نتائج مهرجان قرطاج السينمائي: جوائزهم عادت إليهم!

Print Friendly, PDF & Email

تونس “عين على السينما”- خاص

في ختام الدورة الـ 26 من مهرجان قرطاج السينمائي أعلنت لجنة التحكيم التي رأسها الناشط السينمائي المغربي نور الدين الصايل، فوز الفيلم المغربي “جوق العميين” للمخرج محمد مفتكر بالجائزة الكبرى للمسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة التي تعرف بـ “التانيت الذهبي”. ويروي الفيلم قصة فرقة موسيقية شعبية وقت ما عرف في المغرب بسنوات الرصاص التي كانت تتم خلالها تصفية المعارضين اليساريين.

وحصل الفيلم الجنوب إفريقي “نهر بلا نهاية”، للمخرج أوليفر هرمانيس، على الجائزة الفضية (التانيت الفضي)، أما التانيت البرونزي فذهب إلى الفيلم التونسي “على حلة عيني” للمخرجة ليلى بوزيد.

ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة للفيلم المغربي “الزين اللي فيك” للمخرج المغربي- الفرنسي نبيل عيوش الذي منعته السلطات المغربية من العرض بدعوى”الإساءة إلى صورة المغرب وتقديمه على أنه بلد للاتجار بالبشر”.

وفاز بجائزة أحسن سيناريو المخرج العراقي الكردي المقيم في النرويج هشام زمان عن فيلمه “رسالة إلى الملك”، بينما حصل الممثل الجزائري عدنان جيمي بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “مدام كوراج” للمخرج مرزاق علواش، وفازت الممثلة ميمونة نداي بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “قلب الإعصار” للمخرج سيكو تراوري من بوركينا فاسو.

أما مسابقة الأفلام القصيرة فقد حصل على جائزة أحسن فيلم- التانيت الذهبي الفيلم التونسي “شتات” للمخرج علاء الدين أبو طالب، وفاز بالتانيت الفضي فيلم “أمنا الأرض” للمخرج السنغالي عليو صو، وفاز بالتانيت البرونزي فيلم “الموجة” للمخرج الجزائري عمر بلقاسمي.

وفي مسابقة الافلام الوثائقية فاز بالتانيت الذهبي فيلم “في راسى رونبوان” للمخرج الجزائري حسان فرحاني، وبالتانيت الفضي فيلم “العراق عام صفر” للمخرج عباس فاضل بينما ذهب التانيت البرونزي إلى فيلم “ملكات سوريا” للمخرجة ياسمين فضة.  

وفاز بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي) فيلم “على حلة عينى” للمخرجة التونسية ليلى بوزيد.

من فيلم “على حلة عيني”

لا جديد في الجوائز فقد كان معظمها متوقعا، وهو يخضع لتقسيمة مصالح واضحة كما هي العادة، كما أن المهرجان كشف عن إفلاس المهرجانات السينمائية العربية التي تلف وتدور في نفس الدائرة، دائرة عرض نفس الأفلام التي سبق عرضها في مهرجانات العالم الكبرى ولم تترك أثرا يذكر، لا على مستوى الجوائز ولا على مستوى النقد السينمائي من الزاوية الفنية. فكل الأفلام الفائزة سبق عرضها في مهرجانات العالم، بما في ذلك فيلم “نهر بلا نهاية” من جنوب افريقيا الذي كان أحد أسوأ ما عرض من أفلام في مسابقة مهرجان فينيسيا، كما سبق عرض فيلم مرزاق علواش “مدام كوراج” في مهرجان فينيسيا خارج المسابقة، وهو ليس أفضل أفلام مخرجه بكل تأكيد بل هو تكرار على نفس النهج، يلف ويدور حول مشاكل الجزائر الحالية، دون أن يمس السلطة السياسية بل يحيل الأمر الى السلطة الدينية فقط، كما سبق عرض فيلم “على حلة عيني” في مسابقة “آفاق” بمهرجان البندقة- فينيسيا ولم يحصل على أي تنويه، وكلا الفيلمان، فيلم علواش وفيلم بوزيد، من الانتاج الفرنسي بالكامل. وهو كذلك شأن الفيلم الذي اكتسب سمعة لا يستحقها وهو “الزين اللي فيك” لنبيل عيوش (الذي سبق عرضه في تظاهرة نصف شهر المخرجين في مهرجان كان دون أن يترك أي صدى باستثناء ما أثارته مشاهده المليئة بالأجساد الأنثوية العارية!!) فهو أيضا من الانتاج الفرنسي بالكامل ولا شأن للعرب ولا ما يسمى بـ “السنيما العربية” به، وهي مشكلة يجب طرحها ومواجهتها بجرأة وصراحة ووضوح: هل تعتبر الافلام التي ينتجها الغرب لسينمائيين حاصلين على الجنسية الفرنسية مثلا رغم أصولهم العربية افلاما عربية؟ أم افلاما فرنسية؟ وهل الأصل في نسبة الفيلم إلى بلد ما جهة المنشأ أو بلد المنشأ مثل السلع الاستهلاكية كالصابون مثلا- كما يرى بعض النقاد، أم الجنسية الأصلية للمخرج، أم الحالة الثقافية التي يعبر عنها الفيلم (موضوعه ومواقع تصويره)؟!

جائزة لفيلم بورنو

الناشط السينمائي المغربي نور الدين الصايل المعروف بتوجهاته الفرانكفونية وعلاقته الخاصة مع المدير الجديد لمهرجان قرطاج ابراهيم اللطيف (وهو مخرج محدود الموهبة معروف بأنه مخرج فيلم “هز ياوز”) كما أنه فرانكفوني النزعة أيضا، من الواضح أنه مارس ضغوطا، أولا من أجل عرض الفيلم الممنوع في بلاده، والذي وقف هو وراء الترويج له من البداية نكاية في الجهة التي منعته فهو حانق على استبعاده من رئاسة المركز السينمائي المغربي، ثم ضغط ثانيا من أجل منحه جائزة لجنة التحكيم رغم أن الفيلم من الناحية السينمائية عمل متواضع المستوى، يعجز مخرجه وكاتبه عن تطوير حبكته أو تعميق شخصياته بل يستغرق في الوصف والاسهاب في تصوير المشاهد الجنسية الأمر الذي جعله يقترب من أفلام البورنو الاباحية، مبتعدا بالتأكيد عن سينما الفن ذات القيمة الفلسفية والفكرية الرفيعة، فضلا عن تركيزه على ظاهرة الدعارة في المغرب من السطح دون أن يقترب من اسبابها الحقيقية الكامنة في الواقع مفضلا تصدير نقده إلى أثرياء بلدان النفط في الخليج!

أما فيلم “على حلة عيني” للمخرجة ليلى بوزيد (ابنة المخرج نوري بوزيد الذي كرمه المهرجان في هذه الدورة أيضا من ضمن الكثير من المكرمين) فمثار الاهتمام به من جانب بعض النقاد في الغرب لا يأتي من أهميته السينمائية فهو فيلم بسيط أقرب إلى السذاجة في بنائه وشخصياته، يستوحي من بعض الأفلام التونسية القديمة مثل “صمت القصور” ولكن دون رونق الفيلم الأخير وبنائه المتوازن الدقيق، لكن الاهتمام به ينبع من البعد السوسيولوجي المتعلق بفتاة متحررة في مجتمع عربي اسلامي (قمعي بالضرورة) ترغب في التمرد على اسرتها والانطلاق لممارسة الغناء الذي يحمل نغمة هجاء مستترة للأوضاع الاجتماعية في تونس، تغنيها في أوكار الليل وسط جمهور من السكارى، الأمر الذي رأى فيه البعض جرأة في التصوير واجتراء على المحظور، وهي السمة الغالبة على ما يلقى صدى لدى بعض النقاد في الغرب في الأفلام التي تصور في المجتمعات العربية، لا لقيمتها السينمائية ولكن لمدلولاتها السياسية والاجتماعية، مع بعض الاستثناءات المحدودة.

من فيلم “قدرات غير عادية”

وكان من المثير للدهشة أيضا أن تشمل مسابقة المهرجان فيلم “قدرات غير عادية” للمخرج المصري داود عبد السيد وهو الفيلم الذي سبق عرضه  في مسابقة مهرجان دبي السينمائي في العام الماضي، وهي كما سبق أن ذكرت، آفة المهرجانات السينمائية العربية التي تتنافس على عرض أفلام قديمة سواء لمخرجين عرب أو من الانتاج الأجنبي، سبق عرضها في مهرجانات العالم الكبرى، وبالتالي تغيب الاكتشافات عن مثل هذه المهرجانات، فتظل تدور حول نفسها.  

تهميش افريقيا

ومرة أخرى يستحوذ المخرجون العرب على معظم جوائز المهرجان بينما يتم تهميش السينما الافريقية، في حين زعم القائمون على المهرجان أنهم سيعيدون المهرجان إلى جذوره الاصلية، لكي يصبح تظاهرة متوازنة للأفلام العربية والافريقية، والملاحظ أن المهرجان سار على نفس نهجه القديم المستمر منذ بداية التسعينيات، بعد انتهاء دوره التاريخي كمهرجان رائد في العالم الثالث، بعد انسحاب مؤسسه الطاهر الشريعة إلى الظل، واستيلاء السلطة السياسية عليه، فاهتم القائمون على الدورة الأخيرة مثلا بالسينما الأرجنتينة والايطالية وخصصوا تظاهرة تحت عنوان “أيام السينما الأوروبية”، وقاموا بتكريم جميع الراحلات في مصر (تحت عنوان مضحك هو “فاتن حمامة وأخواتها”، وهذا النوع من تكريم الراحلين أصبح متكررا بشكل ممجوج، يجعل من المهرجانات العربية حفلات لتشييع وتأبين الراحلين بالجملة، ولو نسوا أحدهم لهاجت الصحافة السائدة المتدنية!

كان مهرجان قرطاج قد انطلق، مثل معظم مهرجانات السينما في العالم العربي، بمبادرات فردية قام بها سينمائيون محبون للسينما، ثم سرعان ما فرضت الدولة هيمنتها عليه، وأصبح يستخدم في مجال الدعاية السياسية للنظام الحاكم.

وكان من ضمن ما أثار حنق وغضب الكثير من المثقفين التونسيين ذهاب وفود المهرجان (خاصة من البلدان العربية) إلى القصر الرئاسي التونسي تلبية لدعوة رسمية من الرئيس التونسي في وقت تشهد فيه البلاد حالة انقسام سياسي وصراعا بين الاتجاهات السياسية المختلفة، وينظر الكثير من الشباب الى السلطة الحالية على اعتبار أنها امتداد للنظام السابق تحاول محاصرة الثورة التونسية والالتفاف على مطالبها. وقد أعرب هؤلاء عن رفضهم استخدام السينمائيين من الضيوف في الاستقطاب السياسي كما لاموا على الوفود العربية دخولها حقل الألغام هذا سواء من دون أن تدري أو بدراية مسبقة بما ينطوي عليه موقفها!

Visited 28 times, 1 visit(s) today