“حبة لولو”.. بيروت مدينة “الخطيئة”
كتب محمد غندور في جريدة “الحياة” البيروتية بتاريخ الجمعة 27 سبتمبر مقالا عن الفيلم اللبناني الروائي الجديد “حبة لولو” بطولة سيريت عبد النور ننشر هنا نص المقال حول هذا الفيلم المثير للجدل…
يصعب الحديث عن فيلم سينمائي جديد، من دون العودة إلى الحرب. هي دائماً البداية وأم الحكايات، ومنها تنطلق الأفكار والصور والمشاهد والمآسي أيضاً. واللافت في الجيل السينمائي اللبناني الجديد، تعاطيه مع الحرب كأنها ذكرى للتخلص منها وإغراقها في أعماق الذاكرة، كي لا تبقى سوداوية.
وعلى عكس بعض المخرجين المخضرمين الذين غاصوا في أسباب الحرب، وصوّروا الدمار والقتل على الهوية أحياناً، يعمد الجيل الجديد الى معالجة أبعاد نفسية واجتماعية للحرب، بعيداً من أزيز الرصاص أو القذائف.
في عملها الروائي الطويل الأول “حبة لولو”، تبدو المخرجة اللبنانية ليال راجحة مرتاحة الى ما تقدمه، وواثقة بقدرة صورتها على التأثير في مُشاهِد عملها. اختارت ثلاث نساء لتقدم حكاياتهن وتعرض من خلالهن صورة بلد يتمزق. الأنثى في الفيلم هي البلد الغارق في المشاكل، والفاقد كل حالات الاستقرار والعائش في خوف دائم من المجهول.
اغتصبَ أحد المقاتلين خلال الحرب الأهلية “فاتن”(تقلا شمعون) لدى عودتها الى الملجأ الذي خرجت منه لتحضر الطعام، فعادت وانتفخ بطنها بعد أشهر، وطردتها العائلة لإصرارها على الاحتفاظ بجنينها، ولم تصل التحقيقات الشكلية لدى القوى الأمنية الى معرفة هوية الجاني.
وصلت “ليال”(زينة مكي) الى الدنيا بلا هوية، ومن دون أوراق ثبوتية، فمنعت من دخول المدرسة كما بقية الأطفال، أو العمل في أي شركة أو مصنع. كانت الأم مدرسة ليال، فيها تتعلم الدلال والكذب للخروج من واقعها، فاستثمرت جمالها للابتعاد عن واقعها الذي كانت تعود اليه كل مساء. «حلا» (لورين قديح) صديقة العائلة وهي فتاة هوى مقطوعة من شجرة، تعمل ليل نهار، وكل رجل مشروع ربح مادي بالنسبة اليها.
ضياع
تسير الحكايات الثلاث في سياق منفصل أحياناً في بيروت، لكنها تجتمع على أمور عدّة أهمها الضياع وفقدان الأمل وانعدام الأفق واللاانتماء. فـ “فاتن”لم تقدر على تغيير الصورة النمطية المأخوذة عنها في المجتمع، وأورثت ابنتها شعوراً بالخوف والاستسلام، في حين ساعدت حلا وشجعتها على الدعارة وابتزاز الزبائن لتأمين قوتها اليومي.
يعالج الفيلم مشكلة الأطفال غير الشرعيين في لبنان، وهو موضوع حديث نسبياً على السينما اللبنانية التي بدأت، وإن ببطء شديد، تواكب مشاكل المجتمع، وتخرج من الإطار التقليدي للعرض، عبر استحضار مشاهد جاهزة في الشارع من دون تعـــديلات او تدخلات من المخرج. كما يطرح “حبة لولو”مشكلة الإجهاض والفــقر والأوضاع المادية التعيسة، وكثــرة الوجوه للشخص الواحد في المجتمع، وعدم تقبّل الواقع أو بالأحرى عدم الرضا عن العيش في بلد لا يُطبّق أبسط حقوق الإنسان.
وكما أي فيلم لبناني حديث، يعاني العمل من ضعف في السيناريو والحوار، وهي معضلة تعاني منها السينما اللبنانية منذ مدة بعدم وجود كتاب سيناريو حقيقيين للسينما، إضافة الى أن البرامج الأكاديمية الموضوعة لهذه المهنة ليست كافية وبحاجة إلى التطوير.
لكن المخرجة الشابة، قلّلت من الحوارات لمصلحة أفكارها وكادراتها وجمال صورتها واختيارها الموفق للممثلين الذين قدموا شخصيات الفيلم الرئيسة.
لعبت راجحة على الرمزية أحياناً في عملها، وكما عبّرت النساء الثلاث عن أوضاع البلد المتمزقة، كانت “ليال” (زينة مكي) هي بيروت، المدينة الجميلة والساحرة من الخارج، الغارقة في مشاكلها وزيفها وخطيئتها داخلياً.
بين الكوميديا والدراما
بيتأرجح العمل بين الكوميديا والدراما من دون أن يغلب أحدهما على الثاني. فالجانب الدرامي بدا مؤثراً ومباشراً بلا تعقيدات، وساعدت في ذلك الكادرات الضيقة التي اعتمدتها المخرجة ليكون المشهد دافئاً وحميماً. أما الجانب الكوميدي الذي قدّمت غالبية مشاهده فتاة الليل، فاعتمد على لغة شبابية ومفردات مستقاة من الشارع، وساعدت في إيصال النكتة ملامح الممثلة التي أتقنت دورها، وعملت على تحريك كل عضلات وجهها لإضحاك المشاهد.
تميّزت راجحة في التنقل بين مشاهد الفيلم بحركة الكاميرا البطيئة ولكـــن غير المملّة، كما أنها لم تعمد الى إطالة المشاهد والتركيز على الجماد، بل زيّنت كادراتها بالألوان.
وبدا واضحاً مدى اهتمامها بأدق التفاصيل من أكسسوارات واختيار مواقع التصوير وعدم الاعتماد كثيراً على كادرات واسعة لا تخدم فكرتها الإخراجية. وساعد راجحة في ذلك عملها لسنوات في إخراج الكليبات لأشهر الفنانين.
واللافت في العمل المساحة المعطاة للموسيقى التصويرية (ألفها ميشال فاضل) التي لم تكن تفصيلاً، بل ركناً أساسياً فيه، فأضفت إلى المَشاهد أبعاداً جديدة وتأرجحت كما الفيلم بين الكوميديا والدراما.