عودة إلى “سارق الدراجة” لدي سيكا

Print Friendly, PDF & Email

ترجمة: المهدي شبو

 حين ظهر فيلم “سارق الدراجة” في العام 1948، كان الايطاليون قد تحرروا منذ 25 أبريل 1945 من الاحتلال الألماني كما تخلصوا من النظام الفاشي، لكنهم كانوا يطمحون في ظل البطالة والعوز والتضخم الذي ارتفع إلى عنان السماء، إلى تغييرات سياسية واجتماعية عميقة.

استقبل الفيلم بحفاوة من قبل الجمهور في إيطاليا أولا ثم في جميع أنحاء العالم، ونال تنويها خاصا من الأكاديمية الأمريكية للسينما في زمن لم تكن فيه هوليوود تمنح بعد جائزة لأفضل فيلم أجنبي.

أغرت بساطة القصة العديد من معلقي الأمس واليوم: رجل عاطل، وأب لطفلين، يخرج مع ابنه بحثا عن دراجته – أداة عمله – التي سرقت أمام عينيه، في روما ما بعد الحرب مباشرة …

ينتمي سارق الدراجة إلى اتجاه سينمائي ظهر في إيطاليا بعيد نهاية الفاشية، هو “الواقعية الجديدة” المصطلح الذي عرفت به تلك الأفلام المسكونة بهاجس تقديم شهادتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلد.

يُنظر إلى هذه الحركة الثقافية التي لا تشكل مدرسة بالمعنى الدقيق للكلمة، باعتبارها قطيعة حقيقية على الصعيدين الايديولوجي والجمالي، فقد دفعت أهوال الحرب المخرجين إلى كشف البؤس المحيط بهم وتركيز نظرهم على الأشخاص العاديين.

وقت خروج الفيلم، اعتبر اندريه بازان أحد مؤسسي مجلة “دفاتر السينما” في مقال نشره في مجلة ” روح ” في عددها الصادر في نوفمبر 1949 بأن ” من المؤكد بأن سارق الدراجة هو الفيلم الشيوعي الحقيقي منذ عشر سنوات؛ فحتى لو تجاهلنا مضمونه الاجتماعي، فإنه يحافظ على وجه التحديد على معنى محدد، فبساطة أطروحته القائمة على أن الفقراء ولكي يعيشوا يجب أن يسرق بعضهم البعض لم يسبق لها أن طرحت على هذا النحو، طيلة الفيلم تميز تسلسل الأحداث بمصداقية سواء على مستوى الدقة والسرد “لقد أعجب الناقد الفرنسي بما أسماه “الايهام الجمالي المثالي بالواقع” في هذا “الفيلم – الشهادة”.

بالنسبة لمعلقين آخرين، لا يعتبر سارق الدراجة نقدا اجتماعيا بقدر ما هو ميلودراما بمشاهد نهائية جد مؤثرة: بعد محاولة سرقة غير موفقة، يبتعد البطل رفقة ابنه الذي يضع يده في يد والده وهو غارق في دموعه، حيث يبدوان في المشهد الختامي يمشيان مدفوعين بتدفق حشود صاخبة.

في فيلم “سارق الدراجة”، كما في جميع أفلام الواقعية الجديدة في تلك الفترة، لم تقع أية إلى إشارة إلى الماضي القريب الذي تميز بتعاون جزء كبير من الطبقات المتوسطة والطبقة العاملة مع النظام الفاشي، أفلا تشكل رغبة المخرج وكاتب السيناريو في تقديم الجدة كما ذهب إلى ذلك المؤرخ شلومو ساند في كتابه “القرن العشرين على الشاشة” وسيلة لمحو الماضي؟

  • أستاذ بجامعة شارل دوغول ليل 3
  • عن سلسلة طريقة للرؤية رقم 88 “لوموند ديبلوماتيك”- عدد خاص عن السينما الملتزمة أغسطس – سبتمبر 2006 ص 10.
Visited 158 times, 1 visit(s) today