السينما و جائحة فيروس كورونا: ما العمل؟

Print Friendly, PDF & Email

ما عشناه وما نعيشه اليوم هو أقرب ما يكون إلى وضعية حرب: خوف، ضحايا، منع التجول، تقييدات، توجس، ورعب. وفي كل حرب يقع تنازل عن مكتسبات كان يحسب أنها نهائية وعن انجازات  حيوية وحتى عن بعض الحقوق الأساسية.  وغالبا ما تكون الثقافة والمنتجات الثقافية والفنية هي أولى الضحايا  بفعل هشاشتها، ولأن هنالك من يصنفها بسهولة ضمن “المنتجات الكماليات”.  وهذا ما وقع بالتحديد ما وقع  مع استفحال جائحة فيروس كورونا في العالم خلال الأشهر الأخيرة.

وحينما تندلع حرب ما ، يكون هنالك نزوع تلقائي  وغريزي نحو المقاومة، لذا، ولمقاومة فيروس لقيط وقاتل، وللتخفيف من حدة وضع  استثنائي في المجال الثقافي والفني والسينمائي كانت هنالك عدة مبادرات لإعلان الحضور حيث تم عرض أفلام  على مجموعة من المنصات، وكانت النتيجة والإقبال مثيران  للانتباه. غير أن المفارقة التي تصبح بارزة للعيان  هي أن الجائحة تمنع الناس  من الزيارات الفعلية وتدفعهم للبحث عن   زيارات افتراضية. هنالك أيضا عدة مهرجانات سينمائية  وطنية  ودولية نظمت دورات عن بعد، أو ابتكرت أسلوبا “هجينا” مزج بين عروض حضورية وأخرى عن بعد،  والعديد من السينمائيين عرضوا هم أيضا  بسخاء أفلامهم على بعض المنصات.

هذا الوضع الذي نعيشه لم يفاجيء الجميع. وقد “تنبأ” الروائي الفرنسي ميشيل ويلبيك  Michel Houellebecq  مثلا في حورا معه بأن “أهم ما ستخلفه جائحة فيروس كرونا سيكون دون شك تسريع وتيرة التحولات التي بدأت منذ مدة سواء التحولات الصغيرة مثل مشاهدة الأفلام عن بعد أو تسديد المشتريات ببطاقة، أو التحولات الكبيرة مثل العمل عن بعد أو البيع والشراء عبر ىالأنترنيت، أواعتماد  وسائل التواصل الإجتماعية. والنتيجة- كما استخلص ميشيل ويلبيك – هي التقليل من اللقاءات  الفعلية بين الناس”. ويبدو أن التباعد أصبح منذ مدة نزوعا كونيا.

 ويتوجب التذكير بحقيقة موضوعية  وهي  أن السينما، قبل اندلاع الجائحة،  لم تكن في أحسن حالاتها  في الكثير من البلدان حيث تتهاوى قاعات السينما تباعا  و يصيبها الوهن أو الإهمال، بالإضافة إلى انعدام رؤية واضحة لتدبير تداول الأفلام باعتبارها منتوجات هشة، وغياب استراتيجية محددة لجذب الجمهور وخاصة الجمهور الشاب. وهذا ما لا يجب تناسيه  إزاء تنامي خطابات  تستند على حنين ما و تجعل من فترة   ما قبل كورونا فترة مثالية. لذا فالمنافسة بين قاعات في الوضع  الموصوف قبل قليل ومنصة أنيقة متل منصة   Netflix سوف تكون بالتأكيد منافسة حامية الوطيس إن لم تكن أحيانا منافسة غير متكافئة.

ما هو مستقبل السينما والمهرجانات بعد الجائحة؟ وكيف سنشاهد أفلاما ونلتقي  في لقاءات ومهرجانات ونحن نحمل ذكرى أليمة لفيروس  غير مرئي وعدواني   جعل منا كائنات قاصرة محاصرة في حَجْر مفروض، وجعل علاقتنا

بأحبتنا ومحيطنا و بالطبع بالأفلام ورؤية الأفلام تتغير؟

من المؤكد  أن السينما سوف تنتصر وتخرج من هذه المحنة سالمة وغانمة، لأن السينما فن حربائي، فن مستعد لمفاجأة متتبعيه بأفكار وتقنيات مبتكرة. كما أن   الذهاب إلى السينما له شعائره الخاصة،  وهو بمثابة احتفال خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمهرجان بنجماته ونجومه وجمهوره المتذوق. والتمسك بهذه الشعائر و الحرص على مشاهدة أفلام بالقاعات  لن يتم التخلي عنها بسهولة و سيكون بمثابة تحد لفيروس كورونا وللفيروسات المشابهة له،  كما  أنه الوسيلة الجوهرية  لإعادة منح الإبداعات الفنية والفعل السينمائي الموقع الذي يستحق.

 لكن ما سبق  عليه ألا يمنع من  اعتبار ما   ما تقترحه علينا التقنيات الجديدة من مستجدات فيما يخص العالم الافتراضي والتواصل عن بعد بمثابة “غنيمة حرب” يمكن استثمارها كذلك في حالة السلم وحينما ستعود المياه إلى مجاريها.   وهذا التبني للتقنيات الجديدة  سوف يخفف من  التقابل الحاد الذي يقيمه البعض ما بين الفنون الحية والفرجات الافتراضية، وسيوجه التفكير أساسا إلى جعل الفرجات الإفتراضية فرجات حية، مشبعة بالحياة، وسيسهل اقتناع مختلف المتدخلين  بضرورة  جعل الأسلوبين، الأسلوب  الواقعي و الأسلوب الإفتراضي، يتعايشان ويتساكنان و يمتزجان ويغتنيان ببعضهما البعض. هذا هو الرهان الصعب: مصالحة الإمكانيتين وعدم اعتبار ما هو افتراضي والمنصات أمر دخيل، وجعل المسافة التي تفصل المشاركين في لقاءات تنظم عن بعد، مسافة مأهولة،  تغني  الحوار والتواصل  وتسمح بتجريب طرائق جديدة للتلاقي والإنصات المتبادل. و يمكن إجراء بحوث دقيقة لمعرفة  إن كانت اللقاءات عن بعد هي أقل تكلفة وتصل إلى جمهور أوسع، كما يمكن التفكير جديا  في استثمار تقنيات التواصل الجديدةا خاصة في مجال التواصل والأبحاث النقدية كما كان الأمر مع شرائط الفيديو في والأقراص المدمجة في مرحلة ما .

وربما نحن الآن مؤطرون في معيشنا  وتفكيرنا ببراديغم Paradigme جديد قد يكون علينا تأمله وتحليله. أما المؤكد فهو أن لا  شيء سوف يظل كما كان، وقد يكون من المناسب أن  نتخلى عن حالة الإسترخاء Zone de confort التي استمتعنا لمدة بها و بما توفره من امتيازات لنواجه جميعا عدوا مندفعا ويائسا.

ويمكن الختم بالقول إن من يحب الحياة يذهب إلى السينما،  ويشاهد الأفلام كذلك  في المنصات وعبر وسائل التواصل الاجتماعية !!!!

Visited 12 times, 1 visit(s) today