فيلم “الأشياء الصغيرة”.. نجوم كبار وخيبات أمل

Print Friendly, PDF & Email

      فيلم “الأشياء الصغيرة” 2021 بطولة ثلاثة نجوم من العيار الثقيل الحاصلين على الأوسكار بجدارة عن أدوار هامة، على رأسهم يأتى الممثل المخضرم دينزل واشنطن  صاحب التاريخ السينمائي الكبير،  والممثل جاريد ليتو الحاصل على الأوسكار عن دوره الهام فى فيلم “نادي دالاس للمتشردين” ومعهم رامى مالك الحائز أيضا على جائزة الأوسكار أحسن ممثل 2019 عن دورة فى فيلم “الملحمة البوهيمية”.

والدعاية الكبيرة  التى سبقت الفيلم  كونه فيلم إثارة وغموض يحمل أسماء نجوم كبار جعلته يحقق إيرادات وصلت إلى 4.8 مليون دولار في أول أسبوع عرض، وكان قد عرض أيضا على منصة البث الالكتروني  HBO Max  في نفس وقت طرحه فى دور السينما، وبذلك يكون أبرز الأعمال من الفئة R التى ظهرت بعد جائحة كرونا.

الفيلم من تأليف وإخراج جون لي هانكوك الذي يملك بدوره رصيدا سينمائيا جيدا من الأفلام الناجحة مثل “البعد الآخر” و”المؤسس” وغيرها.

 ورغم كل هذه الدعاية والحشد لعناصر النجاح يبقى السؤال، هل حقق الفيلم أمال وتوقعات الجماهير الغفيرة الذي ذهبت للسينما طمعا في مشاهدة فيلم جديد ومختلف عن ذلك الرصيد السينمائي المتراكم من أفلام الجريمة الواقعية التى ظهرت فى سينما التسعينات، سؤال نحاول الإجابة عليه في السطور القادمة.

الخطايا السبعة

كتب جون لي هانكوك نص هذا الفيلم في تسعينات القرن الماضي وقام بعرضه حينها على أكثر من مخرج أمثال كلينت ايستوود وستيفن سبيلبرج وغيرهما، لكن المشروع لم يتحقق وظل هذا النص حبيس الأدراج حتى قام جون لي هانكوك بعد ثلاثة عقود بالعودة لمشروعه القديم الذي تراكمت عليه الأتربة ليخرجه للنور ويقدمه مطلع هذا العام.

تدور أحداث الفيلم فى بداية التسيعنات حول شرطيين أحدهما شاب والأخر متقدم فى العمر يحمل خبرة كبيرة اكتسبها من الحياة والعمل، يتعقبان قاتلا (سفاحا) يتميز بالحرص والذكاء الشديدين، وبعد مشاهدة الفيلم تجد نفسك تتساءل في حيرة ما الجديد الذي أراد هانكوك أن يقدمه إلينا بهذا الفيلم الذي سخر له كل عوامل النجاح؟ وما الذي سيجعلنا ننبهر بفيلم يعرض في 2021 ويقدم تنويعة فقيرة لرائعة ديفيد فينشر “سبعة” وهو الفيلم الذي يعد تحفة سينمائية لا تنسى، حيث حول فينشر من خلال معالجة سينمائية فريدة المثيولوجيا المسيحية لأحد أهم أفلام الجريمة والغموض فى منتصف التسعينات؟

وبالمقارنة بين الفيلمين نجد القاتل فى فيلم “سبعة” يقف على قدمين ثابتتين ولديه دافع قوي للقتل، أو بمعنى أدق للتطهير من وجهة نظره  فيختار ضحاياه من مرتكبي الخطايا السبعة المميتة أو ما يسمى بالذنوب الكاردينالية فى محاولة للتطهير المجتمع من أصحاب الخطايا وكأنه يد إلاهية تفتك بالمفسدين وتخلصهم من دنس خطيئتهم بالموت.

هذا العمق والتأسيس لشخصية القاتل (الشخصية المحورية التى تدور حولها الأحداث) لم نجده فى فيلم هانكوك الجديد، فهنا كان القاتل مجرد مجرم يترك ضحاياه عرايا بعد ذبحهن دون تقديم مبرر درامي أو سبب جوهري يثري الحبكة.

هذا الاختزال المجحف فى رسم الشخصيات لم يكن  الخطيئة السينمائية الوحيدة التى أرتكبها الفيلم بل نجد مآخذ كثيرة أبرزها الملل الذي شعر به المشاهد طيلة الفيلم نتيجة السرد المرتبك والايقاع البطيء والمشاهد الحوارية الطويلة التى حاولت أن تؤصل فلسفيا لفيلم أعتمد فقط على تيمه تجارية مكررة  تمادى صناع السينما في استهلاكها، حتى لحظة الكشف والنهاية لم تكن مرضية لكثير من المتابعين  ورغم كل هذه المآخذ العديدة إلا أن الفيلم أحتوى على نقاط مضيئة استطاعت من وجهة نظرى أن تصنع فيلم في مجمله مرضي للذين يتذوقون السينما على نار هادئة.

نقاط مضيئة

يلعب دينزل واشنطن دور الشرطي جو ديكن نائب الشريف الذى يجد نفسه مشتركا مع المحقق الشاب ديريك باكستر “رامي مالك” فى البحث عن قائل متسلسل يقتل الفتيات ويتركهن عرايا.

يخوض هذا الثنائي رحلة مطارة القاتل وتعقبه بينما يتلاعب بهم القاتل “جاريد ليتو” بذكاء وثقة كبيرة رغم كونه عامل بسيط من أصحاب الياقات الزرقاء.

ولنا هنا أن نتوقف عند الجانب الذي عول عليه الفيلم نجاحه، أي حشد ثلاثة نجوم كبار على قدر من الحرفية والقدرة على إتقان شخصياتهم  جعل الأداء التمثيلى فى هذا الفيلم من أهم مقومات نجاحه، الممثل الكبير  دينزل واشنطن رجع بهذا الفيلم للمنطقة الدافئة التى صنعت مجده ونجاحه الجماهيري، هذا الممثل الاستثنائي يستطيع أن يمرر كم كبير من المشاعر المتناقضة من خلال أداء بسيط وعميق وصادق، تلك الشفاة المرتعشة والابتسامة المترددة التى تنطوى على شجن عظيم ومرارة دفينة أعطت الدور عمقا كبيراً رغم الكتابة الضعيفة.  

جاريد ليتو يقدم أداء راقيا ربما استطاع من خلاله أن يسحب البساط من باقى أبطال الفيلم، جسد دور القاتل بأداء بديع ملفت لشخصية صعبة مركبة تحمل علامات السيكوباتية والثبات الإنفعالى والتحدي والثقة معا، كل هذه الصفات استطاع جاريد ليتو أن يبرزها من خلال نظرات عينيه ونبرات صوته وأدائه الهادئ الرصين البعيد عن المبالغة رغم أن الشخصية مبتورة ومكتوبة بشكل نمطي.

رامى مالك لم يضيف كثيرا للدور رغم اجتهاده لو استبدل مالك بممثل أخر ربما لن نشعر بفرق كبير.

بالإضافة لأداء أبطال الفيلم الملفت قدم هانكوك صورة معبرة  وتخطيط سينماتوغرافي مقبول ، ونجح في اختيار اللقطات والزوايا التى تزيد معدل الغموض والشك وتلقى المشاهد في أتون من الحيرة، مع توليف رائع بين لقطات الفلاش باك والمشاهد الأساسية ، كذلك الحفاظ على سنوغرافيا التسعينات التى ظهرت في أدق التفاصيل وعمق الكادر وتكويناته ، أماالايقاع البطئ السائد على الشريط  ربما قصد من خلاله هانكوك تقديم فيلم يتعمق فى خبايا شخصياته ويغوص فى عذابات ماضيها  متخذا الشكل البوليسى وتيمه القاتل المتسلسل ستارا يخبئ ورائه عمقا ربما لا يستشعره الجمهور الذى يهوى أفلام تجعله يجلس على حافة الكرسى يتلقى المفاجآت.

لا مكان للملائكة

كانت حيلة هانكوك للخروج من نمطية الفكرة المكررة أن يقدمها مجردة كوجبه صريحة الطعم خالية من الملح والتوابل والمفاجأت، حتى النهاية تحمل أكثر من تفسير وتثير الشكوك أكثر مما تكشف، رغم خلوها مما ينتظره المشاهد من أجوبه تشفي فضوله.

توماس نيومان يقدم موسيقى بديعة أعطت الفيلم حالة روحانية خاصة  ولابد أن نعتبرها من أهم مقومات نجاح الفيلم . فيلم الأشياء الصغيرة يحاول أن يبرهن على فلسفته من خلال أزمات أبطاله فليس هناك أحد بعيد عن الخطيئة وليس هنك خير مطلق أو شر مطلق في نفوس البشر.

Visited 49 times, 1 visit(s) today