أمير العمري يتحدث عن فترة رئاسته لجمعية نقاد السينما

Print Friendly, PDF & Email

حوار: خالد عبد العزيز

هذا حوار أجراه معي الناقد خالد عبد العزيز عن فترة رئاستي لجمعية نقاد السينما المصريين في الفترة من 2001 إلى 2003، بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس “جمعية نقاد السينما المصريين”، على أن ينشر في عدد خاص من مجلة “الفيلم، لكن ما نشر كان عبارة عن مقال صغير استفاد من (بعض) ما جاء في الحديث، لذا وجدت ان أنشره كاملا هنا كما دار، كوثيقة للتاريخ والوثائق موجودة ومن العيب بل أن يقوم البعض بإخفاء الحقائق، وتزوير حقائق أخرى، والتقليل من شأن ما حققناه لحساب بعض من لم يقدموا شيئا حقيقيا للجمعية. وعلى أي حال هذه كانت فترة عابرة في حياتي، ومرت، وعبرت إلى تجارب أكثر أهمية ورسوخا. وعموما لا يبقى في الأرض سوى منجزك العملي، أما الدعاية والتطبيل لبعض الشخصيات، فكله هراء لا قيمة له.

(أمير العمري)

في البداية: ما هي ظروف خوض إنتخابات الجمعية؟ ولماذا قررت خوض هذه التجربة؟

كان السبب المباشر هو وفاة الصديق والأستاذ الناقد الكبر فتحي فرج الذي رأس الجمعية قبلي مباشرة، وهو الذي أوصاني بها خيرا وكان يلح علي أن أعود وألعب دورا في تنشيط الجمعية وكنت أفضل البقاء على الهامش بحكم معرفتي بالتكتلات السيئة الموجودة داخل هذه الجمعية وأجواء المزايدات دون أن تستطيع أن تجد حقا من يعملون معك، وكان فتحي نفسه يشكو كثيرا من غياب القادرين على الفعل. كان قد وقع تكلس كبير في نشاط الجمعية لمدة عشر سنوات، أصبحت تبدو خلالها كما علمت من الذين عايشوا تلك الفترة عن قرب، كما لو كانت مصلحة حكومية بيروقراطية. المهم أنني بعد وفاة فتحي وجدت من الضروري تكوين مجموعة فاعلة جديدة تحل محل العناصر القديمة التي لم يعد لها نشاط فعال أو ملموس داخل مجلس الإدارة وقد سمعت هذا بالتفصيل من المرحوم فوزي سليمان أيضا الذي ذكر أسماء محددة.

ما هي رؤيتك أو ما يُسمى بالبرنامج الإنتخابي آنذاك؟

استفدت من تجربتي السابقة القديمة في انتخابات اتحاد الطلاب في الجامعة في السبعينيات، فقد خضنا كمجوعة ووقتها خضنا الانتخابات الطلابية بقائمة وبرنامج عمل تفصيلي. وهو الأسلوب الذي اعتمدته في خوض انتخابات الجمعية. فقد قمت بوضع برنامج عمل للجمعية من 10 نقاط، وأخذت أبحث عن أعضاء من الجمعية يمكنهم دعم هذا البرنامج وخوض الانتخابات معي في قائمة واحدة مكونة من 6 أشخاص فقد كان مطلوبا تجديد عضوية المجلس ماعدا عضوا واحد ظل للعام التالي وهو حسين بيومي. وقد استشرت وقتها عددا من الزملاء القدامى في الجمعية مثل سمير فريد ونبيهة لطفي وفوزي سليمان. وكانت الفكرة هي ضرورة البحث عن عناصر شابة جديدة أو عناصر لم يسبق لها دخول المجلس من قبل. وبالمناسبة كنت أنا سكرتير عام الجمعية عام 1979 الى أن استقلت قبيل سفري خارج مصر في ربيع عام 1980 وتولى علي أبو شادي من بعدي سكرتارية الجمعية.

كان من ضمن عناصر البرنامج حسب ما أتذكر، إصدار مجلة شهرية وسلسلة كتب وتوسيع رقعة نشاط الجمعية بالاستعانة بقاعات المجلس الأعلى للثقافة، وإقامة أسابيع سينمائية متخصصة ومناقشات أو ندوات متخصصة، ودعم علاقة الجمعية بأجهزة الإعلام المصرية، وتنظيم ورش عمل، وإقامة مهرجان للسينما العربية، وتنشيط علاقة الجمعية بالاتحاد الدولي للنقاد والصحافة السينمائية (كانت العلاقة قد أصبحت صفرا وكانت الجمعية متوقفة عن دفع الاشتراكات منذ سنوات)..

أما القائمة فقد فاز جميع أعضائها وانتخبت بالإجماع رئيسا لمجلس الإدارة. وأحدث هذا شبه صدمة للبعض الذي اعتبروا أن النزول بقائمة نوعا من المؤامرة ضدهم لكونهم لم ينجحوا، في حين أن وجود برنامج انتخابي هو أشرف وأرقى شكل من أشكال العلاقة بين المرشحين وأعضاء الجمعية. ولكن هذه المسألة، أي فشل البعض في الوصول للمجلس، سيظل يلعب دورا تخريبيا داخل الجمعية.

وما مدى ما تم تحقيقة من هذا البرنامج؟

تحققت أشياء كثيرة من هذا البرنامج.. لكننا لم نتمكن بالطبع من إقامة مهرجان سينمائي عربي لحاجتنا للحصول على دعم أكبر من وزارة الثقافة. لكني بجهد شخصي ومن خلال علاقاتي الشخصية تمكنت من الحصول على تمويل لنشاط الجمعية من وزارة الثقافة وكان هذا التمويل متوقفا أيضا منذ سنوات ولا أعرف السبب وغالبا بسبب غياب برنامج للعمل والنشاط. وأصدرنا المجلة الشهرية وحصلت من د. جابر عصفور على حق استخدام قاعة من قاعات المجلس الأعلى للثقافة أسبوعيا ودعونا أجهزة الاعلام وخصوصا التليفزيون التي حضرت وقامت بتغطية نشاطا الجمعية بانتظام.. وأصبحت هناك علاقة جيدة جدا مع اتحاد النقاد الدولي وكنت أكتب تقريرا شهريا أرفعه للاتحاد عن كل نشاط الجمعية بل وقد حرصت على أن تحتوي مجلة السينما الجديدة قسما باللغة الإنجليزية وكنا نرسلها إليهم. وأقمنا ندوات متخصصة من أهمها ندوة مناقشة التراث السينمائي المصري التي أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة وأثارت أصداء كبيرة في الاعلام وشارك فيها عدد كبير منهم نجوم معروفون ومسؤولون حكوميون ونقاد.. والأهم أنها تركت تأثيرا أدى إلى احداث تغييرات في طريقة حفظ الأفلام. وأقمنا أيضا أسبوعا للسينما الصينية بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة وأصدرت خلاله كتاب السينما الصينية الجديدة، ثم شهرا كاملا لمناقشة أربعة أفلام ممنوعة من العرض في بلادها، أحضرت الأفلام من مكتبتي الخاصة وكتبت النشرات الأربع التي صدرت مع الأفلام، واقمنا ندوة شاملة حضرها لمناقشة قضية الرقابة في مصر عدد كبير من السيمائيين ومدراء سابقين للرقابة، ثم أصدرنا كتابا عن الرقابة بين المسموح والممنوع أسندت إعداده إلى حسين بيومي، وصدر عن الجمعية ووزع مجانا على الأعضاء. وفي الندوة والنشرة والكتاب، طرحت للمرة الأولى في مصر ضرورة أن تستبدل الرقابة بنظام تصنيف للأفلام حسب أعمار المشاهدين وهو الأمر الذي اعترض عليه الأستاذ هاشم النحاس والأستاذ أحمد الحضري وأيده مصطفى درويش وآخرون، وقد أصبح فيما بعد المبدأ الثابت الذي يتحدث عنه الجميع، وقيل ان الدولة تبنته وإن كنت لا أتبين كيف بالضبط!

ما هي الظروف المحيطة بالجمعية في ذلك الوقت؟ من الناحية الاجتماعية والسياسية؟

عندما توليت رئاسة الجمعية كانت قيمة الاشتراك السنوي 6 جنيهات منذ أكثر من عشرين سنة.  وقد رأيت أن هذا لا يصح بسبب التضخم وزيادة الأسعار وكنا بحاجة الى دفع مكافآت معقولة لعمال العرض ومركز الثقافة السينمائية لضمان استمرار نشاط الجمعية (كان عامل العرض مثلا يتقاضى جنيهين فقط مقابل العرض!!). لذلك اقترحت على الجمعية العمومية رفع الاشتراك الى 30 جنيه سنويا وهو ما قوبل بمعارضة شديدة من قبل البعض، لكني استطعت عمل اتفاق معهم على أن يحصلوا على كل أعداد مجلة السينما الجديدة مجانا مع أي كتب ونشرات ومطبوعات أخرى، مقابل الموافقة على رفع الاشتراك وهو ما تم.

شريف الشوباشي

قابلت السيد شريف الشوباشي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي وقدمت له مشروع إقامة أسبوع النقاد من داخل مهرجان القاهرة السينمائي على أن تتولى الجمعية كل شيء، من احضار الأفلام ودعوة المخرجين وتنظيم المناقشات وطباعة كتالوج الأسبوع.. الخ وأن يموله المهرجان من ميزانيته. لكني لم أسمع من الشوباشي الذي بدا أنه لم يكن يدرك أهمية هذا. وقد أعدت بعث هذا المشروع مجددا عندما أصبحت لفترة محدود جدا رئيسا للمهرجان (في 2013) وتركته لكي يتبناه من بعدي سمير فريد اليي نسبوا البرنامج إليه. الظروف السياسية كانت تسمح بهامش من الحركة أمام الجمعيات على أساس أنها تؤدي مالا تؤديه وزارة الثقافة نفسها.

وهل ترى أن دورها كان فعالاً على المستوى الثقافي والإجتماعي؟

إلى حد كبير كان حضور الجمعية صحفيا واعلاميا وتأثيرها في محيط المثقفين أكبر بعشرة اضعاف عما كانت عليه قبل هذا المجلس الذي ترأسته. وكان الموضوع كله يرجع الى طموحي الشخصي وجهدي الشخصي أيضا وهو الذي سيتسبب في اندلاع مشاكل كثيرة مع من شعروا أنهم لا يستطيعون مجاراة هذا الإيقاع السريع المتدفق الغريب عليهم علما بأنهم حصلوا على كل الفرص لتقديم كل ما عندهم ولم يرفض لأحد اقتراح واحد، ولم يمنع نشر مقال واحد في مجلة الجمعية.. لكن بعض النفوس عامرة بالخير، ولاشك ان هذا النشاط أشعل غيرة الكثيرين من خارج الجمعية الذين لعبوا دورا في شحن بعض أعضاء المجلس (واحد أو اثنين فقط) ضدي شخصيا لدرجة أن أحدهم ولم يكن له أي دور من قبل، طالب بفرض حظر على تصريحات رئيس الجمعية، وأنني يجب أن أرجع الى المجلس قبل اصدار أي تصريح للصحافة (فهل انتخبت من الجمعية العمومية لكي أصبح رئيسا دون سلطات، يتعين أن أرجع الى هذا الشخص الذي قضى عشر سنوات في العمل في السعودية، وكان قد عاد حديثا منعزلا تماما فاتصلنا به وجعلناه يخرج من بيته ويعود للجمعية ويدخل معنا الانتخابات ويصبح عضوا في مجلس ادارتها على أن يتولى أمانة الصندوق لكنه خالف الاتفاق ورفض هذا الدور وآثر أن يلعب دورا تخريبيا بكل أسف!

ما هي العقبات التي واجهتك أثناء رئاستك للجمعية؟

العقبة الأساسية تتعلق بما كنت أخشاه، أي تقاعس من يعملون معك في المبادرة أو العمل الحقيقي، وشعوري الدائم بأنني أسبقهم بخطواتي كثيرا وأنني جعلتهم يلهثون من خلفي. وكان البعض مشغولا في الخارج طبعا وليس لديه الوقت للجمعية، والبعض الآخر لم يكن معتادا على تقديم مبادرات.

عندما كانت الجمعية ساكنة دون نشاط حقيقي لم تكن هناك أي مشكلة. أما بعد أن نشطت وأصبحت مليء السمع والبصر وأصبحت لديها مجلة توزع عند بائعي الصحف، دبت الغيرة والأحقاد، ونشأت الصراعات والنزاعات، وأصبح أمير العمري متهما بالانفراد والديكتاتورية (!) لماذا؟ لأنني كنت أتي في كل اجتماع بمشاريع وتصورات عملية وخطة واضحة للعمل في الجمعية خلال الشهر القادم، في نقاط مدروسة ومكتوبة بينما كان الجميع يجلس يتفرج ويستمع. علما بأنه لم يصدر أو يتخذ قرار واحد في الجمعية طوال فترة رئاستي لها من طرف واحد، بل صدرت كل القرارات بموافقة جميع أعضاء مجلس الإدارة. ومحاضر الاجتماعات موجودة وأتحدى أن يثبت أحد العكس.

جابر عصفور

ما الجديد الذي سعيت إلى طرحه وتقديمه؟

ابراز دور الجمعية في المجتمع الثقافي السينمائي، وتخليصها من الانحصار في دور نادي السينما الصغير أي الاكتفاء بعروض متفرقة للأفلام بشكل عشوائي دون منهج حقيقي، وتوسيع رقعة نشاطها وتفجير قضايا مهمة مثل تراث السينما المصرية والرقابة، وعمل أسابيع متخصصة مثل كلاسيكيات السينما التسجيلية والسينما الصينية الجديدة.. وغير ذلك. بل وقد دفعني تولي منصب مدير مهرجان الإسماعيلية في تلك الفترة (2001) الى الاستعانة بأعضاء الجمعية في نشاط المهرجان بحيث أصبح المهرجان يبدو كما لوكان مهرجان الجمعية. وهو ما أثار أيضا غيرة البعض.

كم (تقريباً) نسبة النجاح التي استطعت تحقيقها؟

80 في المائة..

ما هي أسباب إستقالتك من رئاسة الجمعية؟

استقلت لأنني شعرت أن الجمعية أصبحت عبئا علي وأصبحت أنا عبئا على غيري ممن لا يمكنهم مجاراتي في ايقاعي وطموحاتي.. يكفي أن تعلم أنني وجدت أن العبء الأساسي يقع على عاتقي (كنت أقوم بكتابة النشرة على الكومبيوتر في بيتي وارسالها لتصويرها!!) ولدرجة أنني عدما تأخرت ذات مرة في حضور اجتماع الجمعية لاختيار الأفلام الفائزة وكنت قد كلفت نائبي لتولي المهمة وافق. عند حضوري وجدت أنهم لم يبدأوا الاجتماع في الموعد كما كان ينبغي انتظار لحضوري بينما لم يكن لحضوري أصلا أي فائدة لأن غيري كان هو الذي سيدير المناقشات. لكن هذه للأسف هي طبيعة التجمعات في مصر التي تنتظر ما يأتي به الرئيس. فإن أتحت لهم الفرصة للقيام بأدوار فعالة، تصبح ديكتاتورا ومنفردا في الرأي.. والسبب؟ الصراع والرغبة في الاستحواذ والظهور في الضوء بعد أن أصبح للجمعية حضور.. كان الأمر مؤسفا، والتجربة رغم ما حقنناه فيها، مرهقة. ذهنيا وبدنيا. وكان العمل كله بالطبع تطوعيا.

Visited 3 times, 1 visit(s) today