صهينة المشروع السينمائي المغربي

لقطة من فيلم "عين النساء" لقطة من فيلم "عين النساء"
Print Friendly, PDF & Email

يستحق مدير المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل وسامي شرف تقديرا لتفوقه فيما عجز عن فعله الجميع: الأول يتمثل في تفكيكه المشروع السينمائي المغربي بملء الفراغ بالسيناريوهات التي لا تقدم أية رسالة إنسانية وتقتصر في غالبيتها على الإثارة المكشوفة والإباحية وتعميم السطحية والابتذال ومحاكاة الحس بدل العقل، والثاني اتقانه لدور خلق التناقضات عبر مجموعة من الأنماط السلوكية والتفاعلات المرضية التي تتميز بالقصور أو ضيق الرؤى، لافتعال “حالة وجدانية” تتسم بالإحباط والاستسلام لصهينة المشروع السينمائي المغربي.

فطوبى للجفن الذي يعلم الغزل وعلى القمر أن يتوارى للوجه الذي يريد أن يخرج من “تصنيف الوطنيات الضيقة” إلى عالم “الأممية” والنجومية ولو جبنا وذلا وخنوعا.

ومأساتنا تكمن في عدم إخضاع الذات المحبطة القابلة للاستسلام بسهولة، للتحليل والعلاج النفسي حتى ينكشف أمرها، أو تلك التي تمتلك الاستعداد للتحول إلى نفايات من اجل المصالح الخاصة على حساب القيم الأخلاقية.وإذا كانت المراهقة هي أصعب دورة في حياة الإنسان وأهمها من حيث النمو النفسي والرشد داخل المجتمع فان بعض مسؤولينا عن القطاع السينمائي بالمغرب يعانون من هذه الأزمة النفسية في سن متقدمة تستفحل مع بداية الشيخوخة.

وهذه الأزمة النفسية يتسبب فيها  إخفاق الإنسان في شبابه في تنمية هوية شخصية بسبب أثر البيئة في التنشئة التي غالبا ما تكون ذات طابع قاس أو الظروف الاجتماعية (الغرور وانتفاخ الذات) أو الثقافية (تضارب ثقافتين منفصلتين عن بعضهما بشكل واضح). وأزمة الهوية كثيرًا ما تتأثر بعجز الإنسان عن تحقيق الهدف بأقصر طريق ممكن. فيتولد عن ذلك التضخم والإحساس بالتفوق الثقافي والسلوكي والفكري تعاظم فكرة احتقار بني الجلدة. ومثل هذا الشخص يعاني عادة شعورا بالدونية والانكسار لكنه غير قادر على البوح به بقدر ما نتحسس ذلك في الانحراف الأخلاقي والسلوكي.

ولا عجب في أنه خلال هذه المدة التي يقاسي فيها الكثير من الألم النفسي تُعزز في داخله إلحاح الحاجة للإنجاز لإثبات “التجانس” (بمفهومه العريض) لضمان تحقيق الرغبة التي تؤثر بشكل رئيس على تشكيل هذه الشخصية. وهذا بالضبط ما حصل مع المركز السينمائي المغربي عندما تبنى فيلما صهيونيا تحت اسم “عين النساء” ليمثل المغرب في مهرجان “كان” السينمائي الفرنسي ويمثل قمة احتقار الشعب المغربي.

مسيرة حافلة بالنفاق والكذبوكما بينا في مقالة سابقة فان مخرج فيلم “عين النساء” الإسرائيلي “رادو ميهايليانو” كذاب محتال سرق عمل المخرج الألماني “فيت هلمر” ونسبه إليه بالقول انه استمع لهذه القصة بنفسه (لا يقول لنا أين) وقرر كتابتها بالفرنسية (هو الذي لا يجيد حتى التكلم باللغة الفرنسية). وبعد تداول مقالتنا التي فضحنا فيها سرقة هذا المخرج الإسرائيلي لفيلم Absurdistan  الألماني غيّر قصته ليقول إن سيناريو الفيلم حدث واقعي حصل في تركيا قبل عشرة سنوات (كما أتبتنا ذلك). واهم ما ركزنا عليه في مقالتنا هو الكذب الذي يطبع مزاج هذا المخرج الإسرائيلي كما اعترف طوعا من خلال حواره لإحدى الصحف الالكترونية الرومانية.

وإذا اعترف بنفسه انه كذاب (انفصام الشخصية) لماذا نفتخر به نحن في المغرب حتى يمثلنا في مهرجان “كان” بفيلم يجلب علينا العار؟ كيف يعقل أن تستغيث السينما المغربية بفيلم صهيوني إسرائيلي يأخذنا في رحلة مجانية لتشويه صورة نساء ورجال المغرب ب”كليشيهات” كاذبة وحوار مفتري؟ أليس الفيلم مساسا بشخصية الرجل والمرأة من حيث  القيم وأنماط السلوك؟ أليس هدف الفيلم التعميم والتجريد للنيل من كرامة الشعب المغربي والعربي على السواء؟ وماذا حصل للأفلام 19 المغربية التي يدعي مدير المركز السينمائي المغربي انه أنتجها في السنة الفارطة، أليس بينها فيلم واحد يستحق تمثيل المغرب في مهرجان “كان” أم أنها كلها تافهة ولا ترقى إلى مستوى النضج  والاهتمام؟ 

مخرج “عين الساء” وأبطال الفيلم في مهرجان كان

نحن لا ندعي هنا أن شخصية الرجل المغربي، التي يسيء إليها هذا المخرج الإسرائيلي وينعتها بالانحطاط على المستوى الآدمي، نموذجية أو نزعم أن وضع المرأة في القرى المغربية أو حتى داخل المدن بخير. ولا يسعنا إلا أن نعتز بأي فيلم يلقي الضوء على معاناة وظلم وقهر المرأة المغربية وبطش الرجل مهما كانت جنسيته شريطة الموضوعية. والموضوعية هي بالضبط ما يفتقر إليها فيلم “عين النساء”.وهذا الفيلم في نهاية المطاف ما هو إلا صورة نمطية وإشاعة حقيرة في صناعة الكراهية يراد منها تضليل الرأي العام العالمي. انه تطاول بخسة على الرجل المغربي الذي صوره الفيلم كوحش همجي مهووس بالجنس لا يستطيع مقاومته أو الانجرار إلى ممارسته.

فشرف الرجل المغربي (الفيلم يعمم ذلك على الرجل العربي) حسب هذا المخرج يكمن في أداءه الجنسي وإهانته للمرأة التي يجب أن تكون رهن إشارته دون كلل أو ملل. كما أن الزوجة العربية (وهذا قمة الاحتقار للنساء العربيات)، تتمثل مهمتها في خدمة الرجل وطاعته. ويتعامل معها زوجها كأنها خادمة غير مأجورة ويلوح أمامها دائما بشبح الطلاق أو تهديدها بالزواج من امرأة ثانية. وبناء عليه، وجب عليها أن ترعاه بشكل أفضل وتعيره اهتماما خاصا يصل إلى إرساء مبدأ التدليل وفقا للتقاليد والموروث السلبي المتبع في إشباع حاجة الزوج وإدخال السرور إلى قلبه.إن نفاق المخرج الكامن وراء هذا التفاوت غير عصي على الفهم والإدراك. فهو يستهدف التقاليد والأعراف العربية بغطاء كيدي طبقا للنظرة الغربية المتأصلة التي ترى أن واحدا من الأسباب الذي أدى إلى اضطهاد النساء في العالم العربي هو الدين.

فالدين الإسلامي هو المستهدف من طرف بعض المشلولين فكريا، الذين اكتشفوا في غفلة من الزمن، أن قيمة المرأة الاجتماعية في الإسلام لا تتعدى قائمة البضائع والسلع الكمالية التي يمتلكها الرجل. ومع ذلك يدعي المخرج أن همه أن يساهم في “ربيع العرب” بتحريك القضية النسوية للنظر بعين الرأفة لما يحصل للنساء العربيات من بطش واضطهاد واستغلال ويقترح علينا تأمل المكان المتدني للمرأة في العالم العربي، ولهذا السبب يريد تحريرها من سجن التقاليد ليتسنى لها المشي مرفوعة الرأس. وللأمانة والتاريخ، فالمخرج هو من شتم واحتقر النساء المغربيات بتجسيدهن بطريقة كاريكاتورية.

 إن العمى أو التعامي لا يلغي حقائق الأكاذيب الساذجة. ولو تحلى هذا المخرج بذرة احترام للنفس لأجابنا على هذه الأسئلة: هل حرك واقع النساء المرير وتردي أوضاع حقوق المرأة في فلسطين أي ساكن فيه عندما كان جنديا في إسرائيل أم إن عينه تدمع لبعض النساء وقلبه لا يرتجف للفلسطينيات؟

من الذي يعاني ويلات الحصار ويفتقد أبسط الحقوق: نساء المغرب أم نساء غزة؟  لماذا ارتأى المخرج السفر بعيدا من إسرائيل إلى المغرب ليعثر على قصة (مسروقة) تحكي وضع نساء عربيات تتعرضن للظلم والإهانة ليصورها؟ ألا يكفي ظلم وقهر واستفزاز النساء الفلسطينيات لإنتاج فيلم عن التمييز الاجتماعي والقهر الاقتصادي والقمع السياسي والثقافي والعنصري والعنف الإسرائيلي الوحشي ضد المرأة الفلسطينية من طرف المحتلين الصهاينة؟ لماذا يريد المخرج المساهمة في “ربيع العرب” برفع القيود عن النساء العربيات البعيدات عنه بآلاف الأميال ويتقبل حصار وعنف وقهر وظلم نساء فلسطين من طرف الاحتلال الإسرائيلي برا وبحرا وسماء ولا يسمح لهن حتى بالحصول على الدواء؟ 

“عين النساء” الاسرائيلي الفرنسي

لو أنجز المخرج فيلما عن مأساة نساء فلسطين الحالية وتحلى بالجرأة الإنسانية واستضاف إلى بساط مهرجان “كان” بعض الممثلات  الفلسطينيات لكان ساهم حقا في “ربيع العرب” بفضح حصار قطاع غزة اللاإنساني من طرف نازية القرن الواحد والعشرين التي تمنع نساء فلسطين ليس فقط من الوصول إلى الماء بل حتى من الوصول إلى المستشفيات. لكنه على العكس قرر أن  يسيء إلى نساء تلك القرية النائية في المغرب عندما صورهن على شكل “كراكيز” متحركة، وأساء إليهن مرة ثانية عندما احضر بعضهن إلى “كان” ليتحولن إلى “إكسسوارات” لتزيين المظهر الخارجي لبناية المهرجان يلتقط لهن الجمهور المصطف الصور التذكارية لإلصاقها على جدران مساكنهم والتفرج عليهن.

أما نساء فلسطين فلسن بشرا على الإطلاق ولا يستحقن العيش كما تقول الصهيونية المغتصبة للأرض ولسن مؤهلات لفيلم ولو من صنف “سينما الخداع” كما صنفتها إحدى الصحف الرومانية وهي تتحدث عن أعمال هذا المخرج الإسرائيلي.وفي انتظار اعتراف الاحتلال الصهيوني بآدمية نساء فلسطين نتوسل من السيد مدير المركز السينمائي المغربي نورالدين الصايل (حفظه الله من عين الحسود)، عندما يلتصق بالمخرج الصهيوني بالعناق والقبلات والوفاق، وبعد الالتزام بأدبيات المجاملة وتقديم الشكر والاعتزاز، أن يسأله هذه الأسئلة نيابة عنا (بعد اختلاس النظر للتأكد من عدم تسلل كلامه إلى شخص آخر): أنت تعرف جيدا انه لا تهمني إساءتك لكرامة النساء المغربيات لكن أخبرني صراحة، من باب الفضول دون معاتبة:

كم قتلت من النساء الفلسطينيات عندما كنت جنديا في إسرائيل؟ وكم هدمت من المنازل على رؤوس النساء والأطفال الصغار والشيوخ العجزة؟ وكم من النساء الحوامل منعت من اجتياز حواجز التفتيش الصهيونية اللامتناهية للذهاب إلى المستشفيات وأجهضن حملهن ومعه آمالهن على جانب الطريق؟ (البصبصة لا تتوقف والأسئلة تتواصل) متى ستصور فيلما عن ظروف نساء فلسطين القاسية، ومعاناتهن اليومية وما يتعرضن له من قمع وعنف وضغط نفسي بروح عادلة ونزيهة وخالية من الاستفزاز والاستخفاف بثقافة الآخر؟ وأخيرا هذا السؤال، مع الاحتراز والترقب: ألا تخجل من نفسك؟

Visited 28 times, 1 visit(s) today