“الغوليم” أو “المخلوق”: تحفة السينما الألمانية الصامتة

المخلوق المرعب في لقطة من الفيلم المخلوق المرعب في لقطة من الفيلم
Print Friendly, PDF & Email

قبل يوم من الافتتاح الرسمي للدورة الـ75 من مهرجان فينيسيا السينمائي (2018)، نظم المهرجان عرضا احتفاليا نادرا، مصحوبا بالموسيقى الحية، للفيلم الألماني الكلاسيكي الصامت “الغوليم: كيف جاء إلى العالم” The Golem: How He Came into the World الذي أخرجه وقام ببطولته الألماني بول فيغنر، كحدث استثنائي من الأحداث التي يحتفل بها عشاق السينما حول العالم، ويمكن أيضا ترجمة كلمة “الغوليم” إلى “المخلوق”.

والفيلم أحد الأفلام التي أنتجت في زمن جمهورية فايمار في ألمانيا، فقد أنتج وعرض عام 1920، وكان أحد أبرز الأفلام التي ظهرت ضمن المدرسة التعبيرية السينمائية، أما التعبيرية فهي الحركة التي ظهرت في أوائل القرن العشرين في ألمانيا، في الفن التشكيلي والمسرح والسينما والتصوير، وكان فنانو التعبيرية يقدمون “صورة مشوهة بطريقة فنية للواقع” وليس نقل أو نسخ الواقع مبتعدين عن فكرة الإيحاء بالواقعية، فالهدف هوالتعبير عن الأحاسيس عبر الصور.

وكان يُعتقد أن هذا الفيلم قد أصبح من الأفلام المفقودة، ولكن تم إعداد نسخة عام 2012 من الفيلم القديم، أما النسخة الجديدة، فهي أرقى وأكثر النسخ اكتمالا واعتمدت على نسخ من النيغاتيف تم العثور عليها في التسعينات كانت قد صدرت للخارج، وأهمها النيغاتيف الذي عثر عليه في أميركا، ويعتقد أيضا أنه مطابق للنسخة الألمانية، لكن بعض اللقطات فيها تعرضت للحذف.

أما النيغاتيف الثاني فقد عثر عليه مؤخرا في سينماتيك بروكسل (بلجيكا)، وقد أمكن في النهاية الحصول على نسخة رقمية عالية الجودة (4 ك) هي التي عرضت في مهرجان فينيسيا السينمائي الـ75، كما تم تنظيف النسخة واستبعاد بعض التأثيرات البصرية الحادة التي لم تعد مناسبة للعرض الحديث.

وقد صاحب العرض عزف موسيقي حي للموسيقى الأصلية التي كانت تصاحب الفيلم في دور العرض الألمانية، بعد أن تمكن الموسيقار الألباني أدمير شوكوراتي من إعادة توليفها وتنسيقها لكي تحدث نفس ما كان لها من تأثير أصلي.

وأصبح العرض بالتالي متعة لا يسهل تكرارها، فقد نجح أفراد الفرقة  الخمسة في متابعة مناظر الفيلم عبر شاشات الكومبيوتر وكانوا يستخدمون الطبول والآلات، بالإضافة إلى الكيبورد لتوليد الموسيقى التعبيرية الهائلة التي أصبح العرض من دونها لا معنى له.

الفيلم يلعب على فكرة “اضطهاد اليهود” من قبل المسيحيين، ويقوم الحاخام بالتالي بخلق كائن يمتلك قوة خاصة أسطورية من الطين هو “الغوليم”

وتدور أحداث الفيلم في مدينة براغ في القرن السادس عشر، ويبدأ بالحاخام اليهودي “لويو” داخل الغيتو، وهو يستطلع النجوم فيدرك أن هناك كارثة ستحل باليهود جميعا، وأن الإمبراطور الروماني قد أصدر فرمانا بضرورة مغادرة اليهود المدينة قبل نهاية الشهر وإلاّ أبادهم بسبب غضبه عليهم لسخريتهم من الأعياد المسيحية المقدسة.

وهو ما يعني أن الفيلم يلعب على فكرة “اضطهاد اليهود” من قبل المسيحيين، ويقوم الحاخام بالتالي بخلق كائن يمتلك قوة خاصة أسطورية من الطين هو “الغوليم”، وهي كلمة تكتسب معنى دينيا في الأدبيات اليهودية للمخلوق الخارق الذي يستمد قوة الشر من الشيطان نفسه.

ويصبح الغوليم ذلك الكائن المدمر، هو الذي يسخره الحاخام-الساحر لإنقاذ اليهود من الفناء بقوته، وعندما يستعرض الحاخام أمام الإمبراطور قدرة الغوليم ويكاد يسقط سقف القصر الإمبراطوري فوق رأس الإمبراطور وحاشيته، يطلب الإمبراطور من الحاخام أن يوجه الغوليم حتى يتوقف متعهدا بالعفو عن اليهود.

وهناك قصص أخرى فرعية تجري داخل الغيتو، تدور حول الحب والغيرة والانتقام، ولا شك أن هناك الكثير من التشابه بين فكرة الفيلم وفكرة رواية فرانكنشتاين، لكن الغوليم يسبق في السينما ظهور الأفلام عن رواية ماري شيللي الشهيرة.

ويصنف فيلم “الغوليم” من أفلام الرعب، لكن أهميته الحقيقية أنه من أوائل الأفلام التي أظهرت القدرة الخاصة للصور والديكورات التعبيرية كالتجاويف والكهوف ذات الأسقف المقوسة، والجدران التي تنعكس عليها الظلال المخيفة والأبراج المدببة.

ويلعب الفيلم أيضا شأنه في ذلك شأن فرانكنشتاين على فكرة تمرد المخلوق “الشرير” على خالقه، ثم فكرة البراءة أمام الشر، ويجعل الطفلة الصغيرة البريئة التي يحملها الغوليم هي التي تقضي عليه بعد أن خرج من عقاله واتجه لتدمير صانعه وأبناء جلدته بسبب اكتسابه مشاعر إنسانية ترتبط بالشهوة الجنسية.

لا شك أن العرض على إحدى كبرى الشاشات في العالم في مسرح دارسينا والذي حضره نحو 1800 متفرج، تجربة ممتعة بفضل تضافر الموسيقى الحية مع الصور الصامتة، إنه احتفاء كبير بالفن في إحدى قلاع الفن التي ترتبط بأعظم بينالي للفنون في العالم، أي بينالي فينيسيا الدولي.

Visited 144 times, 1 visit(s) today