قراءة في كتاب “السينما المصرية في رمضان” لناصر عراق

صدر كتاب “السينما المصرية في رمضان” عن دار أخبار اليوم. والكتاب من تأليف الكاتب والروائي ناصر عراق. وناصر عراق روائي متميز يحب السينما والكتابة عنها سواء بشكل مباشر كما حدث في كتابه (السينما المصرية …50 عاما من الفرجة)، أو بشكل غير مباشر، في روايته العاطل عندما تبادل أبطال الرواية في جزء منها، الحديث عن السينما المصرية القديمة ومحمد عبد الوهاب.

يحلل الكتاب العلاقة بين السينما المصرية ورمضان من خلال رصد الأفلام المصرية التي عرضت في رمضان خلال ثلاثين عاما، وتحديدا في الفترة ما بين 1940 و1969.

ولعل النقطة المحورية التي تتضح من خلال قراءة الكاتب الدقيقة لهذه الفترة، هي مدى السماحة التي يتمتع بها المشاهد المصري في هذه الفترة، هذه السماحة جعلته يتلقى الأعمال السينمائية ويقبل على مشاهدتها في دور العرض السينمائي في شهر رمضان. ويوضح الكتاب، كيف كان المشاهد في هذه الفترة يتمتع بدرجة عالية من الوعي الثقافي جعلته قادر على التفرقة بين التمثيل والحقيقة، لذلك لم يجد المشاهد غضاضة في مشاهدة أعمال سينمائية تحتوي على استعراضات ومشاهد غرامية، فلم تكن ثقافة التحريم تغلغلت في حياة المجتمع المصري على حد قول الكاتب.

ويتمتع ناصر عراق بعقلية نقدية، لذلك لم يقع في فخ النوستالجيا العمياء التي تنظر إلي الماضي نظرة وردية، بل على العكس، رصد سلبيات السينما في هذه الفترة ومنها غلبة الطابع المحافظ على هذه الفترة وعدم التطرق إلي المواضيع السياسية وتفضيل مواضيع خفيفة لتسلية المشاهد والهاءه عن واقعه السياسي والاجتماعي الملتهب.

ففي الفترة ما بين 1940 و1969 شهدت مصر العديد من الأحداث السياسية الكبرى كتزايد وتيرة الحرب العالمية الثانية، وحرب 1948 وحركة يوليو 1952 والعدوان الثلاثي، ونكسة 1967. لكن خلال هذه الفترة، كانت استجابة السينما المصرية لهذه الأحداث السياسية بطيئة، فالسينما المصرية كما بينها الكتاب صناعة تراقب بحذر هذه الأحداث وتترقب فترات الاستقرار لكي تعرض مواضيع مسلية بعيدة عما يدور على أرض الواقع. فعلى حد تعبير ناصر عراق “بعد الحروب والثورات تصيب الفن عادة لعنة التفاهة والابتذال، أو تغرق السينما في بئر الميلودراما والفواجع. لماذا؟ لأن الإنسان في تلك الفترة الفوارة يشم رائحة الدم في الفضاء، ويرى الموت أقرب إليه من حبل الوريد، فيهون كل شيء، وتغدو الحاجة إلي الترويح ضرورة ملحة، ولا يوجد أمضى من الفن قادر على الاستجابة لرغبة الناس في التخفف من ضغط الظروف الاجتماعية”.

ولعل طرح ناصر عراق، يثير في الذهن سؤال مهم: لماذا لم يحدث ذلك في الدول الأخرى؟ فعلى سبيل المثال، بعد خروج ايطاليا من الفاشية انتج صناع السينما أفلام شديدة التميز عرفت بالواقعية الإيطالية وكانت هذه الأفلام على علاقة مباشرة بواقعها السياسي والاجتماعي.

على أيه حال لا يوجد في هذه الفترة تفاعل مع الشأن السياسي العام سوى استثناءات بسيطة كفيلم  فتاة من فلسطين (انتاج 1948) للمخرج محمود ذو الفقار، الذي تناول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويرى ناصر عراق أن الاستجابة السريعة سببها  أن القضية خارج مصر ولا تنتقد السياسة الداخلية للملك فاروق لذلك تم اجازتها. ومن هذه الاستثناءات فيلم بورسعيد (عرض في 1957) والذي عرض بمباركة عبد الناصر وذلك على حد قول منتج الفيلم فريد شوقي.

ويوضح الكاتب تراجع الانتاج السينمائي مع مطلع الستينات ويرجع ذلك إلي ثلاثة عوامل:

انتشار التلفزيون، وهجرة العاملين الأجانب، النهوض المسرحي.

ولنا مع النهوض المسرحي وقفة، ففي الستينات كان المسرح المصري في أوج ازدهاره، وكان صناع المسرح يتفاعلون مع قضايا المجتمع ومشاكله، وذلك على العكس من السينما. يوضح الكتاب كل ذلك لكنه لا يقول ما السبب في ذلك؟ هل كان صناع المسرح في مصر على درجة من الوعي والثقافة لا يملكها صناع السينما؟ هل أحكمت الدولة قبضتها على صناعة السينما لتأثيرها الواسع، وجعلت هامش نسبي  من الحرية في المسرح؟ لا يقدم الكتاب إجابة على ذلك ولا نملكها نحن بالطبع، لكننا نضيف إلي هذا الكلام، أن الكاتب المسرحي نعمان عاشور فطن إلي الواقع المتردي للسينما المصرية وانتقد في مسرحيته (سيما أونطة) طغيان التفاهة والسطحية على مواضيع السينما المصرية، ولقد اثارت هذه المسرحية ردود أفعال غاضبة من قبل صناع السينما، فاتهموا نعمان عاشور بالغيرة والحقد، ولقد ذكر هذه الواقعة في سيرته الذاتية (المسرح حياتي).

بشكل عام، كتاب السينما المصرية في رمضان، كتاب مهم ومكتوب بلغة بسيطة، والأسئلة التي يثيرها قراءة هذا الكتاب، أكثر من الأجوبة التي يقدمها، وذلك حال الكتاب الجيد.

Visited 41 times, 1 visit(s) today