“ماذا عن أدولف”: هتلر يفتح المواجهة الأسرية ويكشف المستور

Print Friendly, PDF & Email

أنتجت السينما العالمية أفلاما كثيرة عن الزعيم النازي أدولف هتلر سواء كانت أفلاما تسجيلية أو روائية، ظهرت فيها تلك الشخصية بمعالجات مختلفة كما عالجتها أيضا أفلام أخرى عن الحرب العالمية.

 من السينما الألمانية جاء مؤخرا فيلم جديد عنوانه بالألمانية هو “Der Vorname” وترجمته الحرفية في اللغة العربية “الإسم الأول” أي إسم الشخص وليس اسم العائلة الأكثر استخداما وشيوعا، لكن ترجمة العنوان إلى اللغة العربية كما ظهرت على شريط الفيلم هي “ماذا عن أدولف” وهي الترجمة الأنسب والاكثر ارتباطا بالأحداث.

في حفل عشاء أسري ينظمه الأديب والاستاذ الجامعي ستيفان وزوجته إليزابيث معلمة الأطفال، من بين المدعوين له توماس شقيق إليزابيث الذي لا يملك شهادة لكنه ثري من خلال عمله كسمسار، وصديقته آنا الممثلة بالإضافة إلى رينيه صديق إليزابيث المقرب منذ الطفولة. هذا حفل عشاء يبدو أنه لم يكن الأول الذي يحضره هؤلاء فهم عائلة وأصدقاء منذ الطفولة، وفي هذا العشاء يخبر توماس الجميع أنه وآنا ينتظران مولودا صبيا وأنهما اختارا له إسم “أدولف” لترتسم علامات الدهشة والصدمة والضيق على الوجوه، ويتطور النقاش حول هذا الإسم إلى مواجهات بينهم يتم من خلالها كشف الأسرار الدفينة حول علاقاتهم والرؤية المكبوتة لكل منهم تجاه الآخر.

تتشابه الفكرة الأساسية للفيلم والإطار الذي يسير فيه مع التحفة الإيطالية “غرباء تماما” التي عرضت عام 2016 وحصلت على جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو من مهرجان القاهرة في نفس العام،فالتشابه بين الفيلمين كان في ثلاثة عناصر الأول التيمة فكلاهما عن مجموعة من الأشخاص سواء كانوا عائلة أو أصدقاء يعتقدون أن الصلة بينهم قوية لكن ما يتضح هو العكس وأنهم لا يعرفون بعضهن البعض تماما وكل منهم يخفي أسرارا داخله سواء تخصه أو تتعلق بأحدهم.

التشابه الثاني وحدة المكان فكلا الفيلمين تدور أحداثه في نفس المنزل، مع وجود عدد من المشاهد القليلة في الفيلمين خارج حدود المكان الرئيسي، ونفس الحال في الفيلمين حيث أن ذروة الصراع تصل عندما يجلس الجميع على مائدة الطعام لكن الفارق في تغيير الوجبات ففي الإيطالي كان الهدف الحصول على وقت مستقطع والانتقال إلى حدث فرعي صغير بين ثنائي من السبعة أبطال، أما في الفيلم الألماني فكان الصراع يشتد تصاعديا من وجبة إلى أخرى فالبداية كانت مع تناول المشروبات البسيطة وكانت الحوارات مازلت في البدايات ومع تغيير كل وجبة يزيد الصراع إلى أن يختتم مع وجبة التحلية.

تشابه الفيلمان أيضا في مسألة وجود الدوافع المحركة للحدث والشخصيات المظلومة ، ففي الفيلم الإيطالي كانت إيفا هي من اقترحت الخوض في اللعبة وكان ذلك لعدم ثقتها في زوجها روكو مع أن مع نهاية الفيلم نكتشف أن روكو – الذى رفض اللعبة – صحيح هو مثلهم يخفى أسرار داخله لكن فى الحقيقة يعد أكثرهم تصالح مع نفسه، أما في الفيلم الألماني فإن توماس هو المحرك للأحداث بهدف المزاح مع الجميع طبقا لشخصيته الساخرة المحبة للتسلية خصوصا من زوج شقيقته المثقف المزيف –على حد تعبير توماس – وصديقه رينيه الذي يراه توماس شاذ جنسيا وبمرور الأحداث تظهر الشخصية المظلومة المقهورة وهي إليزابيث التي تعاني مع زوجها ستيفان ولم تتمتع بنفس تدليل شقيقها ولا بموهبة زوجته لتأتي صدمتها في صديق العمر رينيه الذى أخفى عليها علاقته الغرامية.

بشكل عام الفيلم الإيطالي أفضل وأكثر تماسكا على مستوى السيناريو من خلال الاختلاف الموجود بين الحياة الواقعية والأخرى الإفتراضية التي يعيش فيها الفرد من خلال جهاز الهاتف المحمول الذي أصبح مثل الصندوق الأسود بالأسرار المخفية داخله من خلاله ظاهريا نعقد اننا اكثر قربا لكن فى الحقيقة انه يبعدنا شيئا فشيئا عن انفسنا و عن علاقاتنا الاجتماعية مع الأخرين، وأيضا فكرة ربط أحداث الفيلم بظاهرة خسوف القمر التي تعتبر تجسيد للعلاقات الإنسانية يوجد بها جانب مظلم و فى لحظة ما يزداد الظلام و يبقى السؤال هل هم أصدقاء أو غرباء.

أما الفيلم الألماني فقد كان الجزء الأضعف فيه بعد أن أخبرهم توماس باسم الطفل “أدولف” برغم كوميديته الا أنه كان أقرب الى مناقشة جدلية بين يساري مثقف ورأسمالي شعبوي. الميزة الوحيدة فيه أنه كان كمدخل تمهيدي من بعده زادت وتيرة الأحداث والمواجهات بين الشخصيات الخمس، البداية ستيفان وتوماس، ثم توماس مع آنا، ثم ستيفان وآنا، ثم إليزابيث وستيفان، ثم أخيرا مواجهة إليزابيث وستيفان مع رينيه ليؤكد المخرج سونكي ورتمان ومن قبله الإيطالي باولو جينوفيزأن العلاقات الإنسانية ليست سوية وهو أمر طبيعي لأن النفس البشرية ليست كاملة وهو ما يجعل هناك خيطا ضعيفا بين الحياة العادية التى نرتدي فيها الأقنعة والحياة الإفتراضية التى نبحث عنها وهو ما ينتج عنه مشاعر متناقضة منقوصة واحيانا كاذبة و يجعل الحياة الاجتماعية على المحك أو على وشك الإنهيار وتصبح أصعب اللحظات لحظة التعري.

اعتمد المخرجان على أمرين أثناء التنفيذ: الأول المونتاج السريع “اللاهث” لإظهار وتيرة الأحداث من خلال حوارات قصيرة سريعة استخدم فيها التنقل والتقطيع السريع، والثاني الإفراط في استخدام حركة الكاميرا الدائرية خصوصا في مشاهد مائدة الطعام التي نفذت لقطة واحدة، وتشابه الفيلمان أيضا في النهاية المفتوحة ففي الفيلم الإيطالي اكتشفنا بعد ساعة ونصف ان لم يكن هناك لعبة أصلا أما في الفيلم الألماني كانت النهاية مباشرة فبعد أن تعرية الجميع أمام بعضهم يتقابلوا بعد ثلاثة أشهر أثناء ولادة الطفل كأن كل شئ لم يكن لتستمر الحياة رغم الشقوق والتصدعات التي تركتها المواجهة بسبب إسم أدولف لتكون النهاية بجملة (هكذا تسير الحياة وعلينا أن نتمسك بمن نحب حتى لو تسبب أحيانا بخيبة أمل).

Visited 35 times, 1 visit(s) today