“قاهر الزمن”.. مأزق آخر أفلام كمال الشيخ

نور الشريف في لقطة من "قاهر الزمن" نور الشريف في لقطة من "قاهر الزمن"
Print Friendly, PDF & Email

لا نحتاج الى تكرار أهمية المخرج المصرى الكبير كمال الشيخ (1919/2004) في تاريخ السينما المصرية، فهو أحد أكبر مخرجيها على مر العصور، وهو أستاذ أفلام التشويق والجريمة في السينما العربية، وخلال رحلة طويلة امتدت من فيلمه الأول “المنزل رقم 13″ (1952) وفيلمه الأخير “قاهر الزمن” (1987)، قدم الشيخ نحو 33 فيلما، عشرة أفلام منها على الأقل من بين أفضل أفلام السينما المصرية.

كمال الشيخ ابن استديو مصر وقسم المونتاج، الذي يمكن أن تراه شابا صغيرا للغاية في مشهد واحد مع نجيب الريحاني في فيلم “سي عمر” للمخرج نيازي مصطفي، تعلم السينما، كما ذكر، من إعداد المواد الحربية المصورة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، كان يقوم بتفكيكها وتركيبها من جديد، صار بعد ذلك مونتيرا مميزا. من أشهر أفلامه كمونتير فيلم “غزل البنات” للمخرج أنور وجدي، وقد صار أنور يعتمد عليه في أفلامه كمخرج، بل وكان يستعين به كمشرف على المونتاج، حتى بعد أن صار الشيخ مخرجا، وكان ذلك دليل تفوق وثقة ومهارة حرفية.

كمال الشيخ في شبابه

ولكن كمال الشيخ، الذي تميز في نوع أفلام التشويق والجريمة فصار علما على النوع كله، وأصبحوا يشبهونه بألفريد هيتشكوك، والذي اشترك فيلمه البديع “الليلة الأخيرة” في مسابقة مهرجان كان 1964 ، توقف تماما عن الإخراج قبل وفاته بـ17، عاما، أي بعد فيلمه “قاهر الزمن”، الذي لم يحقق نجاحا، ولاشك عندى أنه كان قادرا على الإخراج رغم سنه المتقدم، فقد شاهدته في مناسبات كثيرة، وكان يتمتع بصحة ممتازة، شاهدته مثلا في حفل أقيم بمدينة الفنون في الهرم، لتأبين مدير التصوير الراحل عبد الحليم نصر، حيث عرضوا فيلم “الوحش” من تصويره ومن إخراج صلاح ابو سيف، الذي حضر الاحتفال أيضا، وبينما كان أبو سيف ثائرا لرداءة النسخة، ظل كمال الشيخ كالعادة هادئا للغاية، يرفل في بدلة كاملة أنيقة، تتسلل شعيرات بيضاء الى شعره، بينما يحتفظ حاجباة بلونهما الأسود.

شاهدته بعد ذلك أكثر من مرة وهو يسير بالبدلة الكاملة في شارع شريف في وسط القاهرة الخديوية، وكان معروفا أن لديه سيناريوهات جاهزة للتنفيذ، ولكن أحوال السينما المصيرة وقتها كانت قد تغيرت تماما، كنا في ذروة أفلام المقاولات، رغم صمود مخرجي الواقعية الجديدة ( خان والطيب )، وكانت السينما تقترب من الإنهيار التام على كل المستويات، من الموضوعات والمعامل حتى دور العرض، ولولا موجة ظهور الكوميديين الجدد في التسعينيات (محمد هنيدي ورفاقه)، لتوقفت السينما المصرية، فقد كانت هناك مشكلة فعلا في إيجاد أفلام مصرية للعرض، حتى في مواسم الأعياد، فاستعانوا بالمسرحيات المصورة وبمباريات الكرة وبالأفلام الهندية، لإكمال هذا النقص.

لكن مشكلة فيلم “قاهر الزمن”، وقبله فيلم “الطاووس” من إخراج كمال الشيخ أيضا، كانت أكثر تعقيدا من ظروف السينما المصرية البائسة في تلك الفترة، فالفيلمان كانا أقل من مستوى كمال الشيخ المعتاد: فيلم “الطاووس” كان عودة الى سينما الخمسينات، بحبكته البسيطة، وكان الجانب النفسى متواضعا، مقارنة بفيلم كمال الشيخ الأسبق والأفضل “بئر الحرمان”، وإن كان من المناطق اللامعة  في فيلم “الطاووس” أن يكون كشف دليل الإدانة، وهو بروش (حلية) على هيئة طاووس، بمجرد تغيير حجم اللقطة، من المنظر البعيد، الى المنظر القريب جدا، هنا حل سينمائى يذكرنا بابتكارات الشيخ المدهشة.

الإمكانيات والقدرات

أما فيلم “قاهر الزمن” المأخوذ عن رواية ممتازة وناضجة لأديب الخيال العلمى نهاد شريف بنفس الاسم، فمشكلته أن الطموح لم يكن على مستوى الإمكانيات والقدرات، بل إن الفيلم يفتقد الكثير من جاذبية التشويق المعروفة في أفلام الشيخ، ولكن قبل الدخول في التفاصيل، لابد من التوقف عند ملامح سينما هذا المخرج الكبير.

يمكن أن نميز مرحلتين كبيرتين في أفلام كمال الشيخ: أفلام الجريمة، والأفلام المأخوذة عن نصوص أدبية، وفي المرحلتين تميزت أعمال الشيخ دوما بالسيناريوهات المتماسكة، يبدأ السرد بسيطا، بل وعاديا تماما، وسرعان ما تظهر مشكلة، يتحول بعدها السرد الى وتر مشدود حتى مشهد النهاية، مهما كان طبيعة الموضوع.

كان الشيخ يقول، وهو محق، إن طريقة التشويق هى وسيلة للسرد عموما وليس للجريمة فقط، فهي موجودة مثلا في فيلم “ميرامار”، رغم أنه دراما اجتماعية سياسية بالأساس، ولكن  السرد محكم ومشدود بدون أي ترهل أو إضافات، بل إن التوتر بين الشخصيات ينتقل إليك حتى قبل وفاة سرحان البحيرى الغامضة، والتوتر موجود أيضا طوال الفيلم في تحفة كمال الشيخ “حياة أو موت” رغم قصته الإنسانية بالأساس، هى إذن طريقة للسرد، لا تقنع بالسرد البسيط المباشر أو الساذج، ولا تقطعه باستطرادات غنائية أو عاطفية مثلا، بل تجعل من الحكاية وحدة واحدة متماسكة، لا يمكن أن تترك منها مشهدا واحدا.

ولكن طريقة التشويق تظهر أكثر بالتأكيد في أفلام الجريمة، كما فيلم “المنزل رقم 13″، لأن الصراع قوى وواضح، وبالمناسبة فإن الشيخ كان يكرر دائما أن الفيلم الذي جعله يقرر أن يصبح مخرجا هو فيلم “امرأة في النافذة” للمخرج الألماني فريتز لانج، وليس فيلما من أفلام هيتشكوك.

وبجانب هذه الطريقة السردية المشوقة مهما كان الموضوع، تتميز أفلام كمال الشيخ بالاقتصاد في التعبير، وتخليص الأداء من الانفعالات العاطفية الزائدة، وحركة اليدين والجسد المبالغ فيها، كل شيء في موضعه، مما جعله أحد أكثر مخرجينا ابتعادا عن الميلودراما، بل ولعله أيضا الأقرب في طريقته تلك الى أساليب مخرجى السينما الأمريكية.

 وكان يوسف شاهين وصلاح أبو سيف يعطيان جرعة إضافية للتأثير العاطفي في أداء الممثل، ولكن كمال الشيخ يأخذ فقط ما يحتاج إليه كل مشهد، حتى لو كان البطل على وشك الانفجار كما في رائعته “الخائنة”. ومن ملامح أفلامه أيضا استعانته بمختارات من الموسيقى العالمية، بدلا من الموسيقى المصرية المؤلفة للفيلم، كما يندر أن نجد في أفلامه رقصة شرقية، فقد كان لا يعتبر الرقص الشرقى فنا على الإطلاق، ولاشك أن هذه الملامح تبعد أفلام الشيخ نسبيا، من حيث الطريقة والأسلوب، عن أفلام معاصريه على الأٌقل، وعن الشكل السائد في الأفلام المصرية عموما.

من فيلم “قاهر الزمن”

بين الرواية والقصة

 “قاهر الظلام” جزء من مرحلة الأفلام التي اقتبسها عن روايات، ولا شك أن جزءا من جاذبية هذه الرواية أنها تتعرض لفكرة علمية خيالية شيقة وذكية، والرواية نفسها، وقد صدرت لها طبعة جديدة هذا العام عن دار الكرمة، مكتوبة بطريقة متماسكة ومشوقة للغاية، وحافلة بالمشاهد التي يسهل تحويلها الى لقطات متحركة ومبتكرة، والصراع فيها حاضر من البداية الى النهاية، كما أن الرواية ملهمة بعالم غرائبي جديد ومختلف، يلعب فيه الديكور والمؤثرات البصرية والصوتية، في حال توافرهم، دورا محوريا. إننا فعلا أمام رواية خيال علمى مصرية جيدة ونموذجية، فما الذي حدث بالضبط في القصة السينمائية؟  

يلفت نظرنا في التترات، وتحت اسم الفيلم، هذه العبارة التي تقول “تصورات من أدب الخيال العلمى”، ويلفت نظرنا في التترات أيضا هذه العبارة المكتوبة: “من إعداد وإخراج كمال الشيخ”، وهو أمر يمكن ترجمته بأن الشيخ هو صاحب إعداد الرواية للسينما، بكل التغييرات اللازمة، بينما انفرد بالسيناريو والحوار أحمد عبد الوهاب، الذي تميز أصلا بالأعمال الإجتماعية والكوميدية.

ويلفت النظر أيضا في التترات (تترات النهاية هذه المرة)،عبارة تقول عن الرواية إنها صدرت لأول مرة عام 1972، ولا تفسير عندى لهذا الإهتمام بأن الفيلم مأخوذ عن رواية خيالية قديمة، سوى تذكير مشاهد 1987 بأن الحكاية كلها مجرد افتراضات، وخصوصا أن الفكرة شائكة للغاية.

تحكى رواية “قاهر الزمن” عن د حليم صبرون العالم الذي قرر أن يطيل عمر الإنسان بطريقة عجيبة، وذلك بابتكار جهاز يقوم بتجميد البشر عددا محددا من الوقت ( ساعات أو أعوام حسب الطلب)،  ثم تفكيك هذا التجميد بعد ذلك، إننا أمام فكرة أهل الكهف في صورة “سُبات بالتبريد”، وهدف هذه العملية في الرواية متعدد الأوجه، سواء من حيث التحايل على عمر الإنسان المحدود بإيقافه ثم استئنافه في زمن آخر، أو بمحاولة حماية الإنسان من انفجار نووى كان د صبرون يخشى حدوثه، أو في بالاحتفاظ بخلاصة العقول البشرية الى زمن أفضل، أو بتجديد خلايا الجسد، أو حل مشكلات جراحية ومرضية عويصة، والرواية تبشر من خلال هذه الفكرة بعصر جديد قادم يلعب فيه التبريد دور البطولة في حل مشكلات البشر.

الرواية مذهلة حقا في بنائها الناضج، وفي تفصيلاتها العلمية، التي تقنعك بأن التجربة ممكنة، والتي تفتح آفاقا علمية واسعة، ولكن فكرة إطالة العمر، أو بعنى أدق، التحايل على الزمن وإعادة تشكيله إيقافا واستدعاء، تبدو فعلا شائكة من الناحية الدينية، فأقرب ما يرد الى الذهن مشابها لفكرة التجميد لسنوات هو قصة أهل الكهف، وهي حكاية دينية ترد في باب المعجزة الإلهية، وليس في باب الممكن الإنساني أو العلمي.

تنبه نهاد شريف لذلك في الرواية، فتضمنت حوارا يؤكد فيه صبرون أنه مؤمن بالإرادة الإلهية، وبأن كل ما يفعله بإرادة الله، ولكن الفيلم، الذي يخاطب مستويات ثقافية متنوعة ومتباينة أكثر، وجد أن عليه أن يشرح ويوضح طوال الوقت أن فكرته خيالية، وأنها لا تتعارض مع الدين.

لقطة أخرى من قاهر الزمن

تكثيف ودمج وإضافة

 التغييرات التي حدثت في  القصة السينمائية كانت هامة، فقد تم تكثيف وحذف فصول بأكملها، وتمت إضافة شخصية صحفي آخر يدعى فكري، وهو قريب ابن عم كامل بطل الرواية، هو أيضا مثله صحفي ناجح، وأصبحت زين بطلة الرواية، ابنة للطبيب حليم، بعيدا عن أي علاقة غامضة أخرى كما في الرواية، وأصبح هدف د. حليم تجميد البشر الذين يعانون من أمراض قاتلة، حتى يأتى زمن تبتكر فيه أدوية لمرضهم، وكان دافعه لذلك فقدانه لزوجته، وبالتالى تم استبعاد دافع الخطر النووي، الذي يناسب زمن الرواية (الأربعينات والخمسينات) بينما يحتاج الفيلم الى دافع ملموس أكثر يمس حياة البشر المرضى في الثمانينيات.

بشكل عام كان تكثيف الخطوط ودمجها معا جيدا، فالبطل كامل يدخل فيلا د. حليم للبحث عن ابن عمته الصحفي المختفي، الذي ستجرى عليه أول تجربة تجميد ناجحة على البشر، بينما يذهب كامل في الرواية إلى الفيلا بدافع الفضول ليس إلا، ويقربه د حليم إليه بسبب تشابه بينه وبين شقيقه الراحل.

استلزم السرد السينمائي تنوعا أكثر في الأماكن، بإضافة المستشفى الذي يعمل فيه د. حليم، وهو المكان الذي تسرق منه الجثث لإجراء التجارب، ولكن المعالجة حذفت علاقة حب هامة في الرواية بين كامل وزين، فبدت شخصية الفتاة باهتة تماما، مشكلتها فقط أنها تعتقد أن تجارب والدها بدون جدوى، ثم سرعان ما تنحاز للتجارب بعد نجاحها.

لكن التغيير الأهم والأفضل في القصة السينمائية مقارنة بالرواية، هو جعل الصراع الأساسى مع الممرض عبده، الممرض الجاهل والذي لعب دوره متولي علوان، وليس مع الدكتور مرزوق، الذي لعب دوره حسين الشربينى، وهو طبيب هارب يشارك د حليم تجاربه العلمية، وكان قد هرب بسبب وفاة مريضة أثناء عملية أجراها لها.

في الرواية مرزوق هو الذي سيكون سببا في الصراع مع حليم حول سر التجربة، مما يؤدى لدمار المعمل، ولكن إسناد السبب في الفيلم لرجل جاهل يعتقد أن تجارب د. حليم حرام لأنها ضد إرادة الله، جعل الصورة واضحة تماما، فالمعركة ليست بين اثنين من العلماء كما في الرواية، ولكنها بين العلم والجهل الأحمق،  بين العقل وحجب العقل، ويزيد من أهمية عبده (بكل دلالات الاسم) أنه يتستر وراء الدين في رفض العلم .
ورغم موت حليم في الفيلم، وموت عبده الجاهل معه، إلا أن مرزوق، الطبيب الهارب، سينقذ مذكرات د. حليم الذي سجل فيها اكتشافاته العلمية، والتي ستغير العالم في نهاية الفيلم  في عام 2010  باتجاه تكنولوجيا التبريد، أو باتجاه “عصر حليم” كما تسميه الرواية.

هنا نظرة لا لبس فيها الى أهمية العلم، وانحياز صريح الى العلماء، بل وتبرير لتجارب حليم على المصابين في الحوادث إصابات بالغة، بأنها محاولة لإنقاذهم بالتبريد، وليست محاولة لقتلهم، لأنهم سيموتون في كل الأحوال، نتيجة إصاباتهم البالغة.

ولكن القصة السينمائية حاولت أيضا التأكيد على أن فكرة التجميد ليست ضد الدين، فالتغيير بالتجميد ليس في الروح، وإنما في الجسد، وبالتالى لا يوجد تدخل في الغيب، ولا في لحظة أو طريقة موت الإنسان، التي لا يعرفها إلا الله، كما حاولت القص ربط التجربة بفكرة التحنيط عند قدماء المصريين، وبفكرة بحث الإنسان عن خلود من نوع ما، ولكن كل ذلك في إطار إرادة الله وقدرته.

كمال الشيخ

  مشكلات فنية

ما يدهشنا فعلا أن معالجة الرواية عندما كتبت كسيناريو وحوار لم تكن مشوقة بالقدرالمتوقع، حيث اعتمد السيناريو على المشاهد الحوارية التقريرية، وعلى الإنتقالات المتوقعة من مكان مغلق، الى مكان مغلق آخر، والتي تذكرنا بالسهرات التليفزيونية، حتى المشاهد المكتوبة في الرواية بشكل معبر سينمائيا وحركيا، مثل مشهد العربة التي تحمل الجثث، والتي تكاد تصدم كامل ليلا، قدمت بشكل هزيل وضعيف، بالإضافة بالطبع الى مشهد انفجار المعمل، الذي قدم بصورة متواضعة، ووفقا لإمكانيات السينما المصرية في ذلك الوقت.

 أداء الممثلين بدا كذلك ركيكا وخاليا من الانفعالات المطلوبة، كمال مثلا الذي جسده نور الشريف، تعبيره محايد في معظم الأوقات، وهو يبدو كموظف أو كباحث وليس كصحفي يقتله الفضول، حتى اهتمامه باختفاء ابن عمه كان هامشيا، ود. حليم الذي جسد دوره جميل راتب، لم يظهر بالقسوة المطلوبة في الجزء الأول من الفيلم، بينما يبدو غامضا ومخيفا شكلا ومضمونا في الرواية، ولا يمكن لوم آثار الحكيم على هذه الشخصية المسطحة، التي تريد تحذير كمال، وتهتم به، ولكن بدون قصة حب على الإطلاق.

الإيقاع المشدود مثل الوتر في عالم كمال الشيخ الذي عرفناه تحول هنا الى الترهل بفعل الحوارات الطويلة. والتفاصيل العلمية، والتجارب المدهشة في الرواية، تحولت في الفيلم الى تجربة واحدة هزيلة من خلال أجهزة مضحكة، والصراع لاكتشاف المكان والمعمل والجثث الكثيرة المجمدة في الرواية، اختزلت هنا في مشاهد ساذجة وبسيطة، بل إننا لا نشعر بصراع حقيقي في الفيلم، إلا بسبب تمرد الممرض عبده الجهول في الجزء الأخير من الفيلم.

فكرة قوية، وانحياز لللعلم، وطموح لعمل فيلم خيال علمى ناضج، كل ذلك لم تسعفه الإمكانيات ولا الخيال، وبدلا من أن نرى العلم ومشقة الوصول الى النتائج وصراع الأخذ بالأسباب، سمعنا عن التجربة أكثر مما شاهدناها، رأينا فقط فكري (خالد زكي) يستيقظ من سبات التجمد، فيسعد بالعودة الى الحياة، وبالنصر الصحفي معا.

مشكلة “قاهر الزمن” أن كمال الشيخ كان مهتما بتمرير الفكرة الشائكة، ومناقشة مشروعيتها، أكثر من اهتمامه بالخيال والإبتكار اللازمين لتنفيذها دراميا وفنيا، فشاهدنا طبيبا أقرب الى المجرمين، وصحفيا أقرب الى المتفرجين.

كانت التجربة بحاجة الى ثراء فني وخيالي يتجاوز اجتهاد رمسيس مرزوق في الإضاءة ود. مختار عبد الجواد في الديكور، ثراء في التلاعب بالسرد والزمن لمعالجة فكرة أساسها إعادة تشكيل الزمن، وربما لم تكن العاطفة ألزم في فيلم سينمائي مثل لزومها في “قاهر الزمن”، لأنها تحقق بعض التوازن مع الموضوع العلمى الجاف.

 ورغم كل هذه المشكلات الفنية، يستحق كمال الشيخ التحية على المحاولة الجادة، بدلا من أن يقنع بالأفكار التقليدية والسهلة، وبدلا من أن يقف متفرجا أمام مجتمع تنتشر فيه الخرافة، ويغيب فيه الوعي، ويتجاهلون فيه العلم والعلماء.

Visited 115 times, 1 visit(s) today