فيلم “الزيرو” لنور الدين الخماري بين الإقتباس و التقليد

Print Friendly, PDF & Email

يختلف الفيلم الأول «النظرة» لنور الدين الخماري عن باقي أفلامه التي تلته. وعلى ما يبدو أن سبب هذا الإختلاف، هو الموضوع. النظرة يتناول موضوع الإستعمار (الماضي). بينما الأفلام الموالية تتناول الواقع (الحاضر). لكن رغم هذا الإختلاف، يبقى القاسم المشترك بين كل أفلامه هو تلك الخاصية النفسية التي من السهل جدا ملاحظتها على بطله في النظرة، وكل شخصياته تقريبا في الأفلام الموالية، و هو الغضب والسخط.. غضب وسخط البطل من الإستعمار في النظرة. و يعبر عن ذلك بالنظرة الغاضبة. ومن هنا جاء العنوان «النظرة». وغضب وسخط معظم الشخصيات في أفلامه الموالية. لكن الغضب في هذه الأفلام يفجر منها الكثير من الكلام البذيء و الساقط.

يحمل فيلمه الثالث عنوانا فرنسيا هو « الزيرو»، و بالعربية الصفر. هذا العنوان، بما يحمله من دلالات كولونيالية ساذجة، إلا أنه كصفة سلبية لا تتطابق مع شخصية البطل، بل العكس، لأنه إستطاع أن ينقد الشابة من مخالب الفساد و الرذيلة.

بمجرد إن إتضح لي مسار قصة الفيلم، و تعرفت على شخصية البطل، حتى تبادر إلى ذهني الفيلم الأمريكي « سائق التاكسي».. نفس التركيبة السيكولوجية لشخصية البطل (الإحباط)، و نفس هدفه (أنقاد فتاة من أياد قدرة تعبث بشرفها).

هناك الفيلم الجزائري « عمر قتلاتو» لمرزاق علواش، هو أيضا إقتبس جانبا من التركيبة السيكولوجية للبطل من فيلم “سائق التاكسي” و هو الإحباط. و قد ذهب علواش بعيدا في الإفتباس من “سائق التاكسي” بحيث وضع في فيلمه نفس الموسيقى التصويرية التي ألفها برنارد هرمان لفيلم “سائق التاكسي”. لكن علواش لم يقع في فخ التقليد. أخد من “سائق التاكسي” الحالة السيكولوجية للبطل، و الموسيقى المعبرة عن تلك الحالة. وأعطى فيلما معبرا عن شخصية جزائرية محبطة و مكبلة برواسب إجتماعية.

عموما إقتباس فكرة من فيلم ما أو عمل ما، ليس عيبا. وحتى مارتن سكورسيزي مخرج «سائق التاكسي» نفسه، إقتبس فكرة فيلمه the departed من أحد الأفلام الكورية. وقد صرح بذلك علنا. لكن المهم أن يعرف المقتبس ما يريده تحديدا. و أن يحقق مصلحته مما يريد إقتباسه.

الفرق بين « عمر قتلاتو» لمرزاق علواش، و« الزيرو» لنور الدين الخماري، أن الأول إقتبس من التركيبة السيكولوجية للبطل ما يتوافق مع بطل فيلمه «عمر قتلاتو» دون أن ينساق وراء الشكليات التي عادة ما تثير جمهور أفلام العنف. و دون أن تغريه مشاهد العنف الواردة في “سائق التاكسي”.والتي وظفها سكورسيزي توظيفا تعبيريا تحمل دلالات رمزية عميقة عن المجتمع الأمريكي و ما يجري فيه من إنحلالات أخلاقية فظيعة، بعد خروج قواته مهزومة من حرب فييتنام.

هذا الإقتباس مكن مرزاق علواش من إنجار فيلم من أهم الأفلام الواقعية في الجزائر. و جاءت موسيقى برنارد هيرمان، معبرة عن نفسية البطل المحبط و المحاصر داخل تعقيداته النفسية و تنشئته الإجتماعية المنغلقة التي تحرمه من تحقيق رغباته. و الأكثر من هذا أن فيلم « عمر قتلاتو» لم يكن فيلم عنف. بل كان هدئا و منسابا في سرده للأحداث.

بخلاف ذلك، كان فيلم “الزيرو” غارقا في التوتر والعنف. ليس عنفا جسديا، و إنما عنفا نفسيا وسلوكيا و لفظيا. و شخصياته كانت كلها تقريبا متوترة و ساخطة و عنيفة، و توزع السباب والشتائم يمينا وشمالا. لا فرق بين هذه الشخصية و نقيضها. البطل، و والده، و بائعة الهوى الوهمية، وعميد الشرطة، وعميده وأصدقاؤه…الخ. ونادرا ما تجد شخصية تتكلم بدون غضب و سخط. هذه التركيبة من الشخصيات، أعطت فيلما منتفخا بالتوتر والغضب والسخط. ومتصدعا بشخصيات غارقة في تشنجها وتوترها، وملوثا بألفاظ الشارع البذيئة والسوقية. دون أن يقوم بتوظيف ذلك السخط والغضب كنتاج لواقع مغربي لا يرضي المخرج حتى يقنعنا بتحليله للواقع المغربي، أو يمتعنا فنيا وجماليا بسخطه وغضبه. بمعنى آخر، لم يقدم الفيلم أي تحليل صحيح للواقع المغربي الذي يولد على ذلك السخط و الغضب.

يأخذ الزيرو و هو شرطي شاب، والده المريض وهو جندي مساعد متقاعد (يشتغل تحت إمرة السلطة) إلى المستشفى و يعرضه على الممرضات للعلاج، و يقابل بغض الطرف واللا مبالاة. إستطاع هذا المشهد إلى حد الآن إقناعي بواقعيته. و كان مثيرا بواقعيته، ولكن سرعان ما إفتقر إلى النضج في السرد و الإخراج السينمائيين، عندما إنفجر مزمجرا ومهددا الجميع بالعنف الجسدي. وعندما تدخلت الطبيبة وهدأت الموقف، بتلبية رغبته. وهدأ روعه و سايرها، و الأكثر من هذا، تكونت بينهما علاقة سرعان ما توطدت. دمر كل ذلك الإحساس الذي تولد لدي من واقعية في بداية المشهد.

ملخص فيلم « الزيرو»، الذي هو في النهاية، محاولة لزرع  سائق سيارة الأجرة الأمريكي، في التربة المغربية. أن شابة تقع في مخالب الفساد والرذيلة، و يأتي البطل ويدخل في صراع مع تلك المخالب الفتاكة، وفي النهاية، ينقد الفتاة. لكن البذرة الأمريكية لم يستطع المخرج مغربتها لتعطي فيلما بهوية مغربية. فالهوية المغربية ليست ذلك الغضب من الواقع، أو الزمجرة والتلفظ بالألفاظ الساقطة التي كانت تنضح بها معظم شخصيات الفيلم، فغياب تحليل الواقع المغربي، يجعل من ذلك مجرد محاولة شكلية مثيرة لإضفاء الواقعية على الفيلم.

كان « الزيرو» من ناحية الفكرة، فيلما مثيرا و مستفزا في رفضه للواقع. لكن لم يستطع تحفيزي لرفض هذا الواقع، فإسقاط شخصيات أمريكية في الواقع المغربي، دون أن يمغربها، أفشله في إقناعي بواقعيته. و حتى البطل لم يأت به من الشارع، بل شرطي من داخل السلطة الأمنية. بما يحمله من مظاهر سلطوية، في أذهان المواطن المغربي العادي، المشاهد المفترض.

Visited 72 times, 1 visit(s) today