أمير كوستوريتشا يتحدث عن «تحت الأرض»

Print Friendly, PDF & Email

* لا يتوقع المرء من موضوع كهذا أن يكون كوميديا إذا ما أخذنا في الاعتبار الأحداث العنيفة القاسية التي يستمد منها الفيلم مادته. كيف تمكنت من تحقيق الطابع الكوميدي في الكثير من مشاهد فيلمك؟

* كنت دائما أود أن أحقق فيلما كوميديا، غير أنني لم أتمكن ابدا من ذلك لأن الكثير من الجوانب الشخصية في حياتي كانت تجعلني أميل الى التراجيديا. لكنني هذه المرة أعددت لكي أكتب موضوعا يجمع بين الكوميديا والتراجيديا. ان هذا الفيلم يختلف كثيرا عن افلامي السابقة. انني أعتبره خلاصة ثلاثة أو أربعة أفلام روائية كنت فيها أصنع خليطا من الأمزجة والعواطف المتعارضة. باستثناء الأجزاء المعاصرة في الفيلم، هناك مناخ احتفالي دافئ ومتدفق.

* في القبو يقوم عبيد ماركو بتسلية أنفسهم. انهم يضحكون ويلهون ويلقون بالنكات..

* عادة ما يكتشف الانسان في داخله غريزة حب البقاء، حتى في أسوأ الظروف. وهذا لا يساعد في القضاء على الجوانب المأساوية في موقف معين. على العكس، من الأفضل تصوير كيف يقهر الناس هذه الصعوبات. لقد كنت اسعى خلال مسار القصة أن أشرح كيف استطاع الرجال والنساء في بلدي خلال عهد تيتو، البقاء على قيد الحياة، عن طريق اقناع أنفسهم أنهم كانوا يعيشون حقا حياة جيدة.

* إذا لم يطلق القرد قذائف الدبابة على القبو ويهدمه فهل كان هؤلاء الناس سيبقون في القبو*

* هذا احتمال قوي.

* استلهمت فيلم «تحت الأرض» من مسرحية كتبها كاتب سيناريو فيلمك دوسان كوفاسيفتش قبل عشرين سنة. الى أي حد أبقيت على أحداث المسرحية في فيلمك*

* لم يبق منها الا القليل جدا. فقط فكرة أن رجلا يحب امرأة صديقه وبالتالي يبقيه في القبو لمدة عشرين عاما، موهما اياه أن رحى الحرب لاتزال تدور في الخارج.

* لقد حدثت تعديلات كثيرة في السيناريو خلال فترة التصوير. هل لهذه التغييرات علاقة بالأحداث التي ساهمت في تمزيق بلدك*

* نعم. لم أكن راضيا عن الجزء الأخير من السيناريو. وظللت ابحث عن نهاية مناسبة أكثر. ان ما صورناه كان مناسبا أكثر مع الوضع في يوغسلافيا ومع الاحداث التي لم اكن شاهدا عليها.

* أنت قضيت عاما في تصوير الفيلم، هل حدث أن فكرت في أن الفيلم ربما لا ينتهي ابدا؟

* في كل مرة كنت أصل الى موقع التصوير كان يطاردني احساس فظيع بأنني يجب أن أنهي العمل وأنني لن أتمكن ابدا من ذلك. لقد شعرت بذلك كثيرا أثناء تصوير الفيلم. ان الفيلم يتطلب تضحيات كبيرة والتزام مطلق وكنت اعرف أنه يتعين علي أن أضع كل قوتي وكل مصادري في الفيلم لكي ادفع الانتاج الى الأمام الأمر الذي استهلك كل طاقتي وحيويتي.

* لماذا أدخلت مشهدا طويلا لتصوير فيلم داخل فيلمك، عن استغلال الشخصية الثانية في الفيلم أي البطل الذي اعتبر شهيدا وهو على قيد الحياة حبيسا؟     

* لكي اضاعف من الاحساس بالواقع. ان المشاهد التي تدور خلال الستينات لا يظهر العالم الخارجي من خلال الصور، لكن الحياة الحقيقية مكثفة من خلال المشاهد التي تدور في القبو تحت الأرض.

* وهل ترمز شخصية المخرج الى مخرج معين؟

* نعم انها ترمز الى مخرج معين كان يصنع الأفلام الدعائية من الانتاج الكبير لتيتو.

* قبل هذا المشهد نرى أنك استخدمت المرايا كثيرا لحصر الشخصيات داخل إطار كما لو كانوا سجناء في المنظور. هل كان هذا لإعداد المشاهدين لاستقبال مشهد الفيلم داخل الفيلم؟

* تماما. لقد كان ماركو هو الذي يستخدم هذه الأدوات للتلاعب بالواقع. ان شخصية ماركو من الممكن فهمها في ضوء التحليل الفرويدي بينما يخضع بلاكي لقانون الغابة. ان غريزة البقاء عنده تنعكس في شهيته الكبيرة. وهو يستمر في التهام الطعام بينما تهبط القذائف حوله في كل مكان.

* ان ماركو يتمكن خلال خمسة عشر عاما من خلق موقع للتصوير السينمائي الخيالي الأقرب الى الحلم، موقع مقطوع الصلة تماما مع الواقع، يسكنه ممثلون وممثلون ثانويون يتحكم هو تماما في مصائرهم. اليس هذا مثال لمخرج سينمائي من النوع المتفوق*

* انه متلاعب بالعبقرية. قائد عظيم للأوركسترا، مع سجل اجرامي لامع لا يضاهيه الا سجل المسيو فيردو (احدى شخصيات فيلم بالعنوان نفسه لشابلن.

* كيف تفسر تطور شخصية نتاليا؟

* من الممكن فهمها في ضوء طبيعتها. هذه الفتاة السطحية كان امامها من البداية اختيار بين ثلاثة رجال. وهي تختار بوعي تام النازي الذي يمنحها الاحساس بالأمان الذي تحتاجه. وعندما يختطفها بلاكي فإنها توافق على الزواج منه دون أن يخالجها الشك في انها ستكون سعيدة معه لأنه سيهب حياته بالكامل لها. ولكنها في النهاية تستسلم لماركو الخشن. وهذا الاختيار يختم حياتها بأسرها.

* كيف يثق بلاكي في اخلاص نتاليا وفي صدق ماركو؟

* البعض قد يعتقد أن هذا بسبب سجنه وتعذيبه بالكهرباء ولكن كلا. ان نقطة ضعفه هي ايديولوجيته مثله في ذلك مثل كل الناس في البلقان. ان كل ما يجب أن تقوله له هو «تيتو» وسوف يبدأ في أداء التحية على الفور. انه يقبل كل اوامر ماركو لأنه يعترف بتفوق ماركو عليه في كهنوت الأشياء. لم تكن الكهرباء هي التي جعلت بلاكي مومياء بل الأيديولوجية.

* لماذا أطلق ماركو النار على ساقيه ثلاث مرات؟

* ماركو ليس وغدا مطلقا. انه يستغل بصدق الوضع في بلده، وهو يشعر حقا بالأسف لكونه محاطا بطغمة من الكاذبين والمجرمين.. انه يرى نفسه كرجل أخلاق. وهو يجهد نفسه في تغذية حوارييه وتزويدهم بما يحتاجونه. وعندما يدفعه بلاكي الى الانتحار فانه يجد طريقة زائفة للانتحار تتفق تماما مع طبيعته. هذا الرجل لا يفعل ابدا ما يتوقعه منه الآخرون. ان حياته ليست سوى سلسلة من المساومات النفعية.

* ان موت ماركو ونتاليا يعيد الى الأذهان على نحو ما، اعدام تشاوشيسكو..

* هناك أوجه تشابه. عندما كنت أتابع الأحداث في رومانيا، شاهدت مثل كثيرين غيري جثثا كثيرة. ولكن فقط بعد أن شاهدت جثتي تشاوشيسكو وزوجته أدركت حجم الدراما.

* تلعب الموسيقى دورا هاما في فيلمك، من المشهد الأول الى الأخير. كيف كان تعاونك مع مؤلف الموسيقى جوران بروجوفيتش؟

* اننا ننتمي لنفس الجذور ونشترك في الكثير من وجهات النظر. كانت المشكلة الوحيدة التي واجهناها تتمثل في ادخال الألحان الحزينة وربطها في نفس الوقت بالموسيقى المرحة للغجر.

* لقد عقدت انت مقارنة بين تصوير هذا الفيلم وبين ادارة سيرك.. ماذا قصدت؟

* الفيلم أقرب الى مقطوعة موسيقية أو سيرك منه الى الأدب. ولكي نفهم ذلك علينا أن نشاهد فقط اعمال جاك تاتي أو جان فيغو.

* ما هو الطابع العام الذي كنت تحاول عادة اضفائه على مكان التصوير؟

* من المهم للغاية العمل في مناخ متجانس. ولتحقيق ذلك يجب اتاحة قسط كبير من الحرية للممثلين، لإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم. وأنا ايضا أتأكد من أن الكاميرا تتحرك بنفس الحرية في موقع التصوير. انني اسعى الى المزج بين الواقعية الجديدة وبين وطابع أفلام جان رينوار. لقد كان هذا أحد أهدافي الرئيسية في هذا الفيلم.

* أي مستقبل تأمل لبلدك؟

* آمل أن يعثر الناس على استخدام أفضل للقوة العاطفية التي تجعلهم يقتلون بعضهم البعض وأنهم سيعرفون كيف يحصلون على حلول. انني لست خبيرا في الشؤون اليوغسلافية. لدينا الكثير من هؤلاء الناس في الوطن. انني لا أرغب في الانغماس في هذا الصراع. أريد أن أحافظ على مسافة تسمح لي بأن أكون موضوعيا.

Visited 47 times, 1 visit(s) today