مقدمة في شرح عناصر الصورة السينمائية

نظرا لحداثة فن السينما مقارنة بالفنون الأخرى فقد حاول كثير من النقاد والمخرجين تأصيل معنى ومفهوم الصورة السينمائية، هناك مثلا من يرى أن السينما هي خطاب الحكي والمكان، وهناك من يهتم أكثر بالشكل وعناصر ومكونات الصورة.

الصورة في الشعر، هي الأشكال والأفعال والكلمات التي أعيد تنسيقها لإضفاء دفقة شعورية جديدة، تأخذ بيد وخيال القارئ إلى مناطق جديدة لم يدخلها مسبقا، مضيفة متعة نضرة جديدة تستقر في ذاكرته الحسية لفترة طويلة. وكل تلك المقومات ترتبط بشدة، وتعتمد إعتمادا جلّيا، على مهارة الكاتب وإيمانه بما يفعله، وإن فقد عنصرا ما، حينها تقل قيمة وجدية الصورة الشاعرية شيئا فـشيئا إلى أن تختفي جمالياتها ولا تستحق أن يقال عنها صورة شعرية.

الصورة في السينما بها مقومات كثيرة، ولصنعها على أكمل وجه لابد من توليف كل تلك المقومات مع بعضها البعض لتقديم الدفقات الشعورية كما ينبغي. ولأن الصورة في السينما تتحرك وتتكلم وتلمع وتختفي… إلخ ، فإن عملية الإخراج السينمائي تعد من أصعب المهمات البشرية. وإنجاز فيلم متكامل هو أشبه بالمعجزة ولا أبالغ.

الصورة السينمائية تتكوّن – بادئ الأمر- على حسب السياق، فالقصة تفرض التكوينات داخل الصورة، القصة هي السيد.

الألوان

وعند أخذ ذلك بالإعتبار لابد من توليف الألوان حسب التقلبات الدرامية في الفيلم ، فمن المستحيل منطقيا أن تكون الألوان في فترة الركود الدرامي والتعريف بأحداث الفيلم هي نفس الألوان عند الوصول إلى ذروة القصة، فالألوان لها قيمة مادية ومعنوية تضيف أبعادا دراميا للقصة وتعمق تأثيرها أكثر.. و يكون إختيارها بعناية شديدة حتى تؤتي ثمارها في سياقها الدرامي. و لابد من السؤال بإستمرار عن أهمية لون محدد وتفضيله على لون آخر، كما يجب الاهتمام باختيار درجات الألوان وطريقة التدرج بينها. كل هذه الأسئلة لابد أن يجيب عنها المخرج وأن يحل إشكالياتها في ذهنه قبل بدء التصوير.. وإلا فلماذا تم الإستعانة بها، فـليكن الفيلم أبيض فقط أو أسود فقط وهو ما لن نقدر على رؤيته بالأساس، إذا فالإستعانة بسيميائية الألوان وتصاعدها الدرامي بجوار القصة هو شيء ضروري للفيلم.

الإضاءة

بكل سهولة يلاحظ الإنسان العادي أن الشمس تختلف أماكنها طيلة اليوم، ولكنه لم يسأل لم كل تلك الحركة ، هناك سبب.. هناك بداية ونهاية لليوم، إذن عند أخذ ذلك بالإعتبار بالنسبة للإضاءة في السينما فـلابد من سبب لكل شكل من أشكال الإضاءة ، أكانت خافتة، أم متذبذبة، عالية، أو منخفضة… إلخ.

 من فيلم “نوستالجيا” لتاركوفسكي

كل هذه العناصر لابد أن ترتبط بشدة بالخيوط الدرامية في القصة، حيث تختلف الإضاءة في الأفلام الواقعية عنها في الخيالية أو الحربية أو الدراما النفسية وغير ذلك. الإضاءة في الأفلام لابد لها من فعل التكثيف، فالمشاهد لم يدفع ثمن تذكرة السينما لكي يشاهد صورة تشبه في اضاءتها الصورة الطبيعية، بل لابد من سبب ومبرر درامي لكل أشكال الإضاءة في الفيلم، لأنها تحمل جزءا من الثقل الدرامي.

ليشاهد القاريء أفلام برجمان ويستوعب جمالياتها خصوصا في المشاهد التي تدور في أماكن طبيعية وفي سياق أحداث طبيعية شكلا، فسيجد أنها تختلف كثيرا مع القصة بتقلباتها، فهنا الإضاءة هي التي تكشف أمام المشاهد عما هو ضروري في الفيلم. هب أنني أرى مشهدا عن الحب. لابد من إظهار الحب عبر الإضاءة حول الممثلين والمحيط الجميل الذي يحتويهم، لكنني لا أريد أن أرى بعض التراب المتصاعد على الطريق من خلفهم إن لم يكن لذلك مبرر درامي. وبعض المخرجين لا يجيد توظيف الإضاءة فتأتي برّاقة تظهر مثلا عيوب وجه إمرأة من المفترض أن تكون جميلة في سياق الفيلم، إن رآها المشاهد لن يصدّق حبيبها في الفيلم عندما يخبرها بأنها جميلة الجميلات وتنهار صناعة الوهم بأكملها، ولا يتفاعل المشاهد مع الفيلم، فلابد من مبرر درامي لكل شيء.

الديكور

أبسط الأمثلة على ذلك، الفرق بين منزل فقير وآخر غني.. لابد أن يكون الفرق بين أحداث عادية أو مأساوية، توزيع الأثاث في المكان له دلالات شتّى، هب أنك كـمشاهد ترى إمرأة تبكي ومن خلفها دراجة، ثم نفس المرأة تبكي ومن خلفها صنبور يقطر ماء، أو لوح زجاجي مكسور، أو كرسي قديم مكسور أو رخام.. إلخ ، هنالك فارق كبير جدا بين هذه العناصر. و إن أخفق مخرج في إضافة الإتزان إلى هذه المعادلة فقد فشل في إضفاء الحياة على كل ما هو جامد في الفيلم، و إن لم يكن للسرير في غرفتي التي أنام فيها مبرر فلنتركه في الشارع إذن، حيث يفضل المشاهد العادي أيضا أن ينظر إلى ماهو هام وملفت.

كل تلك العناصر وغيرها، تندرج تحت مفهوم الصورة السينمائية التي ما إن تكتمل في أي فيلم يكون فيلما هاما للمشاهد والهاوي والدارس للسينما.

من ضمن مكونات الصورة أيضا ملامح الممثلين وطريقة أدائهم وأماكن تواجدهم داخل الكادر وطريقة تحركهم داخله، أماكن وضع الكاميرا (زاوية التصوير)، من داخل الكادر ومن خارجه، طريقة الإلقاء وطبقات الصوت المختلفة أثناء الكلام، الموسيقى التصويرية وكيفية توليف كل تلك العناصر معا. ولابد من مبرر لاستخدام أي عنصر بطريقة ما، فـالفيلم الروائي ليس مثل الفيلم التسجيلي، فهو فيلم “كاذب” يجب أن يكون متقن الكذب، حتى إذا شاهده البشر صدقوه!

Visited 176 times, 1 visit(s) today