هل كان فيلم العزيمة فيلما عن الصراع الطبقي؟

من الجائز أن نلمح في فيلم العزيمة (1939) ملامح من الصراع الطبقي في المجتمع المصري في ذلك الوقت، فعلى مستوى الصورة نجد أن رائد الواقعية المخرج كمال سليم تجول بكاميرته – في اول مشهد بالفيلم – في أنحاء الحارة التي وقعت فيها أحداث القصة ثم انتقل بالمونتاج إلى عمارة فاخرة في أحد شوارع القاهرة، وكأنه بهذا الإنتقال بين متناقضين  يريد ان يرمز إلى التفاوت الطبقي من خلال دلالة الصورة السينمائية.



أما على مستوى القصة فنجد سخرية أبناء الطبقة الأرستقرطية مثل شوكت (عبد السلام النابلسي) وزملاؤه الذين يضيعون أموال آبائهم في الملاهي والقمار من محمد ( حسين صدقي) ومن حصوله على الدبلوم رغم فقره وانتمائه إلى الطبقة المتوسطة، إلا أن هذه السخرية أو الكراهية لم تأخذ خطا رئيسيا في الفيلم، بل تطرقت إليها القصة بشكل ثانوي لا يؤثر كثيرا على القصة.



لذلك فإن الفيلم في تقديري لم يستبطن الصراع الطبقي بشكل واضح قوي، فلم يحلل الواقع الإجتماعي مثلا من منظور ماركسي يرى أن الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، ولم يصورالتفاوت والصراع الطبقي بشكل حاد و راديكالي كما في فيلم (الأرض) على سبيل المثال، ربما يكون مؤلفا فيلم العزيمة قد إطلعا على نظرية الصراع الإجتماعي (وهى متأثرة بالنظرية الماركسية) التي تنظرإلى الواقع الإجتماعي من خلال رؤية أوسع من الرؤية الطبقية، فإلى جانب الصراع الطبقي يوجد الصراع السياسي، أو صراع الأجيال، أو صراع المدينة والريف (الذي جسده شكري سرحان في فيلم شباب إمرأة)، أو الصراع الديني، وغيره من أشكال الصراع التي شهدها التاريخ.



تستطيع نظرية الصراع الإجتماعي أن تفسر لنا الفيلم بشكل أدق وأفضل من من التفسير الطبقي، فأنور وجدي (عدلي) لم يكن خصما طبقيا لمحمد، بل كان شابا لاهيا عابثا خذل محمد بإهماله وعدم جديته، ولم يخذله عن قصد وعداوة، بل إنه إستقام ورجع عن لهوه وحقق لمحمد أمنيته في إنشاء مكتب الإستيراد و التصدير، بل أقنعه بإعادة زوجته بعد تطليقها وساعده في إسترجاعها من المعلم العتر، كما أن تعيين محمد في شركة المقاولات كان بتوصية من نزيه باشا (زكي رستم) والد عدلي الثري الغاضب على تصرفات إبنه، والذي كان يرى في محمد – على الرغم من فقره – مثالا وقدوة لإبنه الضائع.



أما صراع محمد مع العتر فقد كان في جانب منه طبقيا، غير أن الصراع في جوهره كان صراعا إجتماعيا بين العلم والجهل، بين قوة الحق وسطوة وغرور الباطل.



كان الخصم الحقيقي لمحمد هو الظروف (ضياع الملف) التي أدت إلى طرده من شركة المقاولات ، وإضطرته للعمل في إحدى محلات القماش، لتراه زوجته (بتحريض من المعلم العتر) فتظن أنه كان يخدعها وتطلب الطلاق، بمعني أنه لولا خصومة القدر ( وليس الخصومة الطبقية) التي أدت إلى طرده من شركة المقاولات ما كان حدث الشقاق بين محمد وزوجته وتعكرت حياته، وماحاول العتر خصمه الإجتماعي والأخلاقي انتزاعها منه.



وبهذا نرى أن فيلم العزيمة رغم سبقه في الواقعية وتعبيره عن شباب الطبقة المتوسطة الذين مثلهم حسين صدقي وظروفهم وأحوالهم الإجتماعية والإقتصادية، ورغم تمثيله للحارة المصرية وقتها إلا أنه لم يرغب في تجذير قضية الصراع الطبقي داخل بنية الفيلم الفنية وحاول عرضها بشكل جانبي متصالح مع روح مجتمعه الذي لم يكن منزعجا في ذلك الوقت من التفاوت الطبقي بقدر إنزعاجه وغضبه من الإحتلال الإنجليزي الذي كان حينها قضية الشعب المصري الأولى.

Visited 135 times, 1 visit(s) today