كمال رمزي يكتب عن “الماء والخضرة والوجه الحسن”
والوجه الحسن، هنا، ينقصه شىء ما.. صحيح، كل ملمح فى هذا الفيلم، يتمتع برونق خاص.. لكن من قال إن مجرد تجميع العيون الواسعة، الفم الصغير، الشفاة الوردية، الخدود ذات الغمازات، تجعل الوجه جميلا؟
يبدأ أحدث أفلام مخرجنا النابه المغامر، يسرى نصر الله، فى قلب ساحة بمدينة ريفية، نساء يقمن بإعداد الطعام لحفل كبير. العمل يجرى بنشاط دافق، البهجة تعم المكان. كاميرا سمير بهزان اللماحة ترصد ما يدور أمامها فى لقطات متنوعة، عامة، متوسطة، قريبة.. لكن المشكلة أن هذا المشهد، بحيويته، هو الذى يسيطر على المخرج ومصوره، لا يريد مغادرة الشاشة، يستغرق أكثر من ربع الساعة، لا يقدم جديدا، اللهم إلا إشارة لابنى الطباخ الماهر المختلفين فى الطباع: رفعت «باسم سمرة»، الملتزم الجاد، نقى السريرة، المتسامح.. وجلال «أحمد داود»، المندفع، الرقيق، العابث، صاحب الابتسامة العذبة.. نراه يتلمس أصابع امرأة فالتة العيار، تستجيب له، بحماس.
بعد تسكع طويل، من تخريط البصل إلى حشو ورق العنب إلى تقطيع اللحم، يظهر كبير العائلة، يحيى «علاء زينهم»، العاشق لمهنته، ليشرف، بجدية قائد عسكرى، على إعداد وليمة سيحضرها كبار السادة، من أجل الثرى، فريد أبورية «محمد فراج»، الذى ينتوى ترشيح نفسه فى انتخابات مجلس النواب.. لا يفوت يسرى نصر الله، تقديم لقطات سريعة، توحى بمدى تفاهة المسئولين، بأناقتهم، نهمهم للطعام، إحباطهم حين يدركوا فساد طعم الكفتة، الملفوفة فى ورق سوليفان، بناء على طلب صاحب الليلة الغشيم، فريد أبورية.
اعتمد بناء الفيل على الثنائيات.. ها هى كريمة «منة شلبى»، المخطوبة لابن عمها «رفعت»، بينما هى تحب شقيقه «جلال».. ولأنها، مثل نساء نصر الله وأستاذه يوسف شاهين، قوية، ذات إرادة من فولاذ، تخطر الطرفين بما فى قلبها، فتكاد تحقق ما تتمناه.. ثمة شادية «ليلى علوى»، العائدة إلى بلدتها، عقب زواج فاشل فى دبى، يترعرع حبها، من جديد، فى قلب «رفعت»، المولع بها، يتقدم لها، يتردد، على استحياء، لأنه يدرك الفارق الثقافى والاجتماعى بينهما.. لكن الحب على الشاشة، لا يعترف بهذه الفوارق، خاصة بعد أن يقبلها.. أيضا، فى نزعة نحو الميلودراما، تتزوج شقيقة «فريد أبورية» عرفيا من شاب يهوى الغناء، زيجة تنتهى بقتلة، بعد بتر عضوه التناسلى، نراه فى لقطة مروعة، غارقا فى دمائه، ملقيا بجوار ترعة.
لفترات طويلة، يختى «فريد أبورية»، الطرف الجوهرى فى الصراع، كما يختفى سبب الصراع المتمثل فى اللوكاندة»، ذات التاريخ الطويل، التى يملكها الطباخ يحيى، رافضا، مساومات الإقطاعى الجديد، المصر على شرائها، كى يحولها إلى مصنع أغذية.. يسرى نصرالله، لسبب مبهم، يحجب عراقتها المدعاة عنا، مكتفيا بإظهارها، فى لقطات سريعة، كمجرد أطلال ومخزن للحلل وأدوات طهى.
الخيط الذهبى فى الفيلم، يتمثل فى شخصية يحيى، الآسرة، متعددة الجوانب، التى تضىىء العمل بظهورها، تصرفاتها، كلماتها.. الطباخ، يقدس عمله، يمارسه كأنه يؤدى صلاة فى معبد، يحكى حكاية جذابة، تلو حكاية مشوقة.. لكن، لسبب غير مفهوم، لم يكترث به نصرالله بالقدر الذى يستحقه، ل يحول ما يسرده إلى صور، بما فى ذلك تحديه للباشا، كذلك لم يلتفت إلى عشقه للحياة، بما فى ذلك النساء، حتى إنه يموت قرير العين، راضيا بقبلة من امرأة، تاركا وصية بديعة، تطلب من أسرته ألا ترتدى ملابس الحداد، وأن توزع زبيحة على المحتاجين، وأن يتناولوا نصيبهم سويا فى المزارع الخضراء.
فى «الماء والخضرة»، المشتت، لحظات تجمع بين الطرافة والجمال، لكنها إجمالا تبتعد عن «الوجه الحسن»