“تأمل النجوم” .. الهروب والتحرر من عبودية الرأسمالية

Print Friendly, PDF & Email

محمد كمال– مصر

تمتد جذور العلاقة بين دولتي موريشوس والهند إلى عام 1730 عندما جاء الهنود مع الاستعمار الفرنسي أولا ثم البريطالني، وذلك قبل بداية العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الدولتين عام 1948 بعد عام من وجود أول جمعية تأسيسية لموريشيوس في 1948 وحتى قبل الاستقلال الرسمي لمويشيوس الذي حصلت عليه عام 1968، وتعد هذه النقطة تحديدا الهاجس الأساسي للمخرج الموريشيوسي ديفيد كوستانتين خاصة في أحدث أفلامه ” Simin Zetwal” أو ” Gazing at Stars ” وبالعربية “تامل النجوم”.

شارك الفيلم في المسابقة الرسمية للدورة 12 لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية حصل على جائزتين في ختام المهرجان الأولى جائزة أفضل إسهام فني وحصل عليها المخرج والثانية جائزة “الفيبرسي”،  والفيلم من تأليف كوستانتين نفسه في تجربته الثانية على مستوى الأفلام الروائية الطويلة ويشارك في بطولته إيدن بوجيلو وجيروم بول والممثلة ذات الأصول الهندية شارون جاه روسيتي، وسبق للفيلم الحصول على جائزة المونتاج خلال مشاركته في مهرجان قرطاج السينمائي.

يمثل الهندوس أكثر من نصف سكان دولة موريشيوس وفق تقديرات عام 2011 ووفق الاحصائيات في الأعوام الأخيرة فقد وصلت نسبة تعداد سكان موريشيوس من ذوي الأصول الهندية إلى نسبة تقترب من ال 65 %، لهذا فأن العلاقات بين دولتي موريشيوس والهند لم تكن سياسية فقط بل تعود إلى ما هو أبعد فهي ديمغرافية اجتماعية ثقافية ودينية.

لم تحمل التجربة الروائية الطويلة الأولى لديفيد كوستانتين القدر الكافي من التركيز على نقطة العلاقات الموريشيوسية الهندية لكن أيضا كان بها بعض من التلاقي والتماس فقد دار الفيلم حول قضية إغلاق مصنع للسكر وتلك المهنة هي التي اشتهر بها الهنود منذ بداية حضورهم إلى موريشيوس.

لكن كوستانتين تطرق للمسألة في فيلمه بشكل عام حول تأثير ذلك على جميع السكان المحلين، لكن في فيلمه الجديد يبلور تلك الفكرة بشكل أعمق وبصورة أدق ليقدم مزج بين النقطتين معا الأولى المتعلقة بموريشيوس والهند والثانية المرتبطة تأثير التوجه الرأسمالي الذي يسحق الطبقة العاملة في موريشيوس.

تسير بداية أحداث الفيلم بشكل متوازي حول شخصيتين الأول روني أو رونالدو شاب من موريشيوس الذي يعمل في تنظيف حمامات السباحة لطبقة الأثرياء من الأجانب وعليه العمل طوال الوقت وعدم الحصول على لحظة للاسترخاء أو التحديق حتى، ومن جهة أخرى يحاول روني العمل خلال الاستثمار لكن بمفهومه الجديد الذي يعتمد على الحصول على الأموال من الآخرين ثم البدء في تنفيذ الأمر دون تحديد هوية حقيقية له، ذلك العمل الذي يبدو في ظاهره استثمار لكن في الباطن يجعل المرء مستدين دائما وفي حالة هرب من الجميع الذي يطالبون بإعادة أموالهم، وهنا يظهر أن روني ما هو إلا شاب يعتبر حبيس بين التوجهين الرأسماليين.

الشخصية الثانية هي أجيا ذات الأصول الهندية التي تخضع هي الأخرى لعبودية رأس المال من خلال العمل لدى رب عمل يستحوذ على هويتها هي وزملائها حتى يجبرهن على العمل معه طوال الوقت وتضطر أجيا للخضوع حتى تحصل على أموال من أجل رعاية ابنها ووالدتها والأهم البقاء آمنة في موريشيوس لهذا فهي حتى ترفض التضامن مع زميلاتها المظلومات لدرجة تجعل أحداهن تصفها بالجبن.

تفصل مسافة قليلة بين منزل روني ومقر عمل أنجيا وهو ما ركز عليه المخرج في المشاهد الأولى حتى يبرز فكرته بشكل أساسي برغم وجود جانب عدائي في العلاقات بين السكان الأصليين مع الهنود والتي تأثرت بفعل تدني الأوضاع الاقتصادية في موريشيوس وشعور عدد من الموريشيسيين أن الهنود يحتلون بلدهم ويحصلون على الفتات من فرص العمل لهذا اختار المخرج فكرة التجاور المكاني بين روني وأنجيا ليقول أن قطار الرأسمالية لا يفرق أثناء الدهس بين الموريشيوسي والهندي فالجميع خاضعين لنوع جديد من العبودية.

تظل الهجرة هي الحلم الرئيسي لدى روني الذي يعمل من أجله للهروب من واقع متدني في موريشيوس على حد وصفه، لأن روني يمتلك صراع مستتر خفي لا يفصح عنه الفيلم بشكل مباشر وهو المتعلق بوجود مشاعر متضاربة تجاه الهنود فمن ناحية والدته المتوفية من أصل هندي ومن الجهة الأخرى لديه نفس الشعور المسيطر على أبناء بلده في فكرة المنافسة مع الهنود في العمل.

ومن جهة أخرى لديه صراع معلن مع والده بولوم الذي يرفض بيع أرض والدة روني التي تشترك في ملكيتها مع شقيقها والذي هو من المستثمرين الجدد ويرغب في استغلال تلك الأرض لتنفيذ مشروع جديد بينما يقف الأب بولوم حائل أمام تنفيذ رغبات الخال وأيضا الابن روني الذي يريد الحصول على الأموال من أجل الهجرة إلى كندا.

يختفي الأب بولوم في الوقت الذي تسرق فيه أنجيا حقيبة رب العمل للحصول على بطاقة الهوية الخاصة بها وتختبئ داخل سيارة روني في الوقت الذي يتجه روني للبحث عن والده المفقود ومن هنا يخوض الثنائي روني وأنجيا رحلتهما معا.

وهنا يتحول الفيلم إلى نوعية أفلام الطريق في رحلة بدايتها كان التلاقي بين شخصيتين تحملا نفس مشاعر الغضب من العبودية لكنهما مختلفين في التوجه نحو المستقبل لهذا بدأت الرحلة في تلاقي عالمين ثم تحولت إلى كشف الذات بالنسبة لأنجيا والبحث عن التحرر بالنسبة لروني، لأن وجود انجيا في رحلة روني جعله يرى فيها المعادل الإيجابي لمشاعره المتضاربة لأنها ذكرته بوالدته وهذا ما أكد عليه الأب في نهاية الأحداث.

نجحت أنجيا في تغيير وجهة نظر روني قليلا تجاه الهنود في بلده وخاصة تجاه مسألة رغبة والده في حرق رفات والدته وفق التقاليد الدينية الهندية وهو ما كان يرفضه روني دائما، وبشكل عام ارتكز الفيلم على فكرة التحديق في النجوم لدى ريشي وهو حكيم مستنير هندي يقال أنه ألف كتاب الفيدا أو التراتيل الخاصة بها أصبح هو مصدر التأمل بالنسبة للهندوس خاصة حول ما يتعلق بالحقيقة الأسمى والمعرفة الأبدية.

Visited 1 times, 1 visit(s) today