“الهامور”.. حكاية رمزية عن صناعة تجرّب في مساحات مختلفة

Print Friendly, PDF & Email

بالرغم من إنتاج العديد من الأفلام السعودية في الفترة الأخيرة التي شهدت صحوة فنية سينمائية كبيرة بالتوازي مع الاهتمام الملفت لترسيخ السينما والفنون بشكل عام، جاء فيلم “الهامور” الذي كان أول الأفلام السعودية الذي يعرض في صالات العرض المصرية وعدد من دور العرض العربية، مختلفاً عن أغلب تلك الإنتاجات كفيلم حركة جماهيري مكلف إنتاجيًا ولا يعتمد على قصص داخلية تضيق نطاق جمهورها ويبدو خطوة كبيرة نحو إنتاجات ضخمة تحتاج شكلا مختلفا تمامًا من الاحترافية والتنفيذ.

فيلم “الهامور ح ع” من إنتاج “بوليفارد استوديو”، وبطولة نجوم السعودية الجدد: فهد القحطاني، خالد يسلم، إسماعيل الحسن، علي الشريف، فاطمة البنوي، خيرية أبو لبن، وتأليف هاني كعدور، ويمثل باكورة التجربة الإخراجية للمخرج عبد الإله القرشي.

صاغ حكاية فيلم “الهامور ح.ع” عمر باهبري وهاني كعدور الذي شارك من قبل في كتابة الفيلم السعودي الكوميدي “شمس المعارف” مع الأخوين قدس، وهو عمل غني بالكوميديا، لكنه يعدّ فيلم شخصية بامتياز يستند على الشخصيات في حكايته، شخصيات قوية ترسم مصائرها بنفسها.

وبالرغم من أنه فيلم روائي إلا أنه استمد أحداثه من قصة حقيقية وقعت فصولها بالفعل قبل عشرين عامًا، بالتحديد في عام 2003، مع حارس أمن يُدعى “حمد” يتمكن من جمع ثروة ضخمة عن طريق النصب والاحتيال وإيهام الناس بتوظيف أموالهم، فأصبح ذا شأن كبير، ولكن سرعان ما تنقلب الأحداث بشكل سريع يحقق للفيلم الكثير من الأحداث والإثارة.

قبل فيلم “الهامور” خرج عدد من الأعمال السينمائية القصيرة تحمل الاسم ذاته على أفلامها، فهي تبدو تسمية مغرية في منطقة الخليج، بالرغم من أن الكلمة غير متعارف عليها خارج الخليج كما في الداخل.

تطلق كلمة الهامور” على السمكة العملاقة التي تتمتع بشعبية كبيرة لمحبي تناول الأسماك، نظرًا لما تتمتع به من مذاق رائق وملمس مغري على الاستجابة لتجربتها حتى لغير المحبين لتناول الأسماك، لذلك كانت تسمية الهامور تستخدم مجازًا لأحد الألقاب التي أطلقها الكثيرون على أصحاب الأموال الطائلة في منطقة الخليج، وأصبحت “الهوامير” تعبيرا ضمنيا عن التجار الكبار أو رجال الأعمال الذين يمتلكون سلطة تكاد تكون مطلقة، وفي أحيان كثيرة، كتعبير خفي عن التحايل والخداع والسرقة.

قبل سنوات بعيدة، تابع الشعب السعودي شخصيةً استثنائيةً اسمها “هامور سوا”، غيّرت ملامح الاستثمار الطبيعي في الداخل، واستطاعت أن تجني أرباحًا بالتحايل على آلاف من السعوديين بادعاء حصول الجمهور على “بطاقات سوا” التي باتت سخرية عند الشخص السعودي، تماماً كما كان “أحمد الريان” حديث المصريين الذين نصب عليهم.

في الفيلم يظهر بعض الشباب لا يحملهم على الحركة سوى مغامرات غير محسوبة، متهور يرغب في المقامرة والإثارة التي يمكنها أن تُحدث أي تغيير في حياتهم غير المتعبة أو الرتيبة نوعًا ما، ولا يشغلهم سوى تراكم المال دون جهد، وسرعان ما تجد خيالاتهم ذاتها في مغامرة اللعب مع (هامور سوا) الذي يقدم شخصيته “فهد القحطاني”.

يعتمد الفيلم على حكاية القصة بالطريقة الأسهل، عن طريق تعليق صوتي خارجي على الأحداث، فنستمع إلى قصة الثراء السريع غير الشريف لأحد الرجال إلى جانب سعيه الدائم والمستمر إلى التحايل والحصول على المال مهما كان الثمن لمضاعفته مرة بعد أخرى، وهي قصة لا تبدو سعوديةً تماماً كما لا تبدو مستوردة من الخارج.

اعتمد صانعو الفيلم فيها على قصة يمكنها أن تتلامس مع الداخل السعودي الذي اختبرها على أرض الواقع مؤخرًا أكثر من مرة، كما يمكن تأويلها عموماً في قصة مثيرة فيها الكثير من الحركة التي تجذب المشاهد العابر الذي يطلب المتعة.

تكمن النقطة الأقوى في الفيلم في تنفيذه فعلًا كفيلم حركة (أكشن) معتمد على تصوير شديد الجودة والإتقان، يؤكده مونتاج حاد وسريع ومناسب تمامًا لسرد القصة التي تعتمد بشكل أساسي على الصورة المبهرة، يظهر فيه مجهود كبير للخروج بشكل لا يقل تمامًا عن فيلم “الأكشن” العالمي المتعارف عليه.

يتضمن الفيلم بطولات نسائية متعددة وهو أمر يحسب له، إذ يقدم عددا من الشخصيات النسائية غير الثانوية التي تعتمد عليهن الأحداث مع تميز في الحضور، خصوصًا فيما يخص دور فاطمة الذي قدمته (خيرية أبو لبن).    

بدا الانشغال الزائد ظاهريًا بالصورة السينمائية قد جاء على حساب الموضوع، بعد أن أوقع السيناريو في هوة تعدد الخيوط الدرامية للفيلم، إذ يحاول فتح مسارات لقصص متفرقة للأبطال (سليمان، أو أبو عزة، أو حتى حامد) الذين لم تظهر شخصياتهم بشكلٍ جيد، ويحاول تتبعهم دون أن يمهد لحركاتهم دراميًا بمبررات ذكية.

أيضًا يخلق حبكة يصعب تصديقها نسبيًا فينتج الفيلم بناءً ساذجا نوعًا ما، تنتج أحيانًا وتفقد السيطرة أحيانًا أخرى، بينما تبدو نقطة القوة الكبيرة في الصورة الجيدة التي يعتمد عليها الفيلم.

قبل أن نصل إلى منتصف الفيلم كتشف بوضوح أننا أمام قصة شبيهة كثيرا بقصة فيلم “ذئب وول ستريت“The Wolf of Wall Street  للمخرج مارتن سكورسيزي، الذي يروي قصةً مشابهةً بنفس شريط الصوت الذي يعتمد على راوٍ خارجي لشاب راكم ثروته الكبيرة بناءً على التحايل والنصب على الجمهور بحجة مساعدتهم، بينما يبدو الاختلاف في طريقة سرد القصة والخبرة في تنفيذ مشاهد الحركة، والإمكانيات الإنتاجية أيضا.

ولعل ما يمثّل اختلافا جوهريا بين الفيلمين أن “الهامور” لا يتطور دراميًا، بل يستمر بوتيرة متوقعة في أغلب أحداثه، إلى لحظة معينة يقفز فيها بشكل غير منطقي لإغلاق الفيلم سريعًا قبل النهاية.

كل ما يمكن أن يدين السينما عمومًا والصناع تحديدًا في أماكن كثيرة يمكن أن يُحسب كنقطة قوة لدى الصناعة السينمائية السعودية الناشئة التي تضع قدمها حديثًا في تجارب عدة كي تقف على مناطق قوتها وتستغلها فيما بعد. فيلم “الهامور” يحكي عن سمكة عملاقة مثل الصناعة العملاقة، هذه المرة ليست خطرة لكنها تنبئ بخطوات واعدة.  

في النهاية يستحق الفيلم تحية على الجرأة والتجريب في منطقة مختلفة غير معتادة في السينما السعودية، ليس لأنها تحتاج إلى تكلفة كبيرة فقط بل ولأنها أيضًا غامرت في مساحة غير مألوفة، وتحملت متاعب التجربة الأولى التي يمكن أن تستخدم فيما بعد للتعلم والخبرة التي قد تنتج شيئاً أفضل.   

Visited 4 times, 1 visit(s) today