائزة الكبرى لأحسن فيلم 40 الف يورو، وتمنح اللجنة جائزة خاصة قيمتها 10 آلاف يورو.

الحضور العربي

في مسابقة “المستقبل المشرق” يعرض 16 فيلما هي الأفلام الأولى لمخرجيها من الشباب، ويعرض عدد آخر من الأفلام الثانية للمخرجين خارج المسابقة، كما يعرض عدد من الأفلام القصيرة. يعتبر هذا القسم من أكبر أقسام المهرجان ويضم أكثر من خمسين فيلما منها عدد كبير من الأفلام التي تعرض للمرة الأولى عالميا، من بينها فيلم “زهرة الصبار” (104 دقيقة) للفنانة البصرية المصرية هالة القوصي التي تصنع اللوحات الجدارية، وسبق أن أخرجت بعض الأفلام القصيرة. ويصور الفيلم قصة يتم التعبير عنها بالصورة والحركة والموسيقى، تدور حول امرأتين، الممثلة عايدة وجارتها الثرية، وما يحدث بعد أن ينهار منزلهما، فتجوبان الشوارع وتلتقيان بشاب يدعى سعيد يعرض مساعدته عليهما، ليخوض الثلاثة مغامرة في شوارع القاهرة بحثا عن مأوى، وتتداعى الذكريات في ذهن عايدة ممزوجة بأحلام اليقظة.

هذا ما تقوله بعض المعلومات المنشورة عن الفيلم الذي سيشهد المهرجان عرضه العالمي الأول بحضور مخرجته. والفيلم حاصل على دعم مالي من  النرويج والإمارات وقطر. وهو من إنتاج حسام علوان وعبد السلام موسى بالاشتراك مع هالة القوصي نفسها، ومن بطولة منحة البطراوي وسلمى سامي ومروان العزب وعارفة عبد الرسول وزكي فطين عبد الوهاب وفرح يوسف.

من الأفلام العربية التي ستعرض في المهرجان أيضا الفيلم التونسي “آخر واحد فينا” لعلاء الدين سليم الذي حصل على جائزة “أسد المستقبل” في مهرجان فينيسيا، وهو يروي موضوعا يدور بين الواقع والخيال حول الهجرة إلى أوروبا، والفيلم الفلسطيني اللبناني “أبو عمار قادم” للمخرج محيي أمين الذي يعتمد على صورة فوتوغرافية واحدة ويبلغ زمنه 6 دقائق وسيعرض في قسم “المستقبل المشرق”، وفي القسم نفسه يعرض الفيلم الإيراني “الوعاء والبلوط” (72 دقيقة) للمخرج كياراش أنواري الذي يصور قصة كاتب مسرحي يحاول كتابة مسرحية عن زواجه الذي يتداعى ويتجه نحو الفشل لكنه لايزال يبحث عن نهاية مناسبة لها.

الفيلم المصري “زهرة الصبار:مشارك في مسابقة المستقبل المشرق

في مسابقة النمر للأفلام القصيرة يعرض الفيلم المصري “لا نجوم في السماء” وهو فيلم تجريبي (14 دقيقة) من الإنتاج المصري المشترك مع سويسرا. ومن تركيا يعرض الفيلم الروائي الطويل “عالم كبير كبير” للمخرج “رضا إرديم” الذي يصور قصة خيالية رمزية حول هروب شقيقين بعد ارتكابهما جريمة سرقة من المدينة إلى الغابات أملا في خلق عالم أفضل دون خطيئة.

ويعرض المخرج اللبناني فاتشي بولغورجيان (غالبا من أصل أرميني) فيلمه الروائي الطويل الأول بعد أن صنع عددا من الأفلام القصيرة، والفيلم بعنوان “ترامونتان” عن موسيقار لبناني أعمى تتلقى فرقته دعوة لتقديم حفلات في أوروبا ومع محاولته استخراج جواز سفر، يبدأ في طرح تساؤلات حول هويته في بلد مزقته الحرب الأهلية.

تظاهرة فلسطينية

بمناسبة مرور مائة سنة على وعد بلفور الذي منح البريطانيون بموجبه أرض فلسطين وطنا لليهود، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى قيام دولة إسرائيل عام 1948، يخصص مهرجان روتردام تظاهرة خاصة لعشرة أفلام فلسطينية قصيرة ومتوسطة وطويلة، تتناول الاضطرابات وأجواء التوتر التي تجتاح فلسطين المحتلة. وتحت عنوان “صورة فلسطين” تعرض في ليلة واحدة مجموعة من الأفلام التي صنعها السينمائيون الفلسطينيون الشباب بامكانياتهم المحدودة. أول هذه الأفلام الفيلم التسجيلي الذي أخرجته ريم شليح بتوليف لقطات مختارة بعناية من الأفلام الفلسطينية الأولى (1968- 1982) أي منذ مولد السنيما الفلسطينية مع بروز حركة المقاومة المسلحة بعد حرب 1967، حتى خروج الفلسطينيين من بيروت، ثم تتناول الأحداث التي وقعت بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.

وضمن التظاهرة فيلم قصير (3 دقائق) عن المصافحة الشهيرة بين ياسر عرفات واسحق رابين في واشنطن بعد توقيع الاتفاق، بعنوان “30 مصافحة للسلام” من اخراج مهدي فليفل، وفيلم روائي قصير بعنوان “ولد وجدار وحمار” من اخراج هاني أبو اسعد عن محاولة ثلاثة صبية تصوير فيلم قرب الجار الفاصل في الضفة الغربية. ويعرض أيضا فيلم روائي قصير بعنوان “قناعي القوي” (8 دقائق) من اخراج باسل عباس وروان أبو رحمة، وفيلم المخرجة جومانا مناع “مادة سحرية تخترقني” الذي يجمع بين الروائي والتسجيلي وسبق عرضه بمهرجان برلين الماضي، وفيلم “بياع الورد” (15 دقيقة) لإيهاب جاد الله، وفيلم “في المستقبل سيكونون من أفخم أنواع البورسلين” (29 دقيقة) للمخرجة لاريسا سانسور وسيرين ليند وهو من الانتاج المشترك الفلسطيني مع بريطانيا وقطر والدنمارك.

من بين أفلام التظاهرة ايضا فيلم “مقدمة لنهاية جدال” الذي أخرجه إيليا سليمان مع جايس سلوم عام 1990 وهو عبارة عن “كولاج” أي تجميع في بناء فني للقطات تسخر من الصورة الشائعة في الإعلام الغربي عن الفلسطينيين. وهناك أيضا فيلم المخرجة الفلسطيينية آن ماري جاسر “المستحيلات العشرون” (17 دقيقة) الذي أخرجته عام 2003، وفيلم “دقيقة واحدة” (10 دقائق) لدينا ناصر من عام 2004، وفيلم “ميناء الذاكرة” (62 دقيقة) من اخراج كمال الجعفري (2009).

المهرجان في النهاية حافل بالأفلام والتجارب الجديدة، وسوف تكشف الأيام القادمة ما في جعبة مديره الجديد من اكتشافات وإضافات.

Visited 16 times, 1 visit(s) today