“يوما ما سنقول لبعضنا كل شيء”.. الحب الممنوع
أمير العمري
من الأفلام التي لفتت الأنظار التي عرضت في مسابقة مهرجان برلين Berlinale الـ73 الفيلم الألماني “يوما ما سنقول لبعضنا البعض كل شيء” Someday We’ll Tell Each Other Everything للمخرجة الألمانية (من أصل إيراني) إميلي عاطف.
الفيلم مقتبس من رواية بالعنوان نفسه للكاتبة “دانييلا كريين” (صدرت عام 2011)، وتدور أحداثها عام 1990 أي قبل زمن قصير من توحيد الألمانيتين، الشرقية والغربية، بعد سقوط الجدار، ولكن البيئة التي تدور فيها الأحداث بيئة ريفية، في قرية تقع في القسم الشرقي من ألمانيا. إلا أن مغزى الفترة الزمنية التي اختارتها المؤلفة ليس واضحا، أو ليست له دلالة ما في صلب الأحداث، فنحن لسنا أمام فيلم سياسي- اجتماعي، بل يمكن وصف الفيلم بالدراما النفسية، فما يدور داخل النفس البشرية ويبدو لنا مستعصيا على الفهم، مقصود تماما، فنحن أمام فتاة شابة في التاسعة عشرة من عمرها، تبحث، ربما دون أن تصل قط، عن معنى الحب، والرغبة، والشهوة، ومتطلبات الجسد، وتتساءل خلال ذلك البحث عن فكرة الإثم، والشعور بالذنب نتيجة “خيانة” الثوابت والقيم الاجتماعية.
نحن أمام “ماريا” الفتاة الجميلة البريئة التي تقيم مع حبيبها “يوهانز” في المزرعة التي تمتلكها أسرته. أبوه وأمه يعاملانها بكل حب وود وكرم، تعتبرها الأم واحدة من الأسرة.. لكن علاقتها بيوهانز لا تشبعها، فهو يبدو مهتما بطموحه الشخصي أكثر كثيرا من اهتمامه بها، لكن دون أن يكون هذا عائقا أمام حبه لها، فهو يحبها ولكن بطريقته الخاصة. العلاقة بينهما علاقة رتيبة، تشتعل حينا وتنطفيء حينا آخر.
تقضي ماريا معظم الوقت تقرأ كتبا، لا تبدو مقبلة كثيرا على الحياة في القرية. تزور أحيانا أمها في قرية ليست بعيدة، ثم تعود الى منزل عائلة يوهانز. ويوهانز نفسه يتغيب في رحلات الى المدينة بحثا عن الالتحاق بالجامعة لاستكمال دراسته للموسيقى التي تشغل باله كثيرا، ثم يحدث ما يمكن توقعه بالنسبة لفتاة متفتحة جنسيا في تلك السن.
ذات يوم تقابل ماريا صدفة، رجلا يكبرها في العمر، في حوالي ضعف عمرها، هو “هينر”. فلاح يقيم بمفرده مع كلبه، في مزرعته الكبيرة التي تعتبر الأكبر في المنطقة، خشن، فظ، مشعث، ذو لحية، يردي ثيابا رثة، لكن له جاذبية طاغية من وجهة نظر ماريا.. وسرعان ما تنشأ بينهما قصة حب أو علاقة جنسية، تذكرنا بالعلاقة الجنسية المشتعلة التي حدثت بين جولي كريستي وآلان بيتس في فيلم “الوسيط The Go- Between” لجوزيف لوزي (من عام 1971) وهو فيلم بديع، ولكن مع الفارق بالطبع، فنحن لسنا هنا في العصر الفيكتوري بل الفترة الفاصلة بين العصر الشيوعي وما بعده.
تنشا علاقة جنسية مشتعلة بين ماريا وهينر.. ولكن ماريا لا تريد أن تتخلى عن حبيبها يوهانز، وتتمسك في الوقت نفسه بالعيش مع عائلته.. لكنها تتجنبه في الفراش، وتنصرف أكثر الى القراءة، وتتبادل الكتب مع هينر، دون أن يتبادل الاثنان الحديث إلا نادرا، فما يهم هو إطفاء الرغبة التي لا تريد قط أن تنطفيء.. ولكن هل يمكن إخفاء الأمر طويلا عن أهل القرية؟ يحاول هينر ذات مرة، أن يتركها بسبب طبيعة العلاقة التي لن تصبح مقبولة أبدا اجتماعيا ولكن الرغبة تدفعه دائما للعودة إليها. هل هو الحب؟ هل يمكن وصف علاقة لا يوجد فيها سوى الجنس الذي يمارسه الاثنان في أي مكان، في الحظيرة، على الأرض فوق المائدة، بكل خشونة من جانب هينر، يمكن اعتباره علاقة رومانسية كما رأى بعض النقاد الألمان؟! كما أن هينر يميل للعنف والخشونة والفظاظة، ويمارس الجنس معها بطريقة حيوانية تماما.. ولكن ما كان يجذبها فيه سرعان ما يصبح مصدر قلق وربما أيضا رفض. هل يمكن أن تستمر القصة على هذا المنوال؟ أم سينتهي بمأساة؟
يسير الفيلم في سياق التكرار والضغط على الفكرة نفسها، وتأكيد ان ماريا تبحث عن نفسها وعن حقيقة مشاعرها، وأن الفيلم يعكس حيرتها وتخبطها، ولكن من دون أن تتقدم الحبكة الدرامية في أي اتجاه، بل يظل الفيلم يدور حول نفسه، حول تلك الشخصية الغامضة الصامتة الباردة من السطح، الهادرة من الداخل بنيران الرغبة الجنسية المشتعلة.
هناك إشارات لا تضيف الى الحبكة مثل عودة ابن العائلة بعد سنوات طويلة من الغياب منذ أن كان قد تمكن من الفرار للعيش في الغرب. والآن يعود مع أسرته في زيارة مفاجئة مع زوجته وأبنائه، وحوار حول مائدة الطعام لا يثير الاهتمام بقدر ما يتركز اهتمام الفيلم على تسلل ماريا للذهاب للبحث عن هينر ومضاجعته!
إميلي عاطف، تصنع مشاهد جيدة من ناحية التكوين البصري، مع موسيقى توحي بالأجواء المشتعلة وبما يدور تحت السطح من انفعالات ومشاعر، وربما ينجح الفيلم في إثارة اهتمام المشاهدين في البداية مع تلك الشخصية التي تخفي أكثر مما تظهر، لكنه يسقط بعد ذلك، في الرتابة والتكرار والسرد الممل بسبب عدم القدرة على تطوير الحبكة واشباعها بتفاصيل أخرى عن تلك الفترة المحددة. وهي أساسا- مشكلة سيناريو.