مقابلة مع الناقد الإیراني محمود فراستي
فیما یلي ترجمة لجزء من اللقاء الذی قد اجري مع الناقد الایراني ” محمود فراستي ” قبل عدة اعوام .
- ملاحظة: هذا الناقد من انصار نظرية الشکلية/ الشکلانية و القائل بان المحتوی الفیلمي یخرج من رحم الشکل/فورم الفیلمي وبقدر ما یملک الشکل یحمل المحتوی.
- انت تقول عدد من السینمائیین الایرانیین صنعوا فیلمین او ثلاثة ثم لم یتمکنوا من تقدیم فیلم جید فأين المشکلة؟ ما هو مشکل هذا الفنان الایراني الذي لا یستطیع التمادي في مساره الفيلمي؟
محمود فراستي : اعتقد ان عالمهم لیس عالما وانما کانت لهم تجربة جدية فی الماضي و بانقضائها انقضوا هم کذلک .کان لهم تجربة حرب انتهت وبهذه اصبحوا اصحاب فيلم او فیلمین و بقدرها ایضا ادرکوا الموضوع لا اکثر.فمثلا “مُلّا قُلي بور” صنع فیلما واحدا جیدا فقط و انتهت تجربته بهذا الفیلم.
- ما تعوزه هذه التجربة حتی تتمادی في سریانها؟
فراستي : انما الفکرة الجیدة تُستمد من موضعين اولهما العالم الخارجي الذي نعیشه والثانی العالم الداخلي الذی ربیناه وهذبناه والذی تحول الی عالم صغیر شخصي ذاتي. هذا الداخل لا یستقل عن الخارج ولکن فیه امور واشیاء تتعلق بي انا، وتتکون تحت تاثیر القراءة و التفکیر الداخلي و العیش فیه .و هناک عملیة اخری تجري في الخارج و یتحتم علي – بوصفی صانع الفیلم– ان احول هذا المعقول الداخلي الی المحسوس الخارجي بواسطة العقل اعني یجب تحویل” الحس” الی “الشکل” السینمائي و عبر الحس ترجمته الی الاحاسیس و المشاعر لان السینما تدغدغ قلبک ومن هنا تدخل عقلک. عملية التحویل هذه لم تحدث في السینما الایرانية بعد الثورة التي وقعت في عام 1979. جمیع افلامنا الجيدة تعود الی الحرب التي طرات بعد الثورة ،من المخرج “حاتمي کیا” الی “ملا قلي بور“، کلها تنبع من هذه التجربة التي ترسخت في نفسیتهم. والآن دنیاهم هذه قد انتهت و لم یتبدلوا بها دنیا اخری.و الأهم من ذلک انهم ایضا ما تعرضوا انفسهم لعالم آخر و زعموا انما هم باشتهارهم یتعین علیهم ان یتزحزحوا و یکثروا زَحزَحهم عن االناس والواقع والعالم . انما ازداد بعدهم و انفصلت طریقة معیشتهم عنهم و بالتالي لم تنشأ وتخلق فرصة للعمل لأن الصلة بالناس تصنع الافکار للافلام و هذا الرابط قد انقطع فکیف یتم خلق الأثر. عندما یقولون : “احنا بحثنا” فکلامهم یشبه الدعابة. مع اي من اناس افلامکم انتم تحدثتم فاقتربتم منهم وهمومهم و قضایاهم؟ ایة قضایاهم وهمومهم غدت قضایاکم؟ نوعية عیشهم وسلوکهم تظهر انهم في وادٍ و انکم في وادٍ غیر وادیهم .
ثانیا انهم لیست لدیهم المعرفة السینمائیة و ما حاولوا ان یتعلموا السینما من نظرة” الشکل ” . لیس عندهم شیئ جدیر بالحدیث عنه حتی یبحثوا عن طریقة ادائه وتقدیمه .سینمائیونا لیست لدیهم حتی قضیة التقليدية ولا قضیة الحداثة ولا یشتبکون بهما بصورة جادة. العمل الفني اشتباک واحتکاک شخصي ولیس یکون ان تقف امام لقطة واسعة و تحملق الیها و تلحقها بفیلمک، انما وقوف الشعب في الشوارع و قیامهم بالشعارات و الهتافات فإدخالک انت ایّاهم فی الفیلم لایعنی اشتباکک انت بل اشتباکهم هم.
- هذا حکم عام هل لا یحمل اي من السینمائیین الایرانیین “قضیة او همّ” ؟
فراستي : انهم متبقون قبل القضية و لما وصلوا الیها. افلام المقاولة/المبتذلة (تسمی في ایران ب *فیلمفارسي* و تکتب بصورة ملتصقة) قبل الثورة کانت حاملة القضیة و قضیتها کانت تلک الاراجيف و الهراءات .انت قادر علی تحمل فیلمین و لکن المئتین الباقية غیر محتملة.
- طیب، اذن کل منهم یمکنه ان یقول لدیه قضیته الخاصة، مثلا المخرج“کيميايي” یمکنه ان یقول: قضيتي هي الصداقة والخیانة و اصنع الفیلم هکذا الی الابد.
فراستي : اول المسئلة هي حمل القضیة . انا لا اهتم بمعیشتهم الخصوصية و لکنهم آثارهم تقول انهم لا قضية عندهم.
- مسعود کیمیایی یحمل القضية فمثلا في فیلم ” الجریمة” یروي حیاة شخص صار اُلعوبة الفرق السیاسیة و یقوم بقتل الناس ثم یعود الی رشده و یهجم علی الذین یعمل لصالحهم .أ لیس هذا قضیة؟
فراستي : بلی، ما وصفته قضیة. لکن ما رایته داخل الفیلم ما کان یحمل قضیة . قد سلف ان قلت انه اذا لم تتحول “الکلمة” الی “الشکل“(اللغة السینمائیة) فهذا یعني ان صاحبه یکون بدون قضیة ، کیفیة روایة القصة تلوح بالقضیة و تفشیها، ولهذا استخدمت انا في البرنامج التلفیزیوني حین نقد فیلمه الجریمة کلمة “الاستمناء” ،ردة فعلي هذه امام الفیلم لم تکن ثأرا او انتقاما شخصیا و لا آخر ،کان احساسي بانه یکون یتمتع بعدم امتلاکه القضیة و یلتذ التذاذا شخصیا بماضیه الشخصی.
- علینا ان نتبنی ان کیمیایي فی الفیلم کان یقصد روایة فیلم عصري و لکن القیود حجبته و ارغمته الی تغییر حقبة الفیلم الزمنية.
فراستي : آ تزعم ان في السینما العالمیة یعمل الجمیع في ظروف مثالية؟ هل کان یمتلک هیتشکوک کل الفضاء اللازم لطرح نظراته؟ المنتج کان یقول له :هذاالممثل و هذه القصة، فافعل ماتشاء. و کان علیه دمج هذه الاقحامات فی الفیلم .الفنان عبارة عن هذا.ان الفنان له عالمه و له هیمنته علی وسیطه السینمائي في فن السینما. اذکر مثلا جون فورد،المنتج استبعد 15 صفحة من السیناریو ولکنه یصنع فیلمه بحیث یاتي بالمحذوف في بنیة الفبلم.
- هناک الشجار تمویلی و ههنا الصراع سیاسي …
فراستي : انما السجال السیاسي کان سائدا ایضا هناک بل یسود علی العالم بجمّاته. جون فورد کان ضد *مک کارتي* و مع ذلک یصنع فیلما لا نشعر فیه بهذه الضغوطات .نحن الان نعیش في فترة ذات فوضی و بلبلة و یمکن التحایل علی اصحاب السیاسة والتلاعب بهم بسهولة. نحن لسنا صاحب نظام سیاسي یمنع السینمائي من صنع الافلام و برأيي ان سینمائیونا اصغر من النظام و یسیرون خلف الناس و لیس امامهم ،– ألا یجب ان یتحرک الفنان امام الناس و یقودهم ویرشدهم، أ لیس الفنان رائد المجتمع والشعب – و اذا کان الامر کذلک فاوضاع السینما خاصة و الفنون عامة تفضي الی ما نحن علیه الآن . برجمان الّف في77 من عمره فیلمه الاخیر بناء علی الفیلم الذي کان قد صنعه قبل 30 عاما “6 مشاهد من الحیاة الزوجية” .صنع الفیلم في وقت قد ترکته زوجته و یعیش بمفرده في جزیرة ما. النسخة الحدیثة افضل من القدیمة لانه صاحب قضية و بمرور السنین غدت اعمق من قبل. و قد اقبض رجال الشرطة علیه و کلبشوه حین تصویر الفیلم و طردوه من البلاد. الاوضاع لیست علی ما ترام دوما وفي کل مکان. نحن مدللون هنا و نبحث عن شيء جاهز.انا لا انتصر للسلطة الحاکمة ولا ادافع عنها ولکننی اشاء ندرک و ندري واقعنا المعاش و اوضاعنا التي خلقناها
- هل امتلاک القضیة ذاتي او اکتسابي؟
محمود فراستي : قسم منه یصاحب صانع الفیلم من البدایة و القسم الآخر یاتي من الخارج بمعنی ان یکون جهاز استشعاره قویا بحیث تتحول القضية الخارجية الی قضيتک انت . الذین کانوا فیما قبل في فترة الحرب العراقیة الایرانية یقاتلون في المعارک و جبهات القتال هم حالیا لیست لدیهم قضیة الحرب، لیس هذا غضاضة ومعابة و لا باس فیه و لکن الهم الاساسي هو ماذا جلست مجلس تلک القضیة الفائتة؟ هذه ذهبت ولم تملأها اخری و بقي مکانه فارغا والخاوي لایمتلأ الا بالهواء .