عقار العنف بين البعد العلاجي والبعد السلطوي في فيلم “عقيدة قاتل”
من خلال ثورة التكنولوجيا التي فتحت الطريق للذكريات الوراثية وشقّت سبيلًا لها، كال لينش (مايكل فاسبندر) يختبر مغامرات جدّه “أغيلار” خلال القرن الخامس عشر في إسبانيا، ليكتشف “كال” خلال تجربته تلك أنه ينحدر من طبقات مجتمع سري غامض تدعى “الأساسنز”، كانت تعمل على حماية “تفاحة عدن” من حراس المعبد؛ هذه التفاحة التي تحتوي على شفر وراثية القصد منها التحكم في الإرادة الحرة للبشرية.
إن فيلم “عقيدة قاتل” Assassin’s Creed الذي نحن بصدد الخوض في تفاصيله، يتناول مجموعة من القضايا التي تهم الإنسان المستقبلي، إلا أن طبيعة المعالجة من داخل المتن الفيلمي للمخرج جاستين كورزل لم تكن بالدقة التي كنا نرجوها، بحيث يلاحظ نوع من الشتات الموضوعاتي، لدرجة وأنك تتابع المقطع تلو الآخر، تتساءل عن طبيعة الرسالة المراد إدراجها للمتلقي عبر لغة الصورة، غير توابل الإبهار البصري الذي يزاوج فيها المخرج بين عدة تقنيات تعتمد أساليب العوالم الافتراضية.
وبما أن الفيلم هو الرسالة، حاولت ما أمكن أن استل بعض الرسائل المشفرة بلغة السينما حتى وإن تم المرور عليها مرورا ليس بالكريم، وليس أيضا بالاعتباطي أو العشوائي، من منطلق أن الصورة بشكل عام، وخاصة في الغرب لا مجال فيها للمجانية، وتوفّقت إلى حد ما إلى أن تكون قضيتني المتناولة من عمق ما تناوله النص الفيلمي، التالي:
“طالما هناك حرية يبقى الخطر حاضرا”
تبدو هذه الجملة مناسبة لتأسيس رؤية عن ما يريد الفيلم إيصاله للمتلقي المفترض، خصوصا وأنها تأتي من شخصية مجرّبة من داخل أحداث الفيلم “ريكن”وتحتل منصبا مُهما ومرموقا من داخل المجتمع، بمعنى أنها تتحدث باسم السلطة والنفوذ والتحكم باعتبار هذه الآلية الأخيرة (أقصد التحكم) رؤية لمستقبل بدون معارضة محتملة، مستقبل يحيا بسلطة مطلقة تحتكرها فئة محدودة من داخل المجتمع البشري. بحيث تغدو “تفاحة عدن” المبحوث عنها هي المفتاح والحل لهذا التحكم وهذه السلطة المطلقة حسب ما ساقه المخرج في أحداث فيلمه؛ إذ يعتقد بأن استرجاعها يمكّن من امتلاك جل الطرق الوراثية المؤدية إلى غرائز البشر.
من شأن هذا هدم أي دافع نحو الاستقلال أو المقاومة أو التمرد أو أي ميل فطري قد يُعرقل مسيرة هذا التحكم الجديد باسم الدين الكنسي. بما معناه أن حيازة “تفاحة عدن” هاته هي حيازة للسلطة واستصال تام وكلي للإرادة الحرة للبشر، لصالح حكام الدين. وما تجنيد مايكل فاسبندر لتتبع آثر “تفاحة عدن” التي اختفى أثرها بالأندلس عام 1429، إلا سعي لتكوين مجتمع من الآليين خدّام للأوامر، خاصة وأن الفرصة مواتية إلى ذلك بما أن الناس في هذا العصر – زمن الفيلم- ما عادوا يبالون بحرياتهم المدنية، بقدر ما يبالون بمستوى عيش حياتهم؛ وهذا ما أكده أب العالمة “صوفيا” الذي قال: العالم الحديث أمسى لديه مفاهيم تتخطى أمور كالحرية، فهم لا يمانعون الانسياق والإذعان…فلقرون طوال كنا نحاول دحض مثل هذه المفاهيم بالدين وبالسياسة والآن بالنزعة الاستهلاكية، بغية إقصاء فصيل المعارضة لديهم، ونعتقد –دائما حسب قوله- أن الوقت قد حان لنعطي العلم فرصة لتحقيق هذا التطلع.
إن الفيلم وإن كانت لمثل هذه القضايا ضبابية بحكم عدم التفصيل فيها، والخروج بنتيجة معقولة إلا أنه استطاع أن يُخرج ما يَعتمل المخرج من مخاوف، بشأن مصير الجنس البشري في ظل سلطة مطلقة تحتكرها؛ فئات لا تؤمن بالاختلاف والتنوع والحريات بقدر ما تؤمن بالسيطرة. إنها رؤية مأساوية سوداوية يحملها الفيلم عن المستقبل، رؤية بطابع غرائبي يمزج بين الواقع والمتخيل عبر توظيف تقنيات ألعاب الفيديو، أنها مُغامرة سينمائية تريد فيما تريده أن تميط اللثام عن المسكوت صناعة لا سلطة مستقبلا.
“العنف هو ما يبقيني على قيد الحياة”
لا جدال في أن العالم في عصرنا الحالي يعاني من جملة من الاختلالات، وذلك على مرآى ومسمع من الجميع، لدرجة غدا هناك إجماع على أن إنسان اليوم أضحى يهدد نفسه بنفسه بسبب نزوعه للعنف الغير مبرر، والدليل ما أدرجه الفيلم من ميولات عنيفة للبطل “كال” المتهم بعدة جرائم قتل أدت به إلى غرفة الإعدام، قبل أن يتم إنقاذه من قبل المؤسسة الغامضة “Abstergo” ووضعه في مركز لإعادة التأهيل حدا من عنفه الذي أضاع حياته، وحياة كثيرين من الناس؛ غير أن هذه المساعدة المقدمة من قبل المنظمة للبطل يقابلها مساعدتهم على استعادة “تفاحة عدن” التي بإمكانها السيطرة والتحكم في الإرادة البشرية؛ إلا أن هذه الاستعادة تحتاج إلى عنف الأجداد “الأساسنز”؛ أجداد البطل الذين عاشوا في القرون البعيدة وكانوا مجموعة من القتلة والمناضلين سعوا إلى حماية البشرية من مغبة تحكم حراس المعبد من خلال حيازة “تفاحة عدن”.
وهذا ما تؤكده أحداث الفيلم التي تسعى عبر فعل محاكاة العودة إلى الماضي بتوظيف آلة يطلق عليها اسم “أنيموس” تعتمد تقنيات الواقع الافتراضي، تحفز جينات الذكريات لكال لاسترجاع أحداث حياة “أغيلار”، وبالتالي معرفة أين أخفى “تفاحة عدن”، غير أن استرجاعها يحتاج إلى استثمار العنف الذي بداخل كال؛ الذي قال: إن ما يبقيني على قيد الحياة حتى الآن هو هذا العنف.
وهذا يبدو منطقيا، إذا ما نحن منطقنا الأمور من داخل الأحداث، هذا طبعا دون الدخول في مسألة أن هذه الرؤى مقصودة أو غير مقصودة واعية أم غير واعية، المهم أنها تحتوي بشكل ظاهر وضامر على أن إنتاج العنف بمثابة محرك فعلي للسرد الفيلمي، وبدونه تبقى الخطابات المراد تمريرها مجرد بحث عن استثناءات ومواقف غير واضحة المعالم، وسباحة حرة في فوضى إخراجية تتنقل بين موضوعات شتى بلغة الصورة السينمائية دون أي معنى قار بعينه.