مقابلة مع إيلي داغر الفائز بالسعفة الذهبية للفيلم القصير

في أولى تجاربي لحضور مهرجان كان في دورته رقم 68، كنت مهتماً بالطبع بأفلام المسابقة الرسمية، وبدأت أستكشف يوماً بعد يوم أقسام المهرجان المختلفة، حتى عثرت على قسم مسابقة الأفلام القصيرة وهي الأفلام التي تقل مدة عرضها عن 15 دقيقة.  علمت حينها أن هذا القسم يضم تسعة أفلام مختلفة من بلدان عدّة. وكانت مفاجأة لي وجود الفيلم اللبناني “موج 98” Waves’98ضمن قائمة الأفلام التسعة في المسابقة للمخرج الشاب إيلي داغر.

إستطعت مشاهدة الفيلم من باب الفضول بعدما وصلتني رسالة من مديرة أعمال المخرج تدعو فيها الصحفيين لإجراء مقابلات مع ذلك المخرج اللبناني الشاب. وكان لي حظ إجراء مقابلة معه قبل ساعات من حفل إعلان الجوائز، والذي أُعلن خلاله فوزه بأرفع وأقيم جائزة يمنحها المهرجان في أقسامه المختلفة، وهي السعفة الذهبية لمسابقة الأفلام القصيرة.

إيلي داغر من مواليد بيروت، عام 1985. حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة عام 2007 تخصص رسوم متحركة ثنائية وثلاثية الأبعاد. ثم حصل على الماجستير من جامعة جولدسميث في لندن عام 2009 في مجال الإعلام الحديث والدراسات الفنية المعاصرة.

“موج 98” أول فيلم قصير لهذا المخرج، وهو إنتاج لبناني قطري مشترك من نوعية أفلام التحريك.  وفي الفيلم أبعاد سياسية واجتماعية، حيث يناقش فيه المخرج من وجهة نظر فلسفية ما آل إليه حال بلده لبنان مع نهايات التسعينيات من القرن الماضي. والفيلم يعتبر من النوع التجريبي الذي قد لا يفهمه كل المشاهدين، حيث يُفضّل أن يكون الشخص قد قرأ عنه قبل مشاهدته.

وواضح في الفيلم أسلوب داغر المتنوع في استخدام تقنية الرسوم المتحركة، وهو يعرض مع الرسوم مشاهد حقيقية للبنان ومقاطع من أخبار تليفزيونية حقيقية، في مزيج يدُل على رتابة الحياة التي عاشتها الأسرة اللبنانية في ذلك الحين، في 1998. ويتعرض الفيلم للفكرة الفلسفية التي مؤدّاها أنه يجب علينا أن نحلم دائماً، فبطل الفيلم الشاب الذي يجلس في غرفته، يرى أباه وأمه يجلسان متباعدين، منفصلين عن بعضهما، على ذات الأريكة، يشاهدان التلفاز فقط الذي يعرض عليهما دائماً الأخبار المأساوية فحسب. وهو يريد الهروب إلى عالم أفضل، فهو رومانسي حالم يعشق الحرية، ومثالي إلى أبعد الحدود. 

وقد رمز إيلي داغر إلى المثالية عن طريق رسم جميل لفيل أصفر يظهر فجأة في سماء بيروت، يلتهم في جوفه الشباب الذي يبحث عن الحرية والجمال. وعلى أنغام موسيقى شاعرية يرى هؤلاء الشباب كل ما هو جميل حولهم، يرقصون ويحبون ويتأملون، داخل هذا الفيل الذي يرمز للمدينة الفاضلة، أو اليوتوبيا.

والفيلم يحرّك لدى المشاهد أحاسيس شتّى، من حيث أننا يجب أن نثابر ولا نتوقف أبداً عن الحلم؛ كما أضفى على المشاهد مفهوماً أعمق للحرية.  لكن يبقى أن الفيلم يحمل نظرة تشاؤمية تتمثل في أن الوضع في لبنان والبلدان العربية عموماً سوف يستمر في مسار الذل والإنكسار.

والآن إلى نص الحوار الذي أجريته مع إيلي داغر قبل ساعات قليلة من إعلان فوزه:

**  لاحظت ظهور ملصق لشخصية “غريندايزر” في خلفية أحد مشاهد الفيلم. هل يشير هذا إلى تأثرك بسينما الرسوم اليابانية؟

* مغامرات “غريندايزر” هي من نوعية أفلام الخيال العلمي التي تعيش شخصياتها في عالم من نوع مختلف، فهم أبطال خارقون تدور مغامراتهم في إطار الهروب من الطبيعة المألوفة.

**  ما هور دور صانع فيلم الرسوم المتحركة كفنان مبدع؟

* الإجابة على ذلك تتوقف على من يتم توجيه السؤال إليه. ولكني شخصياً أجد أن دور صانع الفيلم هو التساؤل عن الأشياء، ثم وضع تلك الأشياء في المنظور الجيد. نعم، هذا هو الدور المهم لصانع الفيلم، طرح تساؤلاته عن الأشياء.

** في فيلمك إستخدمت مشاهد حيّة من بيروت، فماذا كان غرضك من مزج تلك المشاهد بالرسوم المتحركة؟

* أردت تقريب الإحساس بالواقع بالنسبة للجانب القاسي لتلك المدينة، ولكن مع شئ من المبالغة في الوقت نفسه وذلك باستخدام تلك المشاهد كعناصر تكميلية. ولهذا الغرض أخذت تلك العناصر الواقعية واللقطات المصورة بالفيديو وأضفتها للفيلم.

** مشهد الفيل فوق المدينة، هل كان يمثّل في رأيك، نوعاً من الرمز للمدينة الفاضلة (أو اليوتوبيا)؟

*  نعم .. هذا العالم الآخر الذي ظهر بالفيلم هو أيضاً جزء من المدينة.. إنه ليس قادماً من مكان آخر بل هو جزء مقيم فيها. نعم، هو نوع من اليوتوبيا، ولكنها يوتوبيا من النوع الذي تخلقه أنت بنفسك عندما تعيش في مكان غالي وثمين ولكنه أيضاً هشّ في الوقت نفسه.

**  ماذا كان شعورك عندما تم اختيار فيلمك ضمن مسابقة الأفلام القصيرة بالمهرجان، وهل سبق لك عمل أفلام قبله؟

* كنت متأثرأً بالفعل. أما عن الفيلم فهو أول عمل لي بعد تخرجي من الجامعة. لقد نفذت أفلاماً قصيرة في إطار دراستي الجامعية، ولكن ليس كمثل هذه النوعية.

** ما الذي ألهمك فكرة عمل هذا الفيلم؟

* الإلهام أتى مباشرةً من بيروت ومن نشأتي في بيروت، ومن علاقتي بالمدينة نفسها وبأهلها.

المخرج إيلي داغر مع شريف حمدي في كان

** كيف ترى دور فن الرسوم المتحركة في قصّ روايات من الشرق الأوسط؟

* هناك أشياء كثيرة تقال في هذا المقام. والمسألة لا تتقيد بمنطقة الشرق الأوسط وحدها، فالرسوم المتحركة في حد ذاتها هي، بوجه عام، وسيلة غاية في القوة في قص الأقاصيص التي قد لا تستطيع تقديمها في أفلام الحركة الحية، كما هو الحال في هذا الفيلم بالنظر لكل عناصره الجادة وعوالمه المختلفة. والحقيقة أنه ليس لدينا إنتاج كثير من فن الرسوم المتحركة أو التحريك بالشرق الأوسط، وأعتقد أنه من المفيد تطوير ذلك الأمر.

** هل تعتقد أن المشاهد العربي مستعد لقبول هذه النوعية الفلسفية من الرسوم المتحركة مقارنةً بالمشاهد الغربي؟

  • نعم، ولم لا.  لقد سمعت من البعض أنه قد يكون صعباً إلى حد ما فهم كل شيء بالفيلم؛ ولكني أشعر أن به جوا أو مزاجا خاصا ذا صبغة عالمية يمكن للجميع الإقتران بها.

** هل تريد الإستمرار في إخراج الأفلام القصيرة أم أنك تنوي تنفيذ أفلام طويلة أيضاً؟

  • الأمر يتوقف على القصة التي سوف أحكيها. فأنا سأنظر للقصة أولاً ثم أنظر إلى الشكل الأنسب لتقديمها، ثم أتحرك من هذا المنطلق.

** وما رأيك في أعمال المخرج الياباني هاياو مايازاكي.. هل شاهدت أفلامه؟

  • نعم شاهدت بعضاً من أفلامه.  ولكن مصدر إلهامي يأتي أكثره من مشاهدتي لأفلام الحركة الحيّة (أفلام الأكشن) وليس كثيراً من أفلام التحريك.

**وما رأيك في فلسفة أفلام شركة پيكسار Pixar من حيث أنها تقدم قصصاً جيدة يستطيع أن يفهمها الأطفال، كما يستوعبها الكبار أيضاً.  فهل تظن أن پيكسار تؤدي بذلك عملاً جيداً؟

*  نعم بالتأكيد.. ولكن لا محل لمقارنة فيلمي بأفلام پيكسار أو مايازاكي، فالأمر هنا مختلف. فمن منظور فن الرسوم المتحركة المعروف، أرى أنه لا يصح توصيف فيلمي به من المنظور الفني البحت. على سبيل المثال، من حيث ديناميكية الحركة كما في الأفلام اليابانية، أو من حيث بريق الصورة ووضوحها كما في أفلام پيكسار. ولذلك فهناك فرق سواء من ناحية جمهور المشاهدين أو من حيث نوعية الفيلم (genre)الذي أقدمه.

** هل تخطط للإستمرار على نفس هذا النهج؟ أعني نفس نوعية هذا الفيلم؛ أم أنك يمكن تقديم قصص بالأسلوب الخطّي المعهود للجمهور العادي؟

* هذا يعتمد في الحقيقة على القصة. ولكني دائماً أميل إلى تفكيك الأشياء وإعادة التعامل معها بطريقة مختلفة عندما أقدم المواضيع.

Visited 65 times, 1 visit(s) today