أسئلة في إشكالية الفلسفة في السينما

لقطة من فيلم "الختم السابع" لبرجمان لقطة من فيلم "الختم السابع" لبرجمان
Print Friendly, PDF & Email

مقدمة

يعرّف قاموس أكسفورد السينمائي الفلسفة بمعناها الواسع بأنها حب ودراسة وبحث ونُشدان المعرفة العملية والنظرية للأشياء ومسبباتها (العلاقات السببية) فواحد من أكثر أوجه الفلسفة شيوعاً نقدُ المُسلّمات، وهو تعريف واسع الانتشار. وللفلسفة فروعٌ متعددة أهمها الإبيستيمولوجيا (نظرية المعرفة) والميتافيزيقا (استقصاء العالم بأدوات المحاججة العقلانية) وعلم الأخلاق (الذي يبحث في أخلاقيات الإنسان وسلوكه). وغدا الفيلم والسينما مجالاً للاستقصاء في فروع الفلسفة، شأنه شأن علم الأخلاق والانطولوجيا (نظرية الوجود) وبشكل خاص علم الجمال والظاهراتية (فينومينولجيا). ومن أكثر الأسئلة أساسية، التي تطرحها الفلسفة على السينما: (كيف) يكون الفيلم فلسفياً (أن يكون مادة فلسفية)؟ وكيف يمكن الحديث عن الفلم فلسفياً؟

يلخص قاموس المفاهيم السينمائية المواضيع المختلفة، التي يُصنف فيها ما يمكن تسميته الفلسفة والسينما كالتالي:

فلسفة الفيلم:  تعتبر الوسيط الفيلمي أو الأفلام المنفردة موضوعا للتفكير الفلسفي وتستكشف المفاهيم والميزات والمواضيع الأساسية التي يتناولها وسيط الفيلم على سبيل المثال:

  • الفيلم كفن
  • فيلم علم الوجود
  • الفيلم والواقع
  • المكان والزمان في الفيلم السرد والتأليف في الفيلم
  • فلاسفة الأفلام: يتعامل فلاسفة الأفلام مع العلاقات المتعددة بين الفيلم والفلسفة.

السينما كفلسفة:  

تفترض أن التعابير السينمائية-الفلسفية لا يمكن إرجاعها إلى اللغة المكتوبة والمنطوقة كما هو الحال في الفلسفة التقليدية. وبالتالي تعتبر الأفلام على سبيل المثال. هي بمثابة شكل محدد من التجارب الفلسفية أو كتجارب فلسفية سينمائية.

  1. تفحص إلى أي مدى يمكن أن تكون الأفلام أو الوسيط الفيلمي نفسه تعبيراً عن الفكر الفلسفي
  2. تتوقف عند الأطروحة القائلة بأن الأفلام يمكن أن تعبر عن أفكار فلسفية حقيقية وتجدها موضع نقاش مثير للجدل.

الفلسفة من خلال الفيلم:

فتح بعض الفلاسفة، على الأقل، آفاقا جديدة على المشاكل والأسئلة الفلسفية.

  1. أطروحة التوضيح: يرتبط الحد الأدنى من الفلسفة والسينما بالعلاقة السابقة بأنها مناسبة لتوضيح وترويج المشاكل الفلسفية المعقدة. التي تم التطرق إليها في أفلام عديدة كمشكلة الشك في العالم الخارجي ومشكلة الهوية الشخصية والذكاء الصناعي مع ان تناول هذه المشاكل جاء في الأفلام كموضوع ثانوي.
  • أطروحة الإلهام): ويمكن أيضا أن توصف الأفلام كمصدر لإلهام فلسفي، يطرح وجهات نظر بديلة على المشاكل الفلسفية التقليدية – “أساليب جديدة، وجعل الشعور بالخبرة والمعرفة” (أندرسن 2003). وهكذا، فإن الوسائل السينمائية للتعبير مثل الفاصل الزمني، والحركة البطيئة، وتغيير المنظور (على سبيل المثال، صور الفضاء للأرض) أو استراتيجيات تجميع لا خطي يمكن أن تلهم التحقيقات الفلسفية في مفهوم الوقت أو المعرفة، دون أن تعتبر وسائل فلسفية حقيقية للتعبير.
  • إذا كانت “الفلسفة من خلال الأفلام” مبنية على افتراض أن الإلهام الفلسفي المكتسب من خلال الأفلام يمكن أن يصاغ في اللغة الفلسفية التقليدية 
  • تفترض “الفلسفة من خلال الأفلام” أن الإلهام الفلسفي المكتسب من خلال الأفلام يمكن صياغته بلغة فلسفية تقليدية وتعتبر الأفلام على سبيل المثال. كشكل محدد من التجارب الفلسفية أو كتجارب فلسفية سينمائية.

يمكن أن نميز بين هذه التيارات – حسب الناقد والمنظر الأمريكي فريدريك جيمسون- بين موقفين؛

الأول، اتخذ منها موقفًا سلبيًّا ناقدًا

والثاني، سعى لفهمها والبحث عما هو مشترك بينها وبين الفلسفة

في (يوم 9 مايو (أيار) من عام 2014) عقدت ندوة فكرية حول “الفلسفة والسينما”، نظمها مختبر الفلسفة والشأن العام، ومجموعة البحث في تحليل الخطاب، التابعين لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، بمقر مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم والإنسانية، وشارك في الندوة نقاد سينما وباحثون مختصون: محمد اشويكة ومحمد مزيان وعبد العلي معزوز وعبد اللطيف محفوظ وحمادي كيروم. ناقش كل منهم إشكالية العلاقة بين الفكر الفلسفي والسينما، وتحديد نقاط التقاطع والاختلاف بين المجالين، وبين مقاربة تلك التأملات الفلسفية، التي ركزت على السينما، خاصة أطروحات الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز الخاصة، الذي ركز فيها على أن السينما تهم الفيلسوف على أكثر من صعيد، وتحمل الإنسان على التفكير، وتتيح له فرصة فهمه لذاته، وابتكار أساليب جديدة للحياة.

وقد قام الباحث المتخصص في الفلسفة إدريس كثير بتحديد محاور التقاطع بين الفلسفة والسينما، والمشترك بين مجاليهما، معتبرا أن الفلسفة تعتمد على المفاهيم، التي تنهلها من العدم (الكاوس)، والسينما تعتمد على المدرك،

ويهمنا أن نقابل الأسئلة التي نوقشت في تلك الندوة كما لخصها سعيد شريف في موقع ينايري في 29 أيار 2014 وانحصرت في:

  • طبيعة وحدود علاقة الفلسفة بالسينما؟ وهل هده العلاقة هي علاقة وصل أم علاقة فصل؟
  • ما الذي تقدمه الفلسفة للسينما؟ وهل ما زالت السينما مرتبطة بالفلسفة لإنتاج مفاهيم معينة أم أنها احتفت بنفسها؟
  • هل ما زالت السينما تبحث عن كوجيطو خاص بها حسب الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز؟
  • كيف تفكر الفلسفة في السينما وكيف تفكر السينما في الفلسفة؟

بدوره يطرح محمد نور الدين افاية في دراسته عن “السينما موضوعا للفلسفة” أسئلة حول أوجه اللقاء بين السينما بوصفها صناعة وفنّاً، وبين الفلسفة باعتبارها ميداناً للمعرفة وإنتاجا المفاهيم:

  • هل يمكن الحديث عن “سينما فلسفية”، أو عن “فكر فلسفي” يتخذ من السينما موضوعاً له؟
  • إلى أي مدى يجوز القبول بقدرة السينما على التفلسف؟

أيضا ينشغل توماس إي وارتنينبيرج في دراسته عن السينما باعتبارها فلسفة ويبين أن الجدال الفلسفي تصاعد ويتصاعد بشكل حاد، حول مدى قدرة الأفلام بشكل أصيل على الانشغال بالفلسفة أو أن تتفلسف بالفعل أو على الأقل تتناول قضية فلسفية ما . وان الأفلام حسب جملة محملة بالمعاني لستيفن مولهول هي “فلسفة في حركة” ويطرح أسئلة عديد ذات العلاقة بمجموعة أفلام متنوعة الأنماط في فترات تاريخية تستحق تحتاج إلى اهتمام فلاسفة، كما ان الأفلام أصبحت تصنع بشكل متزايد بمضمن فلسفي: ولعل سؤاله الأهم هو حول الوسيط السينمائي إن كان مؤهلا لتقديم الأفكار الفلسفية؟   خصوصا وأن المعارضين لأطروحة السينما باعتباره فلسفة ينطلقون من أن هناك عقبات حقيقية أمام الوسيط السينمائي الفني لكي يُقوَم بالفلسفة.

بالمقابل ما الذي يجعل من قضية ما قضية فلسفية؟

هناك أسئلة أساسية تحاول الفلسفة تقليديا ان تجيب عنها: كيف تصبح المعرفة ممكنة وما هو الحقيقي وما هو الأخلاقي وبشكل عام فان الفلسفة تتسم بالبحث والكشف عن الحقائق العامة وان الفلسفة موجودة بشكل عام في نصوص مكتوبة ومؤلفة من جمل على النقيض من الأفلام الروائية التي تسرد حكاياتها في صور.

منذ أوائل القرن العشرين افتتح جملة من كبار نقاد السينما، الذين كانوا من ذوي اختصاصات مختلفة، آفاقا جديدة أمام المشاكل والأسئلة الفنية/ الجمالية من خلال الفيلم، وكانوا يرجعون إلى الفلسفة في محاولة فهم الطبيعة المميزة للسينما وخواصها الفريدة. وتم تأسيس ما سمي تاريخيا “نظرية السينما” وهي نظرية تتناول تاريخيا أسئلة فنية / جمالية وحتى تقنية المفاهيم والخواص والمواضيع الأساسية المتعلقة بالسينما. وهكذا أنصبَّ التفكير بشكل رئيسي على طبيعة الوسيط (ما هي السينما؟) وحالة السينما كشكل مستقل للفن (هل الفيلم فن؟) إضافة ألي أبحاث ودراسات حول جمالية الفيلم ومنذ ظهور دراسات في نظرية السينما كفرع قائم بذاته، قدم الفيلسوف الأمريكي ستانلي كافيل مساهمات جديدة في الدراسات الفلسفية للسينما، ضمت عدداً من الكتب والمقالات، بدأها بكتاب “العالم منظوراً” 1971. وطرح أسئلة جوهرية: ما هي السينما؟ كيف يصور الفيلمُ العالمَ؟

عند ظهور كتاب (فلسفة الفيلم) في المانيا عام 2005 قدم فيه المُعد ديميتري ليبش المحطات النموذجية لخصائص الوسيط السينمائي:

1. ما هي السينما ؟

2. وهل السينما فن؟

3. وكيف يتم الاستقبال/ التلقي في السينما ؟  وكيف تعبر الأفلام عن مجال الإدراك والمعرفة، الأخلاق والعاطفة؟

4. كيف تسرد الأفلام؟ وهل من مؤلف يسردها؟

5. ما هو الفرق بين الأفلام الروائية الخيالية والأفلام الوثائقية؟

6. كيف علينا أن نحلل الأفلام ونقومها؟

7. كيف تنشأ نظريات السينما؟

ينجز دولوز في مؤلفي “الصورة- الحركة” و”الصورة- الزمن” معالجة شاملة للفن السابع منذ جذوره، (جيل دولوز: تفكير الفلسفة في السينما- الحوار المتمدن. د. سمير الزغبي) وبهذا المعنى تحوز مسألة السينما منزلة خاصة ضمن مدوّنة دولوز. وهكذا يكون المشروع جديدا، أو هو على الأقلّ يطرح بصفة خاصة إشكالية تتمثل في مستوى مفاهيم السينما التي لا تنبع من السينما ورغم ذلك هي مفاهيم للسينما.

يقول دولوز صراحة في افتتاحية المؤلف الأوّل المخصّص لمسألة السينما بأنّ منظّري السينما لا تتمّ مناظرتهم بالرسّامين أو المعماريين أو الموسيقيين فحسب وإنّما يتمّ النظر إليهم كمفكّرين، فهم يفكّرون وفقا “للصورة- الحركة” و”الصورة – الزمن” لا وفقا للمفهوم هكذا تتخلّى الفلسفة عن صورتها القديمة فيما يتّصل بعلاقتها بالفن وبالخصوص بالسينما حيث تصبح العلاقة بين الفيلسوف والسينمائي علاقة عضوية و يصبح الفيلسوف لا يتحرّج من تصنيف أفكاره ومفاهيمه ضمن سجلاّت الإبداع الفنّي.

Visited 22 times, 1 visit(s) today