“قصة طوكيو”.. درس في التربية
اشتهر اليابانيون بعاداتهم وثقافتهم، لعل أبرز ما يثير الانتباه هو ذلك الانحناء احتراما لبعضهم البعض، وتشبثهم بمبادئ المؤازرة والاخاء بين أفراد العائلة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل يملك اليابانيون عقلا خارقا؟ أم أن هناك عوامل أخرى لا علاقة لها بالجينات؟
الفن.. نعم يعد الفن من الأسباب الرئيسية في توهج اليابانيين أخلاقيا. لا من حيث الرواية أو الأدب، المسرح أو الرسم والنحت، وتظل أهم وسيلة للتأثير على عقلية الشعوب متمثلة في السينما، إذ بحق لا يمكن التحكم في أهواء الناس، لكن من الممكن جدا توجيه رغباتهم وأهوائهم نحو السياق الذي يريده صاحب القرار
وحتى يتم الأمر ويتحقق الهدف، وجب البحث عن وسائل لتغذية عقل المتلقي بالأفكار التي على أساسها سيختار تحت التأثيرات التي تسمى مدخلات سلوكا متشبعا بالمبادئ التي تم الإعداد لها وفق خطة محكمة من قبل عدة لجان
ياسوجيرو أوزو، مخرج ياباني قد يغيب اسمه عن الكثيرين، لكنه حاضر وبقوة بين عشاق السينما الفكرية، أو سينما المؤلف. هذا المخرج الذي لم تكن تعنيه حبكة الخير والشر، إذ ركز على طرح العلاقات الاجتماعية بكامل تعقيداتها، في إطار درامي فني يكاد يخلو من أي تشويق. لم يكن يهمه تصحيح الأوضاع داخل الفيلم، حيث تكمن أهمية الفن فيما يتركه من بصمة خالدة في ذهن متلقيه، البصمة التي قد تغير حياة الكثيرين، وتقوي علاقاتهم ببعض، تغير الأفكار، وتعزز مكانة الأخلاق داخل المجتمع. أما إذا كان العكس من ذلك فهذا لا يسمى فنا، بل مجرد طرح للكبت في صيغة فنية.
في فيلم الأشهر على الإطلاق، “قصة طوكيو” يصور لنا عائلة يابانية متصدعة، يقرر الأب والأم القيام بزيارة لأبنائهما، إلا أن الأبناء كل في مصيره يبحث عن سبيل لفك وثاق الحاجة. نلاحظ أنهم رغم ترحيبهم بالوالدين، إلا أن ذلك يعد من قبيل إحسان معاملة الضيف بحكم الواجب لا غير.
هل من أب أو أم فكر أو حزر أثناء قراره الإنجاب، أنه سيتعرض للخذلان عندما يبلغ من العمر عتيا؟ هل كان لينجب لو أنه اكتشف المستقبل؟ صحيح أن الأبناء في كل الأحوال يشقون طريقهم بأنفسهم، ووفق مصالحهم الشخصية. ولذلك فالكثير من الآباء والأمهات يتحسرون على مستقبل أبنائهم، ويلوم بعضهم بعضا على سوء التربية، وقلة الاهتمام. لكن الأمر ليس له علاقة بالاهتمام أو التربية، إذ على الوالدين وذلك قبل الإنجاب، إدراك أن الأسرة لا تعني روحا واحدة، كما أنها لا ترتبط بمصير واحد. نعم الأسرة تتطلب مودة ورحمة، هذا أمر لا يشق له غبار، لكن المستقبل يعني كل فرد على حدة.
من خلال هذا الفيلم أوضح أوزو، أن العائلة إذا ما تشتت أفرادها، صعب جدا ترميمها
الرضوخ للأمر الواقع هو السبيل الوحيد لاستمرار العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، أي القبول والموافقة على شخصية كل فرد منها، كيفما كانت طريقة تفكيره فإنه يظل جزءا من العائلة، الهدف من العائلة ليس تأسيس شركة اقتصادية، بل بناء مؤسسة اجتماعية، تقبل الاختلاف في الرأي والعقيدة.
هذا درس في التربية، المراد منه التوقف عن حب الذات بشكل كبير، والتركيز على حب العائلة بشكل أكثر. لأن الحب العائلي قد يمنحك الاستقرار، أما أن تحاول حب أشياء أخرى كالمال أو السعي وراء تحقيق الأهداف في ابتعاد شبه تام عن مصادر الالتزام الروحي، المتمثلة في العائلة، فهذا سيكسر ظهرك دون إمكانية العلاج.
الدرس الثاني؛ أبدا لا تعتقد أنك كأب قد تجد راحتك في غير منزلك.
يقول المثل الايسلندي: العيش فرحا في بيتك أفضل من العيش مغموما في بيت غيرك
ويضيف مثل هندي: كل شيء يشترى ما عدا الأب والأم.