“الفلوس”.. التواءات الحبكة وخداع المشاهد
النجاح في السينما صعب لكن يظل الاصعب كيفية الحفاظ عليه، وهو ما لم يستمر فيه تامر حسني في أحدث افلامه الذي يعرض في دور العرض والذي يحمل اسم “الفلوس”، بعد نجاحه الكبير في ثلاثة افلام متتالية بدأها بـ “أهواك” ثم “تصبح على خير” أفضلها من الناحية الفنية والثالث “البدلة” الذي حقق ايرادات كبيرة وتفوق به فنيا وجماهيريا على نجوم الصف الاول في السينما المصرية.
تامر اقتحم السينما من بوابة الغناء وهو امر مقبول اعتادت عليه السينما المصرية منذ بدايتها وهناك العديد من المطربين الذين حققوا نجاحات كبيرة في السينما ليس لانهم موهوبين بدرجة كبيرة في التمثيل لكن شعبيتهم في الغناء كانت النقطة الاولى في تقبل للجمهور لوجودهم في السينما، والنقطة الثانية توظيف امكانياتهم في اطار مجموعة من الموهوبين سواء امام او خلف الكاميرا ليخرج في النهاية العمل ناجحا ويكونوا هم بالطبع في صدارة المشهد، لكن عدد قليل منهم الذين كانوا يمتلكون الموهبة او ان تلك الموهبة اثقلت بالممارسة وبالطبع اهمهم في الالفية الجديدة مصطفى قمر الذي يعد من افضل المطربين الذين اتجهوا للسينما ومن بعده يأتي تامر حسني.
سار تامر على درب مصطفى قمر في السينما فلم يعتمد فيها كثيرا على كونه مطربا بل وتفوق عليه في انه لم يقحم اغانيه في تلك الافلام وهذه هي الاشكالية التي لم ينتبه لها قمر وتداركها تامر واستمر في مغامرته بشكل تصاعدي فالبداية لم تكن مقبولة لكن التدرج في المستوى للأفضل كان ثمة جعلت تامر نجم شباك في السينما ففي (اهواك) قدم الرومانسية الكوميدية، وفي (تصبح على خير) قدم حبكة تعتمد على فكرة طازجة جديدة مغلفة بطابع كوميدي، وفي (البدلة) كانت الكوميديا المفرطة التي جعلتنا نتجاوز عن بعض التفاصيل الغير المنطقية قليلا، اما (الفلوس) فهو يندرج تحت نوعية افلام الغموض والجريمة.
افلام الغموض والجريمة من النوعية التي يفضلها الجمهور المصري ومنذ النجاح المثير الذي حققه فيلم “ملاكي اسكندرية” واصبح هناك تسابق بين النجوم لتقديم هذا النوع الذي يعتمد على وجود سر يكشف في النهاية ياتي بشكل ملتوي يتم خلاله التحايل وخداع الجمهور، وهو ما ظهر منذ المشهد الاول لفيلم “الفلوس” حينما ظهر تامر حسني وخالد الصاوي معلقان في مكان عال وعلى وشك السقوط، ويعود المخرج اللبناني سعيد الماروق فلاش باك لنجد شخصية (سيف) النصاب خفيف الظل الذي يخدع حلا (زينة) ويسرقها، فتفكر عن طريق محاميها حامد (محمد سلام) في استخدام سيف للإيقاع بشريكها سليم (خالد الصاوي) الذي يستحوذ على اموالها لنكتشف منذ البداية ان سليم هو من وضع سيف في طريق حلا.
قد تبدو فكرة الفيلم جيدة لكن تقديمها لم يكن على نفس جودتها، فكل الالتواءات التي قدمت كانت في منتهى السذاجة والسطحية وسيناريو ضعيف تم حشوه بتفاصيل غير مترابطة بالمرة واخرى ليس بها اي نوع من انواع الذكاء واستخدام حيل السرقة والنصب في منتهى الضعف والسذاجة تجاوزها الزمن>
والاكثر من ذلك ارتكاز السيناريو على اختراع “افيهات” (تعليقات لفظية) ثم بناء كاملة مشاهد لها، قد يكون ظهر هذا في فيلم (البدلة) ايضا لكن في مشاهد قليلة لم تكن مؤثرة في المجمل اما في (الفلوس) فقد كانت السمة الرئيسية على سبيل المثال مشهد السيدة التي ارادت ان تتصور مع سيف فلا نعرف من هي ومن اين جاءت وماهي علاقته بسليم او بسيف لكن صناع الفيلم ارادوا ان يطلق تامر الافيه (احنا كده 4) فقاموا ببناء مشهد كامل له، وفي مشهد اخر تم بناءه بهدف القاء افيه (فرامل وبنزين مع بعض .. بتاخدي سكرين شوت) في مشهد هروب حلا وسيف من منزله، هكذا كان الفيلم وهكذا كانت وتيرة الاحداث حشو مشاهد مبنية في الاساس على تعليق لفظي.
وصل الحشو الى ذروته من خلال خلق شخصيات بلا اي ابعاد درامية او قيمة فنية وهي من المفترض انها رئيسية مثل شخصية حامد المحامي وشخصية خريستو التي قدمها الممثل اللبناني القدير (كميل سلامة) وهو بالطبع قيمته اكبر بكثير من هذه التجربة المتواضعة فتلك الشخصية ظهرت وانتهت دون ان تظهر لها اي بصمة او تاثير في الاحداث، اما شخصية حامد فأرادوا ان يعطوا لها تأثيرا في نهاية الفيلم لكن خرج ساذجا فقيرا حتى على مستوى الكوميديا التي لم ترقى لشخصيات قدمها سلام من قبل.
اعتمد تامر في فيلمه على الغموض وكثرة الالتواءات في الحبكة التي تنكشف واحدة وراء الاخرى بهدف خداع المشاهد كان كثرة الالتواءات تعني نجاح الفيلم لكنه غفل تماما ان قوة الحبكة هي الاساس والاهتمام بتفاصيلها اثناء السرد هي القيمة الحقيقة التي تجعل الجمهور يتفاعل مع الفيلم حتى لو ظل مخدوع طوال الاحداث، واراد تامر ان يضفي عمق لتجربته ففتح خط في بداية الفيلم في الحوار بين سيف وسليم حول (الانسان مخير أم مسير) ظنا منه انه هكذا يعطي ثقلا لفيلمه الساذج.
يقدم المخرج اللبناني سعيد الماروق تجربته السينمائية الثانية بعد “365 يوم سعادة” عام 2011 فلم يستطع ان يعالج الضعف الشديد الموجود في السيناريو واستسلم تماما وراء رغبات بطل الفيلم في تقديم نفسه كبطل كوميدي يؤسس المشاهد طبقا لافيهاته التي لم تكن مضحكة من الاساس ورغم، كما افرط الماروق في استخدام الدرون في معظم المشاهد لكن معظمها جاء مقبولا وهي سمة في الافلام والمسلسلات اللبنانية التجارية ففي بداية المشهد نجد لقطة من الاعلى لبيروت او جبيل او اي مدينة يتم التصوير فيها.
الأداء التمثيلي للجميع كان دون المستوى لان في النهاية كان الاداء والمشاهد لخدمة بطل الفيلم فقط ووجودهم في المشاهد كان لمجرد قيام البطل بطرح افيهاته عليهم والسخرية منهم، فالأداء الجيد الوحيد كان من نصيب احمد السقا الذي ظهر كضيف شرف في مشهد واحد ويبدو انه يرد الجميل لزميله تامر حسني الذي ظهر معه في المشهد الافتتاحي لمسلسل السقا الاخير (ولد الغلابة)، وكان بالفعل ظهور تامر في هذا المشهد مميزا جدا، عكس مي عز الدين في المشهد الاخير فقد جاء ظهورها باهتا بلا روح، فالشمعة الوحيدة المضيئة بجانب بعض اللقطات المصورة بالدرون كانت الموسيقى التصويرية للموسيقار اللبناني انطوني صهيون.
يعتبر فيلم “الفلوس” سقوط مدوي مفاجئ غير متوقع لتامر حسني والذكاء هنا يكون في كيفية تدارك الخطأ والعودة من جديد فتامر صحيح دخل التمثيل من بوابة الغناء لكن موهبته التمثيلية اثقت معتمدا على حسن الاختيارات وخفة الظل وقدرته على الدمج بين الكوميديا والرومانسية التي وصل الى ذروتها في أفضل افلامه “تصبح على خير”، وقمة الكوميديا والايرادات في “البدلة”.