محاولات صفاء الليثي في كتابة السيناريو ومشروع لم يتحقق وآخر لم يكتمل

لقطة من فيلم "امرأة غير متزوجة" لقطة من فيلم "امرأة غير متزوجة"
Print Friendly, PDF & Email

عام 1993 تقاربت مع الزميلة عرب لطفي وكنت في طريقي للانفصال عمليا وحياتيا عن المونتير الكبير أحمد متولي، والد أولادي مهاب وطارق ومريم.

حدث الطلاق واخترنا أن أبقى في البيت مع الأولاد لرعايتهم بينما يقوم هو بالإنفاق. كان أحمد متولي رجلا كريما ولم نختلف أبدا حول الأمور المادية. وسط الأزمة النفسية في التفكير في الانفصال كنت بدأت الكتابة، نوع من الفضفضة بها قدر كبير من الذاتية، ومع الفضفضة فكرت في حكاية تصلح كرواية، أخبرت عرب لطفي عن نيتي في كتابة عمل أدبي، قالت أنت سينمائية لم لا تكتبينها سيناريو لفيلم، نعم لم لا؟

 بدأت الكتابة عن شخصية طبيبة تذهب إلى التكليف في الوحدة الصحية في بلدة من قرى الدلتا، عشت طفولتي في بلدة قويسنا، وكنت ذهبت مع أختي الأكبر الطبيبة إلى وحدة صحية في قرية اسمها الفرعونية مركز القناطر الخيرية وبقيت معها وقتا غير قصير، كتبت عن طبيبة أسميتها سناء مزجت شخصيتها بيني وبين وفاء، كتبت عشرين مشهدا تدور في القاهرة قبل سفرها إلى الفرعونية.

كنت علمت أن نجيب محفوظ يحدد ساعات محددة للكتابة كل يوم، اتخذته مثلا أعلى، يبدأ يومي مع الفجر أعد الأولاد للمدرسة، إفطار وسندوتشات ومراجعة الحقائب، أوصلهم إلى أتوبيس المدرسة أصعد وأتنفس الصعداء، أقوم ببعض المهام المنزلية، ثم أجلس للكتابة.

بين مشاهد الكتابة كنت أتحرك في الصالة بحركات راقصة أو أدندن مع نفسي أغنيات كنت أحبها، كانت حالة أعيشها مع نفسي لمدة ثلاث ساعات ثم أعود إلى المطبخ لأكمل تحضير طعام الغذاء، كنت أطبخ وأنا سعيدة وحتى البرتقالات كنت أقشرها وأزيح عنها الألياف لتكون جاهزة لكي يلتهمها الأولاد حال عودتهم. أسميت العمل – بالعشرين مشهدا الأولى- عادت إلى قواعدها، (سأعرف أن هناك فيلما مصريا قديما بهذا العنوان وكانت تربيتنا العسكرية تجعلني أفكر في صلابة ونجاح من يخوض تجربة ثم يعود الى قواعده سالما) في ذهني أن د. سناء ستمضي عام التكليف وقد خرجت من علاقة زواج غير موفقة، تتعرف على صديقات جدد وتشارك في خدمة عامة بحب وتعود إلى قواعدها في العاصمة وقد اغتسلت من التجربة وتغيرت.

لا أعرف تماما سبب توقفي بعد المشاهد العشرين لمدة ثلاثة سنوات قبل أن أعود لأستأنف الكتابة فيما يخص مشاهد البلدة، الوحدة الصحية والفلاحين ثم العودة إلى القاهرة. هل كان بسبب شهادات الأبناء؟ ابتدائية وإعدادية، أم بسبب تباعدي عن الصديقة التي كنت أكتب لها السيناريو لتقوم بإخراجه، الصديقة عرب لطفي؟ كانت خلافات بعيدة عن الكتابة في وجهات نظر عامة، الشاهد أنني عدت للكتابة عام 1997 وأنهيت السيناريو كاملا وغيرت الاسم إلى ” بكره دايما أحلى” وأنهيته بأغنية – كلماتها ركيكة أو بسيطة- تقول: سناء ونسمة/ نوال أو فريدة/ دي كل ست حلوة / تسير في المسيرة/ دي أمك وأختك / أو بنتك الحيلة/ تسير في المسيرة/ ما توه في المدينة/ تعرف طريقها/ وما تخافش عليها.. لا لا لا ” لحنتها وغنيتها لصديقتي سهام عبد السلام التي أعجبتها كما أعجبها السيناريو وتمنت أن تشاهده فيلما على الشاشة.

هذا العام 1997 شهد نشاطا لي في الكتابة، مع تقفيل السيناريو، كتبت يوميات قرأت بعضها على صديقة كنت تعرفت عليها حديثا هي المترجمة والفنانة التشكيلية راوية صادق، كنت أعطيتها أوراق بخط اليد كوسيلة للتعارف فقالت لي، القصص.. أي قصص؟

هل هذه قصص، قالت بالطبع وسأعرفك على صنع الله ابراهيم ليخبرك عن رأيه، دبرت لنا موعدا. الكاتب الكبير ساق لي عددا من الملاحظات ولكنه اتفق مع الناقد فاروق عبد القادر في سؤال: “هي الحاجات دي حصلت لك”؟ صعقت.. هل هكذا يتعامل الرجال مع ما تكتبه النساء، لا يهم المستوى، المهم التفتيش فيما خلف الكتابة، هلى هي تجارب مررت بها فعلا؟

 السؤال جعلني أضع الكتابات في الدرج كما لو كانت كارثة تنذر بفضيحة. حمدا لله لم أضع السيناريو في الدرج، فلست طبيبة، وكل ما يدور عن آخرين رجال ونساء. كنت تعرفت في مشروع أسماه سيد سعيد، تعليم حقوق الإنسان عن طريق الفنون، مع جمعية أهلية يرأسها أخوه محمد السيد سعيد ومحمد البهي على مجموعة شباب من الفنانين منهم سعد هنداوي وأحمد رشوان، راوية صادق وعايدة خليل، كنت شاهدت الأفلام القصيرة لسعد هنداوي، “زيارة في الخريف”، و” ليلة الأحد العادي” وأعجبت بها كثيرا، قدمت له السيناريو قرأه وناقشني وانتهى إلى أنني من الأفضل أن أخرجه أنا.

قال: ” فيه بُنا، بقصد بناء، وتفاصيل حلوة بس انت اللي لازم تخرجيه، الحوار حلو قوي”. سهام عبد السلام وكانت ناقدة دارسة وعاشقة للسينما، سألتني أيضا لماذا لا تخرجيه أنت؟ كيف؟ من سيعطي فرصة لسيدة تكتب لنفسها وتخرج أيضا، لا لا موضوع كبير.

بعد ذلك عرضت السيناريو على هالة خليل، لا أذكر ردها، يبدو أنه كان دبلوماسيا مجاملا، ثم هالة لطفي التي سخرت مني ومن سذاجتي وخاصة من الأغنيات التي كتبتها مع شريط الصوت.

قدمته لأفلام مصر العالمية لماريان خوري وعدت بعد شهر أخبرتني أن لديهم خطة لعدة سنوات وأنني سأنتظر كثيرا، قلت ممكن آخذ النسخة، طلبتها من مساعدة لها فعادت بالنسخة وبداخلها أوراق بالفرنسية، أخرجتها من داخل الملف وهي تنظر للمساعدة نظرة نارية، واسترديت نسختي. أحببت أن أصدق أن الأوراق بالفرنسية نوع من شرح المشروع وأنه تم قراءته، لم أعرف الحقيقة.

حسين القلا

لا أذكر تماما متى أخذت موعدا مع حسين القلا وكان متواجدا بمكتب بوسط البلد، فقرأ السيناريو وهو في رحلة طويلة بالطائرة وأنهاه في ثلاث ساعات وعندما عاد ناقشني : “كل شوية تدخلي شخصيلات جديدة” وهو يعطش الجيم، أخد يقرأ أمامي الملخص بصوت عالي، ( وسط الحركة الطلابية في جامعات مصر في السبعينيات تتخرج سناء من كلية الطب، تعيش مشاكلها وتواجه اختياراتها بشجاعة، تكلف بالعمل في وحدة ريفية بوسط الدلتا، وهناك تتعايش بحب مع كل الناس، تبذل جهدها، وتواجه تحديات عامة وخاصة دون أن تفقد هويتها، والأمل يملأها بأن الغد سيكون أفضل، وأن ” بكرة دايما أحلى” ) منفعلا وهو يخبط على ورق الملخص، سناء تتخرج، سناء تعيش، سناء تكلف، أين سناء في السيناريو؟ شفت أكسيدانتال هيرو، بطل بالصدفة تعرفي تعمليه بالمصري؟

أخذت أوراقي وقد شعرت بغبطة، على الأقل هذا شخص قرأ وناقش حتى لو كانت إجابته بالرفض. حسين القلا كان بلا مستشاره سمير فريد، على الأرجح لم يعد في نيته إنتاج نوعية من الأفلام غير مضمونة النجاح، يريد نوعية “بطل بالصدفة” أو ما شابه. وقد أدهشني انفعاله بسبب جملة حوار “خلاص احنا بعنا القضية” وهي دعابة يرددها المصريون دون أن يقصدوا قضية معينة، هو كفلسطيني أخذها على قضيته، وكانت أيضا ملاحظة لرقيب المصنفات الذي كتب تعليقا وكأنه يخطب “نحن لم نبع القضية” طالبا حذف الجملة من العمل.

كنت تعرفت أيضا على مخرج بالتلفزيون هو عبد الحميد الشاذلي زوج لزميلة أقدم بالمونتاج، ألفت التابعي، أدخل السيناريو إلى لجنة قراءة بقطاع الإنتاج وقد قرأوه جيدا بسرعة وكتبوا تقريرا احترمته لدقته، وأيضا اختتم التقرير بالرفض “نأسف للرفض”.

وهنا جانب من تقرير قطاع الإنتاج عن ” بكرة دايما أحلى” (… والعمل في مجمله أظهر سلبيات الفترة بشكل مبالغ فيه دون النظر إلى أية إيجابيات والتي من أهكها على الإطلاق نصر أكتوبر والي تجاوزه العمل زمنيا دون الإشارة أو التلميح كما سبق أن أشرنا وهذا يقلل من مصداقية نقل الأحداث وتناولها بوجهة نظر موضوعية. وعليه وبناء لما سبق نأسف للرفض). بتوقيع طارق عبد الحميد، بهية عمر، نجاة حمدي وحمدية صقر.

كنت غيرت اسم السيناريو ليصبح ” بكره دايما أحلى” بطلتاه سناء ونسمة، سناء طبيبة من جيل الحركة الطلابية الاشتراكيين، نسمة طبيبة أصغر ميولها إسلامية، تتعرفان في الوحدة الصحية تسافر سناء للمرة الأخيرة من الفرعونية بينما تبدأ نسمة عملها في بلدتها. كنت من جيل يرفض سياسات السادات، وقد تجاهلت نصر أكتوبر وما تلاه من صلح مع اسرائيل، في التقرير التلفزيوني سؤال: “أين نصر أكتوبر العظيم؟ ” مرة أخرى أحب أن أقنع نفسي أن الرفض جاء لسبب سياسي وليس لضعف في الكتابة، أحببت أن أصدق صديقتي سهام والكاتب سعد القرش وهما من أشادا بالكتابة وتمنيا أن يشاهدا المكتوب فيلما على الشاشة. على الأقل لقد حاولت.

 فاتني أن أذكر أن المخرج الكبير داوود عبد السيد حين عرضت عليه أن يقرأ السيناريو، طلب المعالجة فقط وبعدما قرأها قال إن هذا يصلح كمسلسل تلفزيوني، تضايقت جدا لمعرفتي باحتقاره المسلسلات واعتبرت رأيه نوعا من التعالي وحكما مسبقا علي، ولكنني أدركت خطأي حين قرأ المخرج محمود سليمان – بعد سنوات – السيناريو الكامل وقال إنه يمكن أن يتحول إلى مسلسل مهم. لفترة لمعت الفكرة في رأسي، المساحة الزمنية في السيناريو تتناول عشرين عاما من عمر الوطن والشخصيات، والإنتاج الدرامي هو القادر على ذلك، نعم ولكن هذا يحتاج تفرغ. أين لي به.

محمد ملص

أيضا من الذين عرضته عليهم قراءته المخرج السوري محمد ملص في فترة تواجده بمصر كاقتراح من سيد سعيد، أخذ يقرأ أمامي، يفر عدة صفحات ويقرأ ثم يقطع بيده جزءا ويقرأ ثم قال أن هذا نوع يسمى بالواقعية الاشتراكية وهو منهج فني لم يعد مناسبا للعصر، لا أتذكر نص كلامه ولكن تقريبا هذا ما قاله.

قرأ العمل أيضا المخرج زميل الدفعة محمد شعبان وكنت أقوم بمونتاج فيلمه التسحيلي “أشواق وذكريات” قرأ بعناية وكتب لي تقريرا بخط يده، وكذلك المخرج أحمد رشوان، والمخرج الكبير توفيق صالح وكنت أستشيره في كيفية الحصول على منحة إنتاج من الخارج، قال ليس هذا نوع الموضوعات التي يدعمونها.

وقبل كل هؤلاء كنت التقيت صدفة بالسيناريست عاصم توفيق صاحب سيناريو فيلم “عودة مواطن” لمحمد خان، قرأ ونصحني بعرضه على مخرج شاب، كان معجبا بمشهد أصف فيه فرحة قروية بولادة طفلها الذكر حتى أنها زغردت لنفسها وهي على سرير الولادة.

كثيرون قرأوا السيناريو وحين عبرت عن خوفي من أن يتم سرقته قال لي مش هيطلع زي مانت كاتباه، وكذا كان رأي توفيق صالح الذي كان يسرح وكأنه يتذكر سرقات حدثت لأفكاره ولم تحرج كما تخيلها. مخرج من جيل وسط وجدت في فيلمه تفصيلة أخرى كنت ذكرتها ولكن صديقتي سهام قالت إنها حكاية متكررة ويمكن أن تكون وردت على باله دون أخذها منك.

“سناء ونسمة” اعتبرته في فترة مشروع حياتي ومع ذلك كففت عن التفكير فيه لا في محاولة البحث عن منتج ولا في تحويله إلى مسلسل. مشروع لم يتحقق، لا بأس، أتصور أن هناك آلاف غيري كانت لديهم مشروعات لم تتحقق، بعضها كان من الممكن أن يكون جيدا أو ممتازا ولكن هكذا الحياة لا تعطي دائما من يستحقون. أصف طريقتي هذه في التفكير بالبارانويا الدفاعي، نوع ذاتي من العلاج النفسي. 

داود عبد السيد

أحيانا أفكر فيما غناه الشيخ إمام: “أنا راجل فيلسوف، أفكاري بالألوف، كان ممكن أبقى حاجة لكن بس الظروف ” البيت كان أخي الفنان فخري الليثي يردده بسخرية، وهو واحد ممن عرفتهم ولم يحقق أحلامه رغم بدايته كفنان كبير، رسام بالزيت في لوحات فريدة، ومصمم أغلفة لا تغيب صورتها عن بالي.

قلت إنني كتبت أيضا نصوصا قصيرة منفصلة متصلة، جمعتها في مجموعة كنت أسميتها امرأة وحيدة، اختار لها الكاتب أحمد غريب عنوان ” مونولوج” وكان يقرأ في هيئة الكتاب لسلسلة الكتاب الأول، تمت الموافقة على المجموعة وكانت ستصدر في هذه السلسلة بعدها بعام ” 1998 ” ولكنها تعطلت لسبب ما، سألني أحمد غريب ضاحكا عبر التواصل الاجتماعي- فيسبوك- فهو هاجر إلى كندا، متى يتحول المونولوج إلى ديالوج؟ نشرت بعد نصوص منها في الثقافة الجديدة وحواء، كما نشرت قصصا أخرى في ملحق أهرام الجمعة ومواقع للكتابة. الكتابة عندي مزاجية، تأتي الغزالة وتروح حتى في الكتابة النقدية عن الأفلام، كما أني أحكم على نفسي بأنها ليست كلها على نفس المستوى، بعضها مميز وبعضها عادي وبعضها يقترب من الكتابة الصحفية، ما أصبح يهمني أن أتواصل مع الناس في ديالوج متفاعل.

السيناريو الثاني كتبت له معالجة فقط ولم أكمله كسيناريو كامل فقد تعلمت من تجربتي الأولى ضرورة البحث عن متحمس للإخراج بداية من قصة سينمائية ومعالجة وأن يتم التطوير بعد الحماس على القصة وطريقة سردها. كتبت ” مادام تحب بتنكر ليه” منطلقة من تأثري بمشهد كان يتكرر كثيرا في مقدمة برنامج نادي السينما الذي كان يعده الراحل العزيز يوسف شريف رزق الله، المشهد لسيدة تحمل لوحة زيتية كبيرة والهواء يطير ملابسها وشعرها وهي تتشبث باللوحة خوفا من أن تطير.

 لا أذكر الفيلم الأجنبي ولكن هذا المشهد سيكون مشهدا فائقا في قصتي السينمائية عن نشوى الفنانة التي ترسم في حالة غنائية وهي تستمع بنشوة لأغنيات المطرب كاظم الساهر الذي ظهر فجأة وتحول إلى مطرب جماهيري كصرعة مدوية مع (سلامتك من الآه وكلك على بعضك حلو…. وزيديني عشقا). كنت سأضع خطا تسجيليا للمطرب ذاته وسط التعبير عن حالة الهوس به من نشوى ومن جارها الطيب وقد وحدتهما الحالة الرومانسية على خلفية أغنيات المطرب. تدور الأحداث في منزل نشوى حيث يجري عمل نجار أسميته جمال ليحول الشرفة إلى حجرة لابن البطلة وهو مهووس أيضا بالمطرب. اتصلت بمدير التصوير الفنان محسن أحمد، كنت تابعت أخبارا عن إخراجه لفيديو كليب للمطرب وكان يستعد للإخراج، قدمت له المعالجة، طلب مني أن أعد ملفا لكل شخصية أشرح فيها خصائصها، وقد ساعدني طلبه هذا في تكوين ملف للفيلم يضم الفكرة والمعالجة ثم ملامح الشخصيات وترشيحات لمن يقومون بالأدوار.

انشغل محسن أحمد بعمله الأساسي مديرا لتصوير الأفلام وأنا توقفت عن الكتابة وفكرت في تحويل قصة ” حافية قمر ” للروائي محمد ناجي إلى مشروع فيلم. الاحتراف ينقصني عن كيفية التعامل مع نص روائي لإعداده كفيلم سينما، وهوسي بالقصة ووصف البلدة التي تدور بها الأحداث جعلني أسيرة لها، لم تكن معالجة مرضية لي أو لمن قرأ من أصدقاء، صداقاتي تتغير كل فترة يدخل في حياتي أشخاص جدد، وقنها كنت اقتربت من الشاعرة أمل فرح، وكان رأيها أن عملي المكتوب مباشرة للسينما” مادام تحب بتنكر ليه” أجمل من خافية قمر و”لازم تكملي السيناريو” المعالجة كما هي منذ كتابتها، نسخة منها لدي سعد هنداوي ولم يقرأها فقط احتفظ بها.

الزمن يتقدم ولم يعد كاظم الساهر مطربا تغرم به الجماهير على تنوعها، والسينمائيون المحترفون لا يجدون منتجا يتحمس لأعمالهم المكتملة، فما بال كاتبة ناشئة مثلي وعملها غير مكتمل، أصبح بداخلي يقين أنني إنما كتبت لمتعتي الشخصية وكفاني شرف المحاولة.

حاشية: سيناريو ” سناء ونسمة ” دخل الرقابة بعنوان ” بكرة دايما أحلى” وحصل على موافقة الرقابة في 21/5/ 1997 مع صفحة من الملاحظات كتبت على ظهره بخط اليد. أما رقابة التلفزيون فكان الرفض يعني عدم الاستعداد لإنتاجه، والموافقة كانت تعني أنهم سينتجونه. وقد حصلت على نسخة من التقرير وهذا أيضا شيء محترم وكانت مكتوبة على آلة الكتابة القديمة بتاريخ 21 / 9 / 1997. موقع من حمدية صقر مستشار النصوص (مرفق صورة التقرير).

العملان ” بكرة دايما أحلى” و”مادام تحب بتنكر ليه” مسجلان في الشهر العقاري بنفس الاسم.

هل ما زال بالعمر بقية لأكمل محاولاتي في تأليف الأفلام، هل سأجد حماسا ووقتا للمسلسل؟ غالبا سأستمر في اجترار الأفكار وتخيلها في الأحلام وبسمة تعلو وجهي عندما أصادف مشهدا في أحد الأفلام كنت فكرت في خيال يشبهه.

ملاحق:

رسالة شكر

الحمد لله وسط هذا الهذيان، نجحت في إنهاء سيناريو فيلم “عادت إلى قواعدها” الذي بدأت التفكير فيه منذ منتصف 1993 وسجلت فكرته في الشهر العقاري يوليو 1994 وتوقفت عن الكتابة ثم عدت مرة ثانية بعد استقالتي من شركة الكومبيوتر في سبتمبر 1996 وكتبت في الاستقالة أنه قد آن الأوان لأعود إلى قواعدي سالمة، كنت أقصد المهنة السينمائية بالطبع. شعرت بفرحة كبيرة بعد انتهاء السيناريو مساء الجمعة 2/5/ 1997، وسعدت بالنهاية التي كانت مشرقة جدا وجميلة. لم أستطع النوم وكان صباح السبت أول امتحان لمريم وطارق بعد أن اطمأننت  على ذهابهم للامتحان، فكرت في أن السيناريو قد تم تنفيذه في فيلم وأنني في ندوة مناقشته، وأخذت أعدد أسماء صديقاتي التي أهدي إليهن العمل( وفاء-نادية عايدة فاطمة فريال ) فنهضت وكتبت على إيقاع مارش معروف، لا أتذكر هل هو نشيد النصر الفرنسي أم نشيد شيوعي روسي، كتبت الكلمات ولحنتها ووجدتها جميلة، الساعة كانت قد بلغت التاسعة ففكرت أن أكلم عايدة خليل صديقتي الرسامةالتي تقول إن صوتي حلو صداقتنا مابقالهاش عدة شهور وأسمعتها النشيد المغنى فقالن إنه جميل في التليفون، وأخذت أثرثر كعادتي وأحكي لها عن السيناريو في التليفون، ثم شعرت بحرج أن أكون قد أطلت فأنهيت المكالمة بطريقة سخيفة، لا أعرف أبدا كيف أنهي مكالماتي، المهم أن الحالة التي وضعتني فيها ألحان هذا المطرب مهما كان مستواه الحقيقي أو حقيقة فنه قد أثمرت معي عملا أنا راضية عنه وأحلم بأن يروق للأستاذ توفيق صالح وألا يططلب تعديلات كثيرة. فمن عيوبي الإيمان بالإحساس الأول وأخاف من التدقيق الذي يضر العمل . 5/5/ 1997 . ( مرفق نسخة خط اليد من نشيدي الساذج).

كنت فكرت في إرسال السيناريو للنجمة ليلى علوي، وعن طريق الصحفية أمينة … أوصلت لها نسخة مع هذا الإهداء. (ليلى علوي، ست الستات الحلوين، لا أرى غيرك في دور سناء زعيمة كل ست حلوة في هذا العمل، د. سناء التي عادت إلى قواعدها رغم ثقتها بأن ” بكرة دايما أحلى”) المؤلفة صفاء الليثي.

أكملت خطابا لها لا أعتقد أنني أرسلته، ووجدت نسخة خط اليد التي أجمعها الأن وأضيفها هنا:

(كان أول فيلم أقوم بعمل المونتاج له فيلم ” الحجر الداير”وحصلت عنه على جائزة أحسن ممثلة في المهرجان القومي، لو تعرفين كم كنت أحبك وأنا أشاهدك على الموفيولا أثناء المونتاج، وكيف تمسكت بالمشهد الواحد الذي يظهر جمال أدائك، والاستغناء عن نفس المشهد بعد التقطيع مما جعل المخرج الكبير محمد راضي يندهش ويقول “دا انت بتاعة مونتاج” فقبل أن أكون مونتيرة أنا متذوقة للفن الجيد والأحاسيس الدافئة هي ما يهمني، وكان أداؤك بارعا حين تندمجين في مشهد مصور من لقطة واحدة تتغير فيه الانفعالات.

عن فيلمي الثاني ” ثلاثة على الطريق” حصلت على جائزة أفضل مونتاج من مهرجان دمشق، تعرفين الصحافة عندنا لم تهتم بالأمر، لأن اسمي ليس معروفا، ولست صديقة لأحد منهم، وهذا هو السيناريو الأول لي بعد كثير من الكتابات الخاصة التي لم أعرضها على أحد، وان كنت الآن أفكر في نشرها. سعادتي لن توصف، لو وجدت في شخصية سناء ما يجذبك إلى أدائها، أثق في ذكائك وموهبتك، كما أثق في حكمك على الأشياء، فلو جاء لغير صالحي سأراجع الأمر وأرى ما يمكن عمله).

لم يصلني رد من ليلى علوي، كانت في قمة نجوميتها ومرت سنوات لا أتذكر عددها ولم تعد نجمة أولى فوصلني عن ططريق أمينة الشريف رسالة شفاهية أنها فقدت النسخة وتريد غيرها لتقرأها، كانت قد كبرت في العمر واكتسبت وزنا ولم تعد مناسبة للدور فلم أرسل لها نسخة أخرى.

إهداءات لنسخ للأقارب والأصدقاء

(أختي وحبيبتي وفاء، بعضا منك وبعضا مني، وكثير من أخريات في سناء التي تعود إلى قواعدها سالمة، مهما طالت الغربة، رغم إيمانها بأن بكرة أحلى من النهاردة” أختك صفاء.

(أخي وحبيبي فخري، النسخة الزيرو من أول كتابة كاملة لي، بفضلك المعلم الأول وما وضعته أمامي من مناخ ثقافي وما شملني من اعتمام ورعاية، علني أكون قد استفدت من هذا التعليم ولو قليلا.) أختك صفاء.

(الفنان كاظم الساهر، بدأت كتابة هذا العمل سنة 1993 ولم أتمه الا في ابريل 1997 والفضل لك، فقك كانت أغانيك زادي وملهمي للكتابة.. تحياتي لك ولزملائك الشعراء، كريم العراقي، عزيز الرسام وأرجو أن تجدو في مصر وطنا آخر، كما أرجو أن يجمعني العمل بكم. ) كنت تعرفت على الشاعر كريم العراقي وطلبت منه كتابة أشعار لتكون في الفيلم مع شخصية الشاعر العراقي.

أما توفيق صالح وقد جمعتني به صداقة التلميذ بأستاذه بعدما أجريت معه حوارا للنشر، كتبت له:

(الأستاذ والرائد توفيق صالح، شرفتني بقراءة نسخة خط اليد حتى مشهد 40، وأعجبك مشهد واحد الزرعة إذا أعجبك في المشاهد الباقية مشهدين آخرين، يصبح هناك أمل، وهأغني مع سناء ” بكرة دايما أحلى”.

في السبعينيات مع بداية حبي للسينما استمتعت وتعلمت من الثلاثية الرائعة، صراع الأبطال، المتمردون، والمخدوعون، أحلم بثلاثية على قدي، أولها هذا العمل، ويليه ” مدام تحب بتنكر ليه” وآخرها ” حلم يقظة” مع حلم التابة أبحث عن أسطورتي الذاتية لعلي أجدها. أستاذي أشكرك على الهتمام بكل الأجيال) صفاء 12/5/ 1997، جرى تليفون بيننا بعد أربعة أيام وبخني فيه وأحبطني فقررت أن أرسله إلى الرقابة مع قرار بالتوقف عما اعتبرته تطفلا على الآخرين ” لا تراجع ولا استسلام”.

آراء لبعض الأصدقاء ممن قرأوا وناقشوني

رأي الأستاذ عاصم توفيق أكتبه لأنه أخبرني به شفاهة، غضب من تجاوب سناء مع رشيد – شخصية رجعية في البلد فكيف تستجيب نوارتنا – كما قال از عاصم – مع شخص جعلتيني أكرهه وهو يبور الأرض الزراعية ( لم يعش ا. عاصم ليرى مصر كلها وقد بارت واختفت الزراعة والخضار ). كما ذكر عدم وجود سبب قوي لطلاق محمود وسناء. وعدم وجود مبرر لاحتمال تفكير سناء في رشيد، الاسم غير مستحب له، ططول مشهد تنظيم الأسرة. كانت هذه ملاحظاته في المقابل وصف الكتابة، احترام القلم، رسم الشخصيات بشكل إنساني، كتابة راقية ومشاهد حب جميلة، وصف المشاهد يشكل يعكس دراسة كتابة السيناريو، وسؤال انت درست كتابة السيناريو فين؟، كتابة غير نسائية بمعنى التحدث عن مشاكل عامة والتعبير الجيد عن الجنسين، رأفته علي من استبعاد وجود منتج يتحمس لهذا العمل الجاد كما وصفه.

أما أحمد رشوان فأغلب ملاحظاته على جمل الحوار بأن كثير منها كلام كبير وثقيل، مثل الظروف احنا اللي بنقهرها، توحد يحدث وهج، نسمة تقول مرسي مع انها قروية، تكلفة عالية لمشهد قصيدة امرؤ القيس، تصوير بألمانيا وفرنسا، تكلفة بلا داع. عموما تركز لبه في تبسيط الحوار ودفاعي كان أنها عامية مثقفين في حوار يناسب كل شخصية، أما مشهد قصيدة امرؤ القيس قكان تصور أن محمود الهرب من الاعتقال يتنقل في البلد مع شعور بالغربة ويمكن تنفيذه على خلفية دون تكلفة عالية. كما ساق ملاحظات حول أرقام المشاهد بالطبع من وجهة نظر مخرج يفكر في التنفيذ. وهي ملاحظات قمت بتنفيذها في نسخة معدلة خلاف للنسخة الأولى المختومة صفحة صفحة من الرقابة.

سعد هنداوي بدأ حديثه بالإيجابيات فقال موضوع جميل، الحوار رائع، التفاصيل ظريفة، الكتابة مبنية، أما اعتراضه فكان على شخصية البطلة التي وجدها تقترب من الكمال وهذا يجعله غير قادر على التواصل معها، كما يرى نزعة نسوية في العمل، جو الريف الذي لا يفضله.. واعتذر عن قبول إخراجه حيث لم يحب الشخصية ويرى أنني أقدر من يخرج هذا العمل، علقت مبتسمة “مش في نيتي والله”، كان اللقاء في بيتي بالهرم بعد أن ظلت النسخة معه شهر كامل وبعد رفضه عرضتها على اخرين ليس بفرض أن يخرجوه ولكن لتبادل الآراء. (المسودة لهذه اللقاءات كتبت في 16/6/ 1997).

لدي نسخ بخط اليد للمخرج محمد شعبان، والمخرج أحمد رشوان، والصديقة الناقدة والمترجمة سهام عبد السلام. ملاحظات شعبان مهمة جدا ولكن لن يفهمها قاريء لم يقرأ السيناريو، بدأها بأي قواعد تقصدين، المباديء، القاهرة، أم الزوج عصام، وأتصور أن الإجابة تصل من المشاهدة، أنهى ملاحظاته القيمة جدا : (عموما هو موضوع جميل وناعم وحميم، وممكن أن يصبح أكثر إشراقا لو تعبتي عليه شوية)  سهام عرضتني في بعض المعلومات التفصيلة في عمل الوحدة بصفتها طبيبة وخاصة ما يخص تفاصيل ” الدخلة البلدي” مرفق صور من خط اليد للأصدقاء ممن قرأوا وتعبوا بكتابة ملاحظات أسوقها لأدلل على جدية العلاقة بيننا كسينمائيين وبعضنا البعض، وأستخلص من هذا أننا بالمثابرة يمكننا أن ننطلق من أعمال مكتوبة بشكل جيد قابل للمنافسة لو وُجد منتجا يقرأ بنفسه دون استعانة بمستشارين غير متخصصين.

وللذكريات بقية.

Visited 282 times, 1 visit(s) today