النقد الموضوعي: هل هو مهمة مستحيلة؟

Print Friendly, PDF & Email

 منذ فجر السينما عندما قام الأخوان لوميير بإعداد كاميراتهم لأول مرة، كان هناك طوفان من صانعي الأفلام الذين حاولوا، بطرق مختلفة، التقاط “الحقيقة الموضوعية” على شريط سينمائي. وطوال هذه الفترة تقريبًا، ظل النقد السينمائي في صراع مع الصعوبات الكامنة في عملية تحليل الفيلم بموضوعية.

 هل من الممكن (أو حتى مرغوب فيه) أن يكون النقد السينمائي خاليًا من التحيز الشخصي؟ في الواقع، في السبعينيات، عندما كان النقد يتبع النماذج السيميائية والبنيوية التي غالبًا ما يتم تعزيزها بالتحليل النفسي، الماركسي، التاريخي، والفرويدي، تم الكشف عن الافتراضات الخفية حول العرق والطبقة والجنس، واللغة نفسها، كما لم يحدث من قبل. ولم يخفي العديد من منظري السينما، الذين أتوا من تخصصات أخرى – اللغويات وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والفلسفة وعلم النفس- أجنداتهم الأيديولوجية. وهكذا قمنا بتحليل الأفلام من منظور ماركسي وفرويدي ونسائي ومثلي الجنس وأسود. وعلى نحو ما، كان الاهتمام منصبا على النسبية الأخلاقية أكثر من المطلقات الأخلاقية.

ولكن ماذا عن الناقد السينمائي المتواضع الذي يكتب مقاله الأسبوعي ويتظاهر بالموضوعية؟ هل يمكن للناقد ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، مثلي أو يساري، يميني أو برجوازي، أن يقيم الأفلام بنفس الطريقة الموضوعية دون أن يترك هذه الحقائق تلون كتاباته بطريقة ما، ولو دون وعي؟ هل تلعب جنسية الشخص ولغته دورًا؟ هل يمكن للناقد أن يكون موضوعيًا عندما يواجه ما يعتبره محرما في فيلم ما؟ هل إيديولوجية الفيلم مهمة في الحكم عليه مثل جمالياته؟

 صحيح أن معظم النقاد الغربيين تم شراؤهم من قبل استوديوهات هوليوود، سواء شاءوا أم أبوا. لكن هذا لا يعني أنهم مجبرون على الكتابة عن أحدث الأفلام بشكل إيجابي، لكنهم مجبرون على منح هذه الأفلام مساحة أكبر بما يتماشى مع الدعاية التي يلقاها الفيلم في أماكن أخرى.

ومع ذلك، إذا لم يكن من الممكن تحقيق النقد السينمائي الموضوعي، مثل الديمقراطية، فلا ينبغي لهذا أن يثني النقاد عن محاولة تحقيقه. إن أي شيء يقلل من شخصية الناقد المعقدة التي تقف بين الفيلم – ذلك الموضوع الغامض عن الرغبة- والمشاهد المحتمل، يجب بالتأكيد تشجيعه.

على سبيل البداية، إليك بعض الكلمات والعبارات التي يساء استخدامها بشكل متكرر ويجب على القارئ تجاهلها. فلا حاجة للكاتب أن يستخدم ضمير المتكلم المفرد، وهو شيء زائد. على الأقل يجب استخدامه باعتدال. العرض النقدي للفيلم لا يتعلق بالناقد بل بالفيلم. وبدلاً من أن يكتب “لقد ضحكت/ بكيت طول الوقت”، يجب على الناقد، عن طريق الربط الموضوعي، تحليل تأثيرات الفيلم بطريقة أكثر عمومية. على سبيل المثال، إليك مقتطف من مراجعة نقدية حديثة: “لم أكن متأكدًا تمامًا مما إذا كنت قد أحببته أم لا أثناء مشاهدتي له، لأنه كان غير مريح على الرغم من أنه جعلني مفتونًا بدرجة كافية للاستمرار فيه حتى النهاية. إنه حكاية مؤثرة بشكل غريب وفكرت فيها لفترة طويلة بعد أن رأيتها، لكنها كقطعة سينمائية لا تحقق النجاح تمامًا.” هذا المثال باعتباره جزءا من النقد لا ينجح في توصيل فكرته.

“بطيء”

عندما يصف أحد النقاد فيلمًا بأنه “بطيء”، فإنه يُنظر إليه على الفور على أنه تحقير. هل يمكن للمرء أن ينتقد مقطوعة موسيقية بالقول إنها بطيئة؟ الكلمة نفسها لا تحمل أي دلالة سلبية. إنها محايدة مثل “سريع” أو “مسجل بالفيديو” أو “بالأبيض والأسود”، على الرغم من أن هذه المصطلحات، غير المشروطة، يمكن أن تحمل في طياتها أيضًا بعض التحيز. يشير تعبير البطيء عادةً إلى أن الناقد وجد الفيلم مملاً، وهو مصطلح شخصي آخر لا معنى له. فإذا أعلن شخص ما أنه يجد الأوبرا أو شكسبير مملين، فهذا لا يقول شيئًا عن الأوبرا أو شكسبير، بل عن المتحدث نفسه.

“طويل جدا”

مسألة شخصية للغاية. ليس للنقد أي علاقة بمدة الفيلم، بل بكيفية تجربة الناقد لتلك المدة. يمكن للمرء أن يشاهد فيلمًا مدته من 3 إلى 4 ساعات دون أن يبدو طويلًا، بينما يبدو فيلم قصير سيئ مدته 15 دقيقة فيلما لا نهاية له. ولكن الناقد الذي يعتقد أن الفيلم “طويل جدًا”، يكشف مرة أخرى أنه سئم من الأسلوب أو المحتوى وليس من الطول.

“قديم”

يوصف الفيلم بأنه قديم، ليس فقط لأنه لا يحتوي على أي هواتف محمولة أو أجهزة كمبيوتر، ولكن لأن تقاليد الفيلم لم تعد تلك الخاصة بالفترة التي نعيش فيها. لكن ما يسمى بالأفلام العتيقة تنقل لك صورة عن العصر الذي تم إنتاجه فيه أكثر من معظم الأفلام الأخرى. وبطريقة ما، يشبه الأمر استخدام الصفة النسبية “قديم” لوصف فيلم تم إنتاجه عادةً قبل ولادة الناقد. ولكن لماذا تستخدم كلمة “قديم” فقط لوصف الأفلام؟ هل يقول أحد أنه استمع إلى حفلة موسيقية قديمة أو قرأ كتابًا قديمًا أو شاهد مسرحية قديمة؟

تعبير آخر هو: “يغالي في الأهمية” أو “غامض”، وهو ما يعني عمومًا أن الناقد لم يفهم الفيلم.

“أوصي بمشاهدته”

لا ينبغي للنقاد أبدًا أن يوصوا بمشاهدة فيلم ما. كيف يمكن للناقد أن يوصي بفيلم لمجموعة من الغرباء عنه تمامًا؟ هذا يبدو مثل شخص يلتقي بشخص غريب في القطار ويوصيه بالكتاب الذي يقرأه دون أن يعرف أي شيء عن ذوق الشخص الآخر. والمقال النقدي نفسه سيسمح للشخص أن يقرر ما إذا كان سيشاهد الفيلم أم لا.

Visited 5 times, 1 visit(s) today