يوميات مهرجان كان 76 (5): الفيلم البرازيلي في “أسبوع النقاد”

Print Friendly, PDF & Email

أمير العمري- كان

شاهدت فيلم “انتفاضة” Levante الذي عرض في تظاهرة “أسبوع النقاد” بمهرجان كان السينمائي الـ76 من ضمن7 أفلام تتنافس على جائزة نقاد السينما. وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة البرازيلية “ليلا هالا” Lillah Halla  التي درست السينما في كوبا وأخرجت عددا من الأفلام القصيرة منها فيلم Menarca الذي عرض في نفس التظاهرة (أسبوع النقاد) عام 2020، قبل أن تخرج هذا الفيلم الطويل.

هذا فيلم من اخراج امرأة، تقوم المرأة بالدور الرئيسي فيه، ويتسق بالتالي مع الرسالة التي باتت مطلوبة في مهرجانات السينما الدولية، أي وجود المرأة سواء كمبدعة أم كموضوع للفيلم، ويا حبذا لو كانت المرأة أيضا متحررة حد الترحيب بإقامة علاقة جسدية مع امرأة أخرى مثلها، حتى لو لم تكن أصلا “مثلية” وهو ما نراه في هذا الفيلم!

الموضوع هو أن “صوفيا” وهي فتاة في السابعة عشرة من عمرها (الممثلة التي تقوم بالدور برازيلية من أصول أفريقية في الرابعة والعشرين)، تعيش وحدها مع والدها مربي النحل وجامع العسل، توفيت والدتها في ظروف لم يكشف عنها الفيلم، لكن ما يحدث هو أن “صوفيا” المتفوقة كثيرا في كرة السلة، وتلعب ضمن فريق محلي في تلك المدينة، تقع عليها أنظار مدربة الفريق القومي وتريد ان تضمها للفريق، لكن صوفيا ستفزع عندما تكتشف أنها حامل، الأمر الذي يمكن أن يدمر طموحها المستقبلي في الصعود كلاعبة متميزة كثيرا في كرة السلة.

تسعى هي بشتى الطرق للتخلص من الجنين على نحو يذكرنا كثيرا بما مرت به بطلة الفيلم الفرنسي “يحدث” Hapening حائز “الأسد الذهبي” في مهرجان فينيسيا قبل سنتين، ولكن مع الفارق الكبير سواء في تفاصيل السيناريو أو المستوى الفني عموما.

تبحث صوفيا على شبكة الانترنت عن العيادات التي يمكن أن تجري عمليات اجهاض رغم ان القانون البرازيلي يحظر تماما هذه العمليات ويجرم من ترتكبها، لكنها تقع في عيادة طبية يديرها بعض المهووسين دينيا الذين يدبرون مقلبا كبيرا للفتيات الحوامل، يهددونهن بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هن أقدمن على ارتكاب جريمة قتل “الجنين”. وتظل الممرضة العاملة في تلك العيادة الوهمية تطارد صوفيا في كل مكان، وتشي بها لمدربة الفريق، لكنها تتعاطف معها، وتحاول أيضا مساعدتها، فهي مثلها من ذوي الأصول الافريقية أي البرازيليين السود، وكذلك زميلات صوفيا اللاتي يتضامن معها جميعا ومنهن فتيات من البيض أيضا، إحداهن واقعة في حب صوفيا، وتقيم معها علاقة جسدية– من دون أي مناسبة، ومن دون أن يساهم هذا في تطوير الحبكة أو الإضافة إليها.

كيف ستواجه صوفيا ما تتعرض له من تهديدات من جانب جماعة الأخلاقيين الكاثوليك المهووسين، كيف سيقف معها والدها بعد أن تطلعه على مشكلتها، ويذهب معها الى أوروجواي لإجراء العملية، دون أي نجاح لأن الطبيبة تطلب ما يثبت أن صوفيا ولدت أصلا في الأوروجواي، وهو ما لا يمكنها اثباته. ونصل الى بعض مشاهد العنف التي تتمثل في مهاجمة أفراد الجماعة المتعصبة، لمنزل صوفيا وحرق منحل والدها وتدميره، ثم إصرار مدير الفريق الوطني لكرة السلة على استبعاد صوفيا بعد أن تصل إليه أنباء حملها من الوشاة، ولكنها تصر على اللعب كما يصر جميع لاعبات الفريق على وجودها والا توقفن عن اللعب. وهكذا يصبح الفيلم مظاهرة في التضامن النسائي والإنساني مع حالة إنسانية خاصة، وبيانا ضد الحظر القانوني على الإجهاض في البرازيل والدفاع عن حق المرأة في الاختيار، أي اختيار الاحتفاظ أو التخلص من الجنين.

الفيلم يسير في بناء تقليدي تماما، مع بعض اللقطات التي تأتي على شكل تداعيات في لاوعي صوفيا، أو بالأحرى كوابيس مرعبة، وهي لقطات سيريالية تعبر ذهنها، بعض أن تفاقمت مشكلتها وفشلت كل محاولاتها في العثور على حل لها. لكي ينتهي الفيلم بالحل، ولكن من خارج إرادة صوفيا نفسها.

ويتضمن الفيلم كثير من مشاهد اللهو التي تجمع الصحبة، تريد من خلالها المخرجة أن توصل إلينا رسال مفادها أن التضامن بين المجموعة كفيل بالتغلب على الكآبة التي تخلقها المشكلة، وأنه حتى في خضم الوقوع في قلب معضلة شخصية كبيرة، فضمان الخروج منها هو التساند والعلاقة الودية العميقة التي تجمع بين الفتيات، بل والشباب أيضا ومنهم نماذج مثلية أيضا.

في الفيلم إشارات كثيرة الى النظرة العنصرية من جانب البيض في البرازيل الى ذوي البشرة السوداء، ولكن من دون تعميم، فالفيلم يصور أيضا نماذج من الشباب البيض يتضامن مع بطلته، كما يتضامن معها أفراد من أقلية أخرى هي المثليين.

تقول المخرجة إنها كتبت سيناريو الفيلم عبر 7 سنوات من العمل، وأنها استقت القصة مما استمعت إليه من عشرات الحالات التي واجهت مشكلة مماثلة. وتضيف:

كان لكل واحدة من اللاتي شاركن في هذا الفيلم، قصة صعبة للغاية عن الإجهاض. كل واحدة منهن. وكان هذا بعدا آخر خفيًا آخر يضيف للفيلم (من بين أشياء أخرى كثيرة)، ساهمت في توحيد نظرتنا. وولدت البروفات والتدريبات الكثيرة مزيدا من المعاني والتفاصيل، لقد كنا نبحث في طبقات عميقة جدا من ثقافتنا. وكان هناك العديد من المخاطر ماثلة أمامنا (التي مازالت قائمة). كانت مسؤولية كبيرة وتحديات في إنجاز الفيلم الأول”.

العنوان الأصلي للفيلم هو Levante ومعناها “الانتفاضة” بمعنى الفعل الاحتجاجي الجماعي، أما العنوان باللغة الإنجليزية فهو Power Alley ويعني “حارة القوة”، أو عصبة القوة التي تنتج بالطبع، عن التضامن الجماعي!

Visited 3 times, 1 visit(s) today