“بيتلجوس.. بيتلجوس”.. فيلم الافتتاح في مهرجان فينيسيا الـ81

Print Friendly, PDF & Email

تكاد معظم مهرجانات السينما العالمية تتبع نهجا موحدا في اختيار فيلم الافتتاح، فعادة ما يكون الفيلم من “أفلام التسلية”، ولا عيب في ذلك شريطة أن يكون عملا جديدا ينقل السينما نقلة نوعية إلى الأمام، أو يكون معبرا عما وصلت إليه السينما في زمانه.

ولابد أن هذا كان ماثلا في أذهان المدير الفني لمهرجان فينسيا السينمائي، ألبرتو باربيرؤا، عندما وقع اختياره على الفيلم الأمريكي الجديد “بيتلجوس.. بيتلجوس” Beetlejuice Beetlejuice أو الشبح المخادع” كفيلم افتتاح للدورة الـ81 من المهرجان.

الفيلم بمثابة عودة للمخرج الكبير تيم بيرتون، إلى عالمه الخيالي السحري، الذي يمزج فيه بين الكوميديا والرعب، ويطلق العنان لكل ما في مخيلته من ألاعيب وحيل وابتكارات فنية بصرية، بل ويمزج أيضا بين التصوير الحي والأنيماشن، في جزء ثانٍ أو “تكملة” للفيلم الذي كان السبب في شهرته قبل 36 عاما أي فيلم “بيتلجوس” (1988).

كان الفيلم القديم فاتحة سلاسل من أفلام باتمان كما تحول أيضا إلى عمل من أفلام التحريك وعرض مسرحي حقق نجاحا كبيرا في وقته. ولكن هل هناك ضمانات أن يتكرر النجاح من خلال نفس الشخصيات بعد مرور السنين؟

تيم بيرتون يستعيد الأفكار الأساسية في الفيلم السابق: فكرة الشخصية الشريرة أو الشبح المخيف الذي يمكنك استدعاءه لو كررت اسمه ثلاث مرات، وهو يستطيع أن يفعل المعجزات، ويقدم لك ما لا يمكنك تصوره كما لو كان شيطانا منفردا بالعالم السفلي، ولكن له أيضا شروطه التي قد تسحقك. ومنها أيضا فكرة العلاقة بين عالم الأحياء وعالم الموتى، باعتبار العالمين متجاوران، وأن الموتى يتجسدون في هيئة أشباح حلا نراها لكنهم يروننا، لكن “ليديا” هي الوحيدة التي يمكنها أن ترى الأشباح وتخاطبهم. وكانت هي بطلة الفيلم القديم من خلال أداء الممثلة وينونا رايدر، التي تعود إلى الفيلم الجديد في نفس الدور ولكن بعد أن أصبحت لديها الآن ابنة هي “أستريد” (تقوم بدورها جينا أورتيجا)، وهي ابنة متمردة رافضة.

وبينما أصبحت ليديا الآن تقدم برنامجا في التليفزيون عن تلك الأرواح والأشباح التي يمكنها التواصل معها، ترفض أستريد تصديق هذا وتعتبر أنه كله من نوع اللغو والخرافات.

 طبعا هذا الرفض سينتهي سريعا إلى الإيمان بالعكس، عندما تتجسد الأشباح بالفعل أمام أستريد، ويظهر الموتى من عالمهم بل وتنتقل أستريد نفسها إلى العالم الآخر، عن طريق خدعة من جانب شاب أوهمها بحبه لها، لكنه كان مجرد شبح، يستولي على حياتها ويدفع بها الى عالم الأموات حيث ترى أباها الذي نعرف من نقبل انه مات في حادث غرق في نهرا الأمازون وهو يعمل من أجل مكافحة التلوث البيئي.

يعود نفس الممثل الذي سبق له القيام بدور بيتلجوس، وهو مايكل كيتون، إلى القيام بالدور نفسه، ولكن رغم قدراته السحرية الخارقة لديه نقطة ضعف، فهو يهرب باستمرار من مطاردة شبح زوجته الشريرة التي تقوم بدورها الفاتنة الايطالية مونيكا بيلوتشي.

وبينما تستعد ليديا للزواج من “روي” الذي يوهمها بحبه لها وفي الحقيقة يريد الاستيلاء على أموالها وما تحققه من نجا مالي كبير، يريد الشبح بيتلجوس أن يتزوجها ويضع هذا شرطا لكي ينقذ ابنتها أستريد ويعيدها إلى الحياة.

وليديا لديها زوجة أب تقوم بدورها كاثرين أوهارا، تصدم لوفاة زوجها الذي هو والد ليديا وجد أستريد، في حادث تحطم طائرة، لكنه لا يموت جراء الحادث نفسه بل عندما يهاجمه أحد أسماك القرش ويلتهمه بعد أن كان يتأهب للخروج من مياه البحر التي سقطت فيعا الطائرة، وهو المشهد الطويل الذي نشاهده من خلال “التحريك”!

وهناك ضابط شرطة أو بالأحرى ممثل سينمائي يلعب دور الضابط يطارد الشبح بيتلجوس يريد أن يقبض عليه. وهناك العديد من الشخصيات الأخرى والمواقف التي تشبه مجموعة مفككة من الاسكتشات التي يتلاعب فيها تيم بيرتون بالشريط الصوت، ويستخدم الأغاني والمؤثرات المضخمة والتداخل بين الأصوات، والمؤثرات البصرية واستخدام الصور المولدة عن طريق الكومبيوتر CGI، ويدخل أيضا فكرة “الميديا” الجديدة والهواتف المحمولة وهي الفكرة التي أصبحت من القوالب المتكررة في كثير من الأفلام الحديثة التي ترغب في اجتذاب الشباب.

ومعظم مشاهد النصف الأول من الفيلم تدور في منزل الأشباح الذي ورثته ديليا وهو الذي كان موطن أحداث الفيلم القديم، لكن بيرتون ينتقل فيما بعد إلى عالم الأموات، وإلى ما يسميه قطار الأرواح الذي ينقل الأرواح بين العالمين، ويصور في مشاهد سيريالية، الجنة والجحيم.

والمشكلة الواضحة في الفيلم تتمثل في غياب الحبكة بشكل فادح، بحيث يصبح الفيلم كما أشرت من قبل، مجموعة من المشاهد المتفرقة والشخصيات التي تخدم فكرة أكثر من كونها شخصيات قريبة من عالمنا، فكلها شخصيات كرتونية مصنوعة، وحواراتها ممطوطة، وثرثراتها لا تنتهي. ويجاهد الممثلون جميعا في افتعال الحركات التي يتصورون أنها من الممكن أن تثير الضحك، خصوصا وأن الفيلم يستخدم كثيرا ما يعرف بالإفيهات أو العبارات التي ترمي إلى الإضحاك لما فيها من مفارقات، لكنها لم تعد تضحك أحدا.

بدا لي دور وليم دافو زائدا عن الحاجة، خصوصا أن المشاهد التي يظهر فيها لا تتسق مع سياق السرد في الفيلم، كما أنها مشاهد ثقيلة الوطأة أيضا. والحقيقة أن أداء مايكل كيتون نفسه يبدو أيضا نمطيا وغير فعال في توليد الضحك، إنه يتخذ شكل مهرج السيرك ولكن من دون براعة السرك وفلسفته بالطبع.

وشخصيا وجدت أن اختيار جينا أورتيجا في دور أستريد، غير موفق، سواء من حيث الشكل أو الأداء بل إنها تتميز بثقل ظل واضح وعدم انسجام مع باقي الطاقم.

استقبال عرض الافتتاح كالعادة في مثل هذه العروض الاحتفالية، قوبل بالتصفيق والإعجاب من قبل جمهور متعكش لرؤية مجموعة النجوم المشاركين في الفيلم بعد أن عانى المهرجان العام الماضي من غياب الكثير من النجوم بسبب إضراب الممثلين في هوليوود، لكنهم حاضرون هذه السنة بكامل طاقتهم ولياقتهم.

لم أفهم حتى الآن معنى اختيار اسم “بيتلجوس” Beetlejuice الذي يعني في الترجمة الحرفية “عصارة الخنفس”، فهو ابتكار لشيء لا وجود له ولا معنى له ولا يمكن أن يخيف أحدا!


 [AE1]

Visited 5 times, 1 visit(s) today